صنعاء نيوز - نصر طه مصطفى لـ

الأربعاء, 20-يناير-2010
صنعاء نيوز -
نصر طه مصطفى لـ 'قناة الحوار':
‏هل فشلت إذا السلطة في المحافظة على الوحدة ‏مع الجنوب؟ وهل تسبب تفاقم الظلم الاجتماعي ‏على سكان صعدة إلى التمرّد الحوثي؟ وآخر ‏الأزمات المواجهة مع القاعدة، هل تقوم السلطة في ‏اليمن بأداء دور نيابة عن القوى الغربية في حربها ‏مع القاعدة؟ ‏لمناقشة هذا الموضوع.. أرحب معي هنا في ‏الأستوديو بضيف الحلقة رئيس مجلس إدارة وكالة ‏الأنباء اليمنية (سبأ) ورئيس تحريرها، الأستاذ ‏نصر طه مصطفى، وهو أيضا نقيب الصحفيين ‏اليمنيين سابقا، أرحب بك أستاذ نصر في هذه ‏الحلقة من قضية وحوار اليمن.. أزمات بالجملة... ‏في عام 2007 اختير اليمن كأفضل وجهة سياحية ‏في العالم، إلا أنه في العام 2009 وبداية هذا العام ‏الجديد يبدو أن اليمن هو أفضل الوجهات لمن ‏يبحث عن تفجر الأزمات في آنٍٍٍ معا في بلد عربي ‏واحد.‏


‏* أولا نظرة شاملة لماذا كل هذه الأزمات في ‏اليمن، وفي هذا الوقت بالذات؟
‏- اشتدي أزمة تنفرجي. نحن نأمل أن يكون هذا ‏الكم من التطورات في اليمن والمؤامرات على ‏وحدته واستقراره مقدّمة لتصحيح كثير من الأمور ‏وعمل الغسيل اللازم لما ينبغي من المخلفات ‏السياسية سواء كانت من مخلفات الإمامة أو ‏مخلفات التطرف أو مخلفات الشمولية وعصور ‏الاستبداد. النظرات تنصب نحو اليمن منذ وقت ‏طويل بسبب تمتعه بالكثير من الحُريات، بسبب ‏انتهاجه للديمقراطية والتعددية السياسية كمنهج ‏للحُكم، حقيقة ندرك أن كثيرا من الناس لا يرضون ‏عن ذلك.‏

‏* هل تقصد بعض اليمنيين أنفسهم أم الخارج؟
‏- أنا أقصد اليمنيين لا أقصد الخارج، أنا لست من ‏أنصار الحديث عن الخارج؛ لأن مشاكلنا بأيدينا ‏ويجب أن نحلها بأيدينا.‏

‏* إذن اليمن يعيش حالة ولادة، كما أفهم، يعني ‏هكذا ولادة جديدة؟ ‏
‏- مخاض جديد.‏
‏* مخاض جديد، سنبدأ بتناول هذه الملفات، وهذه ‏الأزمات، جبهة، جبهة. يرى الكثير من اليمنيين ‏خلاف ذلك في الجنوب، اليمن قُسم في بداية القرن ‏العشرين من أجل مصلحة استعمارية بريطانية في ‏ذلك الحين وظل منقسما إلى عام 1990. في عام ‏‏1990 اتحد اليمن (ما كان يسمى بجمهورية اليمن ‏الديمقراطية الشعبية في الجنوب بالنظام في ‏الشمال)، بعد أربعة أعوام نشبت حرب بين طرفي ‏الوحدة، خرج فيها اليمن أو الشمال منتصرا ‏بانتصار القوات المؤيدة أيضا للرئيس علي عبد الله ‏صالح، الآن بعد 20 عاما على تجربة الوحدة مع ‏اليمن يرى كثيرون أن اليمن فشل في المحافظة ‏على هذه الوحدة، ما هو المبرر لرؤية هؤلاء لذلك ‏الفشل في المحافظة على وحدة كانت مطلب ليس ‏فقط اليمنيين بل مطلب كثير من العرب؟
‏- الوحدة اليمنية هي حقيقة تاريخية. أنتم تتحدثون ‏عن شعب واحد عبر التاريخ. الوحدة كانت ‏موجودة حتى في عهد التشطير، كان المعارضون ‏اليمنيون اليساريون الذين يهربون من السلطات في ‏الشمال يذهبون للاستقرار في الجنوب، وكان ‏الهاربون من جحيم السلطة الاشتراكية في الجنوب ‏يذهبون إما إلى الشمال ويستقرون ويباشرون ‏نشاطاتهم وأعمالهم أو يذهبون إلى دول الخليج ‏للاستثمار ومواصلة حياتهم. فاليمنيون كانوا شعبا ‏واحدا.. كانت الصلات الاجتماعية موجودة لكن ‏بسبب التشطير السياسي حصل انقطاع كبير، ثقافة ‏النظامين الشطريين اللذين كانا قائمين في الشمال ‏والجنوب كانت ثقافة وحدوية، كان كل نظام يستمد ‏مشروعية بقائه من مناداته بضرورة الوحدة مع ‏الشطر الآخر، إلا أن الانقسام في المعسكر الدولي، ‏المعروف بالمعسكر الاشتراكي، والمعسكر الغربي ‏كان يحول دون قيام الوحدة وبمجرد انهيار ‏المعسكر الاشتراكي لم يكن من خيار أمام السلطة ‏الحاكمة في الجنوب سوى القبول بمشروع الوحدة ‏الذي عرضه عليها الرئيس علي عبد الله صالح. ‏كانت الوحدة إنقاذا للشعب اليمني الممزّق؛ لأن ‏معظم موارد وإمكانيات النظام في الشمال والنظام ‏في الجنوب تذهب لتمترس كل نظام ضد الآخر. ‏كان لا بُد من الوحدة، ليحدث استقرار في اليمن. ‏إذن الوحدة التي تمت في عام 90 هي إعادة ‏تصحيح لوضع كان خاطئا. ‏

‏* هو لا أحد يشكك بوحدة الشعب اليمني، وبوحدة ‏التراب اليمني، ولكننا نناقش الوحدة كتجربة ‏سياسية لاندماج نظامين سياسيين كانا مختلفين إلى ‏حد ما بين الشمال والجنوب. الكثير يرى الآن أن ‏الحراك الجنوبي هو عبارة عن تصحيح لما تم من ‏خلال هذه الوحدة التي حصل بعدها أيضا استبداد ‏واستئثار بالسلطة من طرف واحد. الوحدة كانت ‏تقوم على المشاركة في السلطة، ولكن بعد أحداث ‏عام 1994، وحل الحزب الاشتراكي واستئثار ‏الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالسلطة في ‏الشمال والجنوب والكثير من الظلم الذي لحق ‏بالشعب اليمني سواء في الجنوب (...) هو الذي ‏دفع قوى الحراك الجنوبي للمطالبة بتصحيح هذا ‏الوضع والمطالبة بحقوقهم الاجتماعية والمدنية؟ ‏
‏- أنت تقصد أن هذا ما يقولونه هم.. ‏
‏* نحن نعرض وجهة نظر الآخر حتى نفهم منك؟ ‏
‏- على كل حال أنا أوضح لك الصورة.. عند ما ‏توحد النظامان القائمان في الشمال والجنوب اتفقا ‏على صيغة دستور هو مقر منذ عام 1981 ‏بينهما، تم تفعيل هذا الدستور، وتم الاستفتاء عليه، ‏بحيث أنه أصبحت الوحدة ذات مشروعية كاملة. ‏أصبح هناك نظام ذو كيان دولي واحد اعترف به ‏العالم أجمع. هذا أولا، النقطة الثانية أنه في عام ‏‏1993 جرت انتخابات نيابية، هذه الانتخابات ‏كانت المحطة الأخيرة التي أنهت كل مخلفات ‏التشطير، بحيث أنه أصبح هناك مجلس نيابي ‏منتخب على مستوى اليمن الموحّد يمثل ‏المشروعية الجديدة والكاملة وبموجبه انتخبت بقية ‏السلطات كحكومة وكرئاسة وغيرها، هنا أصبحت ‏الوحدة اليمنية حقيقة نهائية، وأصبح هناك نظام ‏واحد هو نظام الجمهورية اليمنية. حدثت خلافات ‏بعد ذلك، فالحزب الاشتراكي الذي كان شريكا في ‏السلطة بعد الانتخابات النيابية أراد أن يعيد الأمور ‏إلى ما كانت عليه، وافتعل أزمة لا مجال هنا ‏للحديث عنها؛ لأنها أصبحت من الماضي.. في ‏الحقيقة أن هذه الأزمة ووجهت وووجه الحزب ‏الاشتراكي من الشعب اليمني بالكامل بدليل أنه لم ‏يقف أحد من أبناء الشعب في المحافظات الجنوبية ‏مع الحزب الاشتراكي في محاولته الانفصال. ‏الشيء الآخر المهم أن القوى الجنوبية التي كانت ‏موجودة في المحافظات الشمالية منذ عام 1986 ‏من قبل الوحدة وقفت ضد الانفصال، وكان قائد ‏المعركة (معركة الدفاع عن الوحدة) هو السيد عبد ‏ربه منصور هادي الذي هو اليوم نائب رئيس ‏الجمهورية، وكان حينها وزيرا للدفاع، وهو من ‏محافظة أبين الجنوبية، وكان معظم القادة ‏العسكريين الذين قادوا معارك الدفاع عن الوحدة ‏من المحافظات الجنوبية، إذن الصورة التي تطرح ‏غير حقيقية، فما يطرح عن شراكة، وما شراكة ‏هو مجرد مغالطات. النظام القائم منذ عام 1994 ‏قائم على أنه نظام واحد على بلد واحد، وكل ‏القيادات التي تشارك في الحكم اليوم تمثل كل ‏المحافظات، اليوم نائب رئيس الجمهورية من ‏الجنوب ورئيس الوزراء من الجنوب ووزير ‏الدفاع من الجنوب، والكثير من الوزراء والقيادات ‏في الدولة من المحافظات الجنوبية.. فما هي ‏الشراكة إذن، إذا لم تكن مجسّدة في هذا الأمر، ‏كما أوضحت لك؟

‏* لماذا يطالب الكثير من الشعب اليمني في ‏الجنوب بالإصلاحات الجذرية في النظام السياسي ‏اليمني وبإعطائهم الحقوق.. المطالب الاجتماعية ‏والاقتصادية أصبحت الآن هي المطلب الأساسي ‏للحراك الجنوبي، ولذلك كان تحركهم تحركا ‏سلميا. لماذا لا تستجيب السلطة لهذه المطالب؟ ‏
‏- أولا ليس هناك ما يثبت أن هذا الحراك يمثل ‏أبناء المحافظات الجنوبية. ‏

‏* كيف؟ ‏
‏- لأنه كان هناك انتخابات نيابية أسفرت عن ‏انتخاب ممثلين لعدة أحزاب، منها الحزب الحاكم ‏وأحزاب في المعارضة، فليس هناك من يمكن أن ‏يدّعي الحديث باسم المحافظات الجنوبية غير ‏ممثليها في البرلمان. ثانيا إن نصف قيادات الدولة ‏من أبناء هذه المحافظات من عدن، شبوة، أبين، ‏حضرموت، وغيرها فمن الذي يمكن أن يمتلك ‏الحديث باسم أبناء المحافظات الجنوبية. هناك نظام ‏ديمقراطي وهناك مؤسسات ديمقراطية منتخبة هي ‏التي يحق لها الحديث حتى لا تصبح الأمور ‏فوضى، وحتى لا تتفكك الدول. لو سمح في كل ‏دولة بأن يدعي من شاء الحديث باسم مناطق معيّنة ‏لحدثت فوضى في كل الدول.‏

‏* يعني لماذا حتى الآن يبدو أن الرئيس علي عبد ‏الله صالح يمسك السلطة بيد واحدة؟ لماذا لا توجد ‏هناك مبادرات؟
‏- اترك لي الفرصة وسأقول لك.‏

‏* سأنقل لك ما قاله الرئيس نفسه، يعني هو يتهم ‏المعارضة بأنها تسعى لإعادة اليمن لنظام شمولي ‏سواء كان الإمامية أو غيرها، وسنتحدث أيضا عن ‏الادعاء بمطالبة الحوثيين بعودة الزيدية، يعني إذا ‏كان الرئيس نفسه أو المراقبون على الأقل يرون ‏أن اليمن يتجه شيئا فشيئا إلى أن يكون الحُكم فيه ‏أيضا شموليا؟
‏- لو تركت لي الفرصة سأوضح لك؛ لأن ‏المعارضة من الطبيعي أن تقول إن الحُكم شمولي ‏والحكم استبدادي، فنحن في بلد من العالم الثالث، ‏ومن الطبيعي أن تقول المعارضة ذلك، لكنك لو ‏أتيت بنفسك ورأيت مستوى حرية الصحافة ‏الموجودة وحرية النّقد التي تطال رئيس الدولة ‏نفسه، ويتعرض يوميا وأسبوعيا للنقد والنقد ‏الجارح أيضا، ولا يملك إلا اللجوء إلى القضاء. ‏لكن ما حدث هو أن الحكومة أجرت عملية ‏إصلاحات اقتصادية، في عام 2005 حدثت ‏إصلاحات اقتصادية نستطيع أن نقول إنه كانت ‏قاسية نوعا ما أدت إلى رفع جزء من الدعم عن ‏بعض المشتقات النفطية، لكن بالمقابل تمت زيادة ‏رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين الذين تقاعدوا ‏في تلك الفترة، عدد من العسكريين الذين كانوا ‏متقاعدين من قبل 2005 بدأوا باحتجاجات سلمية ‏لأن رواتبهم كانت ضئيلة بسبب تقاعدهم في وقت ‏مبكر، جزء منهم كان من المحافظات الجنوبية، ‏وهم الذين بدأوا بالاحتجاجات. الدولة استوعبت ‏المشكلة، وقامت بمعالجات، كلفت الدولة والخزينة ‏العامة حوالي 50 مليون دولار خارج إطار ‏القانون، لكن كان هدفها استيعاب المشكلة ‏الاجتماعية والسياسية الناتجة عن هذه ‏الاحتجاجات، وتمت العملية بنجاح كامل، وتمت ‏تسوية أوضاعهم، والكثير منهم عاد إلى الخدمة ‏مجددا، لكن كان هناك بعض السياسيين المتربصين ‏الذين كانوا مشاركين في محاولة الانفصال عام ‏‏1994، ركبوا هذه الموجة وبدأوا يتحدثون باسم ‏هذه المحافظات، وأن هناك استهدافا للمحافظات ‏الجنوبية. أنا أقول لك إن 50 بالمائة من موظفي ‏الجهاز الحكومي تقريبا هم من أبناء المحافظات ‏الجنوبية، كما أن عددا كبيرا من قيادات الدولة من ‏أبناء المحافظات الجنوبية، هذه مسائل معروفة ‏ويمكن لأي باحث يبحث فيها بحياد ونزاهة، أن ‏يدرك -على سبيل المثال- أن الكثير من قادة ‏العمليات العسكرية التي تجري وقادة أفرع القوات ‏المسلحة هم من أبناء المحافظات الجنوبية؛ لأنهم ‏عناصر كفؤة وممتازة ووطنية. فمشكلة الحراك ‏هي مشكلة مضخمة خارجيا، وإذا لاحظت فستجد ‏أنها تدور في مناطق جغرافية محدودة.‏

‏* كيف سينتهي الحراك إذا كان الطرفان ما زالا ‏بعيدين عن الالتقاء ببعضهم حتى لمجرد الحوار؟ ‏
‏- دعوة الحوار مفتوحة وعلى أساس أن يتم ‏الحوار تحت سقف الوحدة، فأي مطالب لانفصال ‏أو لتجزئة أو فك ارتباط هذه مطالب مرفوضة، ‏ولا يمكن أن تكون ضمن أجندة الحوار. وهناك ‏حوارات غير معلنة مع كثير من القيادات، ولو ‏تلاحظ ستجد أن الكثير من المشاكل التي كانت ‏قائمة في 2006 و2007 هدأت وأصبحت ‏محصورة في مناطق محدودة جدا.‏

‏* هل هنالك برأيك توظيف إقليمي للحراك ‏الجنوبي على اعتبار أن بعض التقارير تشير إلى ‏أن السعودية كانت في عام 1994 تدعم الانفصال ‏لمطالب رآها بعض المحللين طمعا بجزء من اليمن ‏هو محافظة حضرموت؟ ‏
‏- ذلك تاريخ مضى وصفحة طويت حقيقة، ‏والعلاقات اليمنية - السعودية بل واليمنية - ‏الخليجية بشكل عام أصبحت علاقات ممتازة، ‏خاصة منذ اتفاق يونيو 2000 الذي تم بموجبه ‏ترسيم الحدود بين اليمن والمملكة العربية ‏السعودية. ‏


‏* العلاقات الآن أخذت أيضا شكلا آخر يعني ربما ‏القوات اليمنية والسعودية تحارب على جبهة واحدة ‏في الأزمة مع الحوثيين في الشمال، فالحوثيون ‏يتهمون الدولة بأنها التي نكثت وعودها في التنمية ‏ المحلية في محافظة صعدة، وهي التي كانت البادئ ‏في الحرب السادسة قبل أشهر، والدولة تتهم ‏الحوثيين باستيلائهم على المواقع العسكرية ‏وتهديدهم للأمن في صعدة. هل سبب الأزمة هو ‏فعلا تخلف أحد الطرفين عن الوفاء بالالتزامات ‏التي كان قد تم التفاهم عليها قبل سنوات في ‏الدوحة؟
‏- الحقيقة أقول لك قضايا التنمية والتعليم ومستوى ‏التنمية في المحافظة هي آخر هموم الحوثيين، هذا ‏آخر ما يهمهم. الحوثية هي عبارة عن حركة ‏سياسية ذات منهج فكري وعقائدي ومذهبي ‏وعنصري تهدف إلى استعادة نظام الإمامة الذي ‏كان قائما قبل عام 1962، نحن لم نكن نصدّق ‏ذلك في البداية، حقيقة كنا نعتبر أن هؤلاء مجرد ‏متمرّدين، لكن عندما رأينا إيغالهم وإصرارهم على ‏الحرب أدركنا ذلك. في عام 2004 بدأت أول ‏مواجهة وانتهت بمقتل مؤسس التنظيم حسين ‏الحوثي، وتم استيعاب المقاتلين، وتم العفو عنهم، ‏وبدأت الحكومة تقدّم التعويضات، ووضعت خطة ‏تنموية، لكنهم عادوا وشنوا حربا جديدة في ‏‏2005، ثم عادوا وشنوا حربا أخرى في 2006، ‏تدخلت قطر وعرضت وساطتها، فقبلت الحكومة ‏بصراحة على مضض؛ لأنها كانت تريد أن تثبت ‏حسن نواياها في السلام، وتفضح نوايا المتمردين، ‏وبالفعل تم التوقيع على اتفاق منصف جدا، اتفاق ‏الدوحة كان اتفاقا جيدا والنقاط التي تطرحها ‏الحكومة اليوم على الحوثيين لتنفيذها هي نفس ‏النقاط التي وردت في اتفاق الدوحة، لكن الحوثيين ‏هم الذين نقضوا، وخاصة تنفيذ آخر ثلاثة بنود في ‏ الاتفاق، بل ووصل بهم الأمر إلى إطلاق ‏الرصاص على البعثة القطرية للسلام.‏

‏* نعم هذه وجهة النظر الحكومية نسمعها كثيرا ‏تتردد في تلفزة الحكومية اليمنية، لكن الحوثيين ‏يؤكدون أن لهم مطالب بالعدالة السياسية أيضا في ‏صعدة، وبتمثيلهم لجزء من الشعب اليمني في ‏صعدة، والعدالة الاجتماعية، ويقولون إن من ‏تخلّف عن الوفاء بالتزامات الدوحة كانت الدولة ‏بطلبها من الحوثيين مغادرة بعض القرى التي ‏كانت موجودة على أحد الجبال، ادّعت الدولة أو ‏الجيش اليمني بأن هذه القرى تشرف على أحد ‏المطارات؟
‏- للتوضيح فهذه ليست قرى.. هذا جبل عزان ‏وهو جبل استراتيجي، ويجب أن تبقى فيه القوات ‏المسلحة. ليس فيه سكان، وهم يسيطرون عليه، ‏ورفضوا بموجب اتفاق الدوحة الانسحاب من هذا ‏الجبل، رغم نصه على ذلك، ولذلك هم الذين ‏نقضوا اتفاق الدوحة.‏

‏* أنت قلت حركة عنصرية طائفية.. الخلاف في ‏الخطاب السياسي الإعلامي للحوثيين هو خطاب ‏سياسي وبعيد عن الأيديولوجية، هم لا يقولون إنهم ‏ ينتمون إلى طرف طائفي، هم يؤمنون بانتمائهم ‏للزيدية، ولكن الذي يشن الحرب هو الذي يوظف ‏هذا الخطاب الطائفي، يعني -اسمح لي بهذا ‏التعبير- يبدو أن السلطة اليمنية التي توظف هذا ‏وتثير هذه المسألة. ألا يمكن أن يهدد أيضا هذا ‏التماسك تماسك النسيج الاجتماعي الطائفي في ‏اليمن؟
‏- للأسف الصورة غير واضحة عندكم. التمرّد له ‏أهداف سياسية محضة، عند ما نتحدث أن هناك ‏أناسا يريدون إعادة نمط معيّن من الحًكم، فهذا ‏هدف سياسي، وهم يقولون هذا الكلام، ونحن نقول ‏هذا الكلام، لكن هم من الناحية الأيديولوجية فيما ‏يخصهم تلك عقائدهم واضحة وانتماءاتهم الفكرية ‏والإيديولوجية واضحة، وهم يوظفونها لتحقيق ‏أهدافهم السياسية.‏

‏* لكنهم قبلوا أن يكونوا جزءا من الدولة، ودخلوا ‏البرلمان؟
‏- لا، لا. هم قبلوا ذلك قبل التمرّد، يجب أن ‏نوضح الأمور، فهم دخلوا الانتخابات في 93، ‏وحصلوا على مقاعد، ودخلوا في 97 وحصلوا ‏على مقاعد، وفي 2003 كذلك.‏

‏* إذا ألا يثبت ذلك قدرا من المرونة التي يتمتعون ‏بها؟
‏- لا أظن ذلك، وإلا لماذا يرفع السلاح لماذا يريد ‏استقدام تجارب غير مقبولة في الساحة اليمنية، ‏لماذا يريد أن يردد هتافات، تردد في دول، وفي ‏أماكن أخرى، هذه بداية المشكلة. ‏

‏* حتى السلطة في هذه الخلافات كانت تستخدمها ‏للمحافظة على شعبيتها. أثناء الانتخابات الرئاسية ‏الأخيرة العداء لأميركا والعداء لإسرائيل من كل ‏الشعب اليمني؟
‏- الشعب اليمني أكيد عنده موقف سلبي من ‏السياسات الأميركية المؤيدة لإسرائيل مثل باقي ‏الشعوب العربية والإسلامية، لكن الهتاف في ‏المساجد أمر غير مقبول عند الشعب اليمني، ‏فالمساجد موجودة للعبادة، وليست لممارسة العمل ‏السياسي. هؤلاء كانوا يريدون تسييس المساجد، ‏ويريدون أيضا مساجد تخصهم هم، بينما اعتاد ‏اليمنيون بمذهبيهم الاثنين أن الناس مع بعض، لكن ‏هؤلاء يريدون أن تكون هناك مساجد لهم خاصة.‏

‏* كيف والرئيس اليمني نفسه هو من هذا المذهب؟ ‏
‏- نعم. وأنا من هذا المذهب، والكثير من هذا ‏المذهب، وهذا يؤكد لك أن المشكلة سياسية، ‏وليست مذهبية. وأرجو أن يكون الكلام واضحا، ‏المسألة ليست مذهبية، المسألة هي سياسية بامتياز، ‏هؤلاء لديهم مشروع إقامة دويلة صغيرة بانتظار ‏أن تأتيهم فرص أخرى لإعادة نمط نظام الإمامة ‏بأكمله، كما كان قائما قبل عام 1962، لكن ‏بطريقة طبعا حديثة على النمط الإيراني مثلا، ‏فالمهم أن يكون فيه مرجعية إمامية واضحة تكون ‏لها المرجعية والقرار.‏


‏* إذن ألم يكن بالإمكان للدولة أن تتعامل مع ‏الحوثيين بشكل سلمي وأن تبدي بعضا من المرونة ‏لاستيعاب هذه الحركة ولتطويعها سياسيا وإدخالها ‏مرة أخرى إلى البرلمان بدلا من أن تدخل ‏السعودية؟
‏- إذا تريد أن أشرح لك جهود الدولة، فاترك لي ‏المجال. في 2004 أخبرتك أن الحرب انتهت، فتم ‏التفاهم.‏

‏* لا نحن نتحدث عن الشروط التي أعلنتها اليمن ‏قبل أشهر لوقف الحرب؟
‏- الرئيس أعلن العفو العام مرتين، وهذه لم تحدث ‏من قبل عن المتمردين الحوثيين. أطلق مساجينهم. ‏الرئيس أعلن وقف الحرب في يوليو 2008 ووجه ‏الحكومة باعتماد عشرة مليارات ريال كتعويضات ‏وإعادة البناء، وبالفعل بدأت الحكومة في البناء في ‏صعدة، لكن الحوثيين كانوا يستعدون لجولة جديدة ‏من الحرب، فاستفادوا من فترة العام (من يوليو ‏‏2008 إلى أغسطس 2009)، في إعادة تموضع ‏أفرادهم، وتصنيع ألغام استعدادا لجولة جديدة، ‏وشراء أراضٍ في مناطق ساحلية لأجل التوسع ‏وتوسيع جبهتهم إلى منطقة حرف سفيان في ‏محافظة عمران، والدولة أبدت كل ما يمكنها أن ‏تقوم به من حسن النوايا إلى درجة أنه تم سحب ‏الجيش من بعض المناطق التي كان موجودا فيها ‏منذ سنين طويلة؛ لإثبات حسن النية بأن الدولة ‏تريد السلام وعليكم الالتزام بالسلام، لكنهم أصلا ‏هم لا يؤمنون بالسلام.‏

‏* اسمح لي.. إلى درجة يرى البعض -يعني على ‏الأقل- هذه وجهة نظر الحوثيين بأن الدولة هي ‏التي سمحت للسعودية بأن تلتف على أحد جبال ‏صعدة وتدخل في اشتباك مع السعودية؟
‏- هذا غير صحيح.‏

‏* أستاذ نصر.. بعض المحللين والعسكريين منهم، ‏يرون أنه من الصعب على الحوثيين أن يفتحوا في ‏آن واحد أكثر من جبهة، ويرون في ذلك مبررا ‏لما يقوله الحوثيون إن الجيش اليمني هو الذي ‏سهّل عملية دخول القوات السعودية في مواجهة ‏مع الحوثيين من خلال انسحابه من أحد المواقع ‏وإفساح المجال لتلك المواجهة بين الحوثيين ‏والسعودية، كيف تنظر لدخول السعودية في ‏مواجهة مع الحوثيين الذي هم أيضا في مواجهة ‏مسلحة مع الجيش اليمني على اعتبار أن هذه ‏المواجهة مواجهة داخلية بين الجيش وجزء من ‏الشعب اليمني، هم الآن في حالة تمرد، لماذا تدخل ‏السعودية في ذلك المكان الحساس جدا من الحدود ‏التي ما زال أيضا ذلك المكان متنازعا عليه بين ‏اليمن والسعودية، يعني لم يُحسم نهائيا أمر ‏الحدود؟ ‏
‏- من قال إنه لم يحسم نهائيا؟ أمر الحدود حُسم ‏نهائيا في عام 2000 باتفاقية جدة التي وقعها ‏وزيرا خارجية البلدين بحضور الرئيس علي عبد ‏الله صالح والملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان ‏حينها طبعا وليا للعهد، موضوع الحدود حسم ‏نهائيا وليس هناك أي شبر متنازع عليه بين ‏اليمن والسعودية هذا أولا. ‏

‏* ولكن في الأنباء تناقل هذا الكلام؟ ‏
‏- لا، لا. هذا غير صحيح. وأنا أؤكد لك أن هذا ‏المكان الذي تجري فيه المعارك هو أراضٍ ‏سعودية بالكامل بموجب اتفاقية الحدود، والحوثيون ‏استولوا عليها في محاولة للتضييق على القوات ‏اليمنية الموجودة في الأراضي اليمنية. هم اعتدوا ‏على جبل الدخان، وغيره، وهذه الجبال هي جبال ‏حدودية سعودية مطلة على الأراضي اليمنية، هم ‏أرادوا أن يفتحوا جبهة مع السعودية لاستقطاب ‏التعاطف معهم، كما كانوا يتصورون من أبناء ‏محافظة صعدة؛ لأنهم في هذه الحرب السادسة لا ‏يوجد أي تعاطف مع الحوثيين من أبناء محافظة ‏صعدة، ومن الشعب اليمني عموما، كان هناك ‏بعض اللبس حول الحرب في المواجهات السابقة، ‏لكن في هذه المرة يوجد تعاطف كامل مع الدولة؛ ‏لأن أبناء صعدة تضرروا جدا من هذه الحرب، ‏تضرروا ودفعوا ثمنا غاليا من معيشتهم من ‏مزارعهم من استقرارهم من أمنهم، هم يريدون ‏من الدولة أن تحسم الموقف نهائيا، وبالتالي ‏اعتقد الحوثيون أنهم بفتح جبهة مع السعودية ‏سيستطيعون استقطاب تعاطف شعبي معهم من ‏داخل المحافظة، لكنهم فوجئوا أن شيئا من هذا ‏التعاطف لم يحدث. كما أن الموضوع له ارتباطات ‏ إقليمية، يجب أن يكون واضحا أن العملية لها ‏ارتباطات إقليمية.‏

‏* يعني هل تقع ضمن المواجهة بين السعودية ‏وإيران؟
‏- ليس بالضبط مواجهة بين السعودية وإيران، ‏لكن ضمن مخطط، وأنا أقولها بصراحة ضمن ‏مخطط إيراني لإشاعة الفوضى في المنطقة؛ لأن ‏هناك متطرفين اليوم يديرون السلطة في إيران ‏ويؤمنون بأن الفوضى في هذه المنطقة ستساعد ‏وتهيئ الأجواء لظهور ما يعتقدونه بالمهدي ‏المنتظر، أو الإمام المهدي الغائب، وهذه الفوضى ‏يجب أن تمتد إلى اليمن.‏

‏* هل لديك دليل على هذا، خاصة وأن إيران ما ‏انفكت تقول عبر وسائل إعلامها بأن الأزمة في ‏اليمن هي أزمة داخلية؟ ‏
‏- إذن فأنت لا تتابع. لم تتابع أحاديث رئيس ‏البرلمان الإيراني، لم تتابع أحاديث وزير ‏الخارجية، لم تتابع خطبة خطيب جمعة طهران ‏التي تعتبر رسمية، تعبّر عن موقف الدولة ‏والمرشد، والتي ندد فيها بالنظام في اليمن، وقال ‏إنه يقتل الشيعة بينما لا يوجد عندنا شيعة في ‏اليمن، ليس لدينا في اليمن شيعة. ثلث الشعب ‏اليمني من الزيدية، وهم لا يتعاطفون مع الحوثيين. ‏

‏* وهل يبرر هذا للدولة أن تستعين بالسعودية؟
‏- الدولة لم تستعن بالسعودية. الحوثيون اعتدوا ‏على السعودية، والسعودية هي التي تدافع عن ‏أراضيها.‏

‏* وماذا عن دخول القوات السعودية للأراضي ‏اليمنية؟ ‏
‏- لم تدخل. هذا غير صحيح، ومن يقول هذا ‏الكلام عليه أن يثبت، أن يعطي الدليل، السعودية ‏لم تدخل شبرا واحدا في الأراضي اليمنية.‏
‏ ‏
‏* ولا حتى الأجواء اليمنية، أشارت تقارير كثيرة ‏إلى ذلك؟
‏- ولا حتى الأجواء اليمنية. الحوثيون موجودون ‏في أراضٍ سعودية، اليوم في جبال سعودية ‏يعتدون على أراضي السعودية، وبالتالي السعودية ‏معنية بالدفاع عن أراضيها، نحن في اليمن نقوم ‏بالتعامل مع الحوثيين داخل المناطق اليمنية، ابتداء ‏من حرف سفيان إلى جبهة الملاحيظ إلى جبهة ‏مثلث برط وغيرها، هذه الجبهات كلها تدور فيها ‏المعارك بانتظار حسمها.‏

‏* أنت أشرت في كتيب اسمه (التمرد الحوثي من ‏الشباب المؤمن حتى مشروع الدويلة)، إلى أن ‏الزيدية في اليمن -والحوثيون يعني هم ينتمون في ‏
النهاية إلى الزيدية التي هي تختلف عن المذهب ‏الشيعي الموجود في إيران المذهب الإثنا عشري ‏حتى إنهم يسمونها سنة الشيعة- إذا هذا يعني ‏إقحام الموضوع الطائفي في المشكلة في صعدة، ‏ألا يوظّف من قبل الدولة؟
‏- أنا أؤكد لك في هذا أن هناك من يريد في إيران ‏زج اليمن في مشكلة ذات طابع طائفي؛ لأنهم ‏يتحدثون إذا تابعت الأحاديث التي تتردد في إيران ‏أنه في اليمن يتم قتل الشيعة يتم استهداف الشيعة ‏بينما لا يوجد لدينا شيعة، هؤلاء متمردون حملوا ‏السلاح في وجه الدولة، وكان بعض منهم أعضاء ‏في الحزب الحاكم، لم تكن هناك مشكلة، لكنهم عند ‏ما قرروا حمل السلاح من أجل تحقيق أغراض ‏سياسية أصبحوا متمرّدين.‏

‏* لماذا لم يستطع الحزب أن يبقيهم معه ويدفعهم ‏إلى اللجوء إلى إيران؟
‏- الدولة منذ 2004 إلى أغسطس 2009 بذلت ‏كل ما تستطيع لأجل استيعابهم وإعادة تهيئتهم، تم ‏إجراء حوارات فكرية معهم من قبل علماء دين تم ‏إطلاقهم من المعتقلات، وأغلب من أطلقوا من ‏المعتقلات ذهبوا ليستعدوا لخوض حرب جديدة. ‏

‏* ولكن هناك أحزاب أيضا يمنية كانت في حالة ‏تحالف مع الحكومة، وهذه حالة الود أفسدت مع ‏التجمع اليمني للإصلاح وأحزاب كثيرة؟
‏- هذا شيء طبيعي السياسة هكذا، نعم، لا مشكلة ‏فيها طالما الجميع يعملون في الإطار السياسي لا ‏يحملون السلاح ضد بعضهم البعض، هم اليوم قد ‏يختلفون وغدا سيتفقون، هناك أجواء إيجابية الآن. ‏تجري تهيئة لإجراء حوار وطني وتم الاتفاق قبل ‏أيام بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على ‏وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بينهما.‏

‏* تقصد أحزاب اللقاء المشترك؟ ‏
‏- أحزاب اللقاء المشترك مع الحزب الحاكم تم ‏الاتفاق فيما بينها على وقف الحملات الإعلامية، ‏تهيئة لخلق أجواء صحية للحوار الذي يفترض أن ‏يبدأ قريبا ففي إطار العمل السياسي، كل شيء ‏ممكن لا توجد مشكلة. اليوم نتفق وغدا نختلف، ‏طالما نحن في إطار العمل السياسي.‏
‏* كيف يمكن أن تنتهي الأزمة في الشمال مع ‏الحوثيين. أنت ربطتها بأبعاد إقليمية، فهل يعني إذا ‏حصل هدوء على الجبهات الإقليمية سينعكس على ‏الجبهة في إيران -حسب تحليلك ورأيك؟
‏- نحن لا يعنينا البُعد الإقليمي. الحل بيد الحوثيين ‏إذا قبلوا بتنفيذ النقاط الست التي طُرحت عليهم، ‏وبدأوا بتنفيذها فورا، أنا أؤكد لك أن الحرب ‏ستقف.‏

‏* طيّب من طرف الحكومة؟
‏- هذه دولة لا يمكن أن تقبل بمن يحمل السلاح ‏ويتمرد ضدها.. في أي بلد في العالم لا توجد دولة ‏تحترم نفسها تقبل بوجود من يحمل السلاح ضدها ‏من أبنائها.‏

‏* ولكنها أيضا تتفهم أبناءها وتتعامل معهم؟ ‏
‏- طبعا بدليل أنها أصدرت عفوا عاما مرتين عنهم ‏وأجرت فترات هدنة طويلة.. أنا أخبرك أن آخر ‏فترة هدنة استمرت عاما كاملا، وبدأت الدولة ‏بالبناء والتعويضات وصرفت التعويضات وبدأت ‏في بناء المؤسسات الحكومية التي تم تهديمها.. ‏ماذا تريد من الدولة أن تفعل؟ ثم يصر هؤلاء على ‏حمل السلاح، ثم يصر هؤلاء على الحوار ‏بالسلاح.. فهل تريد من الدولة أن تترك لهم ‏المجال؟ ‏

‏* وجود السلاح في تلك المنطقة في وسط اليمن ‏وشماله هذه ظاهرة لا تقتصر على الحوثيين فقط؟ ‏
‏- السلاح موجود في اليمن كلها، لكن الناس لا ‏يقاتلون.. السلاح بالنسبة لهم مثلما في الولايات ‏المتحدة الأميركية مجرد حاجة شخصية للحماية ‏الشخصية، وليس للتمرّد على الدولة. ‏

‏* هذا التمرّد وصفته أنت بأنه محاولة لإنشاء ‏دويلة والعودة إلى حكم الإمامة. في لقاء مع ‏الحوار يحيى الحوثي أشار إلى الفساد الإداري ‏الموجود في الدولة، وعدم وجود استقرار سياسي، ‏التي ربما تعني بأن النظام في مرحلة الزيدية كان ‏أو الإمامة كان استقراره السياسي لا يختلف كثيرا ‏عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها ‏الجمهورية اليمنية؟ ‏
‏- أنا أتمنى أن تشاهد بعض الأفلام القديمة التي ‏صوّرها رحالة غربيون لليمن في الثلاثينيات، ‏والأربعينيات، والخمسينيات من القرن الماضي ‏لتكتشف كيف كان يعيش هذا الشعب، وفي أي ‏حالة بائسة، فلا يجب المقارنة بين حالة شعب كان ‏خارج العصر، وكان خارج التاريخ، حتى عام ‏‏1962 وبين حاله الآن، حتى لو كان هناك اليوم ‏فساد أو يوجد اختلالات، لكن هناك اليوم حياة ‏عصرية في اليمن، هناك طرقات، هناك آلاف ‏المدارس، هناك اليوم أكثر من عشرة ملايين ‏طالب يدرسون، ويتلقون التعليم في المدارس ‏الأساسية والثانوية والجامعات، فلا يوجد مقارنة.‏

‏* يعني هذا الذي تذكره أستاذ نصر هو من ‏مقومات الدولة الحديثة!!‏
هل تمن السلطة في اليمن على شعبها بأن بنت ‏مدارس؟
‏- لا أقصد ذلك بالطبع. أنا أريد أن أوضح لك ‏الفارق ما بين اليمن في العهد الجمهوري من بعد ‏‏1962، وما كان عليه في عهد الإمامة قبل 1962 ‏فقط. هذا واجب الدولة طبعا وكان واجب الأئمة ‏أن يفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوا، كان هناك مدرسة ‏واحدة في العاصمة صنعاء، كان هناك مستشفى ‏واحد ليس مستشفى كان خرابة، يسمى مستشفى ‏في اليمن. ‏

‏* على كل ذلك تاريخ -كما قلت- هذه أيام ربما ‏كانت لها ظروفها المختلفة الآن، الحقيقة أن ‏الاقتصاد اليمني الآن ضعيف، والبعض يصفه بأنه ‏متدهور.. ما السبب في حالة عدم الاستقرار ‏الاقتصادي على مستوى اليمن. البعض يربطه مرة ‏أخرى بالفساد الموجود في السلطة، واستئثار ‏الثروات في أيدي عدد قليل من المتنفذين في ‏الدولة؟
‏- والله شوف لا تخلو دولة من الفساد. أصلا أنا لا ‏أقول إنه لا يوجد فساد. كل بلاد الدنيا وبالذات في ‏العالم الثالث تعاني من فساد بشكل أو بآخر، لكن ‏في اليمن بالرغم من الفساد الموجود إلا أن هناك ‏تنمية كبيرة حدثت خلال الفترة الماضية، أيضا، ‏لكن يجب أن يكون واضحا أن الموارد في اليمن ‏شحيحة جدا يكاد الاقتصاد اليمني -وهذا خطأ ‏طبعا تتحمله الحكومات اليمنية المتعاقبة- يعتمد ‏بنسبة أكثر من 75 بالمائة من موازنة اليمن على ‏صادراته من النفط، وهي موارد شحيحة تكاد ‏تصل إلى ثلاثمائة ألف برميل في اليوم، وهي لا ‏شيء، ومع ذلك اللوم الذي يمكن أن يقع على ‏الحكومات المتعاقبة أنها لم تبحث عن موارد ‏أخرى لم تنمِ الموارد الضريبية لم تنم الموارد ‏الجمركية. ‏
هذه مسألة أخرى لا علاقة لها بالفساد. مشكلة ‏الاقتصاد في اليمن أننا لم نستطع أن نجذب ‏الاستثمارات كما يجب بسبب ضعف الخبرات، ‏والإمكانات، والقدرات الإدارية الحكومية، لكن ‏التدهور الاقتصادي الموجود هو ناتج عن شحة ‏الموارد، وشحة الدعم الخارجي، وهذا ما أدى إلى ‏أن تنمو مثل هذه الحركات المتطرفة هنا وهناك، ‏وأدى إلى أن المجتمع الدولي اليوم والمحيط ‏الإقليمي من حولنا يدركان بأن ترك اليمن أسيرا ‏للفقر وللبطالة....‏

‏* سيجعله ملاذا للقاعدة؟ ‏
‏- طبعا.. طبعا، ليس ملاذا للقاعدة فقط بل ملاذا ‏لكل أشكال التطرّف التي تجعله يعاني من ‏المتاعب.‏

‏* إذن، وكأنك أستاذ نصر تقول إن هذا يبرر ‏الجبهة الجديدة التي فتحها اليمن قبل أسابيع مع ‏مقاتلي القاعدة فيما سُمي ب"العمليات الإستباقية"، ‏يعني الخطاب الذي يقوله اليمن ليس منفردا في ‏المواجهة مع القاعدة مع التطرّف والوضع ‏الاقتصادي في اليمن، ما أدى الوضع الحالي إلى ‏
الانتباه الغربي إلى اليمن، وموضوع التنمية فيه. ‏إذن هل أراد اليمن أن يفتح هذه الجبهة مع القاعدة ‏من أجل لفت الانتباه الغربي إليه، وجعلها أن تكون ‏أكثر تدخلا من أجل حسم هذه الملفات لصالح ‏الدولة؟

‏- عند ما تكون عندك نسبة البطالة تتجاوز 25 ‏بالمائة، توقّع أن يتم استقطاب هؤلاء الشباب من ‏أي أطراف تستطيع أن تقدّم لهم المال أو تقدّم لهم ‏أي إغراءات تضر باستقرار اليمن ووحدته، أو ‏أمنه، فاليوم في هذا العصر لا يمكن أن يعيش بلد ‏لوحده دون أي ارتباط مصالح مع الآخرين، حتى ‏البلدان الغنية، البلدان الثرية، تستقطب كفاءات من ‏خارجها، كما في دول الخليج، هي بلدان ثرية، ‏لكنها تستقطب كفاءات من خارجها، وتنمِّي ‏قدراتها، لا يوجد اليوم بلد يمكن أن يعيش لوحده ‏كأنه جزيرة مستقلة خارجة عن الكون. فالدول ‏يجب أن تكمل بعضها ويجب أن تدعم بعضها ‏البعض. ‏

‏* ولكن هل كانت الولايات المتحدة الأميركية ‏بعيدة عن وضع اليمن الاقتصادي والاجتماعي ولا ‏تعلم لماذا هذا التوقيت بالذات بعد أن أصبح العدو ‏المشترك الآن في الأراضي اليمنية؛ العدو ‏للولايات المتحدة الأميركية؟ ‏
‏- نحن كُنا ننبههم أننا نعاني من مشاكل الإرهاب.. ‏ننبههم من تنامي مخاطر القاعدة في اليمن، لكنهم ‏لم ينتبهوا إنه عند ما حدث تفجير المدمرة كول في ‏عام 2000 من ذلك الحين بدأ التعاون الأمني ‏اليمني - الأميركي تحديدا، واليمني - الأوربي ‏عموما من عام 2000، وما حدث مؤخرا ليس ‏أمرا جديدا، وموضوع إغلاق السفارات أبوابها، ‏وما إلى ذلك هو ليس أمرا جديدا، هذه المسائل ‏حدثت من قبل، لكن القاعدة فعلا يمكن أن تشكل ‏خطرا حقيقيا على المصالح الأجنبية في اليمن، ‏لكنها لا يمكن أن تشكل خطرا على استقرار النظام ‏بشكل عام أو على وجود النظام. ‏


‏* إذن لماذا يستدعي النظام الغرب والولايات ‏المتحدة الأميركية، بريطانيا في الأسابيع الماضية ‏أيضا أعلنت أنها هي والولايات المتحدة الأميركية ‏ستنشئان وحدة أمنية خاصة بالتعاون مع الجيش ‏اليمني من أجل مكافحة أو التصدي للقاعدة؟‏
‏- التعاون قائم من قبل.. التعاون موجود وهو ليس ‏بشيء جديد.. التعاون الأمني موجود وقائم منذ ‏عام 2000 تحديدا، والنظام لم يستدع أحدا. ‏

‏* ولكنك قلت إن القاعدة لا تشكل تهديدا لاستقرار ‏اليمن؟ ‏
‏- أنا قلت إنها لا تشكل خطرا على وجود النظام ‏وعلى كيان الدولة، لكن الذي يمكن أن يشكل ‏خطرا على كيان الدولة هو التمرّد الحوثي باعتباره ‏يمتد على مساحة محافظة بأكملها. ‏

‏* ومع ذلك لم ينتبه له الغرب؟ ‏
‏- نعم للأسف الشديد. الحراك الانفصالي اليوم هو الذي أصبح يشكل أيضا مظلة لنشاط القاعدة في المحافظات ‏الجنوبية.. التمرّد الحوثي مع الحراك الانفصالي أديا إلى خلق أجواء مناسبة للقاعدة لتنتعش من جديد.. إذا ‏لاحظت ستجد أن قرار القاعدة بتوحيد تنظيمها في اليمن وشبه الجزيرة العربية أعلن قبل عام من الآن، أي في ‏أوائل 2009 بعد أن تطور نشاط الحراك الانفصالي وتطور التمرد الحوثي هم وجدوا في مثل هذه الأجواء غير ‏المستقرة في اليمن مجالا بل أكثر من ذلك، ومن الغريب أن القاعدة تنظيم يقول إنه إسلامي، لكنه يؤيد الانفصال ‏في الجنوب، وهذا من التناقضات الفكرية الملفتة للنظر.. أقول لك لماذا تؤيد الانفصال في الجنوب؛ لأنه يعتقد أن ‏الانفصال لو حدث -لا سمح الله- أو التجزئة في الجنوب سيمكنه ذلك من إنشاء إمارة صغيرة أو دويلة تكون ‏منطلقا له في نشاطه بالمنطقة؛ لأن ما سيحدث إذا حدث انفصال -لا سمح الله- أن البلد وبالذات المحافظات ‏الجنوبية ستدخل في حالة فوضى شاملة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قناة الحوار
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 08-أبريل-2025 الساعة: 07:39 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-1699.htm