صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر - إن تطور البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي بلد يستلزم وجود وحدات إنتاجية أو خدمية تتمتع بهياكل تنظيمية متماسكة . وتعمل هذه الوحدات وتمارس نشاطها بالشكل الذي ينبغي أن يكون منسجما مع الغرض لنشؤها ووجودها . ولاشك بأن نشاط مثل هذه الوحدات ذات المحتوى الاقتصادي يمكن أن يؤدي دورا أساسيا وجوهريا في نمو الاقتصاد الوطني . ويعني ذلك بأن رخاؤها وتطورها يدلل على صحة الاقتصاد العام للبلد الذي تنتمي إليه ، حيث أن نتائج فعالياتها تكون مؤشرا أكيدا ومقياسا لمستوى معدل الإنماء العام . فليس غريبا أن تحصل دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع الشركة قبل البت في طلب الترخيص اللازم لتأسيسه ( 1 ) .
لقد اختلفت تسمية هذه الوحدات الاقتصادية على المستوى التجاري والإداري ،كما أن طبيعة النظام القانوني والمبادئ التي تحكم وظيفتها وأنشطتها داخلها أو في إطار علاقاتها التعاقدية مع الوحدات الاقتصادية الأخرى أخذ يتطور سريعا سواء كان ذلك في تكييف نوع العلاقة التي تنشأ مع الغير ، وكذلك الأمر في تقييم مبدأ المسئولية الذي يحكمها تجاه الأطراف ذات العلاقة بنشاطها من مستهلكين أو دائنين مقرضين أو الدولة .
ولربما يطلق على الوحدة الاقتصادية تسمية المشروع ، شركة أو مؤسسة ، بغض النظر عن نوع الإنتاج أو الخدمات الذي تتخصص به كالمصارف والكهرباء والنقل والماء والاتصالات السلكية واللاسلكية وكذلك الوحدات الصناعية أو التسويقية وكثير من النشاطات التي لا يمكن حصرها ولكنها تشكل محور الفعاليات التجارية والصناعية والمالية لاقتصاد الدولة .المسؤولية الجنائية – بوجه عام – تعد المحور الأساس الذي تدور حوله الفلسفة والسياسة الجنائية، ومن ثم كانت النهضة العلمية والفكرية التي لحقت بالقانون الجنائي وليدة للاتجاهات الفلسفية المختلفة حول نظرية المسؤولية الجنائية.
كما أن المسؤولية الجنائية تمثل نقطة التحول الجذري بالنسبة للتشريع الجنائي المعاصر، الذي نستطيع – على ضوء تطور نظرية المسؤولية الجنائية – أن نقارن بين مرحلتين متميزتين مرّتا على القانون الجنائي، أولهما: مرحلة التخلف والوحشية واللامسؤولية, وثانيهما: مرحلة النهضة والعدالة.
ومن هنا يمكننا القول أن تطور القانون الجنائي مقترن دائما بتطور نظرية المسؤولية الجنائية وما تتضمنه من تيارات فكرية وفلسفية، بيد أن ذلك لم يكن وليد فراغ أو مصادفة، بل أنه كان انعكاسا حتميا للثورة الحضارية التي شهدتها الإنسانية في عصر النهضة في مختلف الميادين.
وإذا كان الأمر كذلك فان المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري تمثل في الوقت الحاضر نقطة تحول ثانية في تطور القانون والفقه الجنائي الحديث، ذلك لأن المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري تعد هي الأخرى وليدة ما يشهده العصر من تغيرات يفرضها التقدم الحضاري الذي أصاب مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، هذا التقدم يتطلب استمراره ضرورة وجود ما يعرف بالأشخاص الاعتباريين أو المعنويين، وذلك من أجل تحقيق أهداف مهمة بالنسبة للمجتمع يصعب الوصول إليها بغير وجود مثل هؤلاء الأشخاص. ولهذا فقد انتشر الأشخاص الإعتباريون بشكل لم يسبق له مثيل. وتنوعت الأنشطة التي يقومون بها في مختلف ميادين الحياة الإجتماعية والإقتصادية, وسواء كان ذلك على المستوى الإقليمي أم الخارجي.
وإذا كان الشخص الاعتباري قد أضحى اليوم ذا أهمية متعاظمة نظراً لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبيعيين عن القيام بها، فإنه في الوقت نفسه يمكن أن يكون مصدرا للجريمة أو الانحراف أو الخطورة، مما يشكل خطراً وتهديدا على أمن المجتمع وسلامته، وذلك بسبب طبيعة الشخص الاعتباري وطبيعة النشاط المنوط به، وما لديه من إمكانات وقدرات ضخمة.
فطبيعة الشخص الاعتباري قد جعلت من نشاطه حكرا على أعضائه من الأشخاص الطبيعيين؛ إذ يستحيل عليه ممارسة نشاطاته بنفسه, بل أنه يمارسها عن طريق السلوك الآدمي، إي عن طريق الأشخاص الطبعيين الذين يعملون باسمه ولمصلحته, وهؤلاء الإفراد الذين يدخلون في عضوية الشخص الاعتباري أو يمثلونه، يمكن أن يتخذوا من طبيعته وطبيعة نشاطه أداة سهلة لارتكاب الجرائم، ثم يلقون بالمسؤولية عليه، بينما هم لا يستطيعون ذلك فيما لو كانوا يعملون بأسمائهم الشخصية، وهذا يعني أن الجرائم التي تقع من الشخص الاعتباري إنما تقع في الحقيقة من أعضائه، أي من الأشخاص الطبيعيين. وليس من شك في أن الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا الجرائم بإسم الشخص الاعتباري أو لحسابه أو مصلحته، تكون مسؤوليتهم طبقا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الجزاء.
كما ثبت على وجه قاطع أن كثير من الأشخاص الاعتباريين- شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها – الذين يرمون في الظاهر إلى غايات مشروعة تجارية مالية واقتصادية، قد تكون ستارا ترتكب من ورائه جرائم خطيرة كالتزوير، والتزييف، والتداول غير المشروع بالمخدرات، وجرائم غسل الأموال.
وهذه الأخيرة، أيّ جرائم غسل الأموال، قد اكتسبت في السنوات الأخيرة أهمية قصوى، جعلتها تقفز إلى مرتبة متقدمة بين الجرائم الجديرة بالاهتمام، ليس من قبل رجال القانون والمشتغلين بمكافحة الإجرام فقط، وبصفة خاصة الإجرام المنظم، وإنما من قبل رجال السياسة والاقتصاد أيّضا، حيث أصبحت عمليات غسل الأموال تمثل ظاهرة إجرامية مستحدثة، تؤرق مختلف دول العالم المتقدمة والنامية على السواء، بعد أن برز دورها في عرقلة إجراءات تعقب الأموال ذات المصدر الجرمي وضبطها ومصادرتها، وفي إتاحة فرص أوسع لإعادة استخدام عائدات الجريمة في تعزيز الأنشطة الإجرامية, والتسلل إلى الهياكل الاقتصادية المشروعة، وإرباك الأسواق العالمية، والاستخدام الإجرامي للنظم المصرفية والمالية، فضلا عن نشر الفساد، ومحاولات التأثير على أجهزة العدالة الجنائية والمؤسسات السياسية والإعلامية، وغيرها من قطاعات المجتمع. يهتم القانون المدني بالفعل الضار الذي يصيب الشخص ويرتب على ذلك قيام مسؤولية الفاعل المدنية يهتم القانون الجنائي بالفعل الضار الذي يصيب المجتمع ويرتب على ذلك قيام مسؤولية الفاعل الجنائية
وتختلف المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية من حيث الأساس ومن حيث الجزاء. فأساس المسؤولية المدنية هو الاعتداء على حق الغير، ويتمثل فيما يسمى بالخطأ المدني في الفقه الغربي، ولا توجد صور محصورة للخطأ المدني لذا لا يمكن حصر الأفعال التي قد تقع ويصدق عليها وصف هذا الخطأ.
وأساس المسؤولية الجنائية اعتداء على حق المجتمع أي أساسها جريمة من الجرائم، والجرائم واردة في القانون على سبيل الحصر استناداً لقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص). لذا تعتبر المسؤولية المدنية أوسع نطاقاً من المسؤولية الجنائية.
ويختلف الجزاء في المسؤولية تبعاً لاختلاف أساس كل منها
فالجزاء في المسؤولية المدنية هو التعويض (أي الضمان) وصاحب الحق فيها هو المتضرر وهو الذي يملك حق رفع الدعوى بها كما يملك التنازل أو التصالح عليه، وإذا مات المسئول جاز مطالبة ورثته بالتعويض.
الجزاء في المسؤولية الجنائية هو الردع عن طريق توقيع عقوبة، والعقوبة شخصية والذي يملك المطالبة بتوقيع العقوبة هو النيابة العامة ولا تملك النيابة العامة الصلح أو التنازل في المسؤولية الجنائية لإنها حق للمجتمع.
والأصل أن تقوم المسؤولية المدنية كلما قامت المسؤولية الجنائية لإن الجرائم الجنائية عادة تكون جرائم مدنية، وعلى العكس قد تقوم المسؤولية المدنية دون المسؤولية الجنائية.
لذلك – بوجه عام – تزايدت قناعة المجتمع الدولي بالحاجة الماسة إلى المواجهة الفعالة والشاملة لظاهرة غسل الأموال غير المشروعة، الامر الذي حدا بالعديد من المنظمات الدولية، العالمية والاقليمية، إلى المبادرة بصوغ طائفة واسعة من الإتفاقيات والصكوك الدولية المهمة وإعتمادها، وهي إتفاقيات وصكوك استهدفت في مجموعها تشكيل سياسات جنائية عالمية جديدة وارساءها، لمواجهة هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية، من خلال نهج عام متعدد الجوانب، يرتكز على عدة محاور أساسية ومتكاملة، تشمل: تحديث القوانين الجنائية الوطنية (الموضوعية والاجرائية), وتعزيز دور النظام المالي ودعم التعاون الدولي وتطويره، وهو ما اخذ به، ونسج على منواله، العديد من الشرائع والنظم الوطنية المقارنة.
الشخصية القانونية هي القدرة على اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، والأنسان أهلاً للمسئولية بكافة أنواعها، فهو اذ يخطئ ويسبب خطئه ضرراً للغير يسأل بالتطبيق لأحكام المسئولية المدنية، وهو اذ يرتكب الجرائم يسأل بالتطبيق لأحكام المسئولية الجنائية متي كان متمتعاً بحرية الاختيار والادراك وانتفت لديه موانع المسئولية، ولا خلاف على ذلك تشريعاً وفقهاً وقضاء. كما لا خلاف حول مسئولية الشخص المعنوي مدنياً وهو مجموعة من الأموال والأشخاص يتمتع بالشخصية القانونية، وانما الجدل احتدم حول المسئولية الجنائية له، بعبارة اخري هل يمكن أن يسأل الشخص المعنوي عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه أو العاملين لديه باسمه وحسابه؟، هل يمكن إسناد الجريمة وإثارة المسئولية وتوقيع العقاب على الشخص المعنوي؟ إجابة هذا التساؤل بين مؤيداً ومعارض انعكست على موقف المشرع في الكثير من الدول ومنها مصر.
ويثور التساؤل أيضاً عما إذا كان يمكن ارتكاب الشخص المعنوي لجرائم انتخابية علي وجه الخصوص وذلك في التشريعات التي أقرت مسئوليته أصلاً، أو استثناءاً، وإن تصور وقوعها فكيف يمكن مواجهتها؟
مبدأ شخصية المسئولية الجنائية
تعنى شخصية العقوبة اقتصار أذاها على شخص المسئول عن الجريمة فاعلا كان أو شريكا ، فلا يتجاوز إلى غيره . ولم تكن العقوبة كذلك في الماضي ، حيث كان أذاها يمتد إلى أقرباء الجاني وكل من تربطه به صلة ، لاسيما في الجرائم السياسية . وقد سبقت الشريعة الإسلامية الأنظمة الوضعية بعدة قرون في تأكيد مبدأ شخصية العقوبة ، حيث ورد النص عليه في أصل التشريع الإسلامي،وهو القرآن الكريم في قول الله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
والأصل من خلال هذا المنطلق العادل ، كقاعدة عامة ، أن لا يسأل عن الجريمة إلا الإنسان بحسبانه الشخص الوحيد الذي يتوافر لديه عنصرا المسئولية وهما العلم والإرادة .
ولئن كانت بعض الجرائم التي ظهرت في الآونة الأخيرة لم تكن قد أخذت مكانها في المدونات العقابية القديمة كتلك التي ترتكب ضد البيئة وغيرها يمكن أن تقترف بواسطة مجموعة أو جمعية أو شخص معنوي أو أحد الأشخاص العامة بل وعن طريق الإدارة ، ويظهر ذلك بوضوح في الأنشطة الاقتصـادية والتجـارية التي تباشر علي نطاق واسع بواسطة تلك الشركات والمشروعات والأشخــــــاص وآليات النقل البري والبحري ، فقد ثار جدل محتدم في الفقه الجنائي حول ما إذا كان يمكن إقرار مسئولية الشخص المعنوى لاعتبارات عملية مؤداها أن حماية الحق أولى من عقاب مرتكب الجريمة ،. وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذه القاعدة بقولها بأن الأصل فى الجريمة ، أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها ، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها ، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله ، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها ، ولا ينال عقابها إلا من قارفها ، وأن " شخصية العقوبة " " وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطان بمن يعد قانوناً " مسئولاً عن ارتكابها ". فالقاعدة الأصولية التى أرستها المحكمة الدستورية تتبلور فى شخصية الجريمة والمسئولية عنها وشخصية العقوبة عملاً بالمادة 66 من الدستور ، فالشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها ، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكاً فيها([8]).
- المسئولية عن عمل الغير:
يعرف القانون المدنى إلى جوار المسئولية عن الفعل الشخصى المسئولية عن عمل الغير ، ويلتزم الشخص فى هذه الحالة بتعويض الضرر الذى ينشأ من فعل هذا الغير. ولكن هذه المسئولية ليس لها محل فى نطاق القانون الجنائى ، إذ لا يعرف هذا القانون إلا المسئولية الشخصية الخالصة ، ولا يتصور أن يتهم شخص أو أن يقضى بإدانته فى جريمة ليس فاعلاً فيها أو شريكاً([9]). ففكرة المسئولية عن عمل الغير هى فكرة غريبة عن القانون الجنائى. وقد حرص الشارع الفرنسى فى قانون على أن ينص على هذا المبدأ صراحة (المادة 121-1)([10]).
وقد قضت المحكمة العليا الأمريكية بعدم دستورية قانون يقضى باعتبار الوالدين مسئولين جنائياً عن الجرائم التى يرتكبها أولادهما القصر ، وقد قررت فى هذا الحكم أن مجرد توافر صفة الأبوة لا تعد بذاتها جريمة([11]).
على أن تطبيق هذا المبدأ أثار قدراً من الصعوبة ، فكثير من التشريعات الخاصة مثل القوانين المنظمة للعمل تنص على إلزام رب العمل بأداء الغرامات المحكوم بها على مديرى منشأته والتابعين له والناتجة عن مخالفة هذه القوانين. وقد حرصت بعض التشريعات على أن يعتبر هذه المسئولية مدنية محضة ، ومثال ذلك الشارع الفرنسى الذى نص صراحة على ذلك فى المادة 260-1 من قانون العمل على أن رب العمل مسئول مدنياً([12]). على أن الأمر يدق فى كثير من الصور التى ينص فيها على اعتبار الشخص مسئولاً جنائياً فى حالة ارتكاب شخص آخر فعلاً مجرماً . ومثال ذلك ما نص عليه الشارع المصرى فى المادة 58 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين على أن يكون صاحب المحل مسئولاً مع مديره أو القائم على إدارته عن كل ما يقع فى المحل من مخالفات لأحكام هذا المرسوم . فإذا ثبت أنه بسبب الغياب أو استحالة المراقبة لم يتمكن من منع وقوع المخالفة اقتصرت العقوبة على الغرامة المبينة فى المواد من 50 إلى 56 من هذا المرسوم بقانون. ويماثل هذا النص ما نصت عليه المادة 15 من المرسوم بقانون 163 لسنة 1950.
من المقرر فى الفقه المقارن أن هذه المسئولية فى الحالات التى نص الشارع عليها ليست مفترضة ، وإنما تحيطها شروط تكفل تحديداً واضحاً للفعل الذى يكون الشخص مسئولاً عنه ، فيجب أن يثبت ارتكاب أحد العاملين أو التابعين للشخص ارتكاب جريمة ، ويجب أن يثبت وقوع خطأ من جانب صاحب المنشأة ، وصورة هذا الخطأ هو الإهمال فى واجب الإشراف على موظفيه ، وأنه إذا ثبتت استحالة المراقبة فإن مسئولية صاحب المحل لا تتوافر فى هذه الحالة([13]).
ومن الأمثلة أيضاً على هذه الحالات ما كان ينص عليه الشارع فى المادة 195 من قانون العقوبات من تقرير المسئولية الجنائية لرئيس التحرير عما ينشر فى صحيفته. فهل تعد هذه النصوص متفقة مع الضوابط الدستورية؟. سنرى فيما يلى ما أرسته المحكمة الدستورية العليا من ضوابط فى شأن هذه المسئولية. إلا أن التجريم والعقاب لا يقتصر على القانون الجنائي أو قانون العقوبات العام فقط بل هناك قوانين وقواعد زجرية خاصة بمجالات معينة وأنشطة ومهن محددة، ومنها ما يتعلق بالمعاملات الاقتصادية والمالية والتجارية والتي تجرم وتعاقب على مخالفة الأنشطة المرتبطة بتلك المجالات. وهي قوانين تخاطب فئات محددة بنصوص خاصة تتوافق والميدان الذي تنتمي إليه، وهي ما يسمى بفئة رجال الأعمال. وقد ارتأى المشرع التدخل جنائيا لتنظيم المعاملات المالية والتجارية نظرا لأن هذا الميدان أصبح يشكل مجالا خصبا لأنواع جديدة من الجرائم لم تستطع القوانين الجنائية العامة التقليدية الوقوف في وجهها و الحد منها .
اذ أن هذه الجرائم ترتكب من طرف أشخاص يبحثون عن الغنى السريع والفاحش ويحتلون مراكز راقية داخل المجتمع ولهم معارف تقنية ودراية قانونية بمختلف المجالات التي ترتبط بأعمالهم وأنشطتهم. وهي المعارف التي تمكنهم من ارتكاب جرائم اقتصادية ومالية وتجارية بكل دقة واحترافية مع استعمال الحيل لإخفاء آثارها .
إن جرائم رجال الأعمال ترتبط بالعديد من المجالات الاقتصادية والمالية، وهي أنواع مختلفة ، كجرائم الشركات وجرائم النقود والصرف والجرائم الضريبية والجمركية وجرائم السوق المالية وغسل الأموال وجرائم الملكية الصناعية... الى غير ذلك . وهي تتميز عن غيرها من الجرائم العادية الخاضعة للقانون الجنائي العام ، وأن ارتباطها بمجال المال والأعمال جعلها تتميز بمجموعة من الخاصيات التي تنعكس على السياسة الجنائية للتجريم والعقاب . وهو الأمر الذي جعل القانون الجنائي للأعمال نظاما فرعيا داخل الميدان الجنائي العام الذي يبقى هو الإطار القانوني للقوانين الخاصة بالمعاملات فيما يتعلق بالمبادئ والقواعد العامة الجنائية التي تطبق على كافة الجرائم دون استثناء .
ونظرا لتعدد القوانين الخاصة بكل مجال من المجالات الاقتصادية والمالية فإن هناك اختلاف بين الفقهاء والمهتمين بهذا الموضوع بخصوص تسميتها فليس لهذه القوانين اسم واحد، فهناك من يسميها بالقوانين الزجرية المالية ، وهناك من يسميها بالقوانين الاقتصادية الزجرية أو قانون المعاملات المالية والاقتصادية ، أو القوانين المتخصصة . وهناك من أطلق عليها القانون الجنائي للأعمال وهي التسمية الأقرب إلى الصواب لأنها تجمع وتشمل كل ميادين ومجالات التجارة والمال والاقتصاد .
وقد عرف الفقه الفرنسي القانون الجنائي للأعمال بأنه : « الفرع من القانون الجنائي الذي يهتم بحياة المشروع التجاري . والذي يستهدف توفير الحماية الجنائية للأفراد الذين يربطهم نشاط ما مع المشروع ضد أي شكل من أشكال الانحراف أو الإساءة... » ولقد بدأ هذا الفرع يمثل أرضا خصبة للجدل والنقاش بين الفقهاء والباحثين، خاصة الفقه الفرنسي في السنوات العشر الأخيرة ، حين بدأت وسائل الإعلام المختلفة تسلط الأضواء على العديد من رجال الأعمال والوزراء الذين انحرفوا بسلطتهم وجاههم وساهموا في تبديد رؤوس أموال العديد من الشركات الفرنسية . هذا الانحراف الذي يمثل صداعا مزمنا للحكومات الفرنسية المتعاقبة، مما جعلها تتقدم بالعديد من مشروعات القوانين لتقوية قبضة القانون الجنائي في هذا المجال .
وحتى في حال الاتفاق على تسمية هذه القوانين المرتبطة بالمجالات الاقتصادية بالقانون الجنائي للأعمال فإنه من المتعذر أن نضع له حدودا واضحة . فهو ليس قانونا مستقلا يعاقب على جرائم معينة مضمنة في مدونات خاصة بالتجريم والعقاب . بل أنها مجرد فروع وأقسام في قوانين تنظيمية وتأسيسية لمجالات اقتصادية، وكمثال على ذلك القانون التجاري أو قانون الشركات التي لها طابع مزدوج ؛ إذ أنها تتضمن جزءا يتعلق بأحكام تأسيس وتنظيم المجال من الناحية الإدارية والتعاقدية في إطار القوانين المدنية والتجارية . وجزءا ينحصر في نصوص زجرية تحدد الجرام التي تقع بالمخالفة للقواعد المنظمة للمهنة أو النشاط المعين. وهي نصوص خاصة بمجال معين دون عرض الأحكام العامة المتعلقة بالتجريم والعقاب المنصوص عليها بالقانون الجنائي العام.
إلا أن مقولة أن القوانين الجنائية للأعمال هي قوانين خاصة بمجال معين لا يمكن الأخذ بها على إطلاقها. فهناك قوانين وإن كانت تتوجه بالخطاب إلى رجال الأعمال فإنها مع ذلك تهم مجالات اقتصادية عديدة ومختلفة . ومن هذه القوانين قانون حماية المستهلك وهو قانون لا يتوجه إلى رجل أعمال بذاته أو مجال اقتصادي بعينه بل جاء بصفة العموم. وهذا ما نستنتجه من مقتضيات المادة 2 من القانون رقم 08-31 المغربي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، إذ تنص على أن هذا القانون : « يحدد العلاقة بين المستهلك من جهة والمورد من جهة أخرى. ويقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل، لتلبية حاجياته غير المهنية، منتوجا أو سلعا أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي. ويقصد بالمورد كل شخص طبيعي أو معنوي يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري. ويتقيد الأشخاص الخاضعون للقانون الخاص ، المفوض لهم تسيير مرفق عام، بالالتزامات التي يفرضها هذا القانون على المورد . ويتقيد الأشخاص المعنويون ، الخاضعون للقانون العام ، بالالتزامات المفروضة على المورد مع مراعاة القواعد والمبادئ التي تنظم نشاط المرفق العام الذي يسيرونه ».ومن خلال النص المذكور يتبين أن قانون حماية المستهلك المغربي يتوجه بصفة عامة إلى كل رجل أعمال يتصرف في إطار نشاط مهني أو تجاري وهو ما عبر عنه المشرع بالمورد. فقواعد هذا القانون هي قواعد عامة ومجردة بهذا الشأن. والأمر خلاف ذلك بالنسبة للقوانين الأخرى الخاصة أو المتخصصة في مجال اقتصادي معين كالقانون التجاري الذي يتوجه بالخطاب إلى التاجر.
ونخلص من كل ذلك إلى أنه ليس هناك تعريف واضح وواحد للقانون الجنائي للأعمال. وكل ما يمكن قوله أنه : « فرع قانوني يحكم عالما يسمى بذات الاسم (عالم الأعمال) دون أن يستطيع الباحث القانوني التعرف على حدوده بدقة ».
وإذا كان تعريف القانون الجنائي للأعمال وتحديد مفهومه له أهميته البالغة في تحديد مفهوم جرائم رجال الأعمال، فإن نطاق تطبيقه ومجاله لا يقل أهمية عنه.
الفرق بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية
فمن حيث الاهلية
تستلزم المسئولية التعاقدية توافر أهلية الا داء التي يستلزمها القانون الموضوعي الذي يحكم التصرف لانه يرتكز على الاراداة أما المسئولية التقصيريةفيكفي مجرد التمييز بل أنه يمكن مساءلة غير المميز عن التعويض إذا لم يوجد مسئول عنه أو تعذر الحصول من المسئول عن التعويض
من حيث درجة الخطأ ففي المسئولية التعاقدية إذا كان الالتزام بتحقيق غاية كمسؤولية الناقل بالاجر تتوافر المسؤلية عند عدم تحقق النتيجة ولو لم يثبت بجانبه أي خطأ مادي مادام لم يثبت السبب الاجنبي وإذا كان الالتزام ببذل عناية ، كمسؤلية الطبيب ، فإن الخطأيقاس بمعيار الرجل العادي ، فلا تقوم المسؤلية عن الخطأ اليسير الذي لايمكن تجنبه أماالمسئولية التقصيريةفهي تقوم دائما على الخطأمهما كان يسيرا أو تافها والخطأ التافه هو الذي لايقترفه الشخص الحازم المتبصر فمعيار الخطافي المسئولية التقصيرية ثابت لايتغير
من حيث الاعذار
قد يلزم في المسئولية التعاقدية دون المسئولية التقصيرية
ومن حيث عبء الاثبات
ففي المسئولية التعاقدية لايكلف مدعي التعويض بإثبات خطأ من خصمه وإنما يكتفي منه بإثبات الرابطة العقدية بما ينطوي على إثبات قيام الالتزام فينتقل على عاتق المسئول إثبات الوفاء أو أن عدم الوفاء يرجع الى سبب أجنبي أما المسئولية التقصيرية فيقع على عاتق المضؤرور إثبات الخطا والضرر الذي ينسب الى المسئول أنه حدث به
من حيث نوع التعويض
ففى المسئولية التعاقدية يقتصر التعويض على التعويض النقدي دائما بينما هو لايقتصر على هذه الصولرة فى المسئولية التقصيرية فقد يتخذ صورا مختلفة كالحكم بهدم جدار وإن كان الاصل تقديره بمبلغ من المال
من حيث مدي التعويض
يقتصرالمسئولية التعاقديةعلى الضرر المتوقع في حين يشمل فى المسئولية التقصيريةالضرر غير المتوقع
من حيث اتفاقات الاعفاء أو الحد من المسئولية
فهي جائزة كأصل علم في نطاق المسئولية التعاقدية في حين انها ممتنعة في نطاق المسئولية التقصيرية
من حيث التضامن بين المسئولين
فهو لايقوم في نطاق المسئولية التعاقدية إلا بالاتفاق أو نص القانون في حين انه يقوم على ا لدوام في نطاقالمسئولية التقصيرية
من حيث التقادم:
المسئولية التقصيرية
تسقط الدعوى الناشئة عن العمل غير المشروع بإنقضاء ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ علم المضرور بحودث الضرر وبالشخص المسئول عنه أو بمضي خمس عشر سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع أو أيهما أقل
أما في المسئولية التعاقدية فأنه يجب الرجوع الى النصوص القانونية التي أبرمت العقود طبقا لاحكامها
القاعدة العامة
في شأنها أن الالتزام يتقادم بمضي خمس عشر سنة فيما عدا الحالات التي قرر القانون حكماً خاصامن حيث الاختصاص القضائى
حيث يقتصر الاختصاص بنظر المنازعات الناشئة عن المسئولية العقدية على المحاكم المدنية في حين ان المحكمة الجنائية تختص بنظر المنازعات الناشئة عن المسئولية التقصيريةإذا كان الفعل مكونا للجريمة
وبالنسبة للمحكمة المختصة بنظر التعويض فهي محكمة المدعي عليه في المسئولية التعاقدية ، مالم يتفق العاقدان على إختصاص محكمة أخلري أو كمالم يكن القانون قد عين الاختصاص كما هو الشأن في القانون التجاري أما في المسئولية التقصيرية فهي محكمة المدعي عليه كأصل عام ويجوز رفع التعويض أمام المحكمة الجزائية عند نظر الدعوى الجنائية أن اتساع نطاق مبادئ القانون التجاري وكذلك قانون الشركات وما يتصل بهما من قواعد قانونية
تنظيمية أو جزائية أو اقتصادية فرضها تدخل الدولة لحماية المستهلكين وأطراف العلاقة مع المشروع،كانت هي الأساس في نشوء ما يسمى بقانون الأعمال التجارية Droit des affaires .فهذا القانون ما هو إلا وليد الحاجة المتطورة لمهنة وممارسة الأعمال التجارية في إطار ومفهوم المشروع باعتباره وحدة اقتصادية . لقد اصبح هذا القانون يتكون من مجموعة من القواعد والأحكام التي تنظم العلاقات التجارية بين الأفراد والمشروعات ، وكذلك ما يتصل بها من قواعد أخرى ، كتنظيم علاقات العمل في المشروع أو المبادئ التي يفرضها القانون المالي أو الضريبي وكذلك القانون الاقتصادي و العقابي .
لقد اهتم قانون الأعمال التجارية بنشاط المشروع باعتباره مؤسسة اقتصادية وتناول مقومات حياتها ورخائها واعتبرها مجموعة من الوسائل المادية والإنسانية التي اندمجت فيما بينها ، لكي تؤمن وظيفة اقتصادية معينة ، كوظيفة إنتاج أو تحويل للمواد ألاوليه أو توزيع أو خدمات . ومن الوقائع القانونية الحديثة التي تأسس بموجبها مفهوم المشروع ذات الغرض الاقتصادي نذكر منها ما يلي :-
أولا : لقد كان معنى الشركة معروفا بأنه عقد بين شخصين أو اكثر للمساهمة في تحقيق مشروع اقتصادي مشترك …وهذا يعني بأنه لابد من تعدد أطراف العقد عند تأسيسها ، ولا يمكن أن نتصور ولادة شخص معنوي دون التقاء إرادة هذه الأطراف لإبرام العقد ، وهذا المبدأ العام في نشأة الشركة نجد له أثرا في كافة التشريعات الوطنية عندما عرفت الشركة بأنها ( عقد يلتزم به شخصان أو اكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع اقتصادي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة ) (1).
ألا أن هذا المبدأ العام لن يعد سائدا بعدما أجاز القانون إمكانية تأسيس شركة الشخص الواحد Uni personnel حيث أن هذا الكيان القانوني لا يحتاج في الواقع لا إلى عقد ولا إلى مجموعة أشخاص لتكوينه ، وهذا الموقف القانوني الجديد يمكن اعتباره تحولا جذريا في تاريخ القانون الخاص ، إذا علمنا أن هذه الشركة تتمتع بكامل الأهلية القانونية كباقي أنواع الشركات الأخرى . كما أن المشرع الفرنسي اعتبر هذه الشركة كوحدة اقتصادية رغم ضرورة مراعاة جوانبها الشكلية في التأسيس والانفضاء عندما أطلق عليها تسمية مشروع Entreprise كباقي المشروعات الكبيرة . ومن جانب آخر حدد المشرع المسئولية بشخصها المعنوي فقط كي تؤدي نشاطها بكامل الاستقلالية عن ذمة مالكها فأطلق عليها ( مشروع الشخص الواحد ذات المسئولية المحددة ) Entreprise unipersonnelle à responsabilité limitée (2) .
ثانيا : قدم لنا قانون الأعمال التجارية قواعد متينة لتعزيز وتأمين حقوق الأفراد العاملين في المشروع ، في القانون 28 تشرين الأول لعام 1982 وذلك بخلق لجنة المشروع Le comité d’Entreprise وهذه الهيئة تتمتع بحقوق الإطلاع وأخذ المعلومات لمعرفة ما يجري في نشاط المشروع وما يصدر من قرارات مهمة ذات اثر على حياته ومستقبله . ويترتب على ذلك واجبات تقع على عاتق سلطة الإدارة تلزمها أعلام هذه اللجنة وحتى استشارتها عن طبيعة القرارات والبرامج المستقبلية أو خطط الاستثمار للمشروع ، ويحق لهذه اللجنة الاستعانة عند الضرورة بالخبراء المتخصصين في الحسابات أو في إدارة الأعمال لتحقيق وظيفتها وضمان دورها شبه الرقابي على نشاط سلطة الإدارة .كما لا يحق لسلطة الإدارة عرقلة وظيفة هذه الهيئة وإلا ستتعرض للمسئولية . و نرى كذلك كيف أوجد لنا قانون 1 مارس 1984 أرضية مشتركة بين الإفلاس و قانون الشركات(3) والذي يعتبر تجديدا مهما لأنه توسع في وسائل الحماية و تزويد المعلومات و بالتالي فإنها حماية فعلية للمشروع كوحدة اقتصادية التي وصفها البعض بأنها - ثراء جماعي يجب أن يقي نفسه ، حتى وإن لن يطلبه المساهمين ( 4 ) .
ثالثا : ومن التطورات المهمة في القانون التجاري هو ذلك التقنين المتزايد لتنظيم اندماج الشركات في مجموعات كبيرة Groupes des sociétés (1 ) ، وهذا النظام القانوني الجديد يسمح باندماج عدد من الشركات لتكوين شركة واحدة كبيرة ، أو انضمام شركة إلى أخرى اكبر منها حجما وقدرة مالية
أو فنية أو تجارية لكي تصبح فرعا منها أو جزء من حلقات نشاطها .
ومن المعلوم إن أثار الاندماج يتعارض مع المبدأ الذي تتمتع به الشركة المندمجة وهو استقلال سلطات إرادتها في اتخاذ القرارات وكذلك مصير ذمتها المالية . وقد يؤدي ذلك إلى إساءة استعمال حق الأغلبية والإضرار بمصالح الأقلية من المساهمين أو حقوق الدائنين ، ومبدأ الاندماج ما هو إلا معيار اقتصادي يقضي إلى خلق مؤسسة كبيرة تتمتع بالإمكانيات المالية والفنية والتجارية لتؤدي نشاطها على مستوى التنافس الوطني والدولي .(2) وبدأ مفهوم المشروع يتبلور اكثر من خلال الإجراءات التي تتخذها سلطة الإدارة في مجموعة الشركات المندمجة وأثار هذا الاندماج على نقل السلطات واتخاذ القرارات المالية والاستثمارية ، ونجد ذلك واضحا في كثير من القرارات القضائية ومواقف الفقهاء . ومن المعلوم بأن ازدياد حجم المشروع بعد الاندماج يرافقه تعقد وتزايد في مقدار المسئولية التي تترتب على سلطة الإدارة وهو ما يستلزم التنظيم الجيد والدقيق لإدارة أعماله بآليات صحيحة و ممارسة السلطات بشكل لا يعرضها إلى العقوبات الجزائية و المدنية .
رابعا : إذا راجعنا تطور قانون الإفلاس الفرنسي فأننا نجد فيه ولادة مبادئ جديدة تصب في معنى المشروع . فمنذ قانون 13 تموز 1967 خلق لنا المشرع علاقة مباشرة بين مفهوم الإفلاس ومفهوم المشروع ، رغم انه لن يقدم لنا تعريفا محددا أو دقيقا لهذا الأخير . ولكن نية المشرع كانت تذهب إلى خلق الحماية اللازمة لكيانه ، واعتبره مشروع ذات قيمة اقتصادية ينبغي إنقاذه عندما يتعرض إلى مأزق مالي يهدده ويهدد بالتالي منافع الأطراف المرتبطة بوجوده واستمرار نشاطه . وهذا الهدف يبدو واضحا من خلال محتوى نصوص القانون عندما تطرق إلى إجراءات جديدة تعالج وضع هذا المشروع الذي يعاني من أزمة أو ضائقة مالية يمكن أن يعرضه للانهيار ، فلقد أراد المشرع تعليق مؤقت
( 1 ) ابتداء من قانون رقم 735-66 في 24 تموز 1966 - القانون التجاري الفرنسي المواد 371 وما يليها . ولقد بدأ المشرع العربي منذ فترة طويلة تنظيم أحكام اندماج الشركات لما له من أهمية في تطور الشركات التجارية . انظر المواد 213-215 من نظام الشركات السعودي رقم م/6 في 22/3/1385هجرية، المواد 252-269 قانون الشركات الأردني رقم 1 لسنة 1989، المواد 140-144 قانون الشركات العراقي رقم36 لسنة 1983 ..
( 2 )CHAMPAUD C. , Nouvelle technique de concentration ,Librairie technique , Montpellier ,1971
لملاحقته قضائيا يهدف إلى إنقاذه طالما إن وضعه المالي ، وان كان سيئا ، ألا انه قابلا للإصلاح . ولكن عندما حصلت تعديلات القانون لعام 1984 وعام 1985 (1) فأنها جاءت بأحكام جديدة خلقت تحولا جذريا في قانون الإفلاس . ويمكن اعتبار هذه التعديلات بأنها وضعت لنا قانونا جديدا يستهدف بالذات كيان المشروع أطلق عليه المشرع قانون المشروعات في وضع صعب Entreprise en difficulté . . ويعني ذلك بأنه يعالج وضع هذه المشروعات التي تعاني من ضائقة مالية قد تؤدي اخيرا إلى التصفية القضائية وإنقاذها من وضعها السيئ أن كان ممكنا . ويستهدف هذا القانون تحقيق الأغراض التالية :
أ - تدارك الصعوبات التي يعاني منها المشروع حتى لا ينحرف كثيرا وضعه المالي والعمل في منعه بأن يصبح غير قابلا للإصلاح ، أو أن يؤدي إلى التوقف كليا عن تسديد الديون المتراكمة بذمته . ولا شك بان هذا الواجب يقع على سلطة الإدارة التي يجب عليها كشف ليس فقط الصعوبات ذات الطبيعة المالية ، وإنما كافة المخاطر التي يتعرض لها نشاط المشروع من خسارة في الزبائن وهبوط في معدل المبيعات أو دخول منافس قوي جديد لمنتجاته وغير ذلك من الأسباب التي تؤدي بالنتيجة إلى التأثير على معدل نمو استثمارات المشروع ناتجة عن ظروف غير متوقعة ولم يكن في الإمكان تجنبها .
ب - تقويم المشروع الذي يعاني من ضائقة مالية طفيفة ، وذلك بإصلاح وضعه المالي قبل أن يعلن توقفه عن الدفع . ويبدو في هذه الحالة هو إن أعمال المشروع قد اضطربت اضطرابا يخشى منه التوقف عن الدفع . ويحصل ذلك بأجراء التسوية الرضائية بينه وبين الدائنين بتمديد اجل الديون المستحقة أو تخفيض مبلغ الديون أو موافقة الدائنين على قبول التضحية بنفس الوقت على اجل الاستحقاق ودفع المبلغ المستحق . ومبدأ التسوية الواقية من الإفلاس أو ما يسمى بالصلح الواقي نجد له تطبيقا في كثير من التشريعات العربية (2) .
( 2 ) المرسوم الملكي رقم -م16- في 4-9-1416 هجرية ، لمزيد من التفصيل انظر د. زينب السيد سلامه . التسوية الواقية من الإفلاس في النظام السعودي .مجلة الإدارة العامة . مجلد 36 عدد 3 رجب 1417 هجرية ، ديسمبر 1996؛ د. مصطفى كمال طه : القانون التجاري ، الأوراق التجارية والإفلاس ، ص 642 وما يليها ، الدار الجامعية للطباعة و النشر - بيروت 1981.
ج - ولكن عندما يكون الوضع المالي للمشروع سيئا جدا وينذر بالإفلاس ، فلابد أولا من تطبيق التسوية القضائية ، وإجراءاتها تؤدي إلى تقويمه وتعديل وضعه ليعود طبيعيا ، وقد يستلزم ذلك أجراء تعديلا جوهريا في نظامه القانوني الداخلي أو التنازل عن الموجودات كليا أو جزئيا إلى مشروع آخر، ولكن عندما لا يمكن إصلاح الوضع المالي للمشروع بسبب طبيعة وأهمية الصعوبات التي تواجهه فنيا أو تجاريا فلابد أذن من إعلان التصفية القضائية له وإنهاء وجوده كمؤسسة أو شركة .
خامسا :تابع القضاء الفرنسي هذا التطور الذي يستهدف حماية المشروع وديمومة نشاطه ورخائه ،
فانه يلاحق دائما المدراء والمسئولين في هيئة إدارته عند إساءتهم استعمال أموال المشروع أو سمعته واستغلالها لأغراض شخصية ، ويمكن إعطاء مثلا لذلك يتجسد في قرار محكمة استئناف باريس في 29 آذار 1986 في قضية Willot حينما اعتبر القضاء بان موضوع العقاب يستهدف حماية الذمة المالية للمشروع من المدراء الذين يحاولون التعسف في سلطاتهم أو استغلال مناصبهم الإدارية فيها ، كذلك حماية المساهمين الاقلية وأيضا المشروع ذاته بكافة عناصر ومقومات نشاطه وكذلك الغير اللذين لهم حقوق مكتسبة بذمة المشروع (1)
سادسا : ولقد حل مفهوم المشروع التجاري محل مفهوم المحل التجاري - المتجر Le fond de commerce - ونجد ذلك واضحا في إجراءات التنازل عن ملكية هذه المؤسسة التجارية لمالك جديد ، ومبدأ التنازل يقضي ، كما نص عليه قانون العمل ، بانتقال كافة الأشخاص العاملين فيها إلى المالك الجديد حيث تنص المادة -L 122-17- من قانون العمل بأنه عندما يحصل تعديل في الوضع القانوني لصاحب العمل بسبب وراثة الملكية ، البيع ، الاندماج ، تحويل المشروع إلى شركة ….فان جميع عقود العمل السارية وقت هذا التعديل تبقى قائمة بين صاحب العمل الجديد والعاملين في المشروع .
إن هذه الأحكام وتطبيقاتها التي مر ذكرها وغيرها توضح لنا كيف أن مفهوم المشروع بدأ يستكشف مقوماته بشكل لا يمكن بعد إغفال وجوده ، فهذا المفهوم قائما وله إحكامه وأثاره في قانون الشركات ، في قانون العمل ، في قانون المشروع في وضع صعب ، في قرارات القضاء المختص وفي قانون المالية والحسابات …الخ ، حتى أصبح المشروع والعلاقة بين المشروعات الأخرى تشكل محور مضمون قواعد و أحكام قانون الأعمال التجارية .
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية |