صنعاء نيوز/عابد المهذري : - على تسوية الملعب من مطبات كثيرة من خلال تعيينات دبلوماسية بمناصب خارجية يكون قرار رفضها بمثابة تمرد على القرارات الرئاسية وعرقلة للمبادرة الخليجية ، فالقدرة على إبعاد أقوى الكبار المتصارعين تبدو صعبة.. وكل حيلة لإقصاء الرؤس الضخمة تقف أمامها تخوفات كثيرة وحسابات مثيرة للخطورة .. قبل شهرين نقلت الأنباء عن طلب الرئيس عبدربه من الملك عبدالله استدعاء صالح ومحسن وحميد وأحمد وصادق ويحيى إلى المملكة وإقناعهم بالبقاء خارج اليمن إسهاماً في تهدئة الأجواء وتنفيذ خارطة التوافق ، لكن الرد السعودي لم يحدث حتى اللحظة ، في حين تجدد الموضوع الشهر الماضي عبر معلومات تتحدث عن اجماع حكومة الوفاق على اخراج المجموعة للإقامة مؤقتاً خارج الحدود .. الترحيل والرحيل ليس جديداً ، إنه أول موضوع أفرزته الأزمة وكانت هناك اتفاقات قبل وبعد توقيع المبادرة الخليجية تقضي بإبعاد وإقصاء صالح وأسرته وعلي محسن وآل الأحمر عن الساحة الوطنية – كمطلب فرضته الأوضاع الناتجة عن الصراع – واللذين يمثلان قطبيه الرئيسيين ، الأطراف الدولية تتفق مع شبه الإجماع المحلي في هذا الشأن .. الحاجة فقط إلى خطوة أولى في حقل الألغام تمهد الطريق إلى نصف الحل للمشكلة اليمنية ، الآن الكرة في ملعب عبدربه ومفتاح المعضلة في يده ، لقد استطاع من خلال القرارات الجريئة الماضية في الجيش فرض قوته وإمضاء قراره بالتغلب على التمرد والرفض وانتزاع اسناد دولي والتزامات داخلية ممن تبقى من الرؤوس الضخمة بالرضوخ لأي قرار والاستعداد التام لتنفيذ أية إقالة أو إقصاء ، هذا الالتزام لامسناه في استجابة عمار صالح لقرار إبعاده من الأمن القومي ومعه القوسي من النجدة والطيب من الأمن المركزي بانسيابية لم يصاحبها ماحدث سابقاً مع محمد صالح وطارق محمد وحافظ معياد .
صار من الممكن الآن اقتحام الألغام وتحطيم كل الحواجز الشائكة بضربة معلم حاسمة يعلنها عبدربه صاعقة وصادقة وفاصلة ..
يستطيع رئيس الجمهورية في هذا الوقت استثمار ملف اعادة تشكيل السلك الدبلوماسي ببسط نفوذه المطلق على مفاصل الدولة مستفيداً من الدعم الخارجي والاقليمي والتأييد الشعبي الداخلي ، وذلك باتخاذ جملة من القرارات غير المجزأة الكفيلة بتحقيق مطلبه من الملك عبدالله وتطبيق ما أجمع عليه وزراء الوفاق وما يوافق عليه الشعب بأكمله ، شريطة أن يشمل الجميع دون انتقاء او استهداف طرف دون آخر ، لو صدرت قرارات جمهورية بتعيين أحمد علي وحميد الأحمر وعلي محسن وصادق الأحمر وطارق ويحيى وحسين وهاشم في مناصب دبلوماسية بسفارات بلادنا في الخارج وأجبروا جميعاً على تنفيذها ولا أظنهم سيرفضون لاعتبارات كثيرة ، معظمهم أو جميعهم يبحث عن مخرج مشرف ونهاية لائقة ، ما يحركهم حالياً ليس سوى المكابرة والعناد ونزعة التحدي وحميّة المواجهة وعدم الاستسلام .
لقد بلغ العداء بينهم حالة لاتقبل المصالحة السريعة وتمضي إلى طريق مسدود يكبر مع الوقت ليوسع المشكلة ويفرض سلبياته وتأثيراته المدمرة على اليمن واليمنيين ، لن يستطيع أي طرف منهما اجتثاث الآخر ، مصيرهما مرتبط بشراكة ثلاثة عقود ماضية ، كما أن انتصار طرف فيهما أو شعوره بالنصر قد يشعل فتيل الأزمة من جديد ويلحق الهزيمة مجدداً بالوطن ، يدرك الطرفان عجزهما عن تحقيق الانتصار ، لكنهما لا يريدان الاعتراف بالحقيقة واقعاً ، كلاهما يستند إلى اعتقادات واهية وأمل ضعيف ومبررات مستهلكة للبقاء في خندق المعركة ، أما داخل نفسياتهما فإنهما يتمنيان الخروج من هذا الحال/ المأزق يعلمان جيداً أن الوضع القائم لايمكن ، بأي حال ، أن يساعدهما على تحقيق طموحاتهما الذاتية أو أهدافهما الافتراضية ، يعتقدان أن أي تنازلات قد يقدمانها ستجعل صورتهما لدى المجتمع ضعيفة ومهزوزة ، يظنان أن إظهار القوة هو المناسب والمطلوب للحفاظ على التماسك حفاظاً على مكاسب حققاها في الماضي يخشيان دمارها لو ظهرا بصورة ضعف .
إنهم جميعاً لم يعد تفكيرهم مشغولاً بالسطو على المستقبل بقدر ماهو منصب على كيفية الخروج الآمن بماء الوجه من هذه الورطة التي يتورطون كل يوم فيها أكثر وأكثر .
بالتأكيد كانوا قبل يناير 2011م يطمعون في مواصلة تاريخ الآباء والأجداد بالاستحواذ على حكم اليمن وكان لهذه التطلعات إسهام في اشعال الثورة ومن ثم تحويلها إلى أزمة .. حميد وعلي محسن والمشترك جعلوها ثورة لكي يتخذوها طريقاً إلى كرسي الحلم وعرش الحكم ، وصالح وأحمد والمؤتمر صيروها أزمة لكي يتمكنوا عبر مساراتها من البقاء في السلطة والرئاسة ، غابت الرؤية السديدة بغياب النوايا النقية وتغييب العقل الرشيد واستغباء الشعب المجيد ، لتكون الحصيلة نصف ثورة و أزمة ، نصف حكومة ودولة ، نصف انتصار لكل طرف وهزيمة كاملة للطرفين ، لتتخذ عجلة الزمن درباً آخر على خارطة التاريخ يسلك طريقاً غير الذي رسموه ومساراً عكس الذي وضعوه ، يقترب منهم في بعض النواحي ويبتعد عنهم بمعظم اتجاهات الرحلة ، يلوِّح لهم التاريخ بتحية الوداع فيما قدرة أقواهم على الركض للتشبت بعجلة القطار لاتسعفه لمصاحبة الركب الماضين لمحطة نهاية المطاف دون اكتراث بمن عز عليه حاله عن احوال جميع هؤلاء القوم .
جيفارا مات ولن يعود أو يتكرر .. النضال في هذا الزمن يبحث فيه المناضلون عن المكاسب المادية ، ليس هناك مناضل يضحي بأمواله مثل جيفارا حتى وإن وجد مناضلون يضحون بأرواحهم .. لا أقصد هنا حميد الأحمر الملياردير المعارض والشيخ المناضل .. مقصدي هو القضية والمبادئ ومايترتب على القضية من أهداف وعلى المبادئ من اخلاقيات .. حين نستعرض حياة مناضلينا اياهم سنجد ثلثي العمر قضوه في بحبوحة ورخاء .. هذا بالنسبة للكبار .. علي عبدالله صالح (70)عاماً .. قضى نصفها رئيساً في القصر وسط ترف وبذخ ورغد فيما قضى نحو (10) سنوات أو أكثر قبلها قائداً عسكرياً كبيراً ينعم بالرخاء .. وما تبقى من سنوات عمره الأولى قد يكون عايش شظف الحياة قبل أن يلحق بجنود المعسكر.. مثله علي محسن الأحمر وبنسبة أقل بدرجة واحدة باعتباره كان الرجل الثاني وليس الأول .. كذلك صادق الأحمر (60) عاماً الابن الأكبر للشيخ الكبير الذي لو قارنا سنوات الثراء والفقر في عمره لوجدناه (صادق) ولد وفي فمه قطعة سكر ناعمة.
أما الصغار من الأولاد المناضلين .. مازالت ملعقة الذهب التي ولدوا وهي في افواههم معلقة بين اسنانهم حتى الآن .. أحمد علي (40) عاماً لم يعش خارج القصر الرئاسي سوى سبع سنوات في منزل قائد لواء تعز والده .. أنقص منه درجتين ابناء عمه يحيى وطارق وتوفيق لاعتبارات وفاة والد الأخير وبقاء والد الاثنين بمعزل عن امتيازات شقيقه الآخر قائد اللواء .. إلا أن سنوات طفولتهما الأولى ومعهم الثالث كانت في اجواء أفضل بكثير بدخول عمهما دار الرئاسة وامساك الوالد الراحل بقيادة قوات الأمن ومعها ولد عمار وعمّ الخير الوفير والنعيم الغزير الأسرة بأكملها والأقارب والأرحام ورجال القبيلة ومن أوساط هذه المظاهر الرغيدة توالد المناضلون الشبان الذين يزعجون حياة البسطاء اليوم ويهددون حياة الفقراء بالفناء.
ينطبق هذا الحال على حميد الأحمر واخوته العشرة ممن تفتحت عيونهم والخير المدرار يحفهم من كل جانب ويحيط بهم من كل الجهات .. يعني عاشوا حياتهم طولاً وعرضاً في هناء ورخاء وبحبوحة لا ينقصها شيء ولاينغصها أحد .. عكسنا تماماً نحن الخمسة والعشرين مليوناً.. من نتصارع يومياً مع الفقر والطفر وضيق الحال .. لذلك كله وغيره .. خلقت حالة انفصام بين المناضلين المترفين والناس العاديين .. الانفصام خلق حالة عكسية افقياً وعمودياً بين هموم ابناء الذوات وقضايا أهل البلد المسحوقين .. بتفصيل أقرب للدقة .. هناك تقاطع جذري بين القضايا التي يناضلون في سبيلها من أجلنا كما يدعون .. إنها ليست هي الهموم والمعاناة التي نعرفها وتعرفنا .. بمقاييسهم هي اشياء مختلفة تماماً عما نشكوه .. صحيح يتحدثون عن الجوع والبطالة وقلة الدخل والمرض وصعوبة الرزق .. لكن هل تذوقوا طعم المرارات الناتجة عن هذه الهموم والقضايا..؟! بالتأكيد لا .. فقط يسمعونها ممن يأتون لطلب المساعدة والعطف والشفقة منهم .. هل لامسوها..؟! بالتأكيد لا.. فقط يرفعونها للمزايدة على الشعب والتظاهر بالاهتمام بهمومه .. هل عايشوها..؟! بالتأكيد لا.. فقط عاشوا معها دقائق معدودة على هامش قراءة شكوى في صحيفة أو مشاهدة برنامج تلفزيوني .. جميع هؤلاء لم يذق غصة عجزه عن شراء العلاج لطفله الذي يئن من الألم .. إذا مرض أطفالهم يحاطون بالرعاية الطبية في أرقى المشافي .. لم يضطر أحدهم لقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام كونه لا يجد أجرة المواصلات إلى منزله أو مدرسته أو مقر عمله .. فمنذ نعومة أظافرهم ولدى كل منهم سيارة وسائق ومرافقون ويركبون كل عام الموديل الجديد .. لم يركبوا باصاً أو حافلة أو يتوقفوا على قارعة الطريق لصعود تاكسي أجرة أو يجربوا التنقل من فرزة إلى فرزة.. ولم تتعطل سيارة أحدهم لنفاد البترول فيرهنون ساعة يد أو كرت المرور عند صاحب المحطة مقابل قيمة خمسة ليترات بنزين إسعاف..!!
لم يشعروا بمذلة العجز عن توفير رسوم الدراسة ، أو مصاريف المدرسة .. يدرسون في الخارج أو في المدارس والجامعات الخاصة ويذهبون للفصل بجيوب منتفخة برزم الدولارات للتفاخر والاستعراض مع بقية الطلاب .. لم يحدث أن قام أي منهم ببيع اسطوانة الغاز لإسعاف زوجته لعيادة الولادة .. لم يحدث أن تقاسموا حبة دخان أو تسلفوا حق القات .. سجائرهم تأتي من الخارج وأغصان الولعة تزرع بنكهات متعددة .. لم يتعرضوا لاضطهاد المؤجر نهاية الشهر وملاحقة صاحب بقالة الحارة .. ولم يتعرضوا لفصل الماء والكهرباء عن الشقة لعجزهم عن تسديد الفواتير .. إنهم يسكنون العمائر والفلل والقصور العامرة .. لم يحدث أن خبأوا ملابس عيد الفطر لارتدائها في عيد الأضحى .. كل أيامهم أعياد وملابس جديدة .. لم يحدث أن شعروا بالحسرة عند باب الجزار وأمنيتهم نصف كيلو لحمة أو ربع حبة دجاج.. لم يشتروا يوماً دقيقاً بالكيلو أو زيت طبخ في اكياس بلاستيكية صغيرة .. لم يغالطوا صغارهم بحديث جانبي لإشغالهم عن حق جعالة لا يجدونها.. هم وأطفالهم سئموا السوبر ماركات وانواع العصائر والشوكلاتات وكرهوا الحدائق والألعاب واللعب لكثرة ماقضوه من أوقات طويلة بداخلها ولا ينفس عنهم سوى الاستمتاع بحدائق الالعاب في عواصم اوروبا .. لم يناموا ليلة واحدة على الحصير أو بمنزل لاتزال جدرانه بدون رنج والنوافذ مغطاة بالأكياس والأقمشة .. ينامون فقط في فنادق الخمسة نجوم والشاليهات السياحية .. لم يعرفوا الكد والكدح لتوفير تكاليف الزواج .. حفلاتهم الباذخة تكلف ملايين الملايين تكفي لزواج العشرات والمئات.. لم يتقاسموا مع عشرة آخرين غرفة ضيقة أو دكاناً بلا حمام كما يفعل الطلاب والباعة والعمال .. لم يتوقفوا يوماً في طابور طويل أمام محطة أو مخبز أو أمين صندوق أو عيادة مجانية .. لم يسهروا ليلة واحدة من أرق العجز عن تدبير قوت الأسرة .. لم يتعرضوا للإهانة في قسم شرطة أو العنجهية في حضرة شيخ أو الظلم على يد متنفذ أو الملاحقة من الدائنين أو المطاردة من البلدية أو القهر من مسئول أو التعسف من المدير في العمل أو الخوف من قاطع طريق أو من سارق متسلل لمطبخ البيت.. لأن الكتائب تحرسهم والجنود والمرافقين يحمونهم.
لم يضطروا لبيع أقراط الوالدة ودبلة الزوجة وأساور الأخت لتجميع قيمة تأشيرة عمل في السعودية أو توفير المبلغ المطلوب لرشوة مسئول للحصول على درجة وظيفية أو رقم عسكري .. لم يدخلوا اسواق الحراج لشراء بوتوجاز مستخدم وبطانية تقيهم البرد زهيدة الثمن .. لم يتوسلوا صاحب الدكان لبيعهم بالآجل علبة حليب صغيرة لإطعام رضيع أو كرتون صابون لتنظيف ثياب العيال .. لم يشكوا لحظة من غلاء الأسعار وجشع التجار والعجز عن رسم الفرحة في نفوس الصغار .
قد يكون علي صالح أو علي محسن –مثلاً- عايشا الناس وعاشا الواقع أيام زمان وهما في ريعان الشباب .. لكنهما لم يخرجا منذ ثلاثة وثلاثين عاماً إلى الشارع العام والأسواق ويختلطا بالمجتمع بمختلف شرائحه .. انحصرت علاقتهما بالشعب في إطار زيارات رسمية يغلب عليها البروتوكول والمحاذير الأمنية أو من خلال شرائح معينة يلتقونها في المقايل الرئاسية وتحاصر بالنفاق والمدائح والشخصنة .. أما الشبان فيعرفون شوارع دول الخليج وشوارع امريكا واحياء عواصم اوروبا ومتنزهات افريقيا اكثر مما يعرفون محافظات ومناطق اليمن .. لقد تعودوا منذ صغرهم على العيش بمعزل عن الناس .. ليس ذنبهم .. الأقدار شاءت أن يترعرعوا في هذه البيئة المكرسة لحالة العزلة والانفصام .. كل طلباتهم مستجابة .. أي توجيه منهم ينفذ فوراً أية رغبة تلبى .. أية أمنية تحقق .. أي أمر يقابل بالسمع والطاعة .. أي خطأ لاينال العقاب .. أي عمل تافه يمجد..أي رأي مهما كان ساذجاً وشاطحاً يُوافَق عليه دون نقاش .. أي تقصير لايحاسب .. أي فعل أحمق يلقى من يزخرفه وينمقه .. أي غلط لايعالج .. أية كلمة تقابل بالثناء والتصفيق ..
جميع هذه الأشياء تصنع شخصية مصابة بالانفصام وتكبر عليها دون أن تشعر به أو تستشعر أعراضه .. وبالتالي يصبح سلوكاً يتحكم في تصرفات الفرد الذي عادة ماتكون تصرفاته تمس الآخرين كما هي عليه حياتنا اليمنية حالياً متأثرة بالتبعية والارتباط بما يفكر فيه هؤلاء وبما يقدمون عليه من تصرفات .
ليست مبالغة وتهويلاً .. انعكاسات الحياة طوال الثلاثين سنة الماضية تتحكم بالوضع العام .. معايشة الشعب لهذه العقليات زمناً طويلاً أوجد نمطاً من العيش يتنافى مع الواقع ويتماشى دون وعي مع الأنماط المكتسبة من انعكاسات إدارة البلاد بتلك الطريقة وذلك النوع من الثقافة وطرائق التعامل والتفكير حتى غدا للانفصام وجه آخر غير مرئي لايحس به أحد رغم استفحاله كداء عضال سبب معضلات جسيمة صارت مع مرور الوقت بمثابة الأمر الاعتيادي او الحال الطبيعي مع أن العكس هو الصحيح .
من ذا الذي ينكر أن السائد بين اليمنيين هو الأسلوب المعمول به لدى أولئك .. حتى مع الانقسام الأخير إلى معسكرين رئيسين يتزعمهما آل الآحمر وآل الصالح إلى جانب فرق أخرى تشكلت في إطار المنظومة ذاتها في الجنوب والشمال ووسط البلاد .. وإلا كيف يمكن فهم الانقياد الكامل لأحزاب المشترك – مثلاً – بقادتها السياسيين ومثقفيها الأكاديميين وعلمائها الربانيين وشخصياتها الناضجة خلف أهداف حميد الأحمر ومشاريع علي محسن – مثلاً – في الوقت الذي يمارس فيه الاثنان ما يتناقض تماماً مع البرامج الحزبية وأهداف الثورة السلمية التي تثور ضد القمع والعسكرة والنهب المنظم في حين يحدث القمع والتجييش بعمق الساحات الثورية بتصارع التكتلات الثورية مع بعضها أشد مما كانت عليه في صراعها مع النظام السابق.
وعلى سبيل المثال أيضاً مايحدث في الطرف الآخر من تمترس انفعالي مع أحمد علي وعلي صالح من أحزاب التحالف المؤتمري في مشهد يستنسخ صورة المعسكر الآخر ، مضافاً إليها التشويه غير المقصود في وقت كان يمكن فيه استغلال هذه الطاقات لترجمة الأفكار الإيجابية .. كما ينبغي أن تترجم بعيداً عن الاستنساخ الغبي الذي لم يحقق الغرض وحقق تبديد الفرص بتكرار اخطاء الطرف الآخر الذي هو نفسه يقع في ذات الأخطاء التي ثار عليها وانتفض ضدها .
ليس المال وحده من يمنح القوة .. الفكرة هي التي تصنع النجاح.. التنفيذ الصحيح هو الذي يحقق الهدف .. من هنا قد نفهم أسباب الفشل ومسببات الإخفاق .. أما الحل فليس سواه .. إبعاد هؤلاء عن المشهد .. إخراجهم جميعاً من اللعبة .. دون إقصاء أو نفي ومصادرة . بل من أجل إيجاد الجو المناسب لتحقيق الأهداف والأفكار الخاصة بهم قبل الآخرين .. لكل منهم –افتراضاً لصدق أقوالهم- فكرة رائعة وهدف نبيل تتمثل في العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والحرية والعيش الكريم .. لكن بقاءهم كموجهين ومحركين ومتزعمين لأدوات التنفيذ يعطل إمكانيات النجاح والدليل عام ونصف من العك المتواصل بذات المربع وحول الدائرة ذاتها .. لو ابتعد هؤلاء عن الساحة ورفعوا أيديهم عن التحكم بخيوط اللعبة لتحقق للجميع الغرض الذي يسعون إليه .. بخروج حميد وإخوانه وعلي محسن وأصحابه سيخرج تلقائياً صالح و اسرته ولن تبقى هناك عراقيل لتطبيق مبادرة الخليج أو ذرائع تستدعي الضرورة لبقاء علي محسن وأحمد علي كعوائق أمام هيكلة الجيش.. وهي المطالب التي ينشدها يومياً انصار الفريقين في المظاهرات والمفاوضات والمسيرات والحوارات والمناكفات والمكايدات والمزايدات والمواجهات.
لا يمكن بأي حال من الأحوال خروج صالح بمفرده وبقاء حميد وصادق وإن تم فإن المشكلة ستعود إلى مربع الصفر بثورة يفتعلها طرف المؤتمر .. أيضاً لن ينهي الصراع إقالة أحمد علي من الحرس والإبقاء على علي محسن في جيش الثورة .. لوحدث ذلك فإن الانشقاق والتمرد سينفجر في الجانب الآخر .. باعتبار أن كل طرف يعتبرها الورقة الأخيرة .. أو آخر رصاصة في البندقية .. بعد احتراق أوراق الطرفين وافراغ الطلقات في الجولات الماضية من حرب الحصبة وأزمة المشتقات النفطية وضرب الكهرباء إلى ما حدث في القوات الجوية وفي أبين وأرحب وجامع النهدين وانتهاءً بالرضوخ الإجباري لعروض توافقية في الحكومة والرئاسة .. الموافقة عليها بمثابة الإقرار الإلزامي بخضوع ماتبقى لحلول توافقية .. تتقاسم الإقالات العسكرية وتقتسم ضرورات الإقصاء العائلي بالنفي للخارج لتشمل الأسرتين اللتين لن يحتمل اليمن بقاءهما أو احدهما بعدما بات جلياً أن خروجهما معاً هو الحل الوحيد ..
كما أن إصرار الأسرتين على البقاء لن يؤدي سوى إلى أحد شيئين .. الانهيار أو الانفجار .. من الصعب جداً على الطرفين القدرة على تحمل المزيد من الضغوطات والصمود أمام العديد من المخاوف والمواجهات .. إن الحنين إلى معاودة الحياة المتخمة الهادئة والمترفة سيكون هو الغالب على نفسيات أفراد أو أشخاص عائلتين قضوا عشرات السنين بمنأى عن الصداع والصراع والاستهداف المباشر والمغامرات الخطيرة غير محسوبة النتائج وغير المجربة من قبل والمبنية على حسابات مخيفة قد تؤدي الى خسارة حصيلة اربعة عقود ماضية من المجد والثروة والمكانة دون الحصول على أي شيء.
الاستمرار لوقت آخر قد يفجر الصراع المسلح مرة أخرى وعلى نحو انتحاري بحجم الأحقاد العدائية المتراكمة والنتيجة ستؤدي إلى انهيار مدمر للبلاد بأكملها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً .. وليس من مصلحة أي منهما الانجرار للحرب مرة ثانية وأخيرة لن ينتصر فيها أي طرف بقدر ما سينالهما المزيد من الضعف للحد الذي لن يتمكنوا بعده من استجماع القوى والنهوض مرة أخرى .. كما أن اصابتهما بالانهيار والضعف يعني صعود قوى بديلة من الأطراف التي لا يفضلونها .. إنهم يعلمون جيداً هذا الاحتمال ويعملون على تجنبه باستغلال بقايا قوتهم حالياً لإضعاف الخصوم المفترضين .
أما الابتعاد القسري والخروج الاضطراري والغياب خارج المشهد وبعيداً عن الوطن فإنه كفيل بالمحافظة على مكتسباتهم المحققة في العقود الأخيرة.. المجد والثروة والمكانة .. غير ذلك لا يمكن التعويل عليه بما فيه الاستناد إلى تعويض الخسائر بشهادة تاريخية .. التاريخ لايرحم ولايجامل والطرفان يدركان أن الماضي ليس كافياً للحضور التاريخي الناصع وشواهد الساعة تتحدث عن لعنات لا عن مآثر .. لذا ومع مخاوف التسبب في انفجار الصراع داخل العائلة الواحدة لاختلاف المواقف والآراء ووجهات النظر بين الإخوة وأبناء العمومة قد تدفع إلى اختيار وتفضيل الرحيل المؤقت الذي يوفر ضمانات كافية لإمكانيات العودة للساحة من جديد بعد عامين أو بعد عشرين عاماً .. إنه يبدو خياراً أفضل من تعريض الأسرة للفناء والانتهاء .. الرحيل سيساعد على الالتحام والتلاقي وتقوية الأواصر العائلية واحتواء التباينات وتوحيد الرأي والموقف .
قلنا إن جيفارا مات .. ونقول ايضاً إن جيل الألفية الجديدة مختلف عن جيل منتصف القرن الماضي .. ونضيف أن من ولد ونشأ وشبّ وشاب على حياة الثراء والترف سيظل ملهوفاً إليها حين يتورط مع مايعرض حياته وثروته للخطر .
رجل الأعمال حميد الأحمر يفصح عن ذلك حين يعلن أنه لا يريد المشاكل ولا يطمع في الحكم ولا يحب الحرب التي فرضت عليه .. نبرة كلامه ، وإن ارتفعت حدتها ، تكشف عن تفضيله حياة الأغنياء عن العيش مطارداً ومستهدفاً بالقتل حتى وإن حصد لقب: خليفة جيفارا .. أن يكون له حظوة وسطوة ونفوذ وكلمة وقرار كزعيم سياسي وقبلي وملياردير يقابل السفراء ويلتقي الوزراء ويُفرش له السجاد الأحمر وتفتح له في المعابر صالات كبار الضيوف خير له من انتظار قذائف الهاون كل مساء يغلق فيه باب غرفته ويأوي إلى فراش النوم .. هو يعي أن فرصته التي كانت في امكانية الحكم أو المشاركة فيه قد انكمشت ونقاط قوته قد استنفدت وانكشفت في العامين الاخيرين .. إنه تاجر والتاجر يفكر دائماً بالربح والخسارة .. وحين يعلن إنفاقه ملياراً على الثورة فهو يعني أنه خسر اضعافها لانشغاله بالسياسة واهداره وقتاً طويلاً مشغولاً بالصراعات وابتعاده كثيراً عن ممارسة العمل التجاري بحرية واريحية كما كان عليه من قبل وانعزاله عن العالم كاحتياطات امنية لا تساعده على الزيارات الخارجية والاقتراب من شبكة المصالح التجارية العالمية بعدما كان قد حقق انجازات لافتة في السنوات الأخيرة في الميدان التجاري .. ومالحق بأحلامه وطموحاته من قصف ونسف في العام الماضي سيجعله يراجع الكثير من الحسابات .. وحين يقف مع النفس ويجد أنه لم يحرز مقابل خسائره التجارية أي مكسب سياسي أو انتصار شخصي سيدفعه إلى تغيير طريقة التفكير واتباع برنامج عملي مختلف وطواقم ومساعدين يفكرون بطريقة غير التي يفكر بها .. خصوصاً وهو يرى الانتكاسات التي لحقت بقدوته ومثله الاعلى سعد الحريري في لبنان ويحاول اتقاء الوقوع بالمصير ذاته .. قد يؤثر طبع العناد والمكابرة التي تتسم به شخصية حميد على الامتثال لقناعاته وسيظل في صراع نفسي مع ذاته يتنازع معها الاستمرار على الخطأ بتهور أو الاعتراف بالصواب والرضوخ للحقيقة دون مغالطة أو التفات لمخاوف وأوهام الفراغ .. عندها سيتخذ القرار الفصل وهو يستعيد في شريط الذاكرة صوراً مرعبة من تدمير قصره الجديد وإحراق منزل الفقيد الراحل (والده) بما يحمله من رمزية ودلالات ومالحق بشركة سبأفون من تراجع وتدهور ومايمكن أن يسببه صراعه السياسي من خسارات مالية لشركاته في انحاء العالم قد يصل بها إلى الإفلاس بعد عام أو عامين لابتعاده عن المتابعة والإشراف ومدى فداحة ماقد ينتج عن خصوماته السياسية من فقدان عملاء وصفقات دولية تضع في حساباتها الوضع القانوني والسياسي للشريك التجاري .. عوضاً عن أية عقوبات بتجميد الأموال وحجز ومصادرة الأملاك بقرار من مجلس الأمن لمعرقلي المبادرة الخليجية في اليمن قد يكون هو المتضرر الأكبر منها .. بالإضافة إلى إدراكه لما يتسبب فيه موقفه العدواني تجاه صالح وأولاده من توتير علاقته برجال اعمال خليجيين وعرب وأجانب يرتبطون مع الرئيس السابق بعلاقات وثيقة وتربطهم باليمن مصالح مشتركة قد يجدون العلاقة مع حميد مهددة لها وبالمثل علاقات الصداقة والشراكة مع امراء وشيوخ دول الخليج ومصر وليبيا والسودان.. حيث مشاريع حميد الأحمر توجد جنباً إلى جنب مع حضور لايزال له تأثير لشخص صالح كرئيس دولة سابق .. أيضاً تأثيرات مواقف حميد السياسية سلبياً على مصالح اخوانه حسين وصادق في السعودية –مثلاً- وتأزيم وضع حمير في البرلمان وتعريض الدوائر الانتخابية الخمس المغلقة حصرياً له واخوانه في عمران لمخاطر الانقضاض عليها في الانتخابات المقبلة .
قد أكون عكس الآخرين المشككين في قناعة صالح بترك الرئاسة .. أنا أضع نفسي مصدقاً للرجل كما تصديقي للآخرين .. أقارن أقوالهم بما يتبع من افعال وأحاول ربطها بجزئيات كثيرة من حوادث الماضي وأحداث الوقت الراهن .. إنني مصدق لنسيان صالح الكرسي وعزوفه عنه .. صار مدركاً تماماً أن الملك خرج من يده .. ينظر إلى مصير أقرانه في مصر وليبيا وتونس ، فينبسط بما آل إليه.. يرى مايعانيه بشار الأسد في سوريا ومايواجهه علاء مبارك خلف القضبان وماانتهى به ابناء القذافي واعتقال الساعدي فينشرح قلبه على بقاء أحمد ويحيى وطارق وعمار بعيداً عن قبضة الثوار والوقت مازال كافياً لتفكيك مشروع التوريث والمحافظة على رصيد الاحترام للأبناء مع الآخرين .. إنه مؤمن تماماً بعدم جدوى التفكير في الرئاسة من جديد .. سواءً له أو لأبنائه .. راضياً بأمر السماء .. صالح يخاف فقط من ارتداد الطلقة .. يخشى على نفسه واسرته من اصدقاء الأمس اعداء اليوم .. علي محسن وآل الأحمر ... بحكم معرفته لهم وعلاقته بهم ومما تعرض له من محاولة اغتيال بتفجير جامع الرئاسة .. ربما يعمل حالياً على تأمين حياته وأسرته في المستقبل من التصفيات والمحاكمات .. يسعى ربما من خلال مايقوم به حالياً إلى اضعاف هؤلاء واجبارهم على المزيد من التنازلات لحماية أنصاره وحزبه والمحسوبين عليه من أي بطش متوقع في حال تمكن علي محسن وابناء الأحمر من القيام بعمل ضخم قد يقلب الطاولة على الجميع في لحظة انشغال عام يضرب فيها الأخوان المسلمون وشباب الثورة وأحزاب المشترك ضربتهم وينقلبون على المبادرة بالسيطرة على العرش .. قد يكون مثل هذا مستحيلاً لكنه على مايبدو هاجس بمثابة كابوس يؤرق صالح صاحب التجربة والخبرة الطويلة. المناوشات التي يقوم بها هذه الأيام تستفزهم كما هو واضح .. الاستفزاز بدوره قد يكشف النوايا .. صالح يعرفهم أكثر من غيره .. ويخاف منهم أشد من الجميع .. إنه يناوش لإبعادهم عنا لكي يبتعد وهو مطمئن..
- صحيفة الديار |