صنعاء نيوز /الدكتور عادل عامر -
كانت جماعة الإخوان المسلمين تدرك مع بدايات الثورة وإزاحة نظام مبارك حجم القلق الذي يساور الداخل والخارج من قوتها على الأرض وقدرتها على الحشد والتنظيم، بما يؤهلها للاستحواذ على السلطة فئ مصر بصورة مريحة، وهو يثير القلق حول دور مصر ونظرة هذه القوى لمستقبل هذا الدور فى ظل صعود الإخوان، وكانت الجماعة تدرك فى الوقت نفسه قدرة بعض الأطراف الداخلية وأهمها الجيش، وبعض الأطراف الخارجية وأهمها الولايات المتحدة وإسرائيل على التأثير فى المشهد المصري الداخلي، ومن ثم دفعتهم قناعاتهم إلى محاولة طمأنة الداخل والخارج وتخفيف وطأة هذه المخاوف واثبات بوادر حسن النية، لذا أعلنوا طواعية أنهم سيخوضون الانتخابات التشريعية على نسبة أقل من النصف وأنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسة، فى خطوات تبدو تطمئنية عقلانية وقراءة جيدة للمشهد، ومحاولة لبناء أرضية ثابتة للتعامل مع الموقف الغامض فى مصر وحولها بصورة تدريجية، وفى الوقت نفسه محاولة التقاط الأنفاس ما بعد سقوط نظام مبارك، وإدراك لحتمية المسئولية الجماعية خلال هذه المرحلة المعقدة من تاريخ مصر تفاديا لدفع تكاليفها من جانب أى طرف منفردا.
لكن الواقع أن الجماعة غيرت مواقفها وتراجعت عن كثير مما ألزمت به نفسها، وهى وحدها التى تتحمل نتائج خياراتها، حيث فضلت أن تتصدر المشهد منفردة خصوصا بعد انتخاب مرشحها رئيسا للجمهورية، وتعزز قانونا مسئوليتها بعد إنهاء الرئيس لحالة الازدواجية فى الشرعية بين الرئاسة والجيش، وذلك بعد إحالة المشير طنطاوى وعنان ومعظم أعضاء المجلس العسكرى الذين أداروا الفترة الانتقالية للتقاعد، وتعيين وزير جديد للدفاع وتشكيل الحكومة من جانب الرئيس مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك بعد إلغاء الإعلان الدستورى المكمل وتمتع الرئيس قانونيا بسلطات تنفيذية وتشريعية كاملة، بالإضافة إلى إقرار الدستور وتمريره.إن الاستراتيجيات التي اعتمدها الأخوان خلال الاضطرابات السياسية الحالية لن تحقق أهداف الحركة. و على المرء ان يعيد النظر الى عام 1954 وعلى قراءتهم الخاطئة للحالة السياسية التي تسببت في هزيمتهم من قبل ناصر و اعتقال الآلاف من أعضاء الجماعة و في نهاية المطاف كان أكثر من 1500 منهم قد صدرت بحقه أحكام بالسجن لمدد طويلة، كما ان تم شنق ستة منهم .هذا العجز الكامن في فهم عواقب أفعالهم أدى إلى حد كبير الى ضعف الحركة في وقت كان تواجه فيه القمع المتزايد من قبل الدولة المصرية. و المحير ان القيادة الحالية للجماعة تبدوا أنها فشلت تماما فى التعلم من أخطاء الماضي. و الاكثر حيرة انهم لم يستمعوا الى التحذير الذي ساقه المؤيد البارز والمتحمس لهم حازم صلاح أبو إسماعيل الواعظ السلفى قبل عدة أسابيع في 27 يونيو 2013 بأن الأخوان قد فقدوا الكثير من قدرتهم على تعبئة الجماهير و انهم فقدواايضا القدرة على قراءة الواقع . والواقع يقول أنه من الواضح تماما أن حجم الدعم لهم قد تضاءل حتى في أوساط الإسلاميين، و أصبح حجم شعبيتهم بين المواطنين العاديين منخفض جداً. اذا كيف يجب ان يكون الاصطلاح؟ هنالك لا شك بعض المؤشرات ان كثير من أعضاء الأخوان الشباب مؤخرا قد بدأوا بتشكيل ثلاثة اتجاهات منفصلة داخل حركة الإخوان و هى "إخوان ضد العنف" و "شباب جماعة الإخوان المسلمين" و الثالثة هى "الاإخوان الأحرار". وهي مجموعات كلها تدعو إلى إجراء كشف حساب شامل لافكار الجماعة و ممارساتها. يبدو ان هؤلاء النشطاء الشباب قد أدركوا أن الاستراتيجيات القديمة للإخوان قد عفا عليها الزمن وتنتمي إلى عصر آخر. ويحدث هذا في نفس الوقت الذى يقوم فيه ناشطين يساريين بدعوة قيادة الإخوان الى الانضمام الى الأعضاء الأصغر سنا والتخلي عن ماضيهم العنيف من أجل الحصول على مكان في المستقبل السياسى لمصر. ما هو واضح جدا الأن أن جماعة الأخوان يجب أن تعترف بأن أفكارهم القديمة باتت غير مناسبة لتنوع المشهد السياسي المصرى اليوم. ويجب أن تعترف بأن اى فكرة او برنامج لأي إسلامي (أو في الواقع أي سياسي) لكى يكتب له النجاح فى مصر الحالية فإنه يجب أن يشمل المسيحيين، واليهود والشيعة والأقليات الأخرى و ان تُعامل هذه الفئات على قدم المساواة القانون. و على الحركة أن تتخلى عن فكرة أنها تمثل مشيئة الله على الارض؛ و التخلي عن السرية والخداع والعنف. و انهم كذلك يجب ان يدركوا ان اعضاء الجماعة قد حظروا وسجنوا بسبب تعصبهم الذاتى وميلهم الى التعبير عن هذا التعصب بأعمال عنف ضد أولئك الذين يعارضون رؤيتهم المتطرفة لمشروع مصر الإسلامية. أن إسرائيل ومصلحتها كانتا دوماً كلمة السرّ التي تفسر أسباب العداء وتعلل أسباب الدعم والتقارب، راصداً ما سمّاه «أميركا الصهيونية»، وعارضاً أبعاد الالتزام الأميركي نحو إسرائيل، والاجتهادات الكثيرة في تفسير هذا الالتزام، وأسباب رسوخه في الماضي والحاضر والمستقبل، على الرغم من تناقضه في أحيان كثيرة مع ميثاق الأمم المتحدة، ومع المصالح الأميركية ذاتها ان العلاقة التاريخية بين أميركا وجماعة الإخوان يقارب الأخير السياسة الأميركية وموقفها من الإسلام السياسي منذ أول اتصال أميركي بجماعة الإخوان المسلمين المصرية عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة لغاية إقرار إستراتيجية الارتباط «البنّاء» في عام 2007. أنّ رغبة أميركا في تولي جماعة الإخوان المسلمين حكم مصر بدأت منذ عام 1954، في 1933: المرشد العام يصف الملك "فؤاد" في خطاب يناشده فيه منع البعثات التبشيرية بالملك الرشيد ويختم خطابه بقوله "لا زلتم للإسلام ذخرا وللمسلمين حصنا"[1]. كما وصفه المرشد في مقال لاحق بأنه كان مثلا يحتذى في التمسك بعقيدته الإسلامية[2] .. الملك فؤاد وهو غني التعريف بحقيقته في 1937: بينما كان المصريون يهتفون لفاروق "ويكا يا ويكا هات أمك من أمريكا" تنديدا بالسلوك المستهتر للأسرة المالكة ممثلة في "نازلي" وولدها كان "البنا" يكتب مقالا عن الملك فيصفه بأنه "ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه"، وأن صلاح المسلمين في كل الأرض سيكون على يديه "وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك لاحظ تسميته بالفاروق تشبيها بالفاروق عمر رضي الله عنه. في نفس العام طالب مصطفى النحاس بالحد من نفوذ الملك الغير دستوري على مؤسسات الدولة وخرجت جموع المصريين تهتف "الشعب مع النحاس"، فخرجت مظاهرات إخوانية تهتف "الله مع الملك وياله من هتاف يصنع طاغوتا بذاته * في 1938: الشيخ "حسن البنا" يصف فاروق بأمير المؤمنين مباشرة في مقال بعنوان "الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين مكررا التشبيه بالفاروق عمر ضمنيا * في 1946: جاء "إسماعيل صدقي" صديق بريطانيا للوزارة رغم أنف الحركة الوطنية، فهو الرجل الذي قتل الطلاب بالرصاص في مظاهرات1930 واشتهر بصداقته للصهاينة وعلاقته ببلفور شخصيا، فوقف القيادي الطلابي ألإخواني "مصطفى مؤمن" في جامعة القاهرة في مؤتمر تأييد لصدقي يقول "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان رسولا نبيا" صدق الله العظيم وكذب من وضع الآية في غير موضعها* في 1952: قبيل الثورة والبلاد تغلي زار المرشد "حسن الهضيبي" الملك مؤكدا ولاء الجماعة وبعدها عن كل القوى الثورية المناهضة له كما جاء في توقيعه في سجل التشريفات بتاريخ 25/5/1952م بعبارته "نرفع فروض الولاء للملك المفدى ونستنكر الصيحات التي تعالت ضد أعتابكم السامية، ونؤكد بعد الإخوان المسلمين كل البعد عنها" .. هذا هو الفصيل الذي ادعى أن ثورة يوليو كانت ثورته* في 1971: شهر عسل جديد بين الإخوان والسلطة ممثلة في "السادات" وبوساطة من "فيصل بن عبد العزيز" بعد لقاء قيادات الخارج برئاسة "سعيد رمضان" وقيادات الداخل برئاسة "عمر التلمساني" في استراحة جناكليس والتي أوجز التلمساني فحواها ولخص علاقتهم بالسادات بقوله "تقدم مني الكلام عن موقف السادات من الإخوان المسلمين، قلت إنه أخرج الإخوان من المعتقلات، وأنه ترك لهم جانبا كبيرا من الحرية في التنقل وإقامة الاحتفالات الإخوانية في المناسبات الدينية، وقد استقبل الإخوان كل ذلك بالحمد والثناء" هكذا رأوا السادات *
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
|