صنعاء نيوز -  أجمع الفقهاء على أن من الواجب على ولي الأمر تكليف قضاة ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط الشرعية وذلك للفصل في النزاعات وحسم الخصومات بين أفراد المجتمع.

الخميس, 31-أكتوبر-2013
صنعاء نيوز -

أجمع الفقهاء على أن من الواجب على ولي الأمر تكليف قضاة ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط الشرعية وذلك للفصل في النزاعات وحسم الخصومات بين أفراد المجتمع. ويعتبر القضاء من فروض الكفاية على العامة ويعتبر القاضي المكلف بالقضاء ملزما بأداء ما كلف به ولا يجوز له الامتناع أو الإحجام عن أداء ما كلف به دونما عذر أو مبرر شرعي يحول بينه وبين أداء ما كلف به على اعتبار أن الوظيفة في الإسلام

تكليف لا تشريف ولا تخضع إطلاقا لمزاج المكلف أو هواه أداءً أو امتناعاً إذ أن الأصل القيام بالعمل في حدود التكليف وما عداه فتعد وإفراط وتهاون يوجب المساءلة الشرعية.

2- وردت جميع الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بالحكم بصيغ تدل على وجوب الحكم بين الناس بالحق والعدل ، قال تعالى : {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } ص آية 26. والشاهد في هذه الآية أن المولى جل شأنه قد ألزم نبيه داوود بالحكم بين الناس بالحق وقد وردت الآية في سياق متصل لما سبقها في الآيات التي أوردت قصة الخصمين اللذين تسورا على نبي الله محرابه وفزع منهم ورغم ذلك لم يحل بينه وبين الحكم بينهما حائل على اعتباره مكلفا بالحكم لا يحق له الامتناع فإذا كان الحال كذلك وكانت الآية قد وردت مشددة على وجوب الحكم بالحق فإنه ومن باب الأولى لا يحق الامتناع عن الحكم إطلاقا ولو كان الأمر غير ذلك لامتنع نبي الله داوود عنه رغم توافر مبرري إفزاعه وتسور محرابه.

3- قال جل شأنه : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } النساء آية 58،والشاهد في هذه الآية أن الحكم بالعدل هو أمر رباني واجب وبالتالي فإن الامتناع عنه يعد معصية لأمر الله فإذا كان الحكم قائما وله وجود واقعي ولكنه كان حكما بجور أو حيف يعد معصية فما حال الامتناع عن الحكم أصلا ؟ .

4- مما لا خلاف عليه إطلاقا بأن القضاء هو أمر من أمور الولاية و به تحفظ الحقوق وتصان الدماء وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة على صاحبها وآله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم تشدد على وجوب التقيد والالتزام بأداء أمور الولاية ومراعاة مصالح العامة دونما مشقة أو عناء يتكبده أبناء الأمة وقد اعتبر الوالي المحتجب والممتنع عن الناس من أبغض خلق الله إلى الله ومن أشدهم عرضة للعقاب وفي ذلك ورد عن نبينا المصطفى في الحديث المروي عن القاسم بن مخيمرة عن أبى مريم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من ولي من أمور الناس شيئا واحتجب دون حاجتهم احتجب الله دون حاجته وفاقته وفقره )رواه الترمذي (عارضة الأحوذي من أبواب الأحكام 6/74 ) .

5- قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما من والي ولي شيئا من أمور الناس إلا أتي يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه لا يفكها إلا عدله فيوقف على جسر من النار ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يقاد فيحاسب فإن كان محسنا نجا بإحسانه وإن كان مسيئا أنخرق به ذلك الجسر فيهوي به في النار سبعين خريفا) رواه الطبراني .

6- ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( إن أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد شيئا ثم لم يعدل بينهم ) . والشاهد في الأحاديث السالف ذكرها أنه لا يجوز لمن ولي أمرا في الإسلام أن يحتجب عن الناس لأن احتجابه عنهم يحول دون أداء ما كلف به وعهد إليه وبالتالي فإن الامتناع عن أداء العمل محل التكليف يكون أشد إثما لأن الاحتجاب هو أقل من الامتناع وقد يتمكن عند الاحتجاب الوصول إلى الوالي أما عند الامتناع فمن المتعذر الوصول إليه وهذا أبلغ في الدلالة على عدم جواز الامتناع عن أداء القضاء والفصل في الخصومات .

7- ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: ( العدل فريضة محكمة وسنة متبعة ) بمعنى يؤكد أن إقامة العدل أمر واجب والتخلف عن أداءه معصية توجب العقاب .

8- ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله :( العدل البطئ ظلم) وفي هذا دلالة تؤكد على وجوب الإسراع بالفصل بين القضايا بالعدل فهل يستقيم إذن أن يكون من الجائز حرمان الناس من العدل أيا كان بطيئا أو سريعا؟

9- الحكم بين الناس بالعدل هو أمر واجب على من كلف به لعموم الأدلة الواردة في هذا الصدد وتبعا لذلك يتعين القول بوجوب كل ما لا يتم إقامة العدل إلا به ، وبما أن حسم النزاعات والفصـــل في الخصومــات بين المتقاضيين يستلزم وجود قاض مكلف يمثل الخصوم أمامه في مجلس قضاء يستمع فيه لأدلتهم وأقوالهم وتبعا لذلك يتعين القول بأن حضور القاضي مجلس الحكم هو أمر واجب لا يجوز له مخالفته كون ذلك ركن رئيسي للوصول إلى حكم عادل ومن غير المنطقي أن يتم البت في خصومة والحكم فيها دون النظر فيها ودون حضور أطرافها ودون وجود قاض للفصل فيها وعلى ذلكم الأساس واستنادا إلى القاعدة الفقهية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فقد أضحى القول بأن حضور القضاة مجالس الحكم هو أمر واجب لا مناص منه تبعا لوجوب الحكم بين الناس بالعدل وبذلك يعتبر المتخلف عن أداء ذلك الواجب (وهو الممتنع عن نظر الخصومات وحضور مجالسها ) آثما وعاصيا لأوامر الله وأحكام الشرع الحنـــيف . وقد يكون في هذا الإيجاز بيان كاف لبيان الحكم الشرعي لإضراب القضاة وهو عدم الجواز .

10- امتناع القضاة عن الحكم يترتب عليه تعطيل حدود الله:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لأن يقام حد بأرض قوم خير لهم من أن يمطروا أربعين صباحا) كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام : ( إنما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ) والشاهد في هذين الحديثين يؤكد على أهمية إقامة الحدود وأن ترك إقامتها يعد سببا من أسباب الهلاك . وبما أن معظم القضايا الجنائية الشائعة في هذا العصر يودع المتهمون على ذمتها السجون ويرقبون لحظات محاكمتهم وفي محاكماتهم تتضح حقيقة إداناتهم من عدمها وفي حال ثبوتها يستلزم تطبيق شرع الله فيهم بما فيه من حدود وعقوبات شرعية وبما أن إحجام القضاة وامتناعهم عن نظر تلكم القضايا يؤدي بالضرورة إلى عدم الفصل فيها وهو ما ينتج عنه تعطيل إقامة الحدود وصد عن الحكم بما أنزل الله وفي ذلك قال المولى جل وعلا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) . المائدة نهاية الآيات47،45،44.

11- (نادي القضاة) يعد من الجمعيات المهنية وهو نادٍ مدني يعنى بشئون القضاة وأمورهم الشخصية وقد تم إنشاؤه لتحقيق مصالح منتسبيه (القضاة) ووضعهم المعيشي وما يتصل بالمطالبة أمام مجلس القضاء بتحسين وتنظيم أمورهم الوظيفية كالترقيات والرواتب وغيرها، ,ولا علاقة له بالشأن القضائي – السلطة القضائية – باعتبار أن الجهة المعنية بالشأن القضائي هو مجلس القضاء الأعلى وفقاً للدستور والقانون وشتان بين إدارة الشأن المهني الخاص بأعضاء النادي وبين إدارة الشأن القضائي العام .

12- العدالة شأنُ مجتمعي يخص كافة طوائف وألوان المجتمع الممثلة في مكونات الحوار الوطني الشامل والتي أجمعت على أن إدارة شان جهاز القضاء باعتباره شأناً مجتمعياً ينبغي أن يُمثل فيه المحامون والأكاديميون لضمان الشفافية والمصداقية والنزاهة وإعمال مبدأ الإرادة الشعبية وليست الإرادة الشخصية التي تسعى إليها إدارة (نادي القضاة).

13- القول بأن في حصول المحامين على ما نسبته 15% من عضوية مجلس القضاء ومثلها للأكاديميين يعدُّ مساساً باستقلال السلطة القضائية، هو قول مجانب للصواب، لأن أعمال مجلس القضاء الأعلى وقراراته وآرائه ليست قضائية البتة. فالتدخل الممنوع والضار باستقلالية السلطة القضائية هو ذلك الموجَّه صوب أعمال القضاء، أي صوب المنازعات المنظورة أمام المحاكم والأحكام الصادرة من المحاكم، حسب ما أوضحنا سلفاً في الرؤيا المقدمة للمؤتمر العام للحوار الوطني الشامل.

14- المحامي هو شخص درس القانون ويشتغل فيه ويمارسه، ولا يقتصر عمله في جانب واحد من جوانب القانون، بل نجده يتنقل بين القوانين المختلفة والقضايا المتنوعة وبالتالي ، فعلم المحامي ومعلوماته وخبرته الطويلة واطلاعه على الكثير من الكتب الفقهية والقانونية وشروحها تجعله أقدر على تولي القضاء من غيره.

15- مما يثير الاستغراب في موقف مسئولي (نادي القضاة) من هذه مخرجات فريق بناء الدولة التي شخصت العلة بدقة ووصفت العلاج النافع لها هو إصرار وتصميم إدارة النادي على اجترار الماضي بأساليبه وأدواته وكأنه ماضٍ من النجاحات المتحققة للقضاء متناسية التردي والانحدار الذي وصل إليه الوضع العام للبلاد والذي شارك في إنتاجه غياب وضعف القضاء بنسبة كبيرة.

والله من وراء القصد.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 04:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-24531.htm