صنعاء نيوز -
في دهاليز الإدارة الأمريكية الكلمات التي تعبر عن الحقيقة نادراً ما تنطق.
وأنه فوجئ بخطاب ديك تشيني في 26/8/2001م الذي ألقاه أمام حشد من المحاربين القدماء.حيث قال: ليس هناك أدنى شك في أن صدام حسين لديه الآن أسلحة دمار شامل, وهو يحشدها الآن ليستخدمها ضد أصدقائنا وحلفائنا وضدنا. ثم ختم خطابه قائلا: هناك كثيرون منا على قناعة بأن صدام حسين سيمتلك سلاحا نوويا في اقرب وقت. ويتابع جورج تينيت ليكشف ويفضح بعض المستور عن مسرحية غزو بلاده ا للعراق. ويقول:
• قدمت في اجتماع 13/8/2001م ورقة بالغة الأهمية بعنوان (العاصفة الكاملة, الاستعداد للنتائج السلبية لغزو العراق), وطرحت فيها السيناريوهات الأسوأ التي يمكن أن تقابلنا أثناء محاولتنا تغيير النظام في العراق. وبينت في المذكرة, أنه في أعقاب غزو تقوده الولايات المتحدة الأمريكية للعراق, فإننا سنواجه نتائج سلبية فيما يتعلق بالعراق والمنطقة عموما, وما يتجاوزها لمناطق أخرى, ومن هذه النتائج: انتشار الفوضى , وتمزق وحدة أراضي العراق, وفقدان للاستقرار سيهدد الأنظمة في الدول العربية الرئيسية, واتساع هائل في نطاق الإرهاب العالمي ضد المصالح الأميركية يغذيه العداء الديني المتزايد للولايات المتحدة الأمريكية,وإنقطاعات كبرى في إمدادات النفط,وتوترات شديدة في التحالف الأطلسي. ويؤكد صحة تحليله حين يقول: وهي المصاعب التي برزت بعد غزو العراق.
• صباح 12/9/2001م وأثناء اجتماعنا مع الرئيس جورج بوش فوجئت بريتشارد بيرل وهو أحد الشخصيات التي تحمل لقب الأب الروحي لحركة المحافظين الجدد, ويشغل منصب رئيس هيئة سياسات الدفاع , وهي مجموعة استشارية مستقلة تتبع وزارة الدفاع. يقول في الاجتماع , على العراق يدفع ثمن ما حدث بالأمس, العراق يتحمل المسئولية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها أسم العراق. وبعد فترة فوجئت بأن قرار الحرب على العراق قرار قديم, ومعد سلفا من جانب صقور ومحافظي إدارة الرئيس جورج بوش حتى قبل وصولهم إلى البيت الأبيض. ولكن الموعد الذي أصبح فيه غزو العراق أمراً محتماً سيظل أحد أكبر الألغاز بالنسبة لي وللكثيرين مثلي. وكم هو محزن حين يسمع القارئ رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج تينيت يقر بأن أن السياسة الأمريكية ليست سوى شعوذة وألغاز وكانت عصية على الفهم عليه وعلى كثير من أمثاله.
• حققت لشهور طويلة وسنوات في احتمال وجود دور محتمل لرعاة للقاعدة ينتمون لدولة ما, ولم أجد دليلاً واحداً يشير أو يشعر بتورط العراق مع القاعدة أو في هجمات القاعدة.
• أصبح العراق الشغل الشاغل لطاقم الرئيس جورج بوش حتى قبل وصولهم إلى السلطة. وحتى قبل وقت من تولي بوش الرئاسة بشكل رسمي. حيث طلب ديك تشيني من وليام كوهين وزير الدفاع في عهد كلينتون, تقديم تقرير شامل وكامل عن العراق , والخيارات المتاحة فيما يتعلق بالعراق.
• كان هناك ومنذ البداية أكثر من دليل على أن نائب الرئيس تشيني لديه نية مبيتة للتدخل في توجيه مسار عمل وكالة المخابرات المركزية, وما تقوم به من جمع المعلومات, وإعداد التقارير. حيث كان على الدوام يطرح الأسئلة الصعبة باستمرار وبشكل متكرر.
• كان هناك شكلاً من أشكال الحرب من جانب واحد هو مكتب تشيني, حيث تدور رحاها بين مكتب تشيني والCIA. وقد أعترف لويس ليبي مدير مكتب تشيني فيما بعد بأنه هو من سرب أسم فاليري بليم ويلسون العميلة السرية بوكالة المخابرات المركزية إلى الصحافة والإعلام.
• أثار حفيظة العاملين في الوكالة تصرفات مسئولو إدارة بوش الذين بات لا هم
لهم سوى العراق. وبالتحديد علاقة العراق بالقاعدة. وحين يؤكدون لهم بعدم وجود هذه العلاقة, كانوا لا يستسيغون هذا الرد أو الإجابة.بل أن كل من , سكوتر, وليبي, وولفوتيز, يظهرون الامتعاض,وعدم الرضا عن ردود وإجابات الوكالة وموظفيها. وهذا ما أكدته لي جامي ميسيل التي تشغل منصب كبير محللي الوكالة. بل أن بول وولفوتيز وريتشارد بيرل ودوجلاس فيث كانوا من بين ال18 صقراً الذين وقعوا على رسالة علنية صادرة عن جماعة أطلقوا عليها مشروع القرن الجديد. يطالبون فيها كلينتون بإسقاط نظام صدام حسين. والتي دفعت كلينتون لتوقيع قانون تحرير العراق الذي أقره الكونغرس عام 1998م.وخصص له مائة مليون دولار لوزارة الخارجية كي تستخدمه لإنهاء نظام صدام.
• طالب كولن باول وزير الخارجية بتخفيض العقوبات الدولية المفروضة على العراق. واستبدالها بما أصطلح عليه ( العقوبات الذكية).وبَيًن في أوائل عام 2001م بأن الولايات المتحدة الأمريكية يتم اغتيالها سياسياً أمام محكمة الرأي العام العالمي .لوجود انطباع في العالم, بأن أطفال العراق يموتون جوعاً ومرضاً بسبب هذه العقوبات. ولكن باقي طاقم الإدارة عارضوا باول,لأن مقترحاته ستسمح لصدام حسين بالمراوغة, واستعادة برامج أسلحته. ولكن مع تمسك باول باقتراحه, وافقوا على العقوبات الذكية. ولكنهم سرعان ما أطاحوا بها وكأنها لم تكن أو لم تقر ولم تكن موجودة.
• في 7/2/2001م رأست غونداليزا رايس اجتماعاً للجنة كبار المسئولين الأمنيين في البيت الأبيض وتركز كل ما دار في الاجتماع حول العراق.
• يوجد في إدارة عمليات وكالة المخابرات المركزية مجموعة عملياتية خاصة بالعراق, تخطط لجمع المعلومات السرية التي قد يطلب منها تنفيذها داخل العراق, أو عند حدود العراق. وفي شهر آب عام 2001م , عينت رئيس جديد لهذه المجموعة أميركي من أصل كوبي. وكان يقول أنه لا يمكن إزاحة صدام حسين بعمليات سرية فقط.
• طرح عدد من كبار مسئولي إدارة بوش ومعهم مجموعة من منظريهم في وسائط الإعلام أن وكالة المخابرات المركزية غير مستعدة للقيام بمهمة إسقاط صدام الصعبة. ورغم تفهمي لدوافعهم,إلا أن القضية لم تكن كذلك على الإطلاق. فتحليلاتنا تؤكد وجود عدة مستويات أمنية لحمايته والتي لا يمكن اختراقها بسهولة للوصول إليه. وحتى وإن اطحنا به, سيظل هنالك احتمال قائم , بتولي جنرال سني مكانه. وبذلك نستبدل صدام بصدام آخر. ولكن هذه الاستنتاجات لم تحظ برضا إدارة بوش , التي كان هدفها أن تجعل من العراق نموذجا للديمقراطية يحتذى بها في الشرق الأوسط. وتينيت يناقض نفس نفسه بنفسه حين أعتبر في أحد من تصريحاته أن الحرب على العراق سببها النفط.
• بعد 11/9/2001م ,حاول معظم مسئولي الرئيس جورج بوش إخفاء ومدارة فشلهم في التعامل مع التحذيرات التي أطلقتها وكالة المخابرات المركزية من تنظيم القاعدة,باختلاق صلة تربط العراق وأسلحة دماره بتنظيم القادة. وتلاعبوا بعواطف الأمريكيين , واستغلالها عاطفيا من خلال رسالة ركزوا عليها, وفحواها: نحن لن نسمح أبدا بأن يفاجئنا أحد كما حدث في 11/9/2001م. وأننا في حالة العراق إذا ما تآكلت العقوبات ,وأستمر صبر المجتمع الدولي على صدام ,فسوف نستيقظ ذات يوم لنجد بحوزته سلاحاً نووياً, وحينها لن نكون في وضع يسمح لنا باحتواء تهديداته.
• لم تكلف إدارة الرئيس جورج بوش نفسها حتى إثارة احتمالات احتواء العراق. ولم تجري أية نقاشات جادة حول قرارها بغزو العراق.بل أنها كانت تعتبر الغزو أمرا واقعا. ولم تبحث جديا فيما إذا صدام يمثل تهديدا عاجلاً لأمن الولايات المتحدة الأمريكية.
• أبلغني ضابط عسكري كبير كان برفقة دوجلاس فيث في أوروبا وقت هجمات 11/9/2001م.بأنه أثناء عودتهم السريعة على متن طائرة عسكرية في اليوم التالي للهجمات. بأن الضابط قال لفيث: أن القاعدة هي المسئولة عن هجمات اليوم السابق, وأنه لابد من القيام بحملة عسكرية كبرى ضد معاقلها في أفغانستان. وكم كانت صدمة الضابط كبيرة عند سماعه فيث وهو يرد عليه قائلا: الحملة يجب أن تتجه على الفور إلى بغداد.
• في اجتماعاتنا مع الرئيس جورج بوش في كامب ديفيد فور وقوع هجمات 11/9/2001م, كان لدى بول وولفوتيز وريتشارد بيرل إصرار غريب على إدراج صدام على لائحة من تشملهم عملية الرد على هذه الهجمات. بينما لم يظهر في هذا الاجتماع على رامسفيليد تأييده لهذا الربط, على عكس نائبيه المتحمسين مع السيدة غونداليزا رايس.
• أبلغني ريتشارد هاس مدير التخطيط السابق بوزارة الخارجية (رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية فيما بعد) أن رايس قالت له في تموز 2002م ,أن قرار غزو العراق تم اتخاذه, وما لم يخضع العراق لكل شروطنا وطلباتنا فأن الحرب ستقع لا محالة.
• أشكك بأن حربنا على العراق سببها أسلحة الدمار الشامل فقط. ولكنها كانت القناع الذي تسترت خلفه إدارة بوش لتسوق الغزو في أوساط الأمريكيين.
• قرار الحرب على العراق لم يتخذ بسبب معتقدات أساسية, وحسابات إستراتيجية, ورؤية إيديولوجية. وإنما مضت الولايات المتحدة الأميركية إلى خوض الحرب, بسبب رؤية الإدارة الأميركية التي لا تستند إلى الواقع. وإنما تتركز فقط على أن التحول الديمقراطي للشرق الأوسط من خلال البدء بتغيير النظام في العراق سيكون جديراَ بتكبد عناء دفع ثمنه.
• في شهر آذار عام 2002م قلت للرئيس بوش , سيدي الرئيس نائب الرئيس يريد إلقاء خطاب حول العراق والقاعدة, يتجاوز ما تظهره تقاريرنا من معلومات إستخباراتية........ ونحن لا نستطيع مساندة خطابه, ولا ينبغي إلقائه. وبالفعل لم يلق تشيني خطابه , ولا أدري كيف أثناه بوش في سابقة هي الأولى , على الرغم من تأثير ديك تشيني اللامحدود على الرئيس جورج بوش.
• صرح بول وولفوتيز لمجلة /فانينتي فير/ في أيار 002م:أستقر رأينا على غزو العراق,وتغيير النظام ,لأن هذا العمل كان القضية الوحيدة التي بوسع الجميع الإتفاق عليها.
• مع تصاعد أصوات الحرب , وفي أوائل شهر أيلول 2002م وجدت وكالة المخابرات المركزية نفسها تحت ضغط من جانب لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ لتقديم تقييم كتابي حول أسلحة الدمار الشامل العراقية. ورغم أنهم كانوا يريدون تقديرات استخبارات وطنية يحددون بموجبها موقفهم النهائي بشأن تخويل الرئيس بوش سلطة المضي بالأمة الأمريكية إلى الحرب من عدمه . إلا أنهم في واقع الأمر كانوا يريدون بالتحديد من الوكالة تقديرات تتفق وتتلاءم مع نواياهم المبيتة ورغبتهم المتعمدة في الذهاب إلى الحرب.
• في 9/9/2002م , طلب مني السيناتور ريتشارد دوربين نائب الكونغرس عن ولاية إلينوي توجيه الجزء الخاص بوكالتي في تقديرات المخابرات الأمريكية والكشف عنه في موجز يتم نشره لشرح القضية للشعب الأميركي. وفي اليوم التالي وجه السيناتور بوب جراهام رئيس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ برسالة يطلب مني فيها جعل تقدير المخابرات القومية يتضمن :قيام العراق بتطوير أسلحة دمار شامل, وتبيان أوضاع القوات العسكرية العراقية, وأستعداداتها وقدراتها على القتال, وتأثير أي هجوم أمريكي ضد العراق على دول الجوار, ورد فعل صدام المحتمل على حملة عسكرية أميركية تستهدف تغيير النظام في العراق. وحتى أن بعض أعضاء الكونغرس طلبوا منا تقييم قدرة الجيش الأميركي على القيام بعمليات في العراق, رغم انه ليس من مهمتنا أو اختصاصنا. وبعد تردد وافقت بتاريخ 12/9/2002م. وطلبت من أفراد مجلس الاستخبارات الوطنية إعداد تقرير استخباراتي . رغم أن إعداد هذه التقارير تستغرق كأمر طبيعي من ستة إلى عشرة أشهر. وكان علينا إعدادها في ثلاثة أسابيع , رغم أن هذه الفترة قصيرة ومختزلة ومبسترة إلا أنها لم ترضي بعض أعضاء الكونغرس الذين يريدونها فورا. وراح جراهام وآخرون ينتقدوننا في الصحف ووسائط الإعلام, لما وصفوه بالتباطؤ من جانب الوكالة في تقديم التقديرات الإستخباراتية الخاصة بأسلحة الدمار الشامل العراقية. لأنه كان من المقرر أن يتم التصويت في الكونغرس على تخويل الرئيس جورج بوش سلطة إعلان الحرب في أوائل شهر تشرين الأول أي بعد أقل من شهر. حتى أن ضابط الاستخبارات القومية بوب وولبول والمعروف بنزاهته وقدراته ومهاراته العالية في التحليلات الإستخباراتية , والذي كان المسئول عن مثل هذه التقديرات الخاصة بالعراق مع عدة وكالات وأجهزة إستخباراتية أخرى, كانت ترتسم على وجهه علامات القلق والتعجب والاستغراب. وقال لي مستنكرا: مازلت لا أومن بهذه الحرب, بعض الحروب لها ما يبررها , ولكن قطعا ليست هذه الحرب.فما كان مني إلا أن قلت له: نحن لا نضع السياسات, مهمتنا هي إبلاغ الناس بما نعرفه , وما نعتقده عمن يفعل ماذا, ليتخذوا ما يحلوا لهم من قرارات حيال ما نبلغهم إياه.
• في يوم 23/11/2002م , أجتمع ممثلي الوكالات والأجهزة الإستخباراتية ال12المشاركة في تقديرات الاستخبارات القومية المطلوب رفعه للمراجعة والتنقيح وصياغة مسودة التقديرات المطلوبة. ثم أجتمع كبار ممثليهم ال12 في 1/10/2002م لبحث ومناقشة واعتماد الوثيقة النهائية لتقديرات المخابرات القومية. واتفقوا على الأمور التالية:
1. إدخال موضوع ضبط العراق متلبسا بشراء 60000طن من أنابيب الألمنيوم سراً من بين المواد المحظورة على العراق, والتي تم ضبطها ومصادرتها في الشرق الأوسط. وحاول وكيل العراقيين دون جدوى الإفراج عن الأنابيب بزعم أنها في طريقها إلى لبنان لإستخدامها في صناعة أجزاء من سيارات السباق.
2. اتفقت هذه الأجهزة ومعها الوكالة أن هذه الأنابيب يمكن إدخال بعض التعديلات عليها لعمل مولدات مركزية في برنامج نووي. وأن هذه الأنابيب جلبها العراقيين لإستخدامها في تخصيب اليورانيوم, وأجهزة أخرى وصناعة الصواريخ. وأيد هذا التوجه خبراء وزارة الطاقة وأيضا فريق من الخبراء المتمرسين في معمل أوك ريدج الوطني(الفريق الأحمر) وهم خبراء قاموا بالفعل بصناعة مولدات مركزية وأجهزة طرد مركزي. واعتبر هذا الإستنتاج دليل على أن صدام يعيد برنامج أسلحته النووية. ولكن لم يكن هناك أجماع على هذا الاستنتاج.
3. تضمن التقرير عرضا لما يسمى بالكعكة الصفراء, والتي يشار بها إلى عنصر اليورانيوم الطبيعي الذي لا غنى عنه من أجل تخصيبه لإنتاج أسلحة نووية. وربط الموضوع بمحاولة صدام شراء يورانيوم من النيجر. ونقل هذا الموضوع برمته من نشرة وكالة وزارة الدفاع لشهر أيلول 2003م. رغم أن هذه الوثيقة لم تكن ذات أهمية في تقديرات المخابرات القومية,والتي اتخذتها إدارة بوش ذريعة للحرب.
4. أشار التقرير إلى أن صدام حسين أستطاع الحصول على كمية كبيرة من اليورانيوم.ولكنه لم يحصل منه على ما يكفي لإنتاج سلاح نووي. لأن إنتاج مائة سلاح نووي يحتاج إلى 55 طن من العنصر المشع وهي كمية ليس بمقدور العراق تحصيلها كما أكد التقرير.
5. إن يورانيوم النيجر لم يصل إلى صدام لأنه تم ضبطه ومصادرته. وتحفظ عليه مفتشون دوليون في مكان آمن ومحصن. ولذلك لم يدخل يورانيوم النيجر في التقرير لستة أسباب. واتفقت عليها جميع الأجهزة والوكالات الإستخباراتية المختلفة بإستثناء مكتب استخبارات وأبحاث وزارة الخارجية, التي كانت معلوماته تشير إلى أن العراق كان يستأنف في تلك الفترة برنامج أسلحة نووية. وقد أشار مكتب إستخبارات وزارة الخارجية في تقديراته عن اعتقاده بأن العراق يواصل بناء قدراته النووية , ولكن على نطاق ضيق ومحدود.
6. أننا خرجنا في التقرير بعملية تقييم لأسلحة صدام حسين إلى خلاصة مفادها: أن العراق لا يمتلك سلاحا نوويا. وانه لو قدر له أن يفعل فلن يكون لديه يورانيوم مخصب إلا في الفترة مابين 2007م – 2009م. ولكننا أشرنا في التقديرات أننا لسنا واثقين تماما من هذا التقييم. وأشرنا إلى انه لو قدر لصدام أن يحصل على اليورانيوم المخصب من أي مكان آخر فإنه ليس لدينا دليل كاف يشير إلى أن لدى صدام برنامج نووي شامل ومتكامل لتطوير أسلحة نووية. وأشرنا إلى أن صدام يقوم بمواصلة وتوسيع جهوده لإنتاج صاروخ باليستيتي منتهكاَ العقوبات الدولية.وهذا التقييم للصاروخ حولته إدارة بوش إلى مبرر حاسم للحرب.
7. أشارت التقديرات على التقرير إلى وجود وجهات نظر متعارضة بين الأجهزة والوكالات المشاركة. وتم تدوين وجهات النظر المتعارضة بلون خاص لتمييزها, وكان عددها بحدود 16 صفحة من صفحات التقرير البالغ عددها 90 صفحة.
• يقر تينيت قائلاً: لم أفعل ما أراه صوابا في ذلك الوقت من إعداد التقرير, لضغط الوقت, ولتعرضي لضغوط سياسية هائلة, وإدارة تريد منا تقديم مبررات لتسويقها شعبيا لكي تذهب ببلادها إلى الحرب. ولذلك لم تكن الوثيقة دقيقة, ولأنه لم يكن لدينا شك بأن صدام يملك أسلحة غير تقليدية.وأننا بالغنا في تقدير حجم التقدم الذي كان يحرزه صدام على طريق تطوير أسلحة .كما أن غلطتنا أن معلوماتنا لم تكن كافية لتقطع الشك باليقين في مسألة برامج أسلحة صدام حسين. ولذلك في ربيع 2004م , وأثناء مثولي الأخير أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب, مررت بلحظة كانت هي الأسوأ في سنوات رئاستي السبع عبر السيناتور نورم ديكس وكان صديقا لي وللعاملين في أوساط مجتمع المخابرات , وذلك عندما تحدث بكلمات فظيعة عبرت عن موقفه الرافض لما جاء في التقديرات,وخاطبني قائلا: لقد اعتمدنا عليك جورج..... ولكنك هويت بنا إلى الحضيض.
• كان النقاش في إدارة بوش منصباً على إثبات وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة, وتورطه في هجمات أيلول بغض النظر عن واقع الحال.واجتزأ نصف شهادتي بالكونغرس عن اتصالات قديمة وعابرة بين نظام صدام حسين والقاعدة,وتركوا النصف الآخر الذي ينفي علاقة نظام صدام حسين بالقاعدة وهجمات أيلول.
• كان بمقدورنا التنويه لإحتمال وجود إتصالات جرت بين العراق والقاعدة تعود لفترة وجود أسامة بن لادن في السودان قبل عشر سنوات. ولكن لم تتطور هذه الاتصالات أبداً لعلاقة أو صلة أو رابطة. وكان بمقدورنا التنويه على عثور أبو مصعب الزرقاوي لبعض الوقت فيما مضى ملاذاً آمناً في العراق ليتلقى العلاج من إصابات لحقت به.وكذلك التنويه عن عشرات المصريين من نشطاء تنظيم الجهاد المصري الذين تم رصدهم في بغداد في ربيع وصيف عام 2002م. ولكن الشيء الوحيد الذي كنا متأكدين منه, هو أننا أبلغنا الكونجرس على الدوام في تقاريرنا الإستخباراتية بأنه لا تظهر أية صلة أو سيطرة , أو توجيه أو أي شيء يتعلق بأي دور يمكن أن يكون قد لعبه العراقيون فيما يتعلق بأي من الأعمال الإرهابية التي نفذتها القاعدة. وهذا التأكيد كتبته مرة أخرى وحرفياً في وثيقة قدمناها للبيت الأبيض , وأطلع عليها الجميع بما فيهم تشيني وولفوتيز ورايس.
• عناصر إدارة الرئيس جورج بوش كانوا يضغطون, علينا حتى نقول ما يرضيهم. أي التأكيد على وجود صلة بين صدام والقاعدة والهجمات. وفي مقدمة هؤلاء ديك تشيني وولفوتيز وسكوتر ليبي, الذين كلما نفينا هذه الصلة طالبونا بإعادة البحث, وإعادة البحث وهكذا دواليك.
• أصدر وولفوتيز كتابا من خلال دار لوري ميلوري في عام 2002م بعنوان(بحث سبل الانتقام) حيث قال:حرب صدام حسين على الولايات المتحدة الأمريكية لا تنتهي. و أن منفذ الهجوم بالمتفجرات على مركز التجارة العالمي كان عميلاً للمخابرات العراقية.
• في صبيحة 21/11/2002م ذهبت إلى البيت الأبيض كعادتي كل يوم لأقدم التقرير الاستخباراتي اليومي الموجز المعتاد , والذي أقدمه ستة أيام في الأسبوع. في ذلك اليوم كان هناك اجتماع إضافي تقرر عقده بعد هذا الاجتماع الصباحي. وكان مسئولو مجلس الأمن القومي الأميركي قد طلبوا منا في الوكالة قبل أسبوعين ونصف الأسبوع ,أن نبدأ في صياغة قضية يتم تقديمها للعامة ضد صدام حسين, وتركز تحديداً على امتلاكه أسلحة دمار شامل. واحتمال إستخدامه لها. والتي هي ما حدث وأن أستخدمها وزير الخارجية كولين باول في خطابه الشهير أمام مجلس الأمن الدولي.إلا أنه لم يكن من الواضح في ذلك الاجتماع من هم العامة المستهدفون بما سنقدمه على وجه الدقة. وفي هذا الاجتماع أوضح فريق العاملين بالبيت الأبيض(ضباط أركان الرئيس)أنهم يبحثون عن لحظة آدلاي ستيفنسون ( وهي بأختصار تعبير عن لحظة التجلي) في إشارة منهم لعرض ستيفنسون الشهير أمام الأمم المتحدة إبان أزمة الصواريخ الكوبية في عهد كينيدي. وقد أبلغهم بوب وولبول في الاجتماع أن ما جمعناه في الوكالة من معلومات إستخباراتية لا يلبي طلبهم. وخلال أسابيع قليلة جمع فريق صغير من محللي الوكالة المواد المطلوبة. وجاء دوري لتوزيعها على الرئيس ونائبه وأندي كارد ورايس وعدد آخر من مسئولين آخرين. ووقع اختياري على نائبي جون ما جلوغلين لكي يقدم العرض المطلوب الذي قمنا بإعداده. وجلب جون ماجلوغين معه بعض الخرائط لتوضيح النقاط, ومساعد تنفيذي له لمساعدته فيما يستعرضه بالوسائل المرئية. وكانت مهمتنا في هذا اليوم استخراج وكتابة المعلومات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل العراقية, والتي نعتقد أنها على نوعين: صحيحة, وما يمكن الكشف عنها للرأي العام دون إلحاق الأذى بمصادر ووسائل مخابراتنا. ولم يكن ما قاله جون جديداً لكل من حضر الاجتماع.ولذلك وفي سقف التوقعات العالي للحاضرين لم يحظ ما عرضه جون في بداياته بترحيبهم, ومع مواصلة جون عرضه بدئوا يتحولون إلى وجوه مكفهرة عليها علامات الغيظ الشديد.فشعرت بخيبة الأمل ,لأنه أضاع وقت الرئيس بوش في تكرار ما قدمناه إليه من قبل, وفي انه كان بالإمكان تضمين بعض المعلومات التي وردت بتقديرات المخابرات القومية. ومع ذلك حيا الرئيس بوش جون على عرضه وقال: حسنا بروفة جيدة. ومن ثم أردف قائلاً: ولكن ما سمعته لتوي لا يحتمل أن يشد الرأي العام, ويمكننا أن نضيف بعض التوابل للعرض بإحضار بعض المحامين المتمرسين في عرض القضايا بالطرق التي ينجحون معها في استمالة المحلفين.
• في الوقت الذي كنا منشغلين فيه بالمتطرفين حول العالم وحربهم ضدنا, كان أفراد إدارة الرئيس جورج بوش منشغلين بربط الرئيس صدام حسين بالإرهاب وبتنظيم القاعدة.
• نشرت مجلة ويكلي ستاندرد في عددها الصادر بتاريخ 24/11/2003م بعنوان القضية حسمت. تركز على مذكرة بالغة السرية كشفت عنها المجلة, وكان قد بعث بها دوجلاس فيث أحد أقطاب المحافظين الجدد وبات روبرتس رئيس لجنة إستخبارات مجلس الشيوخ قبل أسابيع من نشرها للموضوع, يؤكد فيها: أن جميع التقارير المخابراتية الموثوق بها,والشاملة والمفصلة, والتي تم جمعها من مصادر مختلفة, تؤكد وجود صلة عملياتية بين أسامة بن لادن وصدام حسين تعود إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي. و المعلومات الواردة في المذكرة, قام فيث وليبي بتحريفها وتوجيهها بحيث تخدم في النهاية الهدف المطلوب . والذي يسعى إليه تشيني وشلته منذ البداية. وهو تبرير الحرب على العراق,من خلال إدانة نظام صدام حسين بتهمة الإرهاب, والربط بينه وبين تنظيم القاعدة.
• سؤل ديك تشيني عن صلة العراق بالقاعدة فأجاب: أفضل طريقة لمعرفة الحقيقة هي قراءة مذكرة دوجلاس فيث في ويكلي ستاندرد. وبعد شهرين هن هذا الجواب, سئل تشيني عما إذا كانت هناك هذه الصلة بين العراق والقاعدة ,رد قائلا: ما جاء في مذكرة فيث التي تسربت ونشرتها ويكلي ستاندرد هي أفضل مصدر للمعلومات حول هذه الصلة.رغم أن الوكالة أكدت بتقريرها في كانون الثاني 2003م والذي يتجاهله تشيني.أنه لا توجد أية صلة أو توجيه أو سيطرة أو أي شيء آخر بأي دور يمكن أن يكون قد لعبه العراق فيما يتعلق بأي من الأعمال الإرهابية التي نفذتها القاعدة.
• دوجلاس فيث هو وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية وترأس وحدة البنتاغون التي زودت البيت الأبيض بمعلومات مشكوك فيها عن وجود صلة بين القاعدة والعراق. وهو يقدم إتهاماً من تحليله الشخصي, ومعه باقي أقطاب المحافظين في إدارة الرئيس بوش.
• طاقم إدارة الرئيس بوش, وفي مقدمتهم تشيني وفيث وولفوتيز وستيفن هادلي . يريدون الربط بين صدام حسين والقاعدة, وكان كل واحد منهم يقدم ما يقوله هو وباقي شلته, أو ينسبون إلى الوكالة ما لم تقله في تقاريرها, وعندما فشلوا في حربهم ,عادوا ليلصقوا كل شيء بجورج تينيت , وهم مستمرون فيما يروجونه ويسعون إليه.
• عشية الذكرى الخامسة لأحداث 11/9/2006م, ظهر ديك تشيني على شاشة القناة التلفزيونية /N.B.C / في برنامج واجه الصحافة. وسئل عن تصريحات أقطاب إدارة بوش وهو منهم والتي ربطت بين العراق وهجمات أيلول . وبدلا من الإجابة راح يشير إلى شهادة تينيت أمام لجنة تحقيق الكونغرس قبل ثلاث سنوات, وقال: ربما تكون أفضل إجابة موجودة فيما قاله جورج تينيت في شهادته أمام لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر, تلك الجلسة العلنية حيث قال أن هناك صلة بين العراق والقاعدة وتعود بداياتها إلى عقد من الزمن على الأقل. وكذلك فعلت غونداليزا رايس في برنامج فوكس نيوز صنداي الذي تبثه قناة فوكس الإخبارية. وذلك عندما سؤلت سؤالاً مشابها, فقدمت جواباً مشابهاً لجواب تشيني, حيث قالت رايس: ما أعتمد عليه الرئيس بوش وأنا وباقي أفراد الإدارة وكذلك أنت ببساطة هو وكالة المخابرات المركزية, وقد قدم مديرها جورج تينيت شهادة تؤكد حقيقة وجود صلات بين القاعدة وصدام حسين , تعود بداياتها إلى عقد من الزمن. ونقلت رايس قولي: كانت هناك إتصالات بين الاثنان كما جاء في تحقيق لجنة هجمات سبتمبر. ورغم أن أي منهم لم يذكر أبدا أنني أبلغتهما في الوقت عينه ومعهم الكونجرس حرفيا: أن مخابراتنا لم تظهر أبداً أنه لا العراق ولا القاعدة قد سعيا لاستغلال أحدهما الآخر. إضافة للفرق الكبير بين صلات قديمة, وعلاقات وصلات وعمليات مشتركة.
• خطاب جورج بوش في الأمم المتحدة كان نتيجة نهائية لعدة شهور من التخطيط والتقديرات والمفاوضات. وكان التركيز في الخطاب على نقطة مهمة مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لو أرادت وحلفائها كسب التأييد الدولي لغزو العراق, فلابد من خلق نقاش هائل يؤدي إلى تحويل الشكوك إلى تحالف للإدارة. وبناء عليه أعدت الإدارة عرض باول وهي تعرف لمن سيوجه. والأهم ما الذي ينبغي قوله. ولم أكن اعرف أن ما جمعناه سيتحول فيما بعد على كارثة.
• في يوم السبت التالي مباشرة لأعياد الميلاد عام 2002م , كان جون ماجلوغلين وبوب وولبول يحضران اجتماعا آخر في البيت الأبيض. وهدف الاجتماع هو محاولة إدخال بعض التعديلات والتحسينات على العرض غير المرضي الذي قدمناه.وأقترح ممثلو مجلس الأمن القومي الأمريكي تعزيز المعلومات لتسير في طريق حسم الجدل السائد بين أوساط الأمريكيين حول أسلحة صدام حسين ليكون في خارطة وخانة الإدانة, وبالتالي الفوز بتأييدهم للإطاحة بصدام حسين.وأكد وولبول في بيانه أمام رايس امتلاك صدام لصواريخ بعيدة المدى, ولكنه نوه بأن أضعف حالة هنا هي أسلحة صدام النووية, حيث لا يوجد ما يجعل وجودها مؤكداً,وأن مستوى الثقة في احتمال وجودها متوسطاً.
• بتاريخ 6/1/2003م حضرت اجتماعاً مع كوندي رايس وبرفقتي ما جلوغلين وولبول وستيف هادلي.وقد ذكر هادلي أن عرض وكالة المخابرات المركزية لقضية أسلحة الدمار الشامل العراقية ضعيف.فرد عليه وولبول أن العرض ضعيف لأن القضية ضعيفة.
• بتاريخ 24/1/2003م طلب هادلي من وولبول أثناء الاجتماع تزويده بمعلومات حول ما يحتاجه صدام لإنتاج سلاح نووي,فرد عليه وولبول قائلا: بأن هذه المعلومات موجودة في تقديرات الاستخبارات القومية التي قدمت قبل ثلاثة شهور.
مذكرات جورج تينيت مجموعة فضائح لتينيت نفسه ولإدارة جورج بوش وللوزراء و البنتاغون وللنخبة التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية. والغريب عدم تحرك أي من مجلسي الكونغرس أو السلطة القضائية للتدقيق في الاتهامات والأدلة على وجود الإهمال والتقصير وتزييف الحقائق, وفبركة الأكاذيب لتبرير الغزو الأمريكي للعراق والذي دمر الاقتصاد الأمريكي وأزهق ملايين الأرواح .وجر دولة عظمى لشن حرب على العراق بذرائع كاذبة وملفقة, ولتي كشفها وفضحها تينيت في مذكراته.والتي لو حصل بعضاً منها في أكثر الدول تخلفاً أو ممن يكنون بدول الموز لسارعت الأجهزة الأمنية أو القضاء للتحقيق فيها,أو حتى لكان لجأ المتهمون أو رموز السلطة التنفيذية للقضاء للدفاع عن شرفهم المهدور بمثل هذه الاتهامات ومحاسبة من وجهها على الأقل. أما في بلاد تينيت فلم نجد له من حراك.وربما هو القصور في الدستور والقضاء,أو هو تحكم الفساد بالقرار.
|