الأربعاء, 27-يناير-2010
حسن عبد الوارث ‏: -
‏ ‏ في أتون التطرف السياسي والآيديولوجي الذي ساد فترة السبعينيات في الشطر ‏الجنوبي من الوطن اليمني – حينها – تجلَّت جملة من السياسات والإجراءات ‏والممارسات التي عكست طبيعة وأبعاد هذا التطرف الذي كان يتصف يوماً ‏باليسارية وأحياناً باليمينية !!‏
وكانت الحرب التي نشبت بين الشطرين في العام 1972 أسفرت عن إعتقاد في ‏الوعي والوجدان الجمعي بضرورة الإرتهان إلى مبدأ الحوار، كمقدمة منطقية ‏للشروع في إبرام إتفاقات وحدوية ، وفي الأساس : إعداد مسودة دستور دولة الوحدة ‏‏..‏
حينها، أنبرى عدد من الإنفصاليين للحيلولة دون نجاح أية خطوة في هذا المضمار ، ‏وعمدت إلى خلق كل أداة ووسيلة وقناة وحيلة لإجهاض المشروع الوحدوي العظيم ‏‏.. وكانت قصائد الشعر الشعبي واحدة من هذه الوسائل ، حيث ظهرت – يومها – ‏دفقات متلاحقة من الأشعار الحمينية التي تُسفّه ، بل وتُجرَّم ، أي تقارب بين قيادتي ‏الشطرين على صراط الحوار وفي مضمارالمفاوضات الوحدوية .. وكانت هذه ‏الأشعار – كحال الشعارات – تجد لها مجموعات كورالية ترددها بدون وعي ، فقد ‏كان الكثيرون يرددون أشعاراً وشعارات لا يفقهون معظم معانيها، وبالذات تلك التي ‏كانت تتجمّل بالمصطلحات الثورية والُمقوّسات الآيديولوجية والعبارات التقدمية التي ‏كانت "موضة "رائجة في تلك الأيام !!‏
ومن تلك الأشعار أبيات يرفض قائلها إعادة توحيد الوطن ، باعتبار نظام الحكم في ‏الشطر الشمالي من الوطن – حينها – "رجعياً " في رأي صاحب تلك الأبيات التي ‏تقول :‏
‏" ياعلي ناصر ويابن رُبيّع ‏
ويا أمين اللجنة المركزية ‏
ما نبا وحدة مع حكم رجعي ‏
والجماهير تحمل البندقية ".‏
وبمرور الأيام ، وتواتر الحقائق ، بهتت دعوات الأنفصال وبحَّت أصوات ‏الإنفصاليين .. فتناسى الناس مثل هذه الأشعار والشعارات التي فقه الأغلب من ‏جماهير الشعب أنها تتعارض مع أحلامه الكبرى وفي المقدمة منها الوحدة ، بعد أن ‏تحقق حلم التحرر من ربقة الإحتلال والسلاطين في الجنوب وكهنوت الإمامة في ‏الشمال ..‏
وفي منتصف العقد نفسه – أي السبعينيات – ظهرت في الشارع اليمني ، والعدني ‏بالذات ، ظاهر ة غريبة ، صارت بمثابة "موضة " .. غير أنها – هذه المرة – لم ‏تكن موضة سياسية أو آيديولوجية ، أنما موضة أزياء ، على غرار كل موضات ‏الأزياء التي سرعان ما تنتشر بين الشبان والمراهقين كانتشار النار في الهشيم ..‏
ظهر نوع من البنطلونات ارتداه الشبان من الجنسين على السواء .. ويعترف كاتب ‏هذه السطور بأنه كان أحد المرتدِين "وليس المرتدّين ".. وقد تميَّز هذا البنطلون بأنه ‏يضيق عند الخصر والفخذين ، ويتسع كثيراً تحت الركبتين .. وقد أطلق عليه الناس ‏يومها تسمية "الشارلستون"!‏
وأقترن إرتداء "الشارلستون "بإطالة شعر الرأس من قبل الفتيان .. وقد أطلق الناس ‏على الفتى الذي أطال شعر رأسه صفة "خنفوس" إقتراناً بظاهرة "الخنافس " التي ‏أطلقها مطربو فرقة "البيتلز" البريطانية التي ذاع صيتها عالمياً في مطلع السبعينيات ‏‏..‏
وقد قامت –حينها – حملة ساخطة على الشارلستون والخنافس ، بلغت حدّ مطاردتهم ‏في الشوارع ، والقيام بحلق رؤوسهم وقص ذيول بنطلوناتهم ..وكانت ثمة مباركة من ‏الحكومة لهذه الحملة ، باعتبار أن هذا البنطلون الواسع وذلك الشعر الطويل هو ‏ضرب من حالات التأثُّر بالمظاهر الغربية التي تعكس جوهر المجتمع الرأسمالي !!‏
غير أن أظرف ما في الأمر أن الأبيات الإنفصالية التي تبدأ بعبارة " ياعلي ناصر ‏ويابن رُبيّع " عادت مرة أخرى إلى الشارع الشعبي ، يرددها الآلاف بحماسة ‏منقطعة النظر ..ولكنها هذه المرة كانت تقول : ‏
‏" ياعلي ناصر ويا بن رُبيّع ‏
ويا أمين اللجنة المركزية ‏
ما بنا خنفوس ولا شارلستون ‏
والجماهير تحمل البندقية "!!‏
لقد سقطت فرية الحكم الرجعي في صنعاء والحكم التقدمي في عدن ، بعد أن صار ‏الخنفوس عدو الشعب والشارلستون طريد الشارع !!‏
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 06:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-1803.htm