حسن عبد الوارث -
:بلغ بي اليأس حَّداً قصيّاً من جدوى الكتابة في شؤون السياسة وشجون الاقتصاد .. ففي كل بلاد العالم يبيعون السياسة ليشترون اقتصاداً .. إلاَّ نحن .. نبيع الاقتصاد لنشتري سياسة!
كما بلغ بي اليأس شأواً عظيماً من جدوى الكتابة في أمور التربية والتعليم .. فلدينا مدارس تنتج الجهل وتعيد إنتاج الأُميَّة، وجامعات تنافس مزارع الدواجن في تفقيس أرباع مُتعلمين وأنصاف أُميَّين!
وفي أيامنا .. "كاد المعلم أن يكون رسولا" .. فقد كان لأستاذي هيبة مُهابة تجاوزت هيبة الوالد وإمام المسجد ورئيس لجنة الدفاع الشعبي .. أما اليوم فالأستاذ والتلميذ "يُدَّخنان" معاً .. و"يُخزَّنان" معاً .. و"يُفسَّخان" معاً!
وأكاد ألبس اليأس – أو يلبسني – ثوباً من وَبْر، من جدوى الكتابة في أحوال القضاء والأمن ..فإذا ساد الفساد كل ساحات البلاد، يظل ثمة أمل في آخر النفق.
أما إذا استشرى في مؤسسة القضاء وجهاز الأمن، فعلى الدنيا السلام!
وقد صار اليأس خليلي ونديمي في صحوي ونومي من جدوى الكتابة في الأخلاق، بعد أن صار أعتى الفاسدين في هذا البلد يقفون في الصف الأول في الجامع المنيف في الجمعة الجامعة. وبعد أن صار اغتصاب الرياحين يُقترف بفتوى شرعية!
كما صرنا اليوم في حاجة ماسَّة جداً إلى أن تغدو الأخلاق منهاجاً تعليمياً وسلوكاً قيمياً وامتحاناً يومياً ومفهوماً دينياً .. ورحم الله أمير الشعراء وبيته الشعري الشهير- الشهيد!
وزاد من يأسي إنني كنت أدرك جيداً أن الإعلام هو الجبهة المتقدمة في الحرب ضد الفساد والإرهاب والتخلف والتطرف وغيرها من الجراثيم المحدقة بروح الوطن والإنسان قبل الجسد .. ثم أجد حفنة من كبار الإعلاميين (الكبار بوظائفهم، لا مواهبهم) وقد نخر فيهم الفساد، إما المالي أو الأخلاقي .. فهذا يغرف من بحيرة المال العام وكأنَّه يغرف من نافورة بيت العائلة.
وذاك – وقد صار "قيس" المعاصر – غيَّب وعيه وضميره تجاه مسؤولياته الجسيمة وموظفيه المغسولين بالمعاناة .. علشان خاطر عيون "ليلى"!
حقاً، إن المال والنساء وراء أكثر وأكبر الحماقات التي يرتكبها المرء عبر التاريخ!
وقد وجدتُني عاجزاً عن الكتابة – بعد ذلك – إلاَّ في الأدب والفن، قبل أن أكتشف أن قلة الأدب فاضت عن كأس الأدب، وأن العطن تجاوز مساحة الفن!
وماذا أُزيد؟!.. وماذا أُعيد؟!
فإذا ما انبرى لي مصطفى كامل هاتفاً:
- لا يأس مع الحياة .. ولا حياة مع اليأس ..
أنبرى له سعد زغلول هامساً:
- مافيش فايدة ياصفية .. غطَّيني!
[email protected]