صنعاء نيوز/ كتب: سالم عمر مسهور - ليس من الضروري أن يكون كلامي مقبول، من الضروري أن يكون صادقاً - سقراط ـ.
14 أكتوبر 1963م يبدو يوماً محورياً في التاريخ اليمني حيث أنه كان الخطوة الحقيقية نحو مشروع تاريخي طموح في الفكرة اليمنية من عهد الإمامة وحتى الانقلاب الذي سرع في الحصول على خط واضح تجاه المشروع السياسي اليمني، ففكرة التوسع اليمنية ليس بأمر يمكن تجاوزه في التاريخ السياسي اليمني خاصة وأن اليمن قد خسرت مساحة كبرى بعد حربها مع المملكة العربية السعودية وتوقيع معاهدة الطائف في مدينة جدة عام 1934م، وهي التي كرست فكرة التوسع اليمني سياسياً ومذهبياً صوب المناطق الحضرمية واليمنية الجنوبية، أو ما يصطلح تسميته بالنواحي التسع تاريخياً.
في العام 1873م وجدت بريطانيا العظمى أن ترسخ من وجودها فيما يسمى النواحي التسع وهي السلطنات والإمارات التالية : الفضلي ، العبدلي ( لحج ، اليافعي ، الصبيحي ، العولقي ، الضالع ، الحوشبي ، العلوي ، العقربي ) ، فهذه النواحي كانت تخوض معارك قبلية داخلية ، وأخرى معارك فيما بينها كسلطنات وإمارات إلا أن بروز التدخل العثماني في شئونها شكل للبريطانيين دافعاً للتدخل بمقابل مد النواحي التسع بالمال والسلاح في مقابل الحماية البريطانية ...
وكانت السلطنة الوحيدة الشاذة في هكذا اتفاق هي سلطنة العبدلي ، التي لم تحصل على حق الحماية البريطانية على غرار بقية السلطنات والإمارات حتى تم التفاهم بين البريطانيين والعبادل على اتفاقية حماية خاصة قبل أن تتفاوض بريطانيا مع العثمانيين على نقل الحماية للإمبراطورية البريطانية على كل النواحي التسع كاملة في نهاية العام 1873م ...
في العام 1933م قرر برنارد ريلي كبير المندوبين البريطانيين والقائد العام نقل الإشراف على عدن من حكومة الهند إلى وزارة المستعمرات ، وفي يوليو 1936م صدر القانون المحلي لمستعمرة عدن وتم نقل كامل المسؤوليات الإدارية والمالية والتشريعية إلى حاكم مستعمرة عدن ، وكان كل هذا تمهيد لنقل مستعمرة عدن إلى مستعمرة للتاج البريطاني ، وكان التطبيق الفعلي في الأول من نيسان / ابريل 1937م ، وربطت بريطانيا كل المحميات من سلطنات وإمارات إدارياً بمستعمرة عدن ترسيخاً للأنظمة والقوانين البريطانية بهذا الجانب ...
كل هذا التنظيم السياسي والإداري حتم على حاكم عدن فرض سيطرته المطلقة على كل المحميات من سلطنات وإمارات مما شدد قبضة البريطانيين حتى بعزل الزعماء وتعيينهم من قبل حاكم مستعمرة عدن ، وكان مسمى الحاكم هو المتعارف عليه بين الزعماء المحليين للإمارات والسلطنات والمشيخات في المحمية الشرقية والغربية ...
بعد صلح قبائل حضرموت التاريخي عام 1937م والذي كان برعاية بريطانية ظهر في مدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية آنذاك المناضل عمر سالم باعباد والذي أظهر فكرة تحررية تذهب إلى تحرير إقليم حضرموت عن الحماية البريطانية ، وإقامة الدولة الحضرمية على مساحة السلطنتين القعيطية والكثيرية معاً ، وقد أخذ هذا المشروع السياسي نمطاً أخاذاً من نواحي التفاف نخبة من أدباء ومثقفي ومدرسي حضرموت في المكلا وغيل باوزير والشحر وتريم وسيئون حيث أن عمر سالم باعباد كان قد زار هذه المدن مروجاً لفكرته التي نشطت بعد عودته إلى المكلا وأصدر دستور الدولة الحضرمية وأطلق مسمى الدولة ( دولة حضرموت المتحدة ) حتى أنه نشر في صحيفة محلية تطبع في الهند آنذاك على نفقة السلطان القعيطي ...
هذا المشروع السياسي الحضرمي كان هو نواة فكرة الجنوب العربي ، التي تبنتها قوة رابطة أبناء الجنوب في العام 1947م ، حيث كانت بديلاً عن مستعمرة عدن وتأصيلاً لعروبة هذا الجزء من جزيرة العرب ، وكانت الرابطة تهدف للقضاء على مفاهيم التجزئة والفرقة ، وعم منذ ذلك التاريخ المهم مسمى ( الجنوب العربي ( على المساحة الممتدة من باب المندب وخليج عدن وحتى حدود عمان شرقاً ، ويحدها شمالاً المملكة السعودية والمملكة المتوكلية ، وجنوباً بحر العرب ...
وفيما كانت رابطة أبناء الجنوب تتقوى داخلياً من خلال نخبة أبناء الجنوب العربي من مختلف الطبقات الاجتماعية والسياسية وبدأت تتبلور الفكرة السياسية التحررية من بريطانيا وخاصة مع تنامي المد القومي التحرري من الاستعمار في الوطن العربي ، وأخذ الناشطين يبذلون جهوداً كبرى في جانب ترسيخ مفهوم الجنوب العربي من جهة ، ومن جهة أخرى تكوين القاعدة السياسية النضالية لتحقيق الاستقلال السياسي للجنوب العربي ...
في العام 1956م ومع توافد الانقلابين من اليمن ظهرت قوى مناهضة لفكرة ) الجنوب العربي ) كانت ترى أن تسمية الجنوب العربي هي تسمية استعمارية ، وأن الجنوب العربي هو جزء لا يتجزأ من الحدود الطبيعية لليمن ، وحتى أن الإمام أحمد بن يحيي حميد الدين كان يحمل هذا التصور والمفهوم الأيدلوجي ، وتبنى الشيوعيون في الحركة العمالية وإلى جانبهم القوميين العرب ومعهم اليمنيين هذا التوجه الذي تم تصديره مفهوماً إلى البلدان العربية ليظهر المسمى ) الجنوب اليمني المحتل) ...
في تلك الأثناء وعلى الرغم من انتصار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية إلا أن استقلال الهند في العام 1947م واستقلال العديد من المستعمرات البريطانية أدى إلى تقلص النفوذ البريطاني خاصة في المنطقة العربية ، وكانت بريطانيا في تلكم المرحلة تحاول إنشاء إمبراطورية جديدة تتوسع فيها إلى أفريقيا ، وتبدو عدن والمحميات تشكل قاعدة عسكرية مهمة إلى جانب تواجدها السياسي في الخليج العربي ، إلى جانب أن عدن كانت المنشأة النفطية الرئيسية لتصفية النفط البريطاني ، وإن كانت الخشية البريطانية من وقوع النفط في أيادي الدول العربية أو الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت في دخول الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، كل هذه الضغوط ولدت لدى البريطانيين فكرة تكريس الاستقرار السياسي في مستعمرة عدن والمحميات ...
طرح الحاكم البريطاني مشروع اتحاد الجنوب العربي والذي لم يضم السلطنتين القعيطية والكثيرية والسبب الحقيقي هو أن بريطانيا قد وقعت مع السلطنتين اتفاقيات التنقيب عن النفط ، وكان مشروع اتحاد الجنوب العربي فيه ترغيب للسلطنات والإمارات الموجودة آنذاك للانطواء تحت كيان سياسي موحد تحت رعاية بريطانية ...
رأت رابطة أبناء الجنوب أن هذا المشروع يعني تكريس الوجود الاستعماري للجنوب العربي ، فقامت بحملة شرسة تجاه المشروع البريطاني ، وكونت جبهة وطنية تهدف إلى الحكم الذاتي لعدن والمحميات الشرقية والغربية ، وتبنت حق تقرير المصير لشعب الجنوب العربي ، وأنها لا تتفق مع أي إجراءات تقوم بها السلطات الاستعمارية وحتى لو صادق عليها السلاطين والحكام ...
وفي أغسطس من العام 1956م قامت بريطانيا بنفي رئيس رابطة أبناء الجنوب محمد علي الجفري ، بتهمة النشاطات التحريضية إلى أنه عاد من منفاه إلى لحج ، فقامت بريطانيا بإخضاعه للإقامة الجبرية فيها ومنعه من العمل السياسي ، إلا أنه لم يتوقف فأرسلت بريطانيا قوة عسكرية أطاحت بسلطان لحج علي عبدالكريم العبدلي في يوليو 1958م ...
ومع تنامي المد الثوري التحرري خاصة مع الوحدة السورية المصرية في العام 1958م لم تجد بريطانيا من وسيلة تؤمن بها مصالحها ووجودها إلا إعلان اتحاد الجنوب العربي ، ومارست كامل ضغوطها على السلاطين والحكام حتى حصلت على الموافقات التي بموجبها أعلن عن قيام ( اتحاد الجنوب العربي ) في العام 1962م برغم المعارضات الشعبية الرافضة لوجود هذا الكيان السياسي ، وحددت العاصمة السياسية وكامل التفصيلات المتعلقة بالاتحاد ...
وبعد انقلاب 26 سبتمبر 1962م وإعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية قامت كل مصر واليمن بتكريس الوجود المناهض للجنوب العربي الذي كان يحقق على الصعيد الدبلوماسي نجاحات هامة لتقوم كل من الحكومتين المصرية واليمنية بدعم الشيوعيين في الحركة العمالية والقوميين العرب لإعلان ما سمي ثورة 14 أكتوبر 1963م ، في حين أن الجنوب العربي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق نصر سياسي بدت بوادره مع خطاب المناضل الكبير شيخان الحبشي يرحمه الله في هيئة الأمم المتحدة الذي ألقى خطاباً هاماً فيما يلي نصه :
" السيد رئيس الجلسة، السادة الأعضاء الموقرين..
يجب قبل كل شيء أن أعلن شكر وامتنان شعب الجنوب العربي نحو الأمم المتحدة كمنظمة دولية وكأعضاء في هذه المنظمة، فقد استطاعت المنظمة أن تحقق استقلال كثير من الأمم الأفريقية والآسيوية واستطاعت أيضاً أن تكفل إلى حد كبير السلام والأمن للعالم، بيد أن ما يستحق الشكر والامتنان بوجه خاص هو أن المنظمة قد أصدرت قرارها الدولي الخاص بإلغاء الاستعمار ومنح الاستقلال لكل الشعوب والأقطار المستعمرة وبوجه أخص إنشاء الجمعية العامة هذه اللجنة كتنفيذ نص ومعنى بنود القرار كيما تستطيع جميع الشعوب والمناطق المحتلة أن تحصل على استقلالها.
لقد حضرت إلى الأمم المتحدة في عام 1959 ظاناً أني سأطرق أبوابها أسألها أن تمنحنا الاستقلال وكان الاعتقاد آنذاك أن الأمم المتحدة تستطيع أن تفعل شيئاً، غير أنها لم تكن قد أصدرت قرار منح الاستقلال، وكذا فقد علمت من الجميع وكنت اعتقد أنني لن أحصل وأتمتع بحق الاستماع في المنظمة ما لم أهدد السلم العالمي وأريق الدماء وأرتكب التخريب والقتل وكثيراً من أعمال العنف، عندئذ فقط أستطيع لفت نظر الأمم المتحدة.
والآن وقد صدر القرار المشار إليه أنفا نستطيع معشر أبناء الجنوب العربي أن نتمتع بحق الاستماع والكلام والفضل يرجع إلى الأمم المتحدة. ورغم ذلك فإن كثيراً من ذوى النوايا الطيبة في العالم ما زالوا يعتقدون أن الأمم المتحدة لا تلتفت إلا إلى إراقة الدماء والقتل والمذابح والتخريب وأعمال العنف، لأن الأمم المتحدة عودتهم على مثل هذا الاعتقاد.. وأنا اعتقد أن الأمم المتحدة يجب أن تزيل هذه الفكرة بأعمالها وتصرفاتها في السنين القادمة، ولا سيما إزاء الجنوب العربي.
إن الجنوب العربي جزء من العالم العربي ومن السهل جداً أن يفعل أهله مثلما فعل الجزائريون والقبارصة، فيريقوا الدماء ويزهقوا الأرواح فيحصلوا على احترام الأمم المتحدة لرغباتهم وأهدافهم.
لقد أتيت إلى الأمم المتحدة بتوجيه من أبناء الجنوب العربي وكلي ثقة وإيمان بأن الأمم المتحدة ستقوم بتنفيذ قرارها العالمي دون الحاجة إلى ما لا يلزم من إراقة الدماء وارتكاب أعمال العنف.
إنني أرى أن أمام الأمم المتحدة فرصة طيبة لتثبت أنها قادرة على تنفيذ قرارها وأنها حريصة على حياة الضعفاء والمستعمرين، وحقن دمائهم حرصها على حياة الأمم القوية.
وأرجو ألا يؤدي حضوري إلى الأمم المتحدة ولجوئي إليها إلى الاستهانة بتصميم شعبي الأكيد على مواصلة كفاحه لنيل حقه ألا وهو الحرية. فعلى الأمم المتحدة أن تلتزم بقراراتها فهي منظمة أمم متحدة لا أمم متنافرة، تنصر الحق والعدل وإذا تحقق العدل في كل مكان، انتصر السلام والأمن.
إن قضية الجنوب العربي واضحة وبسيطة وسهلة الفهم إذا تحاشينا التعقيدات الكامنة خلفها. إنها قضية شعب مُستعمر- أعني شعب الجنوب العربي- يعيش في ظل الحكم البريطاني وتحت سيطرته ليس له من تمثيل لدى أي تنظيم أو هيئة عالمية ولا يتمتع بعضوية المجتمعات الحرة.. هذه هي قضية الجنوب العربي. إنه قطر مستعبد، وعلى الأمم المتحدة أن تجعله قطراً حراً.
إن عالم اليوم لم ير من قبل قطراً صغيراً قليل السكان متأخراً إلى حد كبير، يرأسه هذا العدد الغفير من الحكام، ومقسماً إلى هذا العدد من الولايات لكل منها علمها الخاص وضرائبها الجمركية كالجنوب العربي. في الجنوب العربي عدد من الولايات يضاهي عدد ولايات الأمريكيتين. فيه حوالي 23 ولاية أو تزيد برؤسائها من أمراء وسلاطين وشيوخ، هم أنفسهم ليسوا إلا عبيداً لغيرهم لا حول لهم ولا قوة.أما في المجالات الخارجية، فالجنوب العربي واحة سياسية لا تتجزأ رغم أنه داخلياً مقسم إلى هذا العدد الكبير من الولايات، كل واحدة منها مستقلة تماماً عن الأخرى، إلا أنها تخضع جميعها لعدن وعدن مستعمرة. هذا هو الحال في الجنوب العربي، وأي حال!.
وطالما أن حقيقة الأوضاع هناك لا زالت خافية على هذه المنظمة، فإن من واجبي أن اكشفها وأبينها، لا رغبة في التشهير والفضيحة ولكن لإحقاق الحق وكشف القناع عن الواقع المرير الذي يعيشه ذلك الصقع التعس.
ما هو الجنوب العربي؟
إن بلدي كما ذكرت يتكون من مستعمرة عدن - وهي مجرد مدينة - وعدد من السلطنات والإمارات والمشيخات، لا يعلم عددها أحد لأنها تتكاثر من وقت لآخر. كل هذه المنطقة وهي وحدة في نظر العالم الخارجي تقع على الساحل الجنوبي- الغربي من بلاد العرب. أما عدن فتبلغ مساحتها 75 ميلاً مربعاً فقط، بينما تبلغ مساحة عدن والمحميات حوالي 120000ميل مربع. وكانت قد قسمت منذ عهد طويل إلى سلطنات وإمارات متعددة كل واحدة تتبع شيخاً، ثم جاءت قوات المملكة المتحدة في عام 1838 إلى عدن واحتلها بالقوة الحربية واختطفتها من سلطنة لحج. ومنذ ذلك العام استطاعت سلطات المملكة المتحدة في عدن أن تخضع جميع شيوخ المنظمة وتربطهم بالسلطات البريطانية في عدن ولندن. وهكذا تدرج الشيوخ حتى أصبحوا رؤساء لولاياتهم أمام مواطنيهم، أما بالنسبة للمملكة المتحدة فليسوا سوى عبيد لا حول لهم ولا قوة، لا يملكون حق التصرف بدافع من رغباتهم وأهدافهم ويتحتم عليهم طاعة وتنفيذ أوامر ونصائح سلطات المملكة المتحدة في عدن، وقد ارتبطوا بما يسمى معاهدات الحماية ومعاهدات الاستشارة. إنهم بمقتضى معاهدات الاستشارة محرومون من إقامة علاقات أو الاتصال أو التفاوض مع أي جهة في الداخل أو الخارج، إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية بعدن، ولا يستطيع أي منهم التفاوض مع شيخ آخر ولو كان جاراً له، دون موافقة الحكومة البريطانية في عدن.وبمقتضى هذه المعاهدات قسمت المنطقة إلى وحدات سياسية متعددة، وزاد استبعادها وتقييدها إزاء العالم الخارجي. وقد كان واضحاً للجميع أن بريطانيا كانت - ولعلها لا زالت - تطبق سياسة (فرق تسد )
تلك كانت حالة الجنوب العربي، صحيح أن عدن ربما تكون ذات أهمية بالنسبة للملاحة التجارية، ولكن هذا لا يحتم بقاءها تحت الاحتلال العسكري البريطاني.
وطال ما أن المملكة المتحدة قد فرضت وصايتها كأمر واقع، فيجب عليها أن تقوم بارتباطات وواجبات الوصية الصالحة، فتطعم من استوصت نفسها عليهم وتقدم لهم العلاج وترعى مصالحهم. وهو ما لم تفعله المملكة المتحدة، فلم تطعم أبناء البلاد ولم تأبه لصحتهم ولم تنمّ مصالحهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية بأي حال من الأحوال. فحتى عام 1956 لم يكن بالجنوب العربي أية مدرسة ثانوية عدا مدرسة واحدة في عدن وهي إحدى مستعمرات التاج البريطاني، ولم يكن في البلاد طبيب من أبنائها. ونقلاًً عن تقرير اللجنة الخاصة بالمعلومات المتعلقة بالمناطق المستعمرة، ليس بمستشفيات الجنوب العربي كله أكثر من 104 أسرة، بينما يبلغ عدد السكان حوالي مليون ونصف المليون. هذا ما حققته الوصية التي نصبت نفسهاء على المنطقة "
وقد حددت مطالب رابطة أبناء الجنوب العربي إلى لجنة تصفية الاستعمار ومجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة بما يلي نصه :
من الواضح إن كل القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجانها المختصة جاءت مطابقة لنفس المطالب التي تقدم بها حزب رابطة الجنوب العربي إلى لجنة تصفية الاستعمار وهي المطالب التي اجمع عليها الأغلبية الساحقة من جماهير شعب الجنوب العربي المحتل والتي تتلخص في :
1 / إزالة الوجود الاستعماري.
2 / وحدة الجنوب العربي شعبا وأرضاً .
3 / انتقال السيادة وسلطات الحكم إلى الشعب بأجراء انتخابات عامة لمجلس تمثيلي تنبثق عنه حكومة وطنية لكل الجنوب العربي .
4 / أجراء انتخابات عامة عامه في ظل الحريات الأساسية للإنسان وتحت أشراف لجنة دولية محايدة وان تسبق هذه الإجراءات نيل الاستقلال .
وفد الرابطة الذي شارك في اجتماع الجمعية العامة لهيئة ألأمم المتحدة كان مكوناً من لأخوة التالية اسماهم :
1 / السيد محمد علي الجفري رئيس الرابطة0
2 / الأستاذ شيخان الحبشي - أمين عام الرابطة .
3 / السلطان علي عبد الكريم العبد لي - سلطان لحج .
وصدر بتاريخ الحادي عشر من كانون الأول / ديسمبر 1963م قرار هيئة الأمم المتحدة بشأن ما تقدمت به رابطة الجنوب العربي وفيما يلي نص القرار :
وأخيرا قدمت لجنة تصفية الاستعمار تقريرها عن قضية الجنوب العربي - عدن والمحميات-بواسطة اللجنة الرابعة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ونوقش التقرير في النصف الأول من شهر ديسمبر سنة 1963م وتحدث كثير من الوفود حول القضية منددا بالاستعمار البريطاني وعدوانه وتلكؤه في تنفيذ نص الإعلان العالمي بتصفية الاستعمار بالنسبة للجنوب العربي وامتناعه عن السماح للجنة الفرعية بدخول المنطقة 0 وقد وافقت الجمعية على هذا هو التقرير المختص بعدن التقرير كما أصدرت في 11 ديسمبر 1963م بأكثرية 77 صوتا ومعارضة 10 أصوات وامتناع11 عضوا عن التصويت منهما اليمن
أن الجمعية العامة: وبعد إن وضعت في اعتبارها الفصل الخامس من تقرير اللجنة الخاصة بالنظر في تطبيق الإعلان القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة وهو التقرير المختص بعدن وإذ تشير إلى قراراتها رقم 1514 الصادر في ديسمبر 1960م ورقم 1954 الصادر في 27 نوفمبر 1961م ورقم1810 الصادر في 17 ديسمبر 1962م وإذ جعلت نصب عينيها الرغبة الاجتماعية التي أعرب عنها للجنة الفرعية المختصة بعدن في الإنهاء العاجل للسيطرة الاستعمارية وإذ أحاطت علما بالرغبة القوية للسكان في وحدة المنطقة وإذ تعرب عن اهتما مها العميق للأحوال المتردية في المنطقة وان استمرارها قد يؤدي إلى اضطراب خطير ويهدد الأمن الدولي ويعكر صفوه0 وبعد إن اقتنعت بضرورة استشارة شعب المنطقة في اقرب وقت ممكن
1 ـ تصادق على تقرير اللجنة الخاصة بتطبيق الإعلان العالمي القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة وتؤيد استنتاجات وتوصيان اللجنة الفرعية المختصةبعدن0
2 ـ تعرب عن أسفها البالغ لرفض حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندا التعاون مع اللجنة الفرعية المختصة بعدن خاصة رفضها السماح للجنة الفرعية بالذهاب إلى المنطقة تنفيذا للمهمة التي كلفتها بها اللجنة الخاصة 0
3 ـ تؤيد قرارات اللجنة الخاصة التي أصدرتها في 3 يونيو 1963م و19 يوليو 1963م0
4 - تجدد التأكيد بحق شعب المنطقة في التحرر من الحكم الاستعماري وتقرير المصير طبقا للإعلان العالمي القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة
5 - تعتبر إن الاحتفاظ بالقاعدة الحربية في عدن يلحق أضرارا يكدر صفو الأمن في تلك الجهات ولذلك فان إلغاؤها العاجل أمر مرغوب فيه 0
6 - توصي بوجوب السماح لشعب عدن ومحمياتها بمزاولة حقه في تقرير مصيره بالنسبة لمستقبله على إن تتخذ مزاولة ذلك الحق شكل التشاور بين جميع السكان يجرى في فرصة ممكنة على أساس من حق التصويت العام لكل البالغين 0
7 - تطالب الدولة صاحبة الإدارة بان0
أ - تلغي كافة القوانين التي قيدت الحريات العامة.
ب - تطلق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم لقيامهم بنشاط ذي طابع سياسي0
ج - تسمح بعودة المنفيين أو اللذين منعوا من الإقامة في المنطقة لنشاطهم السياسي0
د - إن تكف في الحال عن جميع عمليات القمع ضد شعب المنطقة خاصة توجيه الحملات العسكرية إلى القرى وقصفها 0
8 ـ وتطالب الدولة صاحبة الإدارة إن تحدث التعديلات الدستورية الضرورية لغرض إقامةجهاز تمثيلي وإقامة حكومة مؤقتة لعموم المنطقة طبقا لرغبات السكان على إن يقام ذلك الجهاز التمثيلي وتلك الحكومة بناء على انتخابات عامة تجري على أساس من حق التصويت العام لكل البالغين مع المراعاة الكاملة لحقوق الإنسان الأساسية وحرياته السياسية 0
9- ترجو السكرتير العام بالتشاور مع اللجنة الخاصة والدولة صاحبة الإدارة أن يرتب وجودا فعالا للأمم المتحدة قبل الانتخابات المشار إليها وأثناءها 0
10- وصي بوجوب أجراء هذه الانتخابات قبل نيل الاستقلال الذي سيمنح طبقا للرغبات التي يبديها السكان بملء حريتهم 0
11 ـ توصي بوجوب عقد محادثات دون إي تأخير بين الحكومة التي تسفر عنها الانتخابات السالفة الذكر وبين الدولة صاحبة الإدارة لغرض تحديد موعد الاستقلال وترتيب نقل السلطة 0
12ـ ترجو السكرتير العام إن يبلغ هذه القرارات إلى الدولة صاحبة الإدارة وان يقدم تقريرا إلى اللجنة الخاصة حول تنفيذها 0
13 ـ ترجو اللجنة الخاصة إن تدرس الحالة في عدن مرة أخرى وان تقدم تقريرا عنها إلى الجمعية العامة في دورتها التاسعة عشر0
وبهذه الوثائق السياسية المحددة تاريخاً وافقت بريطانيا العظمى على الجلاء ومنح الاستقلال الكامل والسيادة التامة لـ ( الـجـنـوب الـعـربـي ) بتاريخ التاسع من كانون الثاني / يناير 1968م ، هذا ما كان يجب أن يكون لولا الغاوون والعابثون والطائشون الذين كانوا يدعون بالثورة اليمنية الجنوبية ويتفاوضون مع بريطانيا وحلفائها اليمن ومصر ضد الجنوب العربي وطناً وإنساناً ، في هذا لنتأمل في ميثاق الجبهة القومية الذي يؤكد مغزى ثورة 14 أكتوبر 1963م وهذا هو نصه :
1/ النضال ضد الاستعمار البريطاني المحتل عدن
2/ النضال ضد الحكم الانجلوسلاطيني ( السلطنات المشيخات الأمارات والدول والولايات القائمة في الجنوب العربي )
3/ النضال ضد الدولة الانفصالية اتحاد الجنوب العربي المزيف.
4/ النضال ضد إذناب الاستعمار من سلاطين وعقال ومشايخ وإداريين متخلفين والضباط والمستوزرين من العهد البائد.
5/ النضال ضد الإقطاعيين والبرجوازيين والكهنوتين والقبلية المتخلفة.
6/ النضال من اجل تحقيق وحدة تراب وارض اليمن التي شطرها وجزئها الاستعمار الأجنبي.
7/ النضال من اجل بنا الدولة الوطنية اليمنية التقدمية .
ها نحن إذن على مسافة تزيد عن خمسة وأربعين عاماً ، نتساءل بعقولنا منّ يجب أن يحتفل بثورة 14 أكتوبر 1963م اليمن أم الجنوب العربي أم اليمن الجنوبي ، لقد شكلت ثورة 14 أكتوبر محطة رئيسية في حصول اليمن على حضرموت والجنوب العربي واحتلاله منذ إعلان قيام ما سمي 30 نوفمبر 1967م بـ " جمهورية اليمن الديمقراطية الجنوبية " وتتحقق كل آمال اليمن سياسياً ومذهبياً سواء بوجود الإمامة أو حتى الجمهوريين ، هنا تساءل يجد بأبناء حضرموت والجنوب العربي أن يجيبوا عليه بكامل ما يمتلكون من إدراك ...
ثورة الرابع عشر من أكتوبر هي محطة لمشروع تآمري على حضرموت والجنوب العربي ، وحضرموت والجنوب العربي الذي يحتاج لتحريره قوة في ضمير أبنائه تذهب إلى الاعتقاد بحضرموت وطناً يجب أن يستعاد وفقاً لمقررات الأمم المتحدة التي لابد وأن تستعاد وتتداول ، هذه حيثية لابد من أحياءها في ضمير الجيل الحضرمي والجنوبي العربي إن شاء تحرراً من قيد الاحتلال اليمني الغاشم ...
ها نحن نقرأ ونسمع إلى الهاتفين بروح شهداء 14 أكتوبر 1963م ، ونحن نتساءل عن أرواح شهداء الوطن الحضرمي والجنوبي العربي الذين نكلت بهم الثورة قبل ما يسمى الاستقلال اليمني الجنوبي وبعده ، إن تاريخ الجنوب اليمني لا يمكن طيه بإعلان يوم 13 يناير 2007م يوماً للتصالح والتسامح لأن في إحياء ذكرى 14 أكتوبر و 30 نوفمبر إمعاناً في القهر لكل من سحل وقتل وعذب وأممت أملاكه في مساحة الوطن الجنوبي العربي ...
ليس من الخطأ تدارك خطايا الماضي ، فهذه الولايات المتحدة الأمريكية اعظم إمبراطورية عرفتها البشرية كلها تصالحت مع نفسها يوم نصبت باراك أوباما رئيسها الرابع والأربعين ، هنا تصالحت وتسامحت مع نفسها يوم جاءت بأمريكي من أصل أفريقي ليعتلي هذا المنصب ، وهذه هي أمريكا لا تنفك وهي تسرد تاريخها العنصري على أجيال بعد أجيال حتى جاء اوباما ليشكل الفارق الجوهري في التعاطي مع الماضي وإن كان علقماً مراً ...
ثورة 14 أكتوبر 1963م هي خطيئة من خطايا أبناء حضرموت والجنوب العربي ، وهي منجز يمني عظيم وانتصار كبير لمشروع التمدد والتوسع ، هذا التاريخ يبين المفارقة في واقعية البناء للدول والأمم ، بني الجنوب اليمني على باطل فحصد الناس الشر ، تخلف الوطن عن كل أقرانه العرب وكان هو السابق عليهم ، بسبب أن البناء التحتي كان خطأ فادحاً لا يقبل به عقل ولا منطق ، فجاءت دولة اليمن الجنوبي الذي كان أول خطاب فيها لـ قحطان الشعبي بمدينة سيئون هو مناشدته التوحد مع اليمن الشمالي ، منذ البدء كانت هذه هي استراتيجيتهم وما حدث في الثاني والعشرين من مايو 1990م لم يكن خطأ بل مسألة طبيعية لأن الفكرة كانت هذه منهجيتها ، ولأن علي سالم البيض كان منسجماً ومتصالحاً مع الأفكار القومية التقدمية فذهب إلى الوحدة اليمنية بدون قيود وشروط افتعالها من افتعلها خلال الحقبة من نوفمبر 1967م وحتى يناير 1986م ...
الفرصة لا يجب أن يتخلف عنها أحد من أبناء حضرموت ، المشروع السياسي يمكن أحياءه ، ويمكن التعاطي معه بالصورة اللائقة بشعب يتوق للحرية والعدالة والمساواة ، مبادىء الحضور الإنساني هي ما يجب أن تستحضر ، وهي ما يجب أن تتكرس في هكذا مرحلة تاريخية إن شاء من شاء أن يطوي التاريخ ويبني دولة ممسوخة فهؤلاء لا يريدون بحضرموت خيراً إنما يريدون مناصباً وكراسي قد ولت وانتهت مع سقوط الحزب الاشتراكي الملعون في هذه الدنيا وفي الآخرة سيكون مع فرعون في أشد العذاب ... |