الخميس, 01-يوليو-2010
صنعاء نيوز/الدكتور طالب الرمَّاحي -


تكمن خطورة هذا الخلق في أنه يتعارض تماما مع أهم المباديء الإسلامية ، وهو ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وقد ورد في الحديث أن ( لادين لمن لايدين الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، ولذا فإن الدعوات السماوية والوضعية قد جعلت جوهر أهدافها ( الإصلاح ) والإصلاح هو لب الأمر بالعروف والنهي عن المنكر . فالقرآن الكريم قد ركز في أغلب سوره على الإصلاح ، وقد ظهر واضحا من خلال تدب ر القرآن أنه قد أوصى الإنسان بأخيه الإنسان ، فحرم الكذب والخيانة والغش والاعتداء بكل صوره المادية والمعنوية ، وهذه المباديء وغيرها تشترك في منع المؤمن من أن يساعد على الظلم والفساد ، فيما تحثه على التعاون في البر ومنه الإصلاح .
والإمام الحسين عليه السلام قد جعل شعاره ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وقال في (مانشيت) كبير وهو يحث السير إلى كربلاء : جئت لكي آمر بالمعروف وأنه عن المنكر . إلا أننا لم نأخذ بهذا المبدأ واكتفينا من الحسين عليه السلام ( باللطم والنواح ) . كما أن النظم الوضعية والتي اعتمدت الأسس الإنسانية في علاقاتها عمدت إلى صياغة قوانين تنظم العلاقات الإجتماعية ، فالشعوب المتقدمة وخاصة في الدول الغربية قد انتبهت إلى خطورة ( المداهنة ) ، ورسمت أطر قانونية وتربوية واضحة للعلاقات الاجتماعية ، استطاعت هذه الأطر بمرور الزمن أن توجه المجتمع الإنساني فيها باتجاه الاحترام المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين المجتمع والحكومات القائمة . ومن أكبر الثمار التي جنتها تلك الشعوب هو القضاء التام على الفقر بعد أن قاد التعامل السوي إلى العدل .
لم يك الحال في مجتمعنا المسلم كما يطمح إليه الإسلام ولا المباديء الإنسانية ، فقد تفشت الخصال السيئة الفاسدة بشكل يثير الكثير من الأسف ، مع امتلاكنا لمقومات الكثير من الأسس التي يمكن أن يبتنى عليها مجتمع قد يكون أفضل بكثير من المجتمعات الغربية والتي ابهرتنا بإنجازاتها الإنسانية والعلمية .
فالإمام علي عليه السلام قد رسم لنا طريقا مهيعا لحياة إنسانية خالية من المثالب ، في أغلب أبعادها ، ومنها بُعد العلاقات الإنسانية ، ففي تحذيره من ( المداهنة ) والتي تعتبر آفة خلقية خطيرة تكرس الظلم وتشيع الفاحشة ، وتربط المجتمع بخيوط المصالح الشيطانية الضيقة ، قال عليه السلام : رحم الله رجلاً رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده . وأن مفهوم هذا القول البليغ هو ( أن الله لن يرحم من لايعين على الحق ولا يرد الجور ) . كما أن الإمام من خلال قوله يحث على العمل والتحرك في النصرة أو الخذلان ، ولا يكفي أحدنا أن يستنكر أو ي نصر بقلبه ، ( فالنية الصالحة لاتصلح عملاً فاسداً ) ، وعمل القلب لوحده وهو أضعف الإيمان له أحكامه وظروفه التي تتضمن خطورة ما ، ولا أعني هنا العمل في أوساط تلك الظروف ، وأن ما أعنيه أن يتبرع أحدنا ( لمداهنة الظالم ) لعلاقات خاصة تربطه بالظالم أو مصالح معينة تتضرر بنصرة الحق أو انتقاد الجور .
وضرر المداهنة بين الأشخاص يؤدي إلى تخلف وضعف بنية المجتمع ، بينما المداهنة بين المجتمع والحاكم الظالم تؤدي إلى كوارث إجتماعية خطيرة ، وكما رأيناها واضحة عبر تاريخنا القديم والمعاصر ، ابتداءا من مداهنة الأمة لخلفاء بني أمية وانتهاءا بمداهنة بعض شرائح الشعب العراقي للنظام البعثي المقبور .
فالمداهنة في علاقاتنا الإجتماعية أصبحت ظاهرة خطيرة ، ليس في حاجة إلى كثير جهد لكي تراها واضحة وجلية في ممارسات غالبية الناس ، وهي أكثر وضوحاً لدى شخصيات تمتلك وزنا اجتماعيا معينا من خلال بعض الأعمال التي تؤديها لمؤسسات دينية أو جتماعية ، ولعل البعض يمارس دور المصلح لوحده أو من خلال لجان معينة . والذي يثير الإستغراب أنك لو عرضت على أحدهم قضية خلاف ، فإنك سوف تجده وبشكل عفوي يميل بشكل صارخ للطرف الظالم ، ويزهد حتى بالحياد ، بل يتحول إلى مدافع عن الجور ، وإن وضعتَ أمامه الكثير من الأدلة التي تبين الحقيقة .
ومن خلال التجارب التي مررت بها ، وجدت أن حب الذات وتغليب المصالح الشخصية مهما صغرت هي الدافع وراء التخلف في نصرة الحق ، فغالبية أولئك الذين استخفوا بحقوق أحد الخصمين كانت لهم منافع مادية أو اجتماعية مع الخصم الآخر ، وهذه الظاهرة الإجتماعية ليست جديدة في المجتمع العربي والإسلامي بالذات ، وقد ورثتها مجتمعاتنا كابرا عن كابر لسببين رئيسيين ، الأول هو الجدب الإيماني وانعدام التقوى داخل النفوس بسبب تربية معينة سائدة ، فالشخص الذي يستسيغ الباطل بلا شك يعيش حالة من الإستهزاء الداخلي وقلة الاكتراث بحلال الله وحرامه ، فهذا الإستهزاء يصبح بتوالي السنين عادة مستعصية في سلوكه ، اشبه بالبخل أو الجبن أن الطمع ، أو أي خصلة تأصلت بسبب التكرار ، وبذلك تراه يمارسها مع الجميع على أنها أمر عادي . السبب الثاني هو غياب الحس الإنساني لدى الشخص ، فنحن نألف الكثير ممن لادين لهم لكنهم يتمتعون بخلق إنساني رفيع يمنعهم من التجاوز على الآخرين أو أن يترددون في دفع الضرر الذي قد يلحق بمن حولهم ، لم يك ذلك بدوافع من الإعتقاد بوجود محاسبة إلهية ، وأنما بدوافع إنسانية نبيلة وجدت فينا بالفطرة مع ايماننا بالله ، فمن لم يمنعه إيمانه بالله من اتباع الحق ، فإن إيمانه بآدميته ، ت حتم عليه احترام نظيره في الخلق ، ولذا فإن المسلم الذي يدعي الإيمان بالله ولا يؤمن بآدمية غيره ويستسيغ ظلم الآخرين هو أكثر الناس هلاكاً يوم القيامة .
فالدخول بين خصمين هو وضع النفس في موضع الحكم والقضاء ، والله تعالى قال : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .
إن الحديث عن المداهنة في علاقاتنا الاجتماعية ، يحتاج إلى ابحاث كثيرة فلها أبعاد اجتماعية وفردية ، وقد بين لنا القرآن بشكل واضح خطورتها ، إلا أن باحثينا وعلماءَنا لم يتناولوها كما ينبغي ، لاسباب كثيرة لايسعها هذا المقال ، كما أن الأحاديث النبوية لم تغفلها أيضاً ، وأختم بما ذكره الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر فيقول في هذا المعنى : ولا يكون المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء ، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة . وهذا يعني بوضوح أن مهادنة الباطل هو محاولة لإشاعة الفاحشة وتشجيع أهلها ، وأن إعراضك عن إنصاف صاحب الحق ، هو محاولة منك في دفع الناس للتزهيد في العمل بالحق .
وقانا الله وإياكم شرور نزعاتنا وهدانا الطريق المستقيم .
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 05:57 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-3479.htm