الأحد, 12-أكتوبر-2014
صنعاء نيوز - 
صمدت ولمدة تزيد عن اربعين سنة، صيغة الحكم التي انتجتها التسوية الملكية الجمهورية، في مارس 1970 برعاية سعودية كاملة، صنعاء نيوز/محمد عبد الوهاب الشيباني -

صمدت ولمدة تزيد عن اربعين سنة، صيغة الحكم التي انتجتها التسوية الملكية الجمهورية، في مارس 1970 برعاية سعودية كاملة، و قامت على اضلاع ثلاثة لتآلف مكون من (العسكريين الموالين للرياض والزعامات القبلية والمشيخية والتيار الوهابي الذي بدأ يتقوى اكثر بتأسيس هيئة المعاهد العلمية في يونيو 1974)ِ.
وتجلى هذا التآلف، في ذروة حروب المناطق الوسطى اواخر سبعينيات واوائل ثمانينات القرن الماضي، حين شكل هذا التحالف الجبهة الاسلامية، لمحاربة مقاتلي الجبهة الوطنية الديموقراطية، الذين كانوا يسيطرون على مساحات جغرافية واسعة من محافظة اب ومجاوراتها، من المناطق التي كانت تتوسط شمال اليمن وجنوبه قبل مايو 1990.
وكانت تتم الترتيبات داخل منظومة الحكم ـ في حالة حدوث أي خضة ـ في اطار هذه القوى ولصالحها، فلم يحدث أي اختراق لهذه الكتلة ،حتي تلك اللحظة التي دخلت فيها اليمن الطبيعية في وحدة اندماجية فورية في مايو 1990 ،في ذروة سقوط المعسكر الشرقي وسيادة القطب الواحد، لم تُحدِث مثل هكذا اختراق، وان كانت قد فتحت افقاً جديدا للوعي المجتمعي بمسألة المواطنة، وتالياً باستعلاءات منظومة الحكم ـ ذاتها وبأضلاعها الثلاثة ـ التي تقوت اكثر بعد حرب جائحة الجنوب صيف 1994،وعملت على الحاق وظم الجنوب، كجغرافيا وثروة الى الملكيات الخاصة لهذه المنظومة ورموزها (صالح ومحسن والاحمر والزنداني).
وحين بدأت لحظة تململ الجنوبيين، من ظلم وجور منظومة الحكم الغاشمة تتحول الى فعل سلمي للحراك ،استقطب الى صفوفه كل شرائح المجتمع الجنوبي ابتدأ من مطلع العام 2007 ،واحساس مركز الحكم بخطر القوى النابتة من لحظة الاحتجاج السلمي القادرة على استعادة دولتها المصادرة ـ كجغرافيا وهوية ـ وتجريد المنظومة من مسلوباتها، عملت (منظومة الحكم) على انتاج نماذج اكثر تطرفاً في المناطق الجنوبية، لتشويه هذه الحركة الاحتجاجية من خلال زج العشرات من قياداتها في صفوف الحراك، واظهرت الكثير من المشاهد المصورة التحام علمي الحراك والقاعدة في فعالية احتجاجية، على ضحايا الصواريخ الامريكية على قرية (المعجلة) في ابين في ديسمبر 2009 ،وانبراء احد قادة القاعدة خطيبا في حشد المحتجين محرضاً ومتوعداً .
وتذهب اكثر من رواية الى ان صفقة تمت بين (انورالعولقي) وعلي صالح في 2008 يقوم بموجبها الاول بنقل مركز التحكم والسيطرة للقاعدة الى المحافظات الجنوبية، مقابل اطلاق سراحه وسراح 20 شخصية قيادية من القاعدة، من سجون الامن السياسي ،وهذا ما تم فعلاً، وكل ذلك من اجل خلط الاوراق جميعها.
التسوية السعودية الثانية بين فرقاء الحكم، في نوفمبر من العام 2011 ـ او ما عرفت بالمبادرة الخليجية ـ والتي شكلت التفافاً على ثورة فبراير السلمية ـ مثلما شكلت تسوية مارس الملكية الجمهورية، افراغ لروح سبتمبر العظيم ـ اعادت ترتيب بيت الحكم في ذات مساحة الاضلاع الثلاثة، الذين حضروا التوقيع روحاً بممثليهم ووكلائهم، حتى ان الخاسر في هذه التسوية ونعني (علي صالح) خرج منتصراً بقانون حصانة، اتاح له الاستمرار كلاعب رئيس في الفترة الانتقالية، كون القانون نزع عنه شرعية الحكم، لكنه لم ينزع منه شرعية القوة ـ التي انتجت سياقات حكم موازية ـ اذ ظلت الكثير من وحدات الجيش والامن، وجزء كبير من القرار السياسي وادارة البلاد بيد (مواليه) الكُثر الذين سيكون لهم الدور الاهم في احداث سبتمبر الاخيرة، التي شهدتها صنعاء وافضت الى سقوطها بيد المليشيات الحوثية .
لكن قبل ذلك لابد من التذكير، انه مثلما استثنت التسوية الاولى، مطلع سبعينيات القرن الماضي (اسرة حميد الدين) من الانخراط في العملية السياسية، عمدت التسوية الثانية في 2011 الى استبعاد قوى سياسية وعسكرية، كانت تتشكل على الارض وصارت جزاء فاعلاً من ثورة فبراير، ونعني هنا (الحوثيون) الذين خدمتهم بشكل لا معقول، ظروف الفترة الانتقالية، حيث مرت البلاد بمنعطفات قاتلة، لعب فيها فرقاء الحكم ـ الذين استبعدوهم ـ الدور السلبي في ايصال البلاد الى لحظة الانفجار ،وقادت الشارع الى لحظة تذمر مخيفة ،استطاع من خلالها الحوثيون التقاطها بذكاء لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على الارض، مستفيدين من استبطانات الثأر التي تحكمت بتحركات الفرقاء وعلى راسهم (علي عبدالله صالح)، الذي سهَل للحوثيين من خلال انصاره وسلاحه اسقاط خصومه خلال ستة اشهر ـ من العصيمات الى صنعاء ـ فقد قدرت التقارير ان خمسة الاف من منتسبي قوى النخبة (الحرس الجمهوري سابقاً)، والفي مقاتل من الامن المركزي سابقاً، ومئات من ضباط الاستخبارات كان لهم الدور الاهم في اسقاط صنعاء بيد الحوثيين مساء الاحد 21 سبتمبر/ ايلول الماضي، بدون عناء فاجأت الحوثيين انفسهم.
الخصومة بين صالح والحوثيين، التي امتدت لسنوات طويلة، وتخللها ستة حروب وتصفية مؤسس الحركة (حسين الحوثي) قبل عشرة اعوام على يد قوات (صالح/محسن)، تحولت الى لحظة من التحالف القائم على قاعدة (عدو عدوي صديقي) ،مكنت الطرفين من تحقيق مكاسبه باقل الخسائر ( كانت ستكون اكثر كلفة ان خاضها احد الاطراف منفرداً) ،وهو تحالف في عالم السياسة مبرراً ،ويعوزه التبرير الاخلاقي، عند الحوثيين بدرجة رئيسية، اذ انه نسف القاعدة التي غطت خروجهم من اجل مطالب مشروعة (اسقاط الجرعة والحكومة والفاسدين وتنفيذ مخرجات الحوار)، لانهم حين تمكنوا من ذلك رأوا الفساد فقط بخصومهم (علي محسن وال الاحمر )، ولم يروه في صالح ذاته، الذي اسس وشرعن للفساد على مدى ثلث قرن واول من اكتوى بفساده الحوثيون انفسهم.
وبرهنوا في كثير من سلوكياتهم في (التفيد) ،انهم ليسوا اكثر من طلاب سلطة وقوة ولو بالتحالف مع (الذ خصوم الامس لهم وللمجتمع)، وهو امر سيجعل من صورة الحوثيين المجمَلة قبل (دخول صنعاء) تختلف كلية عما بعدها، في اذهان بسطاء الناس الذين رأوا في الحوثي مخلصَاً وليس كابوساً ميليشاوياً، سيستجلب الى العاصمة كل ويلات الدم ـ على نحو تفجير الخميس ـ ان لم يخلص اكثر للسياسة بعيداً، عن زهو القوة والانتصار.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 03:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-31461.htm