صنعاء نيوز / محمد حسن شعب - تابعت ومعي الكثير من المواطنين والمهتمين والمراقبين تداعيات سقوط طائرة (سخواي 22) في شارع الزراعة بصنعاء، وانتابني شيء من الفزع من بعض الزملاء الصحافيين الذين سخروا صحفهم لمتابعة أصداء سقوط الطائرة في يوم 19 من شهر فبراير الماضي، بحيث عمد العديد من الزملاء الى اتباع الاثارة من خلال المانشتات والعناوين البارزة المبنية على قاعدة نظرية التآمر التي ألهبت مشاعر الناس أكثر وكذلك بعض القنوات المحسوبة على الحوثية، وكذلك الاشاعات من خلال عناصر محسوبة على الحوثيين الذين أشاعوا بأن الطائرة سقطت قرب شارع القادسية بقصد استهداف ساحة التغيير.. وآخر يقول في المجالس والمقاهي، أنها عملية انتحارية نفذها الطيار لأن أبوه قريب من أبو حورية وعلي محسن ولكنه أخطأ الهدف، لأنه كان يستهدف ساحة التغيير!!
بينما تقرأ في الصحف المرتكزة على فن الاثارة، أن الطائرة أسقطت من خلال اطلاق نار من فوهة (رشاش 23) وكرست لاحتمال من خلال تصريحات ضباط وأفراد الأمن، وعبر تقارير مكررة الى درجة انطلت الكذبة على الدبلوماسية الروسية، وأصدرت جهات معنية في روسيا تقريراً يؤكد أن سقوط الطائرة بسبب تعرضها لاطلاق نار، وربط التقرير بين سقوط طائرة (سخواي 22) وسقوط طائرة النقل العسكري (الانتنوف) التي سقطت في الحصبة، في نوفمبر من العام الماضي، والتي أسقطت باطلاق النار أيضاً بحسب التقرير الروسي، مع أن الطائرتين –بحسب تصريحات اللواء راشد ناصر الجند لقناة (السعيدة) ولصحيفة (26 سبتمبر)- لم تسقطان بفضل اطلاق النيران، نافياً صحة الأخبار أو الإشاعات، بإسقاط الطائرتين عبر اطلاق نار على أي من الطائرتين.
نخبوية القوات الجوية
يفترض بأن القوات الجوية والدفاع الجوي، كادر نخبوي، تأهل بإعداد اكاديمي من أفضل الأكاديميات العالمية، لأن طبيعة مهامهم الوظيفية حساس ويتعاملون مع تقنيات عالية الدقة سواء في الطيران الحربي أو طيران النقل والشحن العسكري أو مع الحومات أو العمل الملاحي أو في تقنية الرادار وشبكات الدفاع الجوي، التي لا تقل حساسية عن الطيران.. الأمر الذي يجعل القوات الجوية والدفاع الجوي كوادر نخبوية تحتاج الى رعاية عالية المستوى مهنياً وغذائياً وطبياً والى مرتبات مجزية تحفظ لهذا الكادر مستوى عيش محترم، ولكن الذي حدث أو ما عانته هذه الكوادر لم يكن يخطر على بال أي شخص، فأغلبهم عانى من التشرد والتجويع والفاقة بحسب ما شرح لي الكثير من الكوادر العاملين في القوات الجوية، جراء غطرسة قائد القوات الجوية السابق وإحاطة نفسه بشلة ودائرة ضيقة من خواصه وشركائه في هبر مستحقات أفراد القوات الجوية والدفاع الجوي، الى درجة أن الطيار أو الملاح أو المهندس أو فني الصيانة يحُرم من أبسط وجبات الغذاء الى درجة أنهم لا يستلمون علبة من علب البقول، مثل الفول أو سواه من التعيينات، برغم أن الصرف والاستحقاقات من التعيينات تؤخذ بعشرات القاطرات، والقليل تدخل مخازن القوات الجوية والبقية تباع في السوق السوداء وكذلك المهمات تباع بمئات الملايين في السوق السوداء والأغذية الطازجة وسواها تباع ويحرم كوادر الجوية، عدى قلة محسوبون على آل بيت الأسرة الحاكمة، وكذلك المرتبات والاقساط، بحيث يستحيل على أي شخص يستلم مرتبه أو استحقاقاته سليمة مما جعل الكثيرين يلوذون بالفرار من الكوادر التي خسرت عليهم البلاد ملايين الدولارات مما جعلهم يهاجروا اليمن الى خارجها، بينما أجبرت شلل محمد صالح الأحمر ودائرة المحسوبين عليه آلاف الجنوبيين من طيارين وملاحيين بعد حرب 1994م على الفرار خارج المعسكرات أو الى الخارج.
وبقي البعض إما تحت مجهر الرقابة وإما في هامش قائمة كوادر القوات الجوية، بحيث احترف الكثير منهم سواقة السيارات الأجرة أو بيع القات، وهذا ليس سراً وسبق لصحيفة (أخبار اليوم) أن أجرت تحقيق صحافي مصور في عدن مع العديد من الطيارين وتمنيت على اللواء راشد الجند أن يكون قرأه، لأن الرجل يتمتع بحس المسئول، بل وعلمت أن الجند – بعد تعيينه قائداً لقاعدة العند الجوية عام 2011م وكان يومها مايزال محمد صالح الأحمر هو قائد القوات الجوية – أنه أعاد المئات من كوادر القوات الجوية ومن الطيارين الى أعمالهم, وصرف لهم كافة مستحقاتهم ومكافآتهم وحوافزهم.. ويقال إن نجاحه في معالجة مشاكل المسرحين والمهمشين من قبل قيادات القوات الجوية وخاصة في قاعدة العند كانت هي أبرز عوامل اختياره وإصدار قرار تعيينه قائداً للقوات الجوية والدفاع الجوي في مطلع العام الماضي 2012م.
دراسات خاصة بالقوات الجوية
ليس محصوراً معاناة افراد وكوادر القوات الجوية على سوء التغذية ورداءة المطبخ المركزي أو مطابخ الألوية وقيادات القواعد الجوية في بقية المحافظات.. بل معاناتهم شبه شاملة.. مثلاً في الجانب الصحي وانعدام الكشف الدوري على الطيارين الى انعدام الحد الأدنى من توافر الاسعافات الأولية، الأمر الذي جعل هذا الإشكال أبرز أولويات القائد الجديد للقوات الجوية اللواء راشد الجند، حيث تعاقد مع شركات اقليمية للكشف الدوري على الطيارين اليمنيين، وأمن ضمان صحي لأكثر من عشرة آلاف كادر من كوادر القوات الجوية، وعلمت من مصادر مقربة لراشد الجند أن في جعبة الرجل عشرات الدراسات والمشاريع المتعلقة بكوادر القوات الجوية والدفاع الجوي، منها ما هو متعلق بتحسين مستوياتهم المعيشية ومنها ما هو مرتبط بسقف المرتبات والأجور والحوافز ومنها ما هو مرتبط بتأمين السكن وما هو مرتبط بالتأهيل الفني والمهني لمواكبة المتغيرات على الصعيد المهني، لكن ظروف الدولة والأزمات المالية المواكبة للمرحلة الانتقالية وتداعيات الأوضاع الأمنية على الصعيد الوطني، جعلت قيادة القوات الجوية تؤجل مطالبة الحكومة ووزارة الدفاع بتمويل العديد من مثل هذه المشاريع، وستقتصر المطالبات على المهم فالأهم.
مواجهات عائلة صالح
أزمات القوات الجوية امتداد لأزمات شاملة لأفراد القوات المسلحة والأمن بشكل خاص، وامتداد لأزمات البلاد بشكل عام.. وخصوصية أزمات القوات الجوية، تكمن في خصوصية مرفق القوات الجوية والدفاع الجوي، وموقع هذا المرفق المحوري في منظومة الأمن القومي للبلاد وصعوبة هضمه بكادره النخبوي، وتشكيله ضمن منظومة صالح العائلية والأسرية، على غرار بقية فروع القوات المسلحة التي جسد مصائرها وقيادتها هرمياً بأركان أسرته، وبرغم سيطرة أخيه غير الشقيق على هرم قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في احتواء مطالب قواته، أو في تكميم أفواههم.. إذ يذكر العديد من كوادر القوات الجوية والدفاع الجوي سبل التهديد والوعيد والإغراء أحياناً والوعود الكاذبة أحياناً أخرى لبعض العناصر التي تتصدر المواجهات مع قائد القوات الجوية ولكنها باءت بالفشل، برغم ما تعرض له دعاة التغيير من مواجهات وممارسات اتسمت بعضها بالعنف ومحاولة القتل والضرب والصدم والتعذيب الى آخره، ولكنها لم تحقق أدنى تراجع لأفراد وضباط القوات الجوية عن مطالباتهم المستمرة بالتغيير، بما في ذلك قطع المرتبات.
وتذكر حكايات أن محمد صالح الاحمر حضر مرة الى صالة من صالات القوات الجوية، بقصد وضع حد لتداعيات وضع القوات الجوية وكان وصوله بذريعة الاستماع الى محاضرة سبق الترتيب لها، وما أن جلس الرجل الى جوار المحاضر حتى ضجت الصالة بصوت شبه موحد للحاضرين من كوادر القوات الجوية، مطالبين الرجل بعبارة (ارحل.. ارحل)، وبصوت عالٍ يشبه انفجار البراكين.. واذا بحرسه الخاص يطلقون الأعيرة النارية جواً في صالة المحاضرات وبعضهم هب باتجاه قائدهم ويهربونه محمولاً بين أيديهم الى خارج الصالة.. وصوبوا أسلحتهم باتجاه الصالة تحوطاً لمن قد يفكر بتتبعهم بعد حمله.
المجاهرة برفض أفراد القوات الجوية لأحد أركان صالح جعل أفرادها الاستثاء في القوات المسلحة، الذين صمدوا في الستين، مصعدين مطالبهم من رفع المظالم وازالة عناصر الفساد (وبرغم ما تعرضوا له من قطع المرتبات) الى التغيير الشامل لقيادة القوات الجوية، وعلى رأس المطالب إزالة محمد صالح الاحمر من أعلى هرم قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي.
سنحنة القوات الجوية
أزمات القوات الجوية لا حدود لها، فالأزمات بحر بلا شواطئ، لأن عناصرها وكوادرها يخضعون في العادة للتمييز بسبب انتمائهم المناطقي والشك بإخلاصهم للرمز المقدس الرئيس صالح، والكل منهم متهم، ما لم يثبت العكس، فالأغلبية المطلقة للقيادات داخل ألوية القوات الجوية والدفاع حق مكفول لأهل سنحان، واذا لم يكن القائد أو أركان حرب من سنحان فرئيس العمليات لابد أن يكون من سنحان، وبالتالي فهذا القيادي في العمليات يتحول الى مرجعية للقائد وأركان حربه، لأنه أقرب الناس وأكثرهم ارتباطاً بقائد القوات الجوية والدفاع الجوي –أي محمد صالح الاحمر – والقائد ونائبه مجرد أشكال فارغة لا مضمون لها والقرار يكون بيد القيادي السنحاني، على غرار ما كان جار في الأمن المركزي بين الطيب كقائد للأمن المركزي وأركان حربه يحيى محمد عبدالله صالح، فبينما تجد القائد مجرد شخص أو ضابط عادي لا حول له ولا قوة ونائبه هو القائد الفعلي للأمن المركزي وصاحب القرار الفصل، وهو ما كان يطبق في القوات الجوية مع أصغر الضباط عندما يكون من سنحان، إذ يصبح الضابط الصغير هو صاحب القرار الأول والأخير.
وانتقلت سنحنة القيادات من وضع الرموز في سلم القيادة الى تعميم التجربة بشكل شبه كامل يؤكد ذلك وضع آخر دفعة طيارين القوات الجوية، الذين تخرجوا في العام 2006م إذ تقول المصادر الذي استقينا منها بعض المعلومات، أن خريجي ذلك العام هم في الأساس 60 طياراً بينهم 56 طياراً من سنحان، وأربعة فقط من بقية المحافظات، ومن هؤلاء الخريجين الطيار محمد صالح شاكر الذي سقط بطائرته (السخواي 22) في شارع الزراعة قبل أيام، والذي احتار الكثير في سبب سقوط طائرته، فبينما عزى البعض سبب سقوطها الى اطلاق نار عليها، ولو لم ينف ذلك اللواء راشد الجند لصدمتنا الكذبة، وقليلون جداً وهم محللون متخصصون بالطيران أكدوا السبب في السقوط لانخفاض مستوى الطيران واستحالة تسلقه أو صعوده من جديد ليستمر في الطيران.. فكانت النتيجة الطبيعية هو السقوط وبينما ذكر البعض احتمال الغيبوبة أمر محتمل، فنجد أن بعض المجتهدين عزى سبب سقوط الطائرة يعود لافتقاد الطيار للكفاءة، وهنا تكمن خطورة حرمان البلاد من القدرات والطاقات الخلاقة التي تستحق الإعداد والتأهيل، بغض النظر عن المحافظة أو المديرية التي ينتمي إليها أو الأسرة التي ينحدر منها الشخص. |