صنعاء نيوز - ارتفعت نسبة الفقر في اليمن وتفاقمت بالفعل بسبب الأزمة السياسية في عام 2011 إلى 54.5% من مجموع السكان الذين يزيد عددهم على 22 مليون نسمة، بعد أن كانت 42% في عام 2009.
وكشف مكتب البنك
الدولي بصنعاء في أحدث تقاريره عن تضاعف معدّل البطالة من مستواه الذي بلغ 14.6% في عام 2010، وأن معدّل البطالة في صفوف الشباب أكبر كثيراً وبلغ 60%.
وأوضح التقرير الذي حمل عنوان "مواجهة الحقائق الصعبة في اليمن"- حصل عليه "نيوز يمن"- أن النشاط الاقتصادي سجّل انكماشاً نسبته 11% في عام 2011، وارتفعت أيضاً أسعار الغذاء والمستهلكين ارتفاعاً حاداً، وأظهرت البيانات الرسمية للأسعار أنه حدثت قفزة كبيرة في معدّل التضخم السنوي إلى 23% في نهاية عام 2011.
كما أن عشرة ملايين يمني أو أقل قليلاً من نصف السكان، يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وقرابة مليون طفل تحت سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد.
وعزا التقرير الآثار السلبية الخطيرة والمباشرة لأزمة عام 2011 على صحة الأفراد ورفاهيتهم مباشرةً إلى التدهور الحاد في أوضاع التنمية في اليمن، ولاسيما على صعيد الخدمات الاجتماعية الأساسية.
وتعرّضت الخدمات الاجتماعية السيئة بالفعل لمزيد من الضرر من جرّاء الأزمة، تاركةً قطاعات كبيرة من السكان المحرومين عاجزين عن الحصول على أي شكل من الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، وبدون نظام فاعل لشبكات الأمان الاجتماعي.
وتتضمن التحديات الفورية التي تواجه اليمن التفاوت الشديد بين الجنسين قبل الأزمة، حيث أن نسبة النساء في القوى العاملة لا تزيد على 0.6%، فيما حدث تراجع أكبر في مدى توفر الخدمات الاجتماعية الأساسية والفرص الاقتصادية، وكذلك ارتفاع مستويات العنف ضد المرأة نتيجة للاضّطرابات التي تشهدها البلاد.
ومازال الوضع الأمني محفوفاً بالمخاطر، إذ تثور حركات تمرّد مسلّحة في شمال البلاد وجنوبها، وزادت أنشطة المتشددين الإسلاميين، وتسببت زيادة الأعمال العسكرية في الجنوب نتيجة المواجهات التي تدور بين الجيش وعناصر تنظيم القاعدة في تشريد 150 ألف نسمة منذ مايو 2011.
وأفاد التقرير في استعراضه للتحديات طويلة الأمد التي يواجهها اليمن بأن معدل النمو السكاني في اليمن يبلغ 3% سنوياً، أي ضعفي المتوسط الإقليمي، وهو ما يشكّل ضغطاً شديداً على الخدمات الاجتماعية والموارد الطبيعية. وإذا استمر معدّل النمو الحالي، فإنه يتوقع أن يزيد عدد السكان من 22 مليون نسمة إلى 50 مليوناً بحلول عام 2035.
وستؤدي "الطفرة في أعداد الشباب" الناجمة عن هذا النمو، حيث تقل أعمار نحو نصف السكان عن 15 عاماً، إلى تفاقم مشكلة البطالة بين الشباب.
ويشكّل النفط حوالي ثلث إجمالي الناتج المحلي ونحو ثلاثة أرباع الإيرادات الحكومية و90% من الصادرات. غير أنه في غياب اكتشافات جديدة، فإنه من المتوقّع، في ظل معدلات الاستخراج الحالية، أن تنفد الاحتياطيات النفطية خلال العشرة أعوام إلى الإثني عشر عاماً القادمة. وقد يجد اليمن قريباً أنه لا مفر من تنويع مصادر اقتصاده.
كما أن هناك مؤشرات على أن الغاز الطبيعي مبشّر وقد يصبح مصدراً مهماً للعائدات في المستقبل، لكن يجب الحرص على ألا يلعب دوراً مماثلاً للنفط، فيتسبب في خنق التنمية وجهود تنويع الاقتصاد.
وتسبب تغيّر المناخ مع التوسع العمراني السريع والنمو السكاني في هبوط التساقطات المطرية وزيادة كبيرة في الطلب على إمدادات المياه من المصادر الطبيعية. وفي بعض المدن الكبرى، مثل العاصمة صنعاء لا يتاح الماء إلا بضع ساعات في اليوم، وقد تستنزف بالكامل مكامن المياه الجوفية التي تغذيها في غضون 20 عاماً.
وحقّق اليمن تقدماً ملموساً في أعقاب تبنّي مبادرة مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 2011 التي أنهت عاماً من الاضّطرابات السياسية. فقد تم تشكيل حكومة وفاق وطني، وتنصيب رئيس جديد للبلاد هو عبد ربه منصور هادي، وانطلقت عملية تحوّل مدتها عامان ستتضمن وضع دستور جديد وتتوّج بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.
ومع أنه يجري تنفيذ الإصلاحات الرامية إلى معالجة أسباب تلك الاضّطرابات وإرساء أسس مجتمع أكثر إنصافاً واشتمالاً، فإن المكاسب التي تحقّقت هشة وقد تتقوّض بسبب أي تحد من التحديات العديدة الفورية الملحة والطويلة الأمد التي يواجهها اليمن. ونظراً لأن اليمن هو أحد أفقر بلدان المنطقة العربية، فإن الأزمة أدّت إلى تفاقم أوضاع خطيرة بالفعل.
وبعد غياب دام ثمانية أشهر بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، استأنفت مجموعة البنك الدولي عملياتها في اليمن في يناير 2012.
وبناءً على طلب من حكومة الوحدة الوطنية، قام البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والبنك الإسلامي للتنمية بإجراء تقييم موسع للآثار الاجتماعية والاقتصادية للأزمة السياسية في عام 2011.
وخلص التقييم الاجتماعي والاقتصادي المشترك إلى أنه لتحقيق انخفاض ملموس في معدلات الفقر وسوء التغذية، يجب تحقيق معدل نمو يتراوح بين 7 و8%، أي تقريباً مثلي المتوسط البالغ 4% الذي كان سائداً قبل الأزمة.
وسيتطلّب هذا استثمارات عامة متواصلة ذات تمويل خارجي بقيمة ملياري دولار سنوياً خلال الأعوام الأربعة القادمة.
ولفت التقرير إلى أن هذا التقييم "مكوّن رئيسي من عملية التحوّل، إذ يسهم في إثراء خطة التعافي الاقتصادي لحكومة الوفاق الوطني، ويكون أساساً لتنسيق الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للمانحين لمساندة الخطة".
وفي سبتمبر 2012، شارك البنك الدولي مع المملكة العربية السعودية واليمن في استضافة مؤتمر للمانحين في العاصمة السعودية الرياض، نجح في تحقيق هدفه المتمثل في الحصول على تمويل قدره 6.4 مليار دولار، أي ما يكفي لتغطية احتياجات المرحلة الانتقالية حتى أبريل 2014، كما شارك البنك الدولي في الاجتماع الوزاري الرابع لمجموعة "أصدقاء اليمن" الذي انعقد في نفس الشهر في نيويورك وارتفعت فيه تمويلات المانحين لتصل إلى 7.9 مليار دولار لتغطية مشاريع البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية للأعوام 2012- 2014.
ووضع البنك الدولي بالتشاور مع الحكومة الانتقالية إطار المساءلة المتبادلة الذي يحدد العلاقة بين اليمن ومانحيه، بما يكفل تقديم مساعدات كافية في الوقت المناسب، مع التأكيد على التزام الحكومة ببرنامجها للإصلاحات الاقتصادية.
وتعهّد البنك الدولي بإضافة 400 مليون دولار من الموارد الجديدة خلال العامين القادمين إلى برنامجه الحالي لتقديم ارتباطات قيمتها 700 مليون دولار لمساندة المشاريع الجارية في اليمن.
ولتلبية الاحتياجات الملحة إلى فرص العمل وخدمات البنية التحتية الأساسية، أطلق البنك الدولي مشروع الأشغال العامة كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة بقيمة 65 مليون دولار في مايو 2012.
وسيغطّي هذا المشروع كل محافظات اليمن الواحدة والعشرين، وهو يهدف إلى توفير فرص عمل قصيرة الأمد ومرافق عالية القيمة للبنية التحتية العامة من أجل المجتمعات المحلية الأكثر احتياجاً، مع قيام المجتمعات نفسها بعملية اختيار كل من مشاريع الأشغال العامة.
ويجري البنك الدولي حالياً سلسلة من المشاورات في صنعاء مع مجموعة متنوعة من المسؤولين الحكوميين وممثلي المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية ومجتمع المانحين لوضع مذكّرة إستراتيجية مؤقتة ستكون مرشداً لتعاون البنك مع اليمن خلال الثمانية عشر شهر القادمة.
وتقوم مذكّرة الإستراتيجية المؤقتة على أربعة محاور "تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وحماية الفقراء والمحرومين، وإنعاش القطاع الخاص بوصفه مصدر النمو في المستقبل، وجعل الحكومة أكثر خضوعاً للمساءلة أمام مواطنيها وأقدر على تقديم الخدمات الحيوية"، حيث يراعي تصميم كل خطط البنك الدولي وتنفيذها ضمان أن تتوافق مع أهداف الثورة الشبابية الشعبية التي اندلعت مطلع العام الماضي، وأن تعزّز اشتمال الشباب ولاسيما النساء ومشاركتهم، وأن تساهم في تعزيز الشفافية والمساءلة. |