الإثنين, 19-أغسطس-2013
صنعاء نيوز - 

إن الدولة الإسلامية يجب أن تؤسّس على الشرعية الإنسانية أي تقوم بإرادة أغلبية الشعب وبجهود المقتنعين بالمشروع الإسلامي وهي بالتالي تنفي كلّ أشكال الاستبداد صنعاء نيوز /الدكتور عادل عامر -


إن الدولة الإسلامية يجب أن تؤسّس على الشرعية الإنسانية أي تقوم بإرادة أغلبية الشعب وبجهود المقتنعين بالمشروع الإسلامي وهي بالتالي تنفي كلّ أشكال الاستبداد ابتداءً ووسطاً وانتهاء وحتّى نصل إلى هذه القناعة الجازمة لا بدّ من إنتاج فكر تجديدي كي لا نبقى مشدودين إلى التاريخ وكأنّه معصوم وكي لا نعادي تجارب سياسية ناجحة في أرض الله بزعم أنها وضعية رغم أنها نماذج إنسانية يمكن الاقتباس منها في مجال الأساليب والآليات المبتكرة الفذّة التي تمكّننا من تجسيد قيم العدل والمساواة والفاعلية ونجوها لأننا نعلم أن الوسائل مشاعة بين الناس لا نستبعد منها إلا ما كان مخالفا للشرع ، فهذا من الحكمة ، والحكمة ضالة المِؤمن، ومن أهمّ مقوّمات هذا الفكر مبدأ المشاركة بدل المغالبة وإتقان إدارة الحوار بيننا ، وكذلك بيننا وبين غيرنا، وبالأخصّ تهدئة حدّة العواطف وإعمال القرائح وتذكية حركة العقول والأذهان ليدرك من قصر فهمهم – وما أكثرهم مع الأسف - أننا نريد دولة إسلامية لا مجرّد دولة الشعارات الإسلامية ، ولا بدّ أن يرتشف جرعات من الواقعية من لا ينظر إلى تلك الدولة المنشودة إلا بعين المثالية، وهي نظرة من شأنها إلهاؤنا بالأحلام عن العمل الجدّيّ والبذل المجديّ ، وليتأكّد المرتابون من الإسلاميين بأنّ الطريق الموصل هو طريق التربية بمعناها الشامل الممتدّ إلى كل ميادين الحياة الفرديّة والاجتماعية والكفيل بكسب الساحة وعزل خصوم الإسلام – وهم قلّة في البلاد الإسلامية رغم ضجيجهم – وبيان حجمهم أمام الرأي العام عند الاحتكام إلى صندوق الانتخابات ، واتّقاء شرورهم، والتربية هي البديل عن الصراع الّذي ليس قدراً محتوماً في العمل الدعوي المتكامل إلا ما كان من لأواء لا محيص عنها في طريق الدعوة. إن التنادي بإقامة الدولة الإسلامية باسم الشرعية الدينية أي كاختيار فوقي لا يسع الناس إزاءه إلا التسليم هو أكبر خطر يتهدّد هذه الدولة التي نتوق إليها، كيف لا وقد خاضت شعوب الأرض قروناً من النضال من أجل التحرّر من ربقة الاستبداد المبني على مزاعم أن الجماهير قاصرة ولا مفرّ لها من الوصاية باسم الدين أو غيره، ولا نعني بهذا طبعاً التنكّر للدين ، فهو مقوّمنا الأول ، لكنّنا نؤكد أن الإسلام نفسه أوكل للإنسان صلاحية تسيير الحياة الاجتماعية في حدود الالتزام بالربانية مصدراً ووسيلةً وغايةً ، كما أنّنا نتوجّس من الحكم الاستبدادي المتستّر وراء إمضاء إرادة الله حتّى ولو كان أنصاره من ذوي النيات الخالصة ! فلا يمكن أن يترك مصير الشعوب المسلمة للنيات الطيبة وإنّما يجب إعطاء الضمانات الكافية ، وأحسنها هو الاحتكام إلى الشعب باعتباره مصدر السلطات في إطار المرجعية الإسلامية المنبثقة من قطعيات الدين وأصوله ومقاصده ، وإلى هذا الحدّ تبرز مشكلة الاعتبار بالتاريخ أو اتّخاذه نموذجاً مقدّساً من حيث نشعر أو لا نشعر، فتجربة أنظمة ما بعد الخلافة الراشدة كرّست انتقال السلطة بواسطة الوراثة وكانت طريقة سائدةً في أغلب دول العالم آنذاك ولا يكاد يحدث تغيير النظام إلا بالانقلاب بحيث أصبح المستحوذ على السلطة بالغلبة لا يضيف إلى ما أنجزه النظام السابق وإنّما يسارع إلى هدمه فالمهم في مؤسسة الدولة ، ليس شكلها ، وإنما القيم الأساسية التي تحتضنها ، والمبادئ الأساسية التي تعمل على تنفيذها وتحقيقها في الواقع الخارجي فالمطلوب دينيا أن تلتزم مؤسسة الدولة بقيم ومبادئ ووظائف ، وشكل الدولة ومسمياتها المتعددة ، هي خاضعة لظروف الزمان والمكان وتحولات المرحلة ، وما هو الإطار الأنسب للوفاء بتلك القيم والمبادئ الأساسية .. ف( لا وصفة دينية ملزمة للدولة ، وطالما أن شأن الدين ، بما هو معرفة وسلوك وثقافة وقيم وعلائق وتقوى ، هو أداء الدولة ، أي عدالتها ، وطالما أن العدالة من دون حرية هي جور آخر ، فالمستبد العادل تلفيق بين مفهومين متناقضين لا يجتمعان أبدا ولا يرتفعان ، أي إما مستبد وإما عادل ، وطالما أن الحرية من دون عدالة ليست حرية ، بل فوضى حاضنة لتوائم أو ضرائر من الاستبدادات المدمرة ، فإن الديمقراطية لا بمعناها السياسي الصرف وحده ، بل وبمدلولها الواسع ، فالدولة حاجة اجتماعية وضرورة سياسية وحضارية ، وكل وظائفها وأدوارها ومسؤولياتها ، لا تخرج عن نطاق خدمة المجتمع والأمة من موقع المسؤولية والسلطة .. والدولة أو السلطة تستمد مشروعية بقاءها واستمرارها من قدرتها على الوفاء بحاجات الناس وتطلعاتهم المتعددة .. فهي معنية بأمن الناس الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وأي تراجع عن هذه المسؤوليات ، يضر بشرعية السلطة ، وبمدى قبول الناس بها .. فالأمة أو المجتمع هو الحاضن الأكبر لمؤسسة الدولة ، لأنها إحدى مؤسساته التي انيطت بها مسؤوليات محددة ووظائف معينة .. وإذا لم تستطع القيام بهذه المسؤوليات والوظائف ، فإن المجتمع وعبر وسائل ديمقراطية – سلمية يختار فريقا آخر أكثر تأهيلا وقدرة على تنفيذ تلك المسؤوليات .. و" على المعني بشأن السياسة في الدين ، أن يوحد النظر إلى سياق البلاء عبر المراحل والانتقال .. فسيرة المتدينين وغيرهم من البشر تتعاقب قرونا ، قد يتصاعد الأوائل وعيا وتجددا ونهضة إذا استفزهم تحد أصابهم من أمة أرقى منهم أو قومهم بعد الضلال والجمود هدي تنزل عليهم من السماء ، أو تذكروه بعد غفلة .. وقد يخلف قرن يتم البناء بعد تأسيسه السالف ثم يعقب قرن عاطل لا يجتهد تعويلا على التراث المنقول ولا يجتهد توكلا على الفخر والكسب الموروث .. وهكذا تتداول الأيام بالأمم .. وهي سنة كان واقعها ظاهرا في تاريخ المسلمين ، ولاسيما في سيرتهم ، سكونا خاملا بعد حركة حية ، وجبروتا مطلقا بعد شورى حرة ، وشتات ذليل بعد وحدة عزيزة .. وفي دراسة تلك السياقات المتداولة عبرة لتقدير عوامل الانحطاط عن المثال ، ولتخطيط حركة جديدة نحو نهضة بعد وهدة ، ولتدبير اتصال مراحل المستقبل تعاليا مستمرا ونزوعا دؤوبا نحو المثال لا تصيبه العلة المعهود من طروء العجز والخرف والتقادم عند المخالفين " فوعينا وإرادتنا الرشيدة ، هي القادرة على إنهاء تأثير حقب الانحطاط السياسي والحضاري على واقعنا وراهننا .. وإننا بمقدورنا من خلال الوعي والإرادة الجماعيتين ، من وقف الانحدار وإنهاء مسلسل التراجع والاستبداد في الحقل السياسي لحياة المسلمين .. لعلنا لا نأت بجديد حين القول : أن قيم الإسلام السياسية ، لا تؤسس لنظام حكم ثيوقراطي ، وإنما هي تدعو وتحث على تأسيس حكم منبثق من جسم الأمة ، ويكون تعبيرا عن حاجاتها وتطلعاتها ، ويمارس دوره ووظائفه بوصفها جهازا مدنيا ، لا يمتلك إلا السلطة المخولة لهم من الأمة ، وهي التي تراقب أداءهم ، وهي التي تقرر استمرارهم أو إعفاءهم من هذه المسؤولية الكبرى .. فالحكم وممارسته ليس غاية في ذاته ، بل هو وسيلة لإنفاذ تشريعات السماء ، وتوفير حاجت ومتطلبات الناس .. إذ يوق تبارك وتعالى ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) .. حيث أن الانحراف التاريخي ، يحملنا مسؤولية تاريخية باتجاه تظهير قيم الإسلام الأساسية في السياسة والحكم ، وممارسة القطيعة المعرفية والسلوكية مع كل أشكال الاستئثار بالقرار والاستفراد بالحكم .. فالإسلام في كل تشريعاته وأحكامه، يستند إلى الرضا وحرية الاختيار، وليس من المعقول أن يبني نظامه السياسي بعيدا عن مقتضيات الحرية والشورى والعدالة.. فكما أن العقود المالية والاقتصادية في الرؤية الإسلامية قائمة على رضا الطرفين، كذلك هو نظام الحكم..

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 14-نوفمبر-2024 الساعة: 06:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-23052.htm