صنعاء نيوز - اعتصموا على أبواب القمة العربية المقبلة  في ليبيا .. 
بقلم الدكتور  غسّـان شـحرور[i]
 
تواجه اللغة العربية محنة كبيرة بسبب إقصائها المتزايد عن مجالات العمل والتعليم والتعلّم والتواصل في معظم أرجاء الوطن العربي، وبسبب مواجهتها لتحديات تبدأ ولا تنتهي،  فهي تعاني ضآلة ما يترجم منها وإليها، مقارنة حتى مع بعض اللغات غير العالمية،  و تراجع محتواها الرقمي على الشابكة (الإنترنت) مقارنة بالعديد من اللغات الأخرى، وضعفها المتصاعد في مواكبتها للتقانة ومستجدات العصر المتطور والمتغير، وعدم توحيد المصطلحات التي تضعها الجهات المتخصّصة، ويزيد الطين بلّةًً أن عدد الأميين العرب في أمة إقرأ يزيد عن سبعين مليوناً ونحن في مطلع الألفية الثالثة
.
نعم ... طالما حمّلنا الاستعمار من قبل مسؤولية إقصاء لغتنا و تهميشها، وها نحن اليوم نحمّل بعضنا البعض تارةً، ونحمّل العولمة تارةً أخرى، وقلما حمّلنا أنفسنا جميعاً المسؤولية.
ولا يظنَّ أحد أننا في دعوتنا للنهوض باللغة العربية وتمكينها ضد اكتساب اللغات الأجنبية، بل على العكس فنحن نرى أن التمكّن من اللغات الأجنبية يسهم أيما إسهام في تمكين لغتنا العربية وإبقائها حية.. دينامية.. مبدعة.. غنية.. قادرة على الانفتاح والتواصل مع العالم، والتفاعل مع لغاته ومعارفه في العلوم والآداب والفنون. 
لا يعود الضعف والتقهقر الذي يعتري لغتنا العربية إليها، فهي اللسان الذي ربط أبناء الأمة العربية جميعا عبر العصور وضمن وجودها، رغم اختلاف اللون والعرق والعقيدة، ويكفيها نبالة وعظمة أنها استوعبت الوحي الإلهي.. في كلم القران الكريم الجامع.. الذي وسع.. في منزل أحكامه كل حدود. كما دللت على عظمتها وقدرتها أيضاً حين شملت حقول الطب والصيدلة والفلك والجبر والرياضيات وعلوم الفقه والفلسفة، بها كتب الشيخ الرئيس "ابن سينا" و"أبو بكر الرازي" كتبهما في الطب، و بها كتب "ابن رشد" و"الغزالي" روائعهما الفلسفية، وبها كتب "ابن النفيس" نفائسه، وكذلك بها كتب "ابن خلدون" مقدمته الشهيرة، و بها ترجم المترجمون بدائع الكتب اليونانية، كي ينقلها المترجمون الغربيون فيما بعد.. من العربية إلى اللاتينية وسواها. 
وفي غياب السياسة اللغوية على الصعيد القومي العربي، أضحى مؤكداً أن انتشال اللغة العربية من كبوتها التي أوصلناها إليها بأيدينا، والعمل على حمايتها وتمكينها من مواجهة الغزو الثقافي والفكري لأمتنا وفي مواجهة استخدام العامية واللغات الأجنبية بدلا عنها يحتاج إلى قرار سياسي على مستوى الأمة، وهذا ما أطلقته القمة العربية بدمشق في دورتها العادية العشرين 2008 ، ولأول مرة في تاريخ القمم العربية، وأوصت بإيلاء اللغة العربية اهتماماً ورعاية خاصتين باعتبارها وعاء للفكر والثقافة العربية ولارتباطها بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا..لتكون مواكبة للتطور العلمي والمعرفي في عصر العولمة والمعلومات ولتصبح أداة تحديث في وجه محاولات التغريب والتشويه التي تتعرض لها ثقافتنا العربية، وكذلك شددت القمة الحادية والعشرين في الدوحة 2009 م على إيلاء اللغة العربية اهتماما خاصا لكونها الحاضنة للتراث والثقافة والهوية والعمل على ترسيخها وتطوير مناهج تعليمها لتواكب التطور العلمي والمعرفي المتسارع في العالم .
 
تترقب مجامع اللغة العربية على امتداد الوطن العربي، واتحادها، ومراكز التعريب والبحث، واتحادات الكتاب والأدباء والعلماء والإعلاميين وعشّاق اللغة العربية في كل مكان، تترقب هذه الجموع انعقاد القمة العربية القادمة في الجماهيرية الليبية يومي 27 و 28 آذار مارس من هذا العام وقد ضم ملف أعمالها العديد من القضايا والهموم إلى جانب قضية تمكين اللغة العربية والقرارات اللازمة لتعزيز مكانتها.
 
نعم ..إنها الفرصة الكبرى لاتخاذ الخطوة المنتظرة كي تخرج مقررات القمة في هذا الشأن محكمة ورصينة وشاملة للنهوض باللغة العربية وتمكينها، لتأخذ دورها الحيوي في صناعة الأمة للمعرفة، وهذا ما يتطلع إليه عشاقها والمؤمنون بها والمؤتمنون عليها، والذين كثيراً ما نبـّهوا وحذّروا واستغاثوا طوال العقود الماضية.
 
نعم .. كثيراً ما دب اليأس في نفوس بعض رواد العلم والمعرفة والإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فأخذوا يعدّون نعيها، وكثيراً ما رُفعت الأعلام السوداء على مجامع لغتنا العربية ومراكزها بعدما اشتدت عواصف وأمواج الغرب العاتية واجتاحت شواطئنا، وكثيرا ما دُقت نواقيس الخطر دون أن يسمعها أحد.

السبت, 23-يناير-2010
[i] د غسان شحرور، طبيب وكاتب -
اعتصموا على أبواب القمة العربية المقبلة في ليبيا ..
بقلم الدكتور غسّـان شـحرور[i]

تواجه اللغة العربية محنة كبيرة بسبب إقصائها المتزايد عن مجالات العمل والتعليم والتعلّم والتواصل في معظم أرجاء الوطن العربي، وبسبب مواجهتها لتحديات تبدأ ولا تنتهي، فهي تعاني ضآلة ما يترجم منها وإليها، مقارنة حتى مع بعض اللغات غير العالمية، و تراجع محتواها الرقمي على الشابكة (الإنترنت) مقارنة بالعديد من اللغات الأخرى، وضعفها المتصاعد في مواكبتها للتقانة ومستجدات العصر المتطور والمتغير، وعدم توحيد المصطلحات التي تضعها الجهات المتخصّصة، ويزيد الطين بلّةًً أن عدد الأميين العرب في أمة إقرأ يزيد عن سبعين مليوناً ونحن في مطلع الألفية الثالثة
.
نعم ... طالما حمّلنا الاستعمار من قبل مسؤولية إقصاء لغتنا و تهميشها، وها نحن اليوم نحمّل بعضنا البعض تارةً، ونحمّل العولمة تارةً أخرى، وقلما حمّلنا أنفسنا جميعاً المسؤولية.
ولا يظنَّ أحد أننا في دعوتنا للنهوض باللغة العربية وتمكينها ضد اكتساب اللغات الأجنبية، بل على العكس فنحن نرى أن التمكّن من اللغات الأجنبية يسهم أيما إسهام في تمكين لغتنا العربية وإبقائها حية.. دينامية.. مبدعة.. غنية.. قادرة على الانفتاح والتواصل مع العالم، والتفاعل مع لغاته ومعارفه في العلوم والآداب والفنون.
لا يعود الضعف والتقهقر الذي يعتري لغتنا العربية إليها، فهي اللسان الذي ربط أبناء الأمة العربية جميعا عبر العصور وضمن وجودها، رغم اختلاف اللون والعرق والعقيدة، ويكفيها نبالة وعظمة أنها استوعبت الوحي الإلهي.. في كلم القران الكريم الجامع.. الذي وسع.. في منزل أحكامه كل حدود. كما دللت على عظمتها وقدرتها أيضاً حين شملت حقول الطب والصيدلة والفلك والجبر والرياضيات وعلوم الفقه والفلسفة، بها كتب الشيخ الرئيس "ابن سينا" و"أبو بكر الرازي" كتبهما في الطب، و بها كتب "ابن رشد" و"الغزالي" روائعهما الفلسفية، وبها كتب "ابن النفيس" نفائسه، وكذلك بها كتب "ابن خلدون" مقدمته الشهيرة، و بها ترجم المترجمون بدائع الكتب اليونانية، كي ينقلها المترجمون الغربيون فيما بعد.. من العربية إلى اللاتينية وسواها.
وفي غياب السياسة اللغوية على الصعيد القومي العربي، أضحى مؤكداً أن انتشال اللغة العربية من كبوتها التي أوصلناها إليها بأيدينا، والعمل على حمايتها وتمكينها من مواجهة الغزو الثقافي والفكري لأمتنا وفي مواجهة استخدام العامية واللغات الأجنبية بدلا عنها يحتاج إلى قرار سياسي على مستوى الأمة، وهذا ما أطلقته القمة العربية بدمشق في دورتها العادية العشرين 2008 ، ولأول مرة في تاريخ القمم العربية، وأوصت بإيلاء اللغة العربية اهتماماً ورعاية خاصتين باعتبارها وعاء للفكر والثقافة العربية ولارتباطها بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا..لتكون مواكبة للتطور العلمي والمعرفي في عصر العولمة والمعلومات ولتصبح أداة تحديث في وجه محاولات التغريب والتشويه التي تتعرض لها ثقافتنا العربية، وكذلك شددت القمة الحادية والعشرين في الدوحة 2009 م على إيلاء اللغة العربية اهتماما خاصا لكونها الحاضنة للتراث والثقافة والهوية والعمل على ترسيخها وتطوير مناهج تعليمها لتواكب التطور العلمي والمعرفي المتسارع في العالم .

تترقب مجامع اللغة العربية على امتداد الوطن العربي، واتحادها، ومراكز التعريب والبحث، واتحادات الكتاب والأدباء والعلماء والإعلاميين وعشّاق اللغة العربية في كل مكان، تترقب هذه الجموع انعقاد القمة العربية القادمة في الجماهيرية الليبية يومي 27 و 28 آذار مارس من هذا العام وقد ضم ملف أعمالها العديد من القضايا والهموم إلى جانب قضية تمكين اللغة العربية والقرارات اللازمة لتعزيز مكانتها.

نعم ..إنها الفرصة الكبرى لاتخاذ الخطوة المنتظرة كي تخرج مقررات القمة في هذا الشأن محكمة ورصينة وشاملة للنهوض باللغة العربية وتمكينها، لتأخذ دورها الحيوي في صناعة الأمة للمعرفة، وهذا ما يتطلع إليه عشاقها والمؤمنون بها والمؤتمنون عليها، والذين كثيراً ما نبـّهوا وحذّروا واستغاثوا طوال العقود الماضية.

نعم .. كثيراً ما دب اليأس في نفوس بعض رواد العلم والمعرفة والإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فأخذوا يعدّون نعيها، وكثيراً ما رُفعت الأعلام السوداء على مجامع لغتنا العربية ومراكزها بعدما اشتدت عواصف وأمواج الغرب العاتية واجتاحت شواطئنا، وكثيرا ما دُقت نواقيس الخطر دون أن يسمعها أحد.

وفي هذه العجالة، أدعو كل هؤلاء المترقّبين إلى التحرك والتأثير على صانعي القرار المنشود الذي يرسم سياسة تضمن بيئة تشريعية وقانونية ومالية تسعى بقوة إلى تمكين اللغة العربية والنهوض بها، وتضع إستراتيجية قومية للغة العربية، ولأول مرة، ذات أهداف محددة وآليات تنفيذ واضحة. نعم .. أرسلوا طلائعكم من الآن إلى الجامعة العربية ولا تتوقفوا عن قرع أبوابها، والمشاركة في صياغة مشروع القرار المنشود قبل عرضه على القمة، سخروا منابركم وبرامجكم الإعلامية الجادة لتحريك الرأي العام وصناع القرار.
بل اعتصموا على أبواب القمة العربية المقبلة في ليبيا، وارفعوا معاجمكم ومعلقاتكم ودواوينكم عالياً، ارفعوا "القانون" و"الحاوي" وموسوعات "الجاحظ" و"البصائر والذخائر"، ومقدمة "ابن خلدون"، ونفائس "ابن النفيس"، ارفعوا كتب الفقه والتفاسير، وتاريخ "الطبري"، ومقامات "الحريري"، وتحقيقات المبدعين في كل زمان ومكان، كذلك ارفعوا دواوين الشعر الأندلسي والمهجري، ودواوين الشعر الوطني والإنساني في العصر الحديث.
قدموا مشاريعكم وتطلعاتكم كمبادرة "الذخيرة العربية"، ومشاريع "تعزيز المحتوى الرقمي العربي"، و"مراصد اللغة العربية"، ومعاجم المصطلحات وغيرها، كثير، وكثير.

نعم ...لقد دقت السّاعة التي ننتظرها جميعاً لتعزيز اللغة العربية، حاضنة الفكر والثقافة والهوية، والتي بها نسمو ونقوى ونعـتـزُّ ونُـعَـز، وصدق شاعر النيل في صرخته:

أرى لرجال الغرب عزا ومنعة وكم عز أقوام بعز لغات
أتوا أهلها بالمعجزات تفننا فيا ليتكم تأتون بالكلمات


[i] د غسان شحرور، طبيب وكاتب "اليرموك للإعلام الخاص" [email protected]
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 11:40 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-1723.htm