الأحد, 05-أغسطس-2012
صنعاء نيوز - صنعاءنيوز صنعاءنيوز/علي ربيع - -


محمد الجبلي بشر يمرض ويموت، ليست القصة في أنه مات، القصة في كيفية موته، في كيفية تجلي العري الأخلاقي والإنساني الذي خذله وتركه في مواجهة منفردة ووحيدة مع السرطان، خرج الجبلي ثائراً، ليس تابعاً لحزب ولا مدعوماً من شيخ ولا محروساً بعناية قائد عسكري، خرج ببراءة وكل أحلامه أن يرى وطناً يتسع لحلمه في عيشة كريمة وعدالة اجتماعية.
< تباعاً يرحل المبدعون، لكن لا بواكي لهم، وكان الزميل الصحفي والكاتب والشاعر محمد الجبلي واحداً منهم، رحل بعد معاناة مريرة مع المرض الخبيث الذي افترس جسده النحيل، طيلة عام من المعاناة، تعفن جسده في خيمته بساحة جامعة صنعاء، ومات الضمير الأخلاقي لدى الجميع، قلة من أصدقائه وقفوا إلى جانبه وليس لهم باليد حيلة، لا رفاق الساحات ولا اللجنة التنظيمية إياها، ولا الحكومة، لا أحد، يا محمد الجبلي لا أحد.
< تخرج في الجامعة منذ ثمان سنوات، لم يكن له حظ في وظيفة الدولة، لأنه بلا ذراع قبلي ولا سياسي ولا عائلي، كان ككل الناس والشباب العاطلين يبحث عن بيت وزوجة ووظيفة، يبحث عن كرامة مهدورة وسط ركام متوحش من الأنوات المتضخمة في واقع اجتماعي أهم شهادة فيه هي أن تكون (ابن فلان). ولم يكن الجبلي سوى ابن تهامة البسيطة والرحبة والطيبة، وكلها مؤهلات لا تكفي في ميدان الحياة الذي يتسع فقط لأهل الصولة والجولة من سدنة التخلف الاجتماعي.
< لأشهر يصارع المرض في خيمته، لم تشفق لنحوله كشوفات السفر العلاجي التركية ولا القطرية ولا السعودية ولا اليمنية، وهو عينة صالحة للقياس على كل المبدعين والصحفيين في هذا البلد الذي يقدس حملة الكلاشنكوف ويتبرأ من حملة الأقلام ويتنكر لهم، كانت واحدة من موائد رمضان الفارهة كفيلة بعلاجه، كانت ربع نفقة المشاركة اليمنية في أولومبياد لندن كفيل بعلاجه، كانت حياته تتوسل أحداً لكن لا أحد، مات محمد الجبلي.
< ما الذي يصنعه اتحاد الأدباء غير الممكن الهزيل، وبيانات المناشدة التي حصل الجبلي على واحد منها في أيامه الأخيرة؟ ما الذي تفعله نقابة الصحفيين غير بيانات التنديد لمن تراه على المقاس الخاص بها! ما الذي يمكن أن يفعله الأديب والشاعر المبدع علوان الجيلاني من أجلك يا محمد الجبلي أكثر مما فعل، ناشد واتصل وتوسل، وفي الأخير بكى ألماً، ثم انفجر يلعن كل هذا الواقع الدنيئ الذي يقصي البسطاء والطيبين ولايلتفت لغيرأهل الحظوة.
< وزارة الثقافة منذ متى تسمح لوائحها بعلاج مبدع أو مثقف، وإن سمحت بالفتات فلن يأتي بسهولة مع موانع الصد والمنع التي يتقن تشييدها سدنة الوزراء، وإن أتى يكون المبدع في عداد المفقودين، هل هذا بالضبط ما حصل مع الفنان الأشموري وما سيحصل مع غيره؟ نعم فالقاعدة مطردة، والشذوذ لا حكم له سوى في عهد الوزير الخالد الرويشان، كان يقطر إحساساً لمعاناة كل مبدع وكاتب دون استثناءات حزبية ولا مناطقية ولا شللية.
< هذا البلد يدعوكم أيها المبدعون، أيها الشعراء، أيها الكتاب، جهزوا أكفانكم، هذا البلد لا يملك إلا بيانات النعي، ورحم الله الفقيد وألهم أهله الحزن والحسرة، هذا البلد لا يملك لكم تأميناً صحياً، ولا يملك لكم مستشفيات مجانية، ولا يملك لكم غير أن يشير لكم نحو مراكز قواه المتصارعة لتتقاسمكم وتنزع عنكم حريتكم وإرادتكم لتكونوا سفهاء طيشها، فإذا فرغت منكم أو جاءكم عارض المرض أو الحاجة قلبت لكم ظهر المجن، هذا البلد ملغوم بالموت وبالنكران وبالتفنن في إهراق كرامة الإنسان.
< مات محمد الجبلي وهو يحس بالغربة، وبالقهر المسلط في تهامة، مات وهو يشهد حمى الضنك في الزهرة والقناوص وزبيد وحرض تفتك بالمئات من الأطفال، في الوقت الذي يسمع فيه مآذن رمضان تصدح: تبرعوا لإخوانكم في فلسطين، مات ولم ير مزاداً لرجال المال والأعمال لإنقاذ حياته، لكنه رأى مزادات بالملايين لشراء الأحذية السياسية، مات وابتسامته على شفتيه كأكبر لعنة عرفتها الدنيا، تلك الابتسامة/اللعنة التي أخالها الآن عالقة في وجه هذا الغباء الكبير الذي نسميه مجازاً الجمهورية اليمنية!
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 12-ديسمبر-2024 الساعة: 01:24 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-16015.htm