صنعاء نيوز -  
قد لا أبالغ إن ذهب اعتقادي اليوم إلى أنني أكتب بلسان كثير ممن يحبونك ويقدرونك ويتضامنون معك في محنتك، وباسم كثيرين لا يعرفونك

الإثنين, 19-يناير-2015
صنعاء نيوز -

صديقي العزيز،
تحية لك حيث أنت..

قد لا أبالغ إن ذهب اعتقادي اليوم إلى أنني أكتب بلسان كثير ممن يحبونك ويقدرونك ويتضامنون معك في محنتك، وباسم كثيرين لا يعرفونك لكنهم يدينون جريمة اختطافك لأنهم يرون فيها امتدادا لجريمة اختطاف اليمن ومصائر اليمنيين.

لذلك اسمح لي أن أختصر متمنياتي لك في أن تكون بخير وعافية وأن تعود لوطنك وذويك في أقرب فرصة.. فليس المقام هنا لحفر مجرى لفيض العواطف.. لأن المشاعر بلغت الحناجر بسبب ما يقترف في حق اليمن -ومنه ما تعرضت له- وقد تتحول إلى طوفان جارف إذا لم يهب العاقلون لنجدة ما تبقى من الحلم الذي داعب مخيلة اليمنيين منذ 2011 وتسرب من بين أيديهم بفعل زراع الكوابيس..

لا مجال هنا لأن أسأل إن كان مسلح يحمل الكالاشنيكوف ولا يحمل من الثقافة أو الفهم السياسي ربع ما يكفي لكي يناظرك، هو من يقف اليوم فوق رأسك معتقدا أنه يسدي خدمة جليلة للطائفة وللأمة ولليمن. فذلك على الأرجح هو الوضع. ليس هنالك فسحة لأسألك إن كنت رابط الجأش، فذلك عهدي فيك ولا أظن تنطع مجموعة من المتشنجين قادرة على إخراجك عن طورك. لن أسألك عن الابتسامة التي لطالما ارتسمت على محياك حتى في أحلك الظروف، فأنا على يقين أنها باقية تتحدى غباء خاطفيك وتؤكد لهم عبثية فعلهم..

إنما أكتب لك لأهنئك.. لأن من خطفوك وضعوا من حيث لا يدرون نيشانا جديدا على صدرك.. فقد أكدوا عجزهم عن مقارعتك بغير منطق السلاح حين ثبت لهم أنك حجرة عثرة أمام مساعيهم لاختطاف الدولة وارتهان اليمنيين. وأثبتوا أن حجتهم أضعف من عزيمتك حين وقفت سدا أمام استكمال مخططاتهم الانقلابية.. وأظهروا قلة صبرهم ونفاد حليتهم أمام شخص مثلك لا يهادن أو يداهن من لا يخلع عنه رداء الطائفية أو المناطقية أو الحزبية الضيقة. لأنك ترى فيه رداء كاشفا للعورات لا محالة مهما بدا قشيبا بهيا في حينه.. ولأنك لا تقبل بغير عباءة اليمن الواسعة الجامعة دثارا لليمنيين لأن فيها سترا لهم وحماية من صروف الزمان وتقلبات الجغرافيا.

عزيزي أحمد،
عهدتك شخصا مدنيا مسالما وإن كنت لم تغادر ميدان المعركة منذ نحو أربع سنين.. الكلمة سيفك والأمانة والصدقة درعك.. سيفك ودرعك يمانيان، فيهما من رقة الفؤاد ورجاحة العقل وزينة الحكمة ما أعطاهما قوة الحسم في الأوقات الفاصلة..
فقد وقفت في وجه الماضي ورفضت عودته بدعوى أن "صالحه" أكبر من طالح الحاضر والمستقبل. ولم يرهبك تهديد بالقتل أو التصفية..
خالفت كثيرا من أهلك الأقربين ولم تنجرف مع حنينهم الخادع إلى ماض متخيل يخفي واقع التشطير والتجزئة ومخاطر الاقتتال. ولم تخش من تهمة التخوين الجاهزة.
أثبت لتجار الدين وفتاوى التكفير أن تجارتهم بائرة ولم يعد لها سوق في اليمن الجديد. لم تلق بالا لليهم أعناق الآيات والأحاديث لتبرير طموحاتهم السلطوية الدنيوية..
حروب كثيرة تنوء بحملها الجبال لها لكنك خضتها بمعية قلة من اليمنيين المخلصين دون مواربة أو حسابات شخصية.. وكذلك فعلت حين اندلعت معركة "ولاية االفقيه".. حاربت من موقعك بما أوتيت بينما ساوم أو تخاذل غيرك، وكان حريا بهم أن يواجهوا.

عزيزي أحمد،
هنالك الكثير ممن يتضامنون معك اليوم بصدق لكنهم يقرنون تضامنهم ب"لكن" غامضة أو جبانة أو مقيتة.. لا أتحدث هنا عمن أعلنوا خلافهم معك على الأشهاد.. فهؤلاء أحترمهم وإن كنت أشفق على سذاجتهم أحيانا، وألتمس لهم الأعذار أحيانا أخرى. فبعضهم لا يدري هول ما يجري في الكواليس وعلينا أن نجتهد في طلب السماح له. وبعضهم استسهل التنظير على صفحات التواصل الاجتماعي فبات عصيا عليه التفريق بين الافتراضي والواقعي.. وكثيرهم لا يدري أن السياسة هي فن الممكن مهما كان هذا الممكن هزيلا هشا متواضعا.

إنما أتحدث عن أولئك الذين لا يرون السياسة إلا من منظار الحسابات الضيقة: حسابات الحزب أو الجماعة أو الطائفة أو القبيلة إو المنطقة، فباتوا اليوم يهمسون لأنفسهم أو لمجالسهم بأن "نزقك" و "غرورك" و "طموحك" جلبوا عليك وبال الحوثيين وتغول ميليشياتهم. بعضهم يقول إن سذاجتك جعلت العجوز هادي يستسهل توظيفك كدرع لحماية نفسه وتأمين جلوسه مزيدا من الوقت فوق كرسي السلطة المنخور. يقولون -والعهدة عليهم- إنه يبقي القرار ضمن حلقة عائلية ضيقة ولا يتوانى عن التنازل لولي نعمة الأمس وصاحب سطوة السلاح اليوم.. وعندما يضطر لاتخاذ أي قرار مثير للجدل، يلبسك إياه لكي يتنصل من تبعاته.. قد يكون في الأمر بعض من الصحة، بيد أنني أعرف أنك أذكى من أن توظف أو تستغبى.. لكنه حسك الوطني العالي الذي يضفي عليك صفات الانتحاريين. هو تعاليك عن الحسابات الشخصية الذي يجعلك تقدم على ما ترى أن فيه مصلحة لليمن وإن كان ضارا لك. هذه شجاعة يا صديقي لا يستطيع ادعاءها إلا قلة في اليمن اليوم. شجاعة جعلتك تتجشم أعباء كنت في غنى عنها بينما كان في إمكانك أن تجلس على مقاعد تحين الفرص كما يفعل الكثيرون من الساسة الجبناء.

عزيزي أحمد،
أعرف أنك قد تنزعج كثيرا حين تعرف بتصرفات بعض من انتفضوا متضامنين معك منددين بسلب الميليشيات حريتك. فبعضهم فعل ذلك لانتماء مناطقي وقبلي وتناسى أنك أعلنت انتماءك لوطن أكبر من الأشطر والمناطق والقبائل والجهات.. وبعضهم شل مؤسسات الدولة وعطل مصالحها متجاهلا أنك ما سعيت إلا لبناء دولة المؤسسات، دولة تأمل اليوم من مواطنيها أن يرحموا ضعفها وأن يزيدوا لبنة بناء إلى هيكلها المتهالك بدل أن ينزلوا عليها بضربات معاولهم الهدامة. إن بعض من يتضامنون معك اليوم هم جزء من المشكلة وإن لم يكن على نفس قدر خاطفيك. لأن الأخيرين وضعوا أنفسهم في الأسر حين اختطفوك، حاصروا أنفسهم حين اعتقدوا أنهم يضيقون عليك، وقعوا في شر أعمالهم..
لعمري إنك اليوم كأحمد العربي الذي قال فيه محمود درويش:


أنا أحمد العربيّ - فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار - فليأت الحصار
وأنا حدود النار - فليأت الحصار
وأنا أحاصركم
أحاصركم
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-33953.htm