الأربعاء, 12-مايو-2010
دياري صالح مجيد -


قضية لم تُعطى بعد بعدها الذي تستحقه فما بين القومية والمذهب تشتت أوصال قضية كان من الممكن أن تأخذ بعداً أهم وأوسع لو أحَسنَ القائمون عليها كيفية التعاطي معها وبما يلائم الوضع الإقليمي والدولي الحالي وبما يحقق العدالة المُغيبة دوماً عن سماء المدن والأزقة التي يقطن فيها أبناء هذا المكون التي لا يُعرف بعد لها أي رقم يُعتد بذكره سوى تخمينات تزيد أو تنقص بطريقة مُزاجية تصل أحياناً إلى حد المبالغة التي لا يستسيغها المنطق .
أحدى أسباب ضياع هذه القضية لا تعود إلى ما يُمارس في العراق ماضياً وحاضراً من تمييز تجاه أبناء هذا المكون الواسع فحسب ، وإنما بفعل ضعف أداء العديد من المؤسسات التي نصبت نفسها ناطقاً رسمياً بأسم الكورد الفيلية في العراق دون أن تكون في موقع يؤهلها للقيام بمثل هذا الدور المهم والحيوي من أجل ترسيخ مبادىء إنسانية جديدة إفتقدنا لها في زمن كان يقوم في أساسه على امتهان الكرامة الإنسانية بكل أشكالها وعناوينها المُثقلة بصور التعاطي البشع مع ملفات العديد من العراقيين ومنهم بالطبع أبناء هذا المكون الذي يتقلب على جمر القومية ونار المذهب دون أن يحصد شيئاً في هذا الصراع المرير إلا الوعود تلو الوعود .
على أية حال لقد أخذني الفضول كثيراً وأحببت أن أتعرف على إذا ما كان هنالك نوع من الإهتمام الغربي بهذه القضية التي كتب عنها العديد من المثقفين الأكراد منهم والعرب ( العراقيين ) على السواء وبطريقة تنم عن إبداع أولئك بشكل يستحق منا الإحترام والتقدير ، لكن يبقى لإيصال القضية إلى خارج حدود العراق وخارج أروقة القاعات المكيفة التي يجري فيها النقاش بشان هذه القضية ، نحو عقول المفكرين العرب والأجانب ، دور مهم وجوهري في ترسيخ عملية التعاطي الإنساني مع ملف مهم من ملفات العراق التي لم يُعطى لها أي إهتمام حقيقي يُذكر خارج إطار المزايدات السياسية والدعاية الإنتخابية الخاصة بها ، لذا تفاجئت بأن هذه القضية لا تشغل مساحة توازي حجمها الحقيقي لدى كتاب العرب والغرب على السواء ، بإستثناء بعض السطور البسيطة التي وجدتها في بعض المقالات القليلة جداً ، ومنها مقال نشرته الكاتبة اليزابيث كامبل التي تعمل في المنظمة الدولية للاجئين وهي في الأساس منظمة إنسانية في واشنطن وتعمل هذه المنظمة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي في مجال متابعة أحوال أولئك الذين تسقط عنهم الحكومات الجنسية لأسباب سياسية ، حيث يشير الموقع الرسمي لهذه المنظمة إلى أن عدد أولئك الذين أُسقطت عنهم الجنسية في دول العالم المختلفة قد وصل إلى (12) مليون نسمة ، وهي مسألة جعلت من السيدة إليزابيث تختار التخصص بالشأن العراقي ومشكلاته المتنوعة ومنها قضية الكورد الفيلية .
الأمر المفاجىء في مقالة السيدة اليزابيث أنها كانت تحوي ، رغم كونها مقالة قصيرة ( أنظر المقالة المترجمة من قبلنا آنفاً ) ، العديد من الإشارات التي تُظهر بوضوح حجم الإهتمام الذي أفرزته هذه المشكلة من لدن الباحثة التي أشارت مثلاً إلى قانون الجنسية العراقية (42) لسنة 1924 ومن ثم إلى قرار مجلس قيادة الثورة " المُنحل " رقم (666) لسنة 1980 الذي تم بموجبه إسقاط الجنسية عن هذا المكون الفيلي ، وكذلك إشارتها المهمة لحقيقة كون من بقي من هؤلاء في العراق قد سٌلبت منهم المواطنة عبر مصادرة الوثائق العراقية التي تثبت كونهم عراقيي الأصل ، وهي معلومات أقول جازماً لا يُعرف عنها الكثير في الأوساط الثقافية العراقية – العربية والغربية على السواء ، إذا لا زال الكثير لا يعرف عن هذه القضية أي شيء غير تلك المعلومات المشوهة التي رسختها وسائل الإعلام المعادية للكورد عموما في أذهان الآخرين ، والسبب هنا يعود أيضاً إلى ضعف تواصل المنظمات الكردية مع الباحثين العرب والأجانب في توضيح الصورة وكشف الحقيقة عن هذه القضية .
هناك أمر آخر يثير إستغراب ودهشة المرء عندما يعرف بوجود عدد كبير من المؤسسات والمنظمات التي تقول أنها ممثلة عن هذا المكون ، لكن للأسف لم نجد فيها أي تعاون مع مثل كُتاب هذه المقالات من الأخوة والأخوات العرب والأجانب ، فلا يوجد تكريم مثلاً للعرب المناصرين للقضايا القومية غير العربية ولا يوجد إحتفاء بمثل هذه الشخصيات وهي عديدة في العراق ، كما لا يوجد أي إتجاه نحو ترجمة ما يكتبه الباحثون الغربيون وبلغات مختلفة حول هذه القضية وأن كان مجرد سطور ، إذ ربما يقود التعاون معهم في هذا المجال وعبر إرسال مقالات عربية مترجمة إلى الإنكليزية ، إلى توسيع دائرة الإهتمام بهذه القضية ، على الأقل بهدف البحث عن عناصر ضغط داعمة باتجاه ضمان عدم تكرار ذات الماساة في المستقبل ، إذا ما جاءت حكومة لديها ذات التوجهات من الكورد بشكل عام .
قبل فترة من الزمن كنت في حديث مع امرأة كردية حول هذه القضية وقالت لي بان القضية الفيلية جزء أساس من مجمل القضية الكردية ، لكن الفرق الوحيد أن أبناء هذالمكون كانوا الحلقة الأضعف في سلسلة التأريخ والجغرافية الكردية ، لذلك إستخدم النظام السابق كل الإمكانيات المتاحة لديه في قطع هذه السلسة التي نجح في محاولة فرط عقدها بشكل كبير بتهجير الكرد الفيلية وإسقاط الجنسية عنهم والعمل على ترويع وتشريد من بقي منهم في العراق ، فكانت الكارثة التي تسببت في إنهيار منظومة إجتماعية مهمة .
رأي لا يقل صواباً عن رؤية السيدة اليزابيث ، لذا أمنياتنا أن يجتهد كل من موقعه لخلق منظومة داعمة للقضايا المصيرية العربية منها والكردية على السواء في منطقة لا يحترم قادتها المجموعات الإثنية ولا يؤمنون بحقهم في الحياة ، وهو أمر أضعف قضية هذا المكون العراقي المهم وإفقده الكثير من عناصر الدعم الذي هو اليوم بأمس الحاجة إليه ، لذا لا يسعنا في نهاية هذا المقال إلا أن نعبر عن عظيم إمتنانا للسيدة اليزابيث ومن يسير على خطاها ، عل في ذلك نوع من التكفير عن الذنب الذي إرتكبته القيادات الامريكية والغربية من تجاهل للقضية الفيلية ، حيث كانت تقف موقف المتفرج من تلك التراجيديا القائمة على أساس التطهير العرقي ، دون أن تحرك ساكناً في ذلك الحين وهو أمر آخر يستحق الإهتمام على إعتبار أن العلاقات الدولية في ذلك الزمن لعبت دوراً عادةً ما يُسقط من الحسابات
في مراجعة هذا الملف الخطير !! .






دياري صالح مجيد
[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 06:36 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-2627.htm