صنعاء نيوز -   
"تحذيرات طبية من عودة قوية لمرض الحصبة شديد العدوى"، عنوان لخبر صحي هام تناقلته وسائل الإعلام قبل عدة أيام، ربما بدا الخبر في ظاهره عاديا، لكن الحقيقة أن الأمر خطيرا جدا، إذ إنه بعد عقود من جهود مكافحة الحصبة كأحد أمراض الطفولة القاتلة،

السبت, 10-يوليو-2010
صنعاء نيوزعادل الدغبشي: -


"تحذيرات طبية من عودة قوية لمرض الحصبة شديد العدوى"، عنوان لخبر صحي هام تناقلته وسائل الإعلام قبل عدة أيام، ربما بدا الخبر في ظاهره عاديا، لكن الحقيقة أن الأمر خطيرا جدا، إذ إنه بعد عقود من جهود مكافحة الحصبة كأحد أمراض الطفولة القاتلة، وبعد مبالغ طائلة أنفقت في سبيل ذلك، أثمرت خفضا كبيرا في نسبة الإصابة وعدد الوفيات بالمرض، حتى أن منظمة الصحة العالمية حددت عام 2015 كهدف للقضاء على الحصبة؛ يعلن الآن عودة المرض شديد العدوى وإصابة عشرات الآلاف به في عدد من دول العالم. وهذا ربما يعني أن خللا كبيرا قد حدث في مسيرة مكافحة المرض، سمح لفيروس الحصبة في الانتشار، مهددا حياة ملايين الناس في أنحاء العالم، خصوصا في الدول النامية، حيث تقف الأوضاع الاقتصادية وشح الإمكانيات في وجهة آليات مكافحة الأوبئة. هذا دفعنا لمتابعة الأمر محليا وبحث إمكانية انتشار المرض في اليمن، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور.

الطريف في الأمر أننا اعتقدنا أن عامل المسافة التي تفصل بيننا وبين المكان الذي أعلن عودة المرض فيه، وهو أميركا، يمكن أن يجعلنا في منأى عن الفيروس، أو ربما تمكنت السلطات الصحية العالمية من الحيلولة دون ذلك، وإن وصل -لا سمح الله- سنكون قد وضعنا احتياطاتنا اللازمة لذلك، خاصة أن المعلومات تشير إلى أن الصحة العالمية في اليمن سجلت في العام 2008، ثماني حالات إصابة بالحصبة في اليمن فقط، ولم تسجل أي حالات وفيات منذ العام 2006.
لكن المذهل أننا عندما تواصلنا مع مكتب الصحة العالمية في اليمن، فوجئنا بأن إحصاءاتها الحالية تكشف عن تسجيل أكثر من 150 حالة إصابة بمرض الحصبة في اليمن منذ يناير 2010، بحسب القائم بأعمال ممثل المنظمة في اليمن، الدكتور أسامة مرعي. ومخاوف من انتشار المرض.

مخلفات أمنية
سؤال طريف قد يطرح نفسه: كيف استطاع الفيروس الوصول إلى اليمن في هذه الفترة القياسية؟ ولمعرفة الإجابة يجب الإمعان في قول الدكتور مرعي: "أغلب تلك الحالات التي ظهرت سجلت في محافظة صعدة؛ بسبب الحرب، حيث تعذر خلالها الوصول إلى المديريات المستهدفة أثناء حملات التحصين التي تم تنفيذها نهاية العام الماضي، إلى جانب بعض الحالات التي سجلت في بعض مديريات المحافظتين المجاورتين لصعدة: عمران، وحجة، حيث كان لمخيمات النازحين من الحرب دور كبير في اختلاط المصابين وانتشار الفيروس، ومن ثم ازدياد عدد الحالات العدوى بمرض الحصبة، وهذا الانتشار استمر طيلة الأشهر الماضية؛ نظرا لعدم وجود تدخل صحي للحد من الانتشار؛ بسبب الظروف الأمنية، فضلا عن تسجيل بعض الحالات الفردية في بعض المحافظات الساحلية هي على علاقة مباشرة بتواجد وانتشار اللاجئين الصوماليين فيها.
سبب آخر بذات الأهمية أسهم كثيرا في انتشار المرض حاليا وربما مستقبلا كذلك، هو "ثقافة الرفض". قال مدير عام صحة الأسرة بوزارة الصحة العامة والسكان الدكتور علي المضواحي: "تبقى المخاوف من انتشار المرض قائمة طالما أننا نواجه حالات رفض لتلقي اللقاح؛ إما لمعتقدات دينية جعلت من أخذ اللقاح تدخل في قضاء الله وقدره، وإما مرتبطة بشائعات حول بأمان اللقاح".

واقع وطموح
عشرات الإصابات الجديدة سجلت في صعدة، وحالات فردية في محافظات مجاورة، وأخرى في محافظات غير مجاورة. ما الذي يعنيه ذلك؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للمختصين صحيا والمهتمين بمكافحة الأمراض والأوبئة؟ وما الذي يجب على الناس فعله لوقاية أبنائهم من الإصابة بالمرض؟
"استطاعت حملات التحصين التي ينفذها المعنيون تغطية ما نسبته 76 بالمائة من الفئات المستهدفة، وهم الأطفال دون الخامسة عشرة، وهذا يعني أن ما نسبته 24 بالمائة من الأطفال لم يتلقوا اللقاحات اللازمة ضد المرض، فالمخاوف لا تزال قائمة مادام ربع الأطفال في اليمن معرضين للإصابة بفيروس الحصبة القاتل، بغض النظر عن المسببات التي منعت تلقيهم للقاحات اللازمة". قال المضواحي ذلك، وأكد أن المعنيين ينفذون حاليا حملات احتوائية في الأماكن التي ظهرت فيها الحالات، إلى جانب الإعداد لتنفيذ حملة وطنية شاملة لتأكد بلوغ الهدف، وهو تحصين جميع الفئات المستهدفة.
أما بالنسبة للحالات المصابة فقال المضواحي: "يقدم لها الرعاية الصحية اللازمة، ويتم تنفيذ نظام ترصد الحالة الواحدة، وهو نظام بدأنها في 2006 نقوم فيه بمتابعة أي حالة إصابة للتأكد منها، في حال ثبتت إصابتها، ووجد اختلاط نقوم بمتابعة التاريخ المرضي للحالة والتاريخ الجغرافي لها، ومن ثم إجراء تحصين في هذه المناطق".
أما الأمر المقلق فهو انتشار المرض في ظل حالات رفض لتلقي اللقاح، فبحسب المضواحي سجلت حالات عديدة في مناطق مختلفة ويتم التعامل معها عن طريق السلطات المحلية، لإقناعهم بضرورة التحصين بجرعتين من اللقاح.

حقائق غائبة
ربما حالت ظروف قاسية عن وصول اللقاح إلى المستهدفين، كما حدث في حرب صعدة؛ لكن أن يرفض الناس أنفسهم تلقي اللقاحات اللازمة، فلم يجد المعنيون حُجة لهؤلاء، ولعله من باب إلقاء النفس في التهلكة، خاصة إذا ما أدركنا أن الحصبة مرض انتقالي حاد، واسع الانتشار يهدد الطفولة من عمر 9 أشهر وحتى فترة المراهقة، ويعد أخطر أمراض الطفولة القاتلة، يسببه فيروس الحصبة، مصدر العدوى هو الإنسان، وتنتقل بواسطة الرذاذ والاتصال المباشر وغير المباشر عن طريق الأشياء الملوثة. قال الدكتور الصبري: "إنه كفيروس الإنفلونزا، ليس له علاج مطلقا، مقر الإصابة به هو الجهاز التنفسي، إلا أنه ليس له نفس القدرة على التحور". وللفيروس قدرة على البقاء حيا في الهواء لمدة ساعة كاملة، ويستطيع دخول الجسم أيضا عن طريق الغشاء المخاطي للعينين.
والأخطر من ذلك أن فيروس الحصبة يلعب دورا كبيرا في الجهاز المناعي للطفل، حيث يسهم في المرض والإعياء نتيجة ردة فعله ضد الفيروس. وللحالات التي حالفها الحظ في الشفاء يؤكد الأطباء أن الفيروس يؤثر على الجهاز المناعي سلبا من خلال تقليصه لقدرته حتى فيما بعد الشفاء. ولعل من محاسن الأمور هو أن الجسم بعد الشفاء يكتسب المناعة اللازمة لفترة طويلة، إلا أن هناك إمكانية للإصابة بأمراض فيروسية وبكتيرية أخرى تنتهز فرصة ضعف الجهاز المناعي، وهذا الأمر يمكن تلافيه من خلال التغذية الجيدة واللازمة لعودة القدرة المناعية إلى حالتها الطبيعية والسيطرة على الأمراض المتداخلة.

سبل المواجهة غياب العلاج
لعلنا خلصنا من خلال ما تم طرحه إلى أننا في مواجهة فيروس الحصبة في موضع أبعد ما يكون عن انتقاء أية خيارات، فليس أمامنا سوى خيار واحد هو محاولة الوقاية بكل السبل من إصابة أطفالنا بفيروس الحصبة، خاصة وأننا في اليمن نقبع تحت وطأة الحالة الاجتماعية والاقتصادية الضيقة والتي دائما ما تخلف فينا حالة من سوء التغذية ونقص في القدرة المناعية لأجسامنا.
هذه الوقاية تتمثل -على حد قول الدكتور مرعي- في أخذ جرعات التحصين، والتي يرى أنها ملحقة للأشخاص الذين لم يتمكنوا من أخذها، حيث يمكنهم أخذها في أية مرحلة عمرية، وضرورة استمرار حملات التحصين وتعزيزها إلى جانب تعزيز نظام الترصد الوبائي للحد من انتشار المرض وغيره من أمراض الطفولة القاتلة.
أما إذا حدثت الإصابة فإن الحالة تحتاج إلى رعاية طبية جيدة فقط، وهذا يعتمد على المستوى الصحي للطفل لمرحلة ما قبل الإصابة، حيث إن الحصبة في المجتمعات الفقيرة غالبا ما تحصد آلاف الأطفال بخلاف المجتمعات المتطورة، وعليه يجب الاعتناء بالأجهزة المناعية للطفل من خلال التغذية الجيدة على مدى مراحل الطفولة.
وعليه ستظل الحصبة أحد الأمراض الستة القاتلة بالنسبة لبلادنا ونظيراتها من الدول النامية، ويجب أن تظل خطورة فيروس الحصبة ملازمة لأذهاننا إلى أن تتمكن الجهات المعنية بالإعلان الرسمي عن خلو اليمن من فيروس مرض الحصبة واختفائه تماما. وإلى ذلك الحين يتوجب علينا جعله نصب أعيننا، محاولين بكل الطرق معرفة حقيقته والهروب من الإصابة به.



صحيفة السياسية
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 07:57 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-3616.htm