صنعاء نيوز/بقلم خالد عمايرة – فلسطين المحتلة -
الانقلاب العسكري على السلطة الشرعية في مصر وأد أول تجربة ديمقراطية في أرض الكنانة منذ سبعة آلاف عام حيث أعاد مصر إلى أحضان الدكتاتورية المقيتة من جديد- تلك الدكتاتورية التي طالما أهلكت البلاد والعباد وجلبت الهزائم والكوارث والشرور إلى بلد عريق في الحضارة البشرية.
مصر لولا النظام الاستبدادي وسيطرة المؤسسة العسكرية الفاسدة كانت ستكون قوة إقليمية عظمى. فعلى سبيل المثال كانت مصر وكوريا الجنوبية على نفس المستوى الاقتصادي والاجتماعي قبل خمسين عاما. أما الآن فقد أصبحت كوريا الجنوبية كما يعلم الجميع دولة عظمى من الناحية الاقتصادية والصناعية بينما تستطيع مصر بالكاد توفير الخبز و"الفول المدمس" لسكانها الذين يبلغ عددهم تسعين مليون إنسان.
بحرة قلم قام ضابط شاب اسمه عبد الفتاح السيسي كان مغمورا إلى عهد قريب – قام باغتصاب إرادة الأمة المصرية بأكملها حيث عزل الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد الدكتور محمد مرسي وحل مجلس الشورى المنتخب ووضع البلاد مجددا تحت سطوة أهل الجهل من العسكر وحلفائهم من الفاسدين والمنتفعين.
السيسي كان اقسم على احترام الدستور لكنه نكث يمينه وبذلك يكون قد خان الله والرسول والأمة والدستور. إنها خيانة عظمى بكل المقاييس ويستحق عليها أقسى العقوبات.
الإنقلابيون ومن سار في ركابهم يدعون زورا وبهتانا أن السيسي استجاب فقط للإرادة الشعبية لدى خروج ملايين المصريين للمطالبة بإقصاء مرسي. لكن كثيرا من الخبراء يعتقدون إن الانقلاب خطط له بعناية بالتعاون مع أركان الدولة العميقة.
من بين هؤلاء الخبراء الدكتور الفلسطيني مروان بشارة الذي قال انه لا يساوره أي شك في أن ما حدث كان مؤامرة على الشرعية حبكت خيوطها بعناية.
بشارة ليس مسلما ولا علاقة له بالإخوان المسلمين لكنه محلل سياسي بارع وأمين أصر على الاحتكام للموضوعية والضمير.
فلو كان السيسي معني بحق بإرادة الشعب لطالب بإجراء استفتاء شعبي أو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة علما أن الجهاز القضائي الفاسد الذي أنشأه سيئ الذكر حسني مبارك هو الذي ألغى الانتخابات الديمقراطية عام 2012 لحرمان الإسلاميين من النصر وهو الذي يمنع إجراء انتخابات برلمانية جديدة خشية فوز الأحزاب الإسلامية من جديد.
إن الذي يغتصب إرادة الأمة ويخون الله والرسول والأمة وينكث يمينه لا يمكن أن يكون مؤتمنا على إجراء انتخابات صادقة وأمينة.
هذا ما يجب أن يعيه العقلاء ويفهمه الشعب المصري وهو صاحب الأمر.
إنها مؤامرة حقيقية بل هي فعل اغتصاب فاضح بكل المقاييس, فأي اغتصاب اكبر وأبشع من اغتصاب إرادة الأمة او تزويرها؟
أساطين إعلام الكذب والزور والبهتان والإفك الذين يمثلون عصابة الانقلابيين ويزينون لهم أعمالهم يدعون زورا وبهتانا أن الحكم العسكري الفاشي في مصر سوف يضمن الحريات المدنية وحقوق الإنسان. لكن مثل هذه الإدعاءات هراء في هراء بل هي من قبيل ارتكاب الفاحشة بالحقيقة والمنطق.
فلو كان الانقلابيون معنيين حقا بالحرية وحقوق الإنسان فلماذا يغلقون الصحف والفضائيات ويعتقلون المئات من النشطاء السياسيين والصحفيين والنواب المنتخبين من الشعب. بل لماذا يكممون الأفواه ويحاربون حرية الصحافة ويعيدون أجهزة الإعلام لما كانت عليه أيام مبارك لتكون ناقلة للكذب مزورة للحقيقة وكاتمة لصوت الشعب؟
لقد استمعت لبعض وسائل الإعلام المصرية الرسمية خلال الأيام القليلة الماضية فوجدتها في حالة يرثى لها من الانحطاط و التناقض والفوضى وعدم الصدق والموضوعية. إنها تكذب مثلما تتنفس أكسجين الحياة بل إنها تزني بالكلمات وبالحقيقة.
للاسف الشديد شاهدنا كيف أن رموز ما يسمى بالليبرالية في العالم العربي قد سارعوا لتأييد الفاشية الجديدة في مصر وهو ما يشير إلى الإفلاس الفكري والأخلاقي لهؤلاء النصابين والدجالين.
كما لاحظنا كيف أن الدوائر الشيعية مثل حزب الشيطان التي تسير في الفلك الإيراني وكذلك مشايخ الخليج وال سعود الذين يسيرون في ركب أمريكا- بالإضافة إلى الكيان الصهيوني- ابتهجوا إلى ابعد الحدود تأييدا للإنقلاب البغيض. إن هذا التلاقي الغريب العجيب ليس محض صدفة.
لا غرو أن المنافقين بعضهم أولياء بعض في كل زمان ومكان فالذي يقاتل ويناصر النظام النازي العلوي في سوريا ضد شعبه المطالب بالحرية والذي ينشر الفساد في كل فضاء من خلال فضائيات الفسق والزنا والانحلال الأخلاقي التي ترعاها بعض الدول الخليجية لا يتوقع منهم أن يكونوا مناصرين لأهل الحق على أهل الباطل.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يحشرون.
ومع ذلك لا بد لنا أن نشيد بعدد من الكتاب والمفكرين من ذوي الضمائر الحية مثل عبد الباري عطوان والدكتور عبد الستار قاسم الذين وقفوا ضد الانقلاب رغم اختلافهم مع الاخوان المسلمين والرئيس مرسي.
أما كتاب الموساد وشبيحة الاعلام من انصار بشار الأسد وأكالي السحت ممن "يلهفون" البتر ودولارات مقابل كذبهم ونفاقهم فتعسا لهم وأضل أعمالهم.
أما الغرب وخاصة الولايات المتحدة فإن موقفها الماكر المائع من الانقلاب الإجرامي في مصر يثبت مرة أخرى أن تلك القوى غير معنية بديمقراطية حقيقية في العالم العربي إلا إذا تجردت تلك الديمقراطية من أي رداء أخلاقي او ديني إسلامي. إن هذا الموقف الأميركي يجعل كثيرا من المسلمين يكفرون بالديمقراطية ولهم كل التبريرات في ذلك.
فلو كان الغرب معنيا بالديمقراطية في مصر لحاصر المنقلبين على الشرعية ولجند العالم من أقصاه إلى أقصاه لتضييق ا لخناق على عصابة السيسي المارقة لكن الغرب جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل.
إن إصرار القوى العلمانية المدعومة من الصهيونية والغرب على إقصاء الإسلاميين عن الشأن السياسي العام ستكون له عواقب كارثية على الجميع, ولا أرى حاجة للإطناب في هذا الأمر وما تجربة الجزائر ليست عنا ببعيد.
أما انتم يا أهل مصر ا لشرفاء فلا تيأسوا من النصر على قوى العلمانية والفساد والاستبداد فو الله ما عز صاحب باطل ولو طلع من جبينه القمر وما ذل صاحب حق ولو تمالأ عليه كل من في الأرض. فتمسكوا بحريتكم وواصلوا كفاحكم ولا تسمحوا لثلة من الجهلة والمغرر بهم أن يعيدوا مصر القهقرى.
و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. (انتهى) |