صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامر -
أصبحت الخصخصة منهجا وأسلوبا اعتمد عليه العديد من الدول النامية والمتقدمة في الهند للتخلص من الحجم الزائد للقطاع العام وتحقيق الكفاءة الاقتصادية بصفة عامة والكفاءة الإنتاجية في وحدات القطاع العام بصفة خاصة، بحيث أصبح مصطلح الخصخصة من أهم المصطلحات على الساحة الاقتصادية العالمية في منتصف السبعينات بعد أن تصاعدت الدعوة في مختلف أنحاء العالم لنقل ملكية المشروعات التي تملكها الدولة إلى القطاع الخاص نتيجة حالة الركود الاقتصادي الشديد المصحوب بنسب تضخم مرتفعة . ولقد نشطت الخصخصة في المملكة المتحدة مع بداية حكم المحافظين برئاسة "مارغريت تاتشر" أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين، حيث تم تطبيقها على قطاعات مختلفة شملت الكهرباء، الغاز، الاتصالات، النقل، المياه، المطارات، الإسكان،وقد استهدفت تلك الخصخصة تحسين نوعية الخدمات وحاكتها في الولايات المتحدة الأمريكية إدارة "ريغان" التي فعلتها بشدة لدرجة رواج نكتة مفادها إن أي اقتراح يمكن أن يصبح سياسة حكومية فعلية إذا وضعت عليه بطاقة التحول للقطاع الخاص "دوناهيو جون" (ترجمة مصطفى غنيم، 1991 - قرار التحول إلى القطاع الخاص: غايات عامة ووسائل .( خاصة، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة ص 13وارتفع عدد الدول التي طبقت الخصخصة من ( 14 ) دولة في العالم عام 1988 إلى أكثر من ( 60 ) دولة في العالم سنة 2005 ومازال العالم يأخذ ذه التجربة. وحسب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الذي يعتبر أ ّ ن الخصخصة هي التحول لاقتصاد السوق، تشترط الخطوات التالية: وضع سياسات تدعم اقتصاد السوق ومؤسساته (غرف تجارة، صناعة، اتحادات..الخ) والتحرير الاقتصادي، وتنمية القطاع الخاص وتأمين الخدمات المالية والتشريعية التي يحتاج إليها وخصخصة القطاع العام (الطيب محمد الطيب عبد الله،.( تقييم تجربة الاستخاص في السودان 1999 ، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت ص 424 أما الدول العربية التي عملت بنظام الخصخصة بفاعلية هي مصر، المملكة الأردنية الهاشمية، الإمارات، بالإضافة إلى عدد أخر من الدول التي ما زالت في بداية تطبيق برنامج الخصخصة. وحققت التجربة في تلك الدول وخاصة الإمارات نجاحًا حيث كانت الاستثمارات للدول العربية والأجنبية..
وقد استقطبت دولة الإمارات مث ً لا المستثمرين من كل دول العالم وعادت بالفائدة على المواطنين فيها. وفي الآونة الأخيرة استفادت مصر من وجود جالية عراقية كبيرة يعمل الغالبية منهم في مجال الاستثمار.. الدول العربية قد لجأت إلى سياسات الخصخصة بغية إتاحة الفرصة للقطاع الخاص لكي يلعب دورًا اكبر في عملية الإنتاج. وفي الأردن بدأت مسيرة الخصخصة في عام 1992 مع بدء تطبيق برنامج للتصحيح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي الذي انتهى العمل به سنة 1998 وتم تمديده 3 مرات حتى انتهى منتصف سنة 2004 . وفي إطار هذا البرنامج جرت خصخصة عدد من الشركات العامة والمؤسسات المملوكة للدولة أو التي تمتلك الدولة فيها نسبة كبيرة. وكان :( على رأس تلك الشركات والمؤسسات (نشرات وحدة التخاصية، 2003 بيع 87 % من أسهم شركة الفنادق والسياحة الأردنية إلى شركة وزارة للاستثمار ·
. خلال عام 1995
- بيع كامل ملكيتها في عدد محدود من الشركات المساهمة خلال عامي 1996 ·1997 ( الورق والكرتون الأردنية، التبغ والسجاير الأردنية). الفرنسية خلال عام Lafarge بيع 33 % من أسهم شركة الإسمنت الأردنية لشركة ·
.1998
بيع 1% من أسهم شركة الإسمنت الأردنية بسعر تفضيلي إلى موظفي الشرطة. ·بيع 8% من أسهم شركة الإسمنت الأردنية إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي. ·بيع كامل ملكيتها في عدد كبير من الشركات المساهمة خلال عام 1999 ( بنك ·الإسكان، بنك القاهرة عمان، بنك الصادرات والتمويل، الألبان الأردنية، البتراء للنقل،الإنتاج، الكهرباء الأردنية، الخزف الأردنية، الأجواخ الأردنية، الدباغة الأردنية). بيع أسهمها خلال لعام 2000 في عدد من الشركات المساهمة العامة ( العربية الدولية للفنادق، الأردنية لتجهيز الدواجن). قامت الحكومة خلال عام 2001 ببيع مساهمتها في بعض الشركات المساهمة العامة · ( مصانع الورق والكرتون، المؤسسة الصحفية الأردنية / الرأي). قامت الحكومة ببيع كامل حصتها خلال العام 2002 في شركة الخطوط البحرية ·الوطنية. قامت الحكومة خلال عام 2002 ببيع كامل حصتها في كل من شركة النقليات ·السياحية/ جت، والشركة العامة للتعديد، وشركة تأجير وصيانة الآليات والمعدات، وشركة الصيانة العامة، وشركة الملكية الأردنية للسياحة والسفر. قامت الحكومة خلال عام 2003 ببيع 50 % من أسهمها في شركة البوتاس العربية الكندية. Potash Corporation of Saskatchewan إلى شركة
شركات فاشلة
وكانت التجربة البريطانية والفرنسية في الخصخصة ماثلة في التجربة المصرية على حد قول بعض ضيوف الحلقة، حيث باعت الدولة في نهاية التسعينيات العديد من مصانع الإسمنت المصرية لشركات أوروبية وعالمية، مما شكل موارد للخزينة العامة التي كانت تأخذ نسبة 66% من قيمة كل مصنع تم بيعه. وأوضح بعض المختصين أن سياسة الخصخصة يتم تطبيقها عندما تخسر الشركات التابعة للدولة وتكون إدارتها عبئا عليها، وتصبح الشركات التابعة لإدارة الدولة فاشلة وخاسرة باستمرار. وأبان أحد الخبراء أن مصر كانت تستهلك من الإنتاج المحلي من المصنوعات بين عامي 1967 و1973، ولكن في حقبة الثمانينيات بدأت عمليات إحلال وتجديد للمصانع، وبدأ يدور حديث عن التصدير لأن الإنتاج صار أكثر من حاجة السوق المحلية.
المعاش المبكر
ولكن منذ منتصف الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات ارتفع معدل الدين الخارجي إلى 52 مليار دولار وعجزت الحكومة عن السداد وزادت نسبة البطالة، مما دفع الدولة للجوء إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لبدء عملية إصلاح شامل وعلاج المشاكل الاقتصادية مقابل تطبيق حزمة من سياسات المؤسستين "الإصلاحية" على الاقتصاد المصري. وقامت لجان فنية ببيع العديد من المؤسسات الصناعية والتجارية كخطوة أولى لتنفيذ مشروع الخصخصة، وفي عام 1994 تم بيع مصنع النصر لتصنيع المراجل البخارية لشركة كندية ولكنها قامت ببيعه مرة أخرى لجهة مصرية قامت بتصفية المصنع واحتفظت بملكية الأرض. وتشير إحصاءات إلى المكاسب المالية الكبيرة التي حققتها هذه الشركات في ظل استخدامها للغاز المبيع لها بأسعار مدعمة. واستخدمت بعض الشركات التي اشترت المصانع سياسات أضرت بالعمال وحقوقهم وأثرت على حياتهم الاجتماعية، مثل سياسة المعاش المبكر في حالة مصانع الغزل والنسيج في كفر الدوار. - أُطلق البرنامج فى أكتوبر 2003، فى بداية الفترة الأولى لحكم الرئيس البرازيلي السابق، لولا دى سيلفا، ويعتبر البرنامج واحدا من أكبر وأنجح برامج التحويل النقدي فى العالم، فضلا عن دوره الدولي المهم، وترتكز أهدافه على تخفيف وطأة حدة الفقر المدقع، من خلال تحويلات نقدية للأسر الموجودة تحت خط الفقر، حتى لا ينتقل الفقر عبر الأجيال، وذلك من خلال ضمان حق المستفيدين فى الصحة والتعليم، لذلك واجهنا عدة تحديات، منها على سبيل المثال كيفية الاستهداف والآليات والمراقبة وطرق وضع آليات مبتكرة ومثالية للتقييم وإدارة البرنامج.
وكان أول تحد واجهناه هو الوصول للأسر الأفقر، خاصة أن البرازيل بلد مساحتها كبيرة وتتسم بتعدد أعراقها وثقافتها، ولكي يتم التعامل مع ذلك، صممت الحكومة البرازيلية ونفذت برنامجا مبسطا يعتمد على بعض الأساسيات: المرأة هي أفضل شخص فى العائلة يعرف كيف ينفق التحويلات النقدية، لأنها هي التي تعتني بالأطفال. المساعدات توجه للأشخاص الأفقر، الذين يقل دخلهم عن خط الفقر المُصمم خصيصا لهذا البرنامج، وفى هذه الحالة لن يكون المستفيدون فى حاجة لتوثيق دخلهم، لأن المواطنين الأفقر يكسبون معيشتهم عن طريق وظائف صغيرة لا نستطيع إثباتها بالوثائق.
-المتطلب الوحيد للحصول على برنامج منحة الأسرة، هو دخلها، فالعائلات البرازيلية التي تحصل على 70 دولارا فى الشهر كمتوسط للدخل، يمكنهم الحصول على التحويلات النقدية، والعائلات التي تحصل على متوسط دخل شهري ما بين 70 دولارا و140 دولارا ولديهم أطفال تحت 18 عاما، سيحصلون على التحويلات النقدية.
- لم نكن فى حاجة إلى فرض أو زيادة الضرائب لتمويل البرنامج، لكنه كان يُمول مباشرة من الموازنة العامة، ففي 2014 وصل عدد المستفيدين من برنامج منحة الأسرة، لنحو 14 مليون أسرة، بتكلفة بلغت1% من ميزانية الحكومة البرازيلية.
نجحت البرازيل فى الحصول على نتائج هائلة فى آخر 12 عاما، لقد تطور مركزنا فى معدل الفقر المزمن، استنادا لمعايير البنك الدولي، وتم الحد من عدم المساواة فى البرازيل، خاصة بين الطبقات الأفقر دخلا، ومختلفي الأعراق والفئات العمرية. وتسبب البرنامج فى القضاء على الفقر المُدقع من خلال خطة البرازيل الوطنية، والتي أطلقت فى 2011 وهى عنصر مهم فى استراتيجة طويلة الأجل لسياسات الضمان الاجتماعي البرازيلية، وتسعى هذه الخطة إلى تحسين وصقل المهارات وتوسيع الفرص للأشخاص الذين يعيشون فى فقر مدقع، من خلال تحسين سياسات التحويلات النقدية، مثل «منحة الأسرة»، وزيادة فرص الحصول على خدمات الحماية الاجتماعية وتحسين نوعيتها، وتنفيذ مبادرات تستهدف مختلف الفئات الضعيفة مثل عمال القطاع غير المنتظم فى المناطق الحضرية، وأسر المزارعين، وهواة جمع المواد القابلة لإعادة التدوير، والمواطنين بلا مأوى، والمجتمعات المحلية التقليدية والشعوب الأصلية فى البلاد. ومن خلال هذه الخطة سيتم إنشاء شبكة من الخدمات لتعزيز الحماية الاجتماعية، ووضع إستراتيجية لمكافحة الفقر المدقع، ويركز مركز التدخل الحكومي الذي أنشئ لذلك، على تحسين أوضاع الحماية الاجتماعية ومساندة العاملين فى المناطق الريفية والحضرية فى مواجهة التغيرات التي طرأت فى سوق العمل.
- استطاعت «منحة الأسرة» أن تغطى بالكامل نفقات الأسرة الشهرية، فهذه المنح استخدمتها الأسر فى الطعام والكتب المدرسية والملابس، وواحد من النتائج الإيجابية للبرنامج هو أنه تسبب فى مضاعفة الناتج المحلى الإجمالي، فكل 1 دولار دفع للأسر تسبب فى حافز للنمو، بنسبة 1.78 دولار للناتج الإجمالي المحلى. • الحكومة المصرية تحاول ربط المساعدات النقدية بذهاب الأطفال للمدارس وحصولهم على الرعاية الصحية، مثلما تم فى منحة الأسرة، كيف ساعدت مثل هذه الشروط على إكمال الأطفال تعليمهم وتحسين صحتهم؟
- ساعدت «منحة الأسرة» البرازيل على الخروج لأول مرة من خريطة الجوع العالمية، بشهادة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو»، فما بين عامى 2002 و2014 كانت البرازيل ضمن افضل ثلاث دول فى مجال خفض عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية بنسبة 82%، كما انخفضت وفيات الأطفال بسبب الإسهال بنسبة 46% وانخفضت وفيات الأطفال الناجمة عن سوء التغذية بنسبة 58%.كما حققت البرازيل نتائج إيجابية أخرى، منها زيادة أعداد المتمتعين بالرعاية الصحية قبل الولادة بنسبة 50%، كما انخفضت معدلات الولادة المبكرة بـ 14%، ولذلك انخفض عدد الرضع الذين يولدون ناقصى الوزن، وأصبح 99% من الأطفال يحصلون على التطعيم، وانخفضت نسبة سوء التغذية لدى الأطفال الذين استفادوا من «منحة الأسرة» بنسبة 52% ما بين عامى 2008 و2011.
كما ساعد البرنامج الأطفال الذين يعيشون فى فقر على الانتظام فى المدارس، ففى الماضى، كانت مشكلة التسرب من التعليم مشكلة رئيسية، الآن البرنامج استطاع أن يمنح الحياة لـ 17 مليون طفل وتلميذ، وأصبح الحد الأدنى للانتظام فى المدارس بعد الاعتماد على البرنامج للأطفال من سن 6 إلى 15 عاما 85%، كما أصبح معدل التسرب من التعليم للمستفيدين من البرنامج أقل فى جميع مراحل التعليم الاساسى، ففى المرحلة الثانوية على سبيل المثال، بلغ مُعدل التسرب بين الأطفال المستفيدين من «منحة الأسرة»، نحو 7% بينما بلغ المعدل القومي حوالي 10.8%، والآن أصبح الأداء المدرسى ونسبة النجاح لهؤلاء الأطفال على نفس المستوى للأطفال الآخرين الموجودين فى شبكة التعليم العام. -المنح تُدفع مباشرة للأسر عن طريق بطاقة بنكية، دون أى تدخلات أو وساطة، وفى كل شهر تنشر الحكومة الفيدرالية على موقع الإنترنت قائمة بالعائلات التى تحصل على «منحة الأسرة»، فضلا عن هذا فإن هيكل البرنامج يتضمن اللجان والحكومات المحلية، التى تشرف على عملية الدفع. -أى دولة تستطيع أن تنجح فى هذا، ولكنه من الضروري أن تلتزم الحكومة بسياسات هذه البرامج بالكامل، وأن يتحول هدف الحد من الفقر إلى أولوية سياسية للدولة.
يشير مصطلح الخصخصة في مفهومه الضيق الى عملية التحول في النشاط الاقتصادي من القطاع العام الى القطاع الخاص. وتتضمن عملية تحويل الملكية (من خلال بيع كل أو أجزاء من الملكية) من الدولة الى الافراد. أما المفهوم الواسع للخصخصة فيتضمن صيغ مختلفة اهمها تحويل الملكية أو الغاء التأميم أو أنهاء المشروعات الحكومية وتأجيرها الى القطاع الخاص أو تحويل الادارة والسيطرة على المشروعات الحكومية الى القطاع الخاص وفتح مجال للمقاولين الافراد لتجهيز السلع والخدمات التي تحتاجها المنشآت الحكومية.
وعليه فأن الخصخصة ( كعملية) تسمح بالنشاطات التي كانت تنجز من قبل الحكومة ومستخدميها سابقاَ بأن تنجز وتدار من قبل المنشآت الخاصة والافراد وبذلك فأن الخصخصة تعني أعادة تنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وأعادة توزيع الادوار بين الحكومة وبين القطاع الخاص، يتم من خلالها تقليص دور الحكومة الانتاجي وتفرغها للمهام الاساسية الاخرى المنوطة بها كالامن والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وتعزيز دور القطاع الخاص في امتلاك أو ادارة وسائل الانتاج. وفي نهاية الامر فأن الخصخصة بالمفهوم الواسع ينظر اليها بأنها تمثل كل السياسات والبرامج والاستراتيجيات التي تهدف لتحقيق الاستغلال الكفء للموارد الاقتصادية على اساس نظام السوق.
وتجدر الإشارة الى انه لا توجد صيغة واحدة للخصخصة، بل هناك مجموعة من الصيغ التي يمكن تطبيقها على وفق الظروف ونوع المؤسسة او المرفق المزمع تخصيصه، ومن هذه الصيغ
تحويل ملكية القطاع العام جزئياً او كلياً الى القطاع الخاص
ويتم ذلك من خلال البيع الكلي المباشر أو البيع الجزئي للمنشآت العامة (من خلال تحويلها الى مؤسسة مختلطة يشارك القطاع الخاص في جزء من ملكيتها). وتعد عملية البيع المباشر من اكثر الطرق أنتشاراً وأستخداماً لنقل الملكية.
تخصيص الادارة ( Privatization of Management)
وتعد هذه مرحلة تمهيدية وأولية للخصخصة وتتضمن:
عقود الادارة( Management contracts) :
وهي العقود التي تبرمها الحكومة مع الافراد المحلليين والاجانب لأدارة المنشآت العامة.
التأجير( Leasing) : وتتيح عقود التأجير استثمار الموارد والاصول من قبل القطاع الخاص لقاء رسوم أو أجور محددة.
نقل الملكية الى الادارة والعمال
يحدث ذلك عند خصخصة المنشآت العامة الصغيرة نسبياً وذلك بنقل ملكيتها الى الادارة والعاملين فيها. وقد تميل بعض الدول الى تبني مجموعة متنوعة من الاساليب المختلفة في تطبيق برامج الخصخصة كما فعلت الاردن الامر الذي يعطيها مرونة في استخدام الاسلوب المناسب لكل حالة بدلاً من استخدام النهج الواحد لكل الحالات.
ثانياً: اهداف ومبررات الخصخصة
تشير الادبيات المتعلقة ببرامج الخصخصة الى تنوع الاهداف والمبررات التي تساق لتبني البرامج المذكورة ومن اهمها:
تحسين مستوى الكفاءة الاقتصادية للمنشآت العامة وخاصة المتعثرة منها والخاسرة وتعزيز التنافسية فيها بأعتبار ان الخصخصة هي جزء من عملية الاصلاح الاقتصادي. تحسين نوعية السلع والخدمات التي تقدمها المنشآت الخاضعة للخصخصة. توفير عوائد مالية كافية للموازنة العامة للدولة من خلال بيع المنشآت . تخفيض حجم النفقات العامة وتقليص الحاجة الى الاقتراض الناجم عن دعم المنشآت العامة الخاسرة. الحصول على التكنولوجيا الحديثة من خلال المشاركة الأجنبية وجذب الاستثمارات. تشجيع ما يعرف بالرأسمالية الشعبية من خلال توسيع نطاق ملكية الاصول الاقتصادية، سواء للعاملين أو لغيرهم. تعزيز وتطوير وتوسيع السوق المالية، حيث ان الخصخصة تعمل على تنشيط وتنمية تداول الاسهم والسندات في السوق المذكورة.
تعزيز حالة التنافسية .
تعجيل النمو الأقتصادي وزيادة مستوى الرفاهية الاقتصادية للمستهلكين. تقليل العبء الاداري للحكومة وتخفيف العبء على موازنة الدولة. وعندما تكون الاهداف متعددة بالشكل المذكور فأنها تكون داعمة بعضها للبعض الآخر، وأحياناً تكون متعارضة فيما بينها وتلغي احداها الاخرى. وعلى سبيل المثال ان تحقيق تحسن في كفاءة المشروع قد يؤدي الى تسريح بعض العمال الفائضين.
وتختلف دواعي ومبررات الخصخصة من بلد لآخر ومن مجموعة بلدان لأخرى تبعاً للظروف السائدة ومستوى التطور الاقتصادي والاداء في البلد المعني . ففي البلدان الاشتراكية السابقة، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كان اللجوء الى الخصخصة بالدرجة الاولى تعبيراً عن الرغبة في التخلص من احد اهم اسس البناء الاشتراكي( اي الملكية العامة لوسائل الانتاج) والانتقال من المركزية المطلقة في أدارة الاقتصاد وهيمنة الدولة الكاملة على العملية الاقتصادية الى نظام اقتصاد السوق. وكان ذلك يعني تفكيك القطاع العام وخلق قطاع خاص بدلاً عنه. والمفارقة في هذا المضمار هي ان الفساد كان من نتائج تطبيق هذا البرنامج في روسيا كما سنرى لاحقاً.
أما في البلدان النامية ذات التوجه الرأسمالي فأن دواعي واهداف تحويل القطاع العام، أو قسم منه، الى القطاع الخاص هي السعي للتخلص من الفساد السائد في القطاع العام المذكور والخسائر المالية الناجمة عنه من جراء أنخفاض مستوى الكفاءة الانتاجية لهذه المؤسسات وعجزها عن مواكبة التقدم التكنولوجي، بحيث تحولت هذه المؤسسات الى بؤر تستنزف الموارد الاقتصادية، وأثقلت كاهل الموازنة العامة للدولة، أضافة الى تدني مستوى الخدمة المقدمة من المنشآت المذكورة ورداءة مستوى الجودة والنوعية بسبب ضعف الرقابة، فضلاَ عن تضاؤل قدرة الحكومة على التوسع والاستثمار. ان مثل هذه الحالة تعكس الوضع الذي كان عليه القطاع العام في العديد من البلدان النامية. وفي البلدان الراسمالية المتقدمة كان الدافع الاساسي لاعتماد الخصخصة منطلقاَ من مقولة(ان الدولة ليست أفضل رب عمل) في حين ان القطاع الخاص وبمرونته المعهودة وسعيه الى الربح (الذي يشكل الحافز الرئيسي لتطوير الانتاج) مؤهل اكثر لتأمين قدرة تنافسية اكبر للمنشآت الاقتصادية .
وفي عدد من البلدان المنتجة والمصدرة للنفط، وبفضل الفوائض المالية الكبيرة التي تكونت لديها خلال حقبة الطفرة النفطية، نشأت دولة الرعاية الاجتماعية، الامر الذي اوجب قيام قطاع عام كبير نسبياَ ومدعوم حكومياَ شمل ميادين الانتاج الاساسية وتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين. الا انه مع بروز ظاهرة العولمة وما رافقها من تحرير التجارة وقيام المؤسسات التمويلية الدولية بالضغط لفرض برامج الخصخصة فأن هذه الدول واجهت مهمة تقليص دور القطاع العام وتخفيض مستوى الحماية التجارية وصولاَ الى الغائها وخلق الظروف المواتية لقيام قطاع خاص ديناميكي وفعال.
أما مؤسسات التمويل الدولية(مثل صندوق النقد والبنك الدوليين) فانهما يبرران برامج الخصخصة بشكل رئيسي من خلال توفير موارد مالية لتسهيل تخفيض حجم الدين الخارجي وكذلك الاستفادة من مشاركة راس المال الاجنبي.
ثالثاً : برامج الخصخصة – تجارب دول مختارة -
ان مسالة الحكم على نجاح عملية الخصخصة وتحقيق المنافع المتوقعة منها تعتبر امرا معقدا لاسباب عديدة منها ما يتعلق بمستوى الربحية المتحقق في المنشاة التي خضعت للخصخصة ، وحجم التخفيض(أو الارتفاع) الحاصل في اسعار السلع والخدمات المعنية بعد عملية الخصخصة وتكاليف الصفقة في هذه البرامج ( أي مستوى اسعار الاسهم المباعة للقطاع الخاص) ، ومستوى الجودة والنوعية للسلع والخدمات بعد الخصخصة وحجم العمالة التي قد يتم تسريحها بعد عملية الخصخصة. فالربحية المتحققة بعد تنفيذ عملية الخصخصة يمكن أن تنتج عن تحسن في مستوى الكفاءة الانتاجية وأنخفاض تكلفة الوحدة المنتجة، أو قد تنتج عن فرض أسعار مرتفعة وعندها تكون الارباح على حساب مصلحة المستهلكين. ومن جهة أخرى فأن احتمال تخفيض أسعار الاسهم المباعة عن الحدود المقررة سلفاَ سوف يقلل من عوائد الحكومة من عملية الخصخصة ويقلص المنافع المتوقعة منها.
ويمكن تلمس عوامل النجاح أو الفشل لبعض برامج الخصخصة في تحقيق أهدافها من أستعراض بعض تلك التجارب. فهناك تجارب نسب اليها النجاح مثل بريطانيا والفلبين وتشيلي ومصر والاردن، وتجارب اخرى نسب اليها الفشل مثل ماليزيا وروسيا وتشيكيا، أضافة الى البانيا وكازاخستان ومولدافيا ومنغوليا، وسوف نستعرض بأيجاز التجارب الناجحة ثم تليها التجارب المتعثرة. وقد تم اختيار هذه التجارب لتمثل مناطق جغرافية مختلفة ولتوفر الدراسات والمعلومات عنها.
تجارب ناجحة
تجربة بريطانيا :
لقد كانت التجربة البريطانية في الخصخصة التجربة الاولى في العالم، حيث وعدت حكومة(Margaret Thatcher ) بأن برامج الخصخصة سوف تؤدي الى تعزيز المنافسة في منشآت الخدمات العامة وتجعل هذه المنشآت كفوءة وبالتالي تستطيع تخفيض أسعار السلع والخدمات المقدمة. وقد تم تنفيذ الخصخصة في بريطانيا في وقت الازمة والتضخم المرتفع والضرائب العالية والعجز الداخلي والخارجي وكان الدافع للخصخصة ايديولوجيا. لكن الواقع العملي للتجربة وخاصة في البداية يشير الى أن هدف تحقيق المنافع للمستهلكين قد أهمل بشكل تام بسبب اعطاء الاولوية الى أهداف أخرى. فالمنافسة في السوق الداخلي قد منعت وخاصة في مجال أنتاج الغاز والماء والكهرباء، فيما تحققت منافسة محدودة لصالح المستهلكين في قطاع الاتصالات الهاتفية ولاسيما في الفترة الاولى.
وكان من أهم العوائق أمام المنافسة في المنشآت الخدمية هيمنة المنشآت القائمة والقيود المفروضة على المستهلكين في مساعيهم للحصول على المعلومات المناسبة حول نوع الخدمات والاسعار. لكنه بأستثناء ذلك فأن برامج الخصخصة في بريطانيا قد أدت الى زيادة عدد الافراد المالكين للأسهم، ووفرت كميات كبيرة من الاموال للحكومة وحررت الحكومة من مسؤولياتها لتمويل البرامج الاستثمارية. والشواهد اللاحقة لتجربة بريطانيا تبين بأن الخصخصة أدت الى تحسين في التمويل العام، وفي الخدمة للمستهلكين، وأنخفاض في الأسعار (بأستثناء بعض الحالات).
تجربة تشيلي:-
توسع القطاع العام في تشيلي بشكل كبير خلال فترة حكم الرئيس الاشتراكي (Allende) في تجربته الديموقراطية الرائدة في امريكا اللاتينية خلال المدة 1970- 1973. وبسبب المؤامرات الخارجية وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوى المعارضة في الداخل وفي مقدمتها الجيش والطبقة الراسمالية فقد سادت الاضطرابات وعدم الأستقرار السياسي مما أثر سلباَ على الاقتصاد، حيث برزت ظاهرة شح السلع والسوق السوداء والأداء الضعيف نتيجة وجود الحماية التجارية. وبعد حدوث الأنقلاب على (Allende) أبتدأت السياسة الأقتصادية الليبرالية والخصخصة وتقليص القطاع العام وتحرير أسعار السلع والأسواق المالية وحرية تدفق راس المال الأجنبي وتحرير التجارة الخارجية، كل هذه الأجراءات وفرت بيئة مناسبة للقطاع الخاص للعمل بكفاءة. و يبدو أن برنامج الخصخصة قد حقق نجاحاَ حيث تحقق نمو في المبيعات وزيادة في كفاءة التشغيل وفي حجم الدخل واصبحت المصانع الخاضعة للخصخصة تنافسية حيث لم تكن كذلك قبلاً، اضافة الى تشجيع الديمقراطية الأقتصادية من خلال زيادة المشاركة من القطاع الخاص. (الأفراد). ويشار الى أن ابرز العوامل التي ساهمت في هذا النجاح السيطرة النقدية والنظام المالي وتحرير الأسعار وانفتاح الاقتصاد على العالم واستقرار حالة الأقتصاد الكلي بعدما كان الاقتصاد يعاني من مشكلات عديدة.
تجربة مصر:-
بدأت التجربة المصرية بداية صعبة نظراً لرفض الرأي العام المصري في حينها لفكرة الخصخصة، لكنه تم تذليل تلك العقبة فيما بعد. كما واجه البرنامج مشكلة تقييم الأراضي ومشكلة العمالة الزائدة، وعدم قدرة راس المال على استيعاب عملية الخصخصة. وقد سعت الحكومة لمواجهة هذه المشكلات وتذليلها. وكان من الأهداف الأساسية للبرنامج تحسين المناخ الأقتصادي الكلي وزيادة معدلات النمو الأقتصادي وتحقيق المزيد من العدالة الأجتماعية وتحقيق الأستقرار في الأسعار.
ويشير التقييم الأولي للتجربة بأن المؤشرات الرقمية في حينها عكست التقدم المحرز في تحقيق الأهداف المختلفة للبرنامج، حيث تم أحراز نجاحات في مجال تحسين مناخ الأستثمار وأرتفاع المتغيرات الأقتصادية الكلية وفي مقدمتها معدلات النمو الأقتصادي. ومن خلال المقارنة بين المدة (1990- 1991) اللاحقة للبرنامج والمدة (1997- 1998) السابقة له يظهر لنا حصول أرتفاع معدلات نمو الناتج المحلي، وإنخفاض سعر الفائدة على الودائع، وإنخفاض عجز الموازنة كنسبة من الناتج، واستقرار نسبي في سعر الصرف للعملة، وأزدياد حصيلة الأحتياطي من العملات الأجنبية وأرتفاع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي وأرتفاع معدل دخل الفرد وأنخفاض معدل الفقر المدقع(انظر الجدول الملحق رقم (1)). ولا بد من التأكيد بأن المؤشرات الاقتصادية والتنموية الايجابية التي رافقت عملية الخصخصة لا تعكس بالضرورة نتائج العملية المذكورة بل انها تزامنت مع تنفيذ البرنامج وقد يكون لها صلة مباشرة معه أو قد لا يكون فضلاً عن قصر المدة الزمنية للتقييم. ويعتقد البعض بأنه إذا لم يكن برنامج الخصخصة لوحدة هو المسؤول عن هذا التحسن فانه قد ترافق معه، أي أن تنفيذ البرنامج لم يكن له تأثير سلبي على الأقتصاد الوطني مما أعتبره البعض بأنه يعكس حالة نجاح لبرنامج الخصخصة.
وفي دراسة أجريت في عام 2002 لتقييم تجربة مصر لعقد من الزمن من قبل مؤسسة امريكية(14) اكدت الدراسة بأن البرنامج حقق معظم أهدافه الرئيسية وكانت له مساهمة ايجابية في اقتصاد البلاد. فقد تم خصخصة نحو 190 شركة بحلول عام 2002 بلغ مجموع عوائدها حوالي 14.5 مليون جنيه مصري وتحقق تحسن في اداء الشركات وأنخفض عدد الشركات الخاسرة من 82 شركة في 1995 الى نحو 41 شركة في 1999، وارتفع معدل العائد على الاستثمار من 0.72% الى 3.5% وزادت عوائد الحكومة من الضرائب وبالتالي انخفض العبء المالي لها. وفتح البرنامج الباب لزيادة المدخرات المحلية والاستثمار المحلي والاجنبي، كما رافق البرنامج ارتفاع الانتاج والكفاءة الاقتصادية واصبحت الاسواق المصرية دينامية وتنافسية.
وقد كان من بين العوامل التي ساعدت على نجاح البرنامج طريقة استخدام عوائد الخصخصة لدفع تعويضات المعاش المبكر للعاملين وتسديد ديون البنوك فيما تم تحويل القسم الاعظم منها الى وزارة المالية، كما ان تنفيذ البرنامج قد اعطى اشارة تغيير نحو اقتصاد يقوده القطاع الخاص ومتوجه نحو السوق.
تجربة الأردن:-
بدأت برامج الخصخصة مع بداية عام 1985 وكانت جزءاً من برنامج التصحيح الأقتصادي. وأستهدف البرنامج رفع كفاءة المشروعات المعنية والقدرة التنافسية لها، وتحفيز المدخرات المحلية وجذب الأستثمارات، والتخلص من المشروعات الخاسرة، وتوجيه المدخرات الخاصة نحو استثمارات طويلة الأجل وأخيراً الحصول على التكنولوجيا الحديثة وأساليب الإدارة الحديثة. وقد قامت الحكومة الأردنية بأنشاء “الوحدة التنفيذية للتخاصية” في تموز 1996 باشراف الجهات العليا في الدولة.وقد تم خصخصة شركة الأسمنت الأردنية في 1998 (وكذلك شركة الأتصالات الأردنية) حيث تم بيع ثلث أسهم شركة الأسمنت الى شركة (Lafarge) الفرنسية.
ويبدو أن تأثير عملية الخصخصة على شركة الاسمنت كان ايجابياً فقد ازداد الأنتاج زيادة ملحوظة خلال السنتين 2001- 2002 ورافقه انخفاض في اعداد العاملين مما يؤشر حصول ارتفاع في انتاجية العمل. وسجلت الأرباح الأجمالية ارتفاعاً ملحوظاً انعكس على نسبة الأرباح الموزعة(16). ونتيجة لهذه التطورات فقد ارتفعت قيمة السهم للشركة في عام 2002 بعد التذبذب الحاصل في الفترة السابقة. وعليه فإن شركة الاسمنت قد حققت تحسناً ملحوظاً في أدائها بعد عملية الخصخصة انعكس على مؤشرات عديدة لنشاطاتها
اما شركة الأتصالات الأردنية فقد تم تحويلها الى شركة مساهمة عامة في 1996 وتم بيع 40% من اسهمها الى أئتلاف البنك العربي وشركة (France Telecom) في عام 2001 . وقد تمكنت الشركة من زيادة الأستثمار وتحقيق تحسن في تقديم الخدمات وتم تطوير الشبكة في الأردن وانخفضت تكلفة الأتصال للدقيقة الواحدة لبلد ما من دينارين ونصف الى نصف دينار، إضافة الى الخدمات السريعة والميسرة للمشتركين وذلك خلال عامين فقط من خصخصة الشركة. كما نفذت الشركة عدداً من المشروعات الجديدة مثل بناء وتشغيل شبكة الأتصالات الخلوية (موبايلكم) وتطوير شبكة تراسل المعلومات وخدمات الأنترنيت وبناء شبكة الخط السريع إلخ.
وفي مجال النتائج المالية فقد سجلت الشركة زيادة مستمرة في ايراداتها وصافي حقوق المساهمين وفي قيمة الأصول الثابتة، فأزدادت قيمة الأرباح الموزعة على المساهمين وأزدادت أيرادات خزينة الدولة من عوائد الشركة، وتم الأستغناء عن عدد من العاملين بعد عملية الخصخصة رغم زيادة حجم الانتاج مما يشير الى وجود فائض في العمالة قبل العملية. ومن جانب آخر فقد قامت الشركة بتعيين 130 موظفاً في الدوائر المعلوماتية والتسويقية من بدء عملية الخصخصة، ونظمت خطة تقاعد مبكر اختيارية.
تجارب غير ناجحة
وهناك تجارب اخرى تعثرت ولم تحقق الأهداف المرسومة لها لعدم توفر المستلزمات الضرورية أو البيئة المناسبة ولم تتوفر فيها شروط المحاسبة والشفافية وسادت فيها حالة من الفساد ولم تراعى فيها مصلحة المستهلكين والأقتصاد الوطني بل روعيت فيها مصالح فردية وفئوية معينة بالضد من المصلحة العامة وفي ادناه بعض من هذه التجارب.
تجربة ماليزيا:
كان الهدف الاساسي من هذه التجربة هو أعادة توزيع الثروة بين الاجناس المختلفة الموجودة في البلد، الى جانب أهداف أخرى مثل تخفيف العبء المالي والاداري للحكومة وتحسين الكفاءة الانتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي، ألا أن التجربة لم تحقق المنافع المتوقعة من البرنامج المذكور. ذلك لأن برنامج الخصخصة قد خضع، في حالات عديدة، الى تأثيرات قوية من بعض المصالح الخاصة التي حاولت تحديد مايجب أن يخصخص وبأي اسلوب ولمن. كما ان اهداف عملية الاصلاح الاقتصادي لم تتحقق حتى بعد خمس سنوات من تطبيقها ، وخاصة بالنسبة الى نمو الناتج المحلي الاجمالي ولم تفلح عملية الخصخصة في تحقيق عوائد مناسبة . وتجدر الاشارة الى ان الخصخصة لم يرافقها تعزيز في مستوى المنافسة بل بقيت تلك المنشآت على شكل احتكارات، وما يتبع ذلك عادة من حصول زيادات في اسعار المنافع والخدمات بعد عملية الخصخصة، ولاسيما في خدمات البريد.
ويشار في هذا الصدد الى ان عملية التحول من القطاع العام الى القطاع الخاص لم تحقق التخفيض المتوقع في تكاليف الانتاج وتحسين نوعية الخدمات بشكل محسوس. وقد يعود السبب في ذلك الى ضعف حالة المحاسبة ( Accountability) وأنعدام الشفافية. وبذلك فأن عملية الخصخصة لم تحقق مصالح المستهلكين في ماليزيا.
تجربة روسيا:
عكست هذه التجربة العديد من المشكلات، ولم تحقق الاهداف المرجوة منها. فقد قامت روسيا بتحويل ملكية أكثر من 15 الف شركة من الملكية العامة الى الملكية الخاصة، وكانت الآمال معقودة على ان برنامج الخصخصة سوف يقود الى تحقيق التحول السريع نحو اقتصاد السوق. وأن النظام المالي سوف يدفع الى ايجاد سوق ثانوية في الاسهم للشركات المسيطر عليها داخلياً بظهور ملكية خاصة، وأن طرقاً شفافة ورصينة سوف تستخدم لتخصيص نصف الصناعات المتبقية لدى الدولة. لكن هذا لم يحدث. فالعمال يخافون من السيطرة الاجنبية وفقدان سيطرتهم، والظروف المالية والمادية لمعظم الشركات لم تكن جذابة للأجانب، وهناك ضعف في تعريف حقوق الملكية، وان الحكومات الروسية المتعاقبة فشلت في وضع سياسات داعمة ومؤسسات لتعزيز ثقة المستخدمين. وقد تحولت الموجة الثانية للخصخصة بمعضمها الى حالات من الغش.ويعتقد البعض بأن المقاربة نحو الخصخصة في روسيا كانت بشكل عام خاطئة وشابها الكثير من الفساد والاستغلال والتلاعب.
التجربة التشيكية
قامت تشيكيا بخصخصة نحو 1800 شركة في عام 1995 من خلال موجتين من اصدار القسائم وبيعت الاولى الى مستثمرين استراتيجيين والثانية الى مستثمرين سابقين وبلديات . وقد تقلص الناتج المحلي الاجمالي بأكثر من 2.5% في 1998 ودخل الاقتصاد في ركود ويبدو أن هناك اسباباً كثيرة لفشل البرنامج ولكن السبب الاساسي يعود الى الطريقة التي نفذت بها العملية. وقد ذكرت منظمة ال ( OECD) في تقرير لها عن عملية الخصخصة بأن طريقة بيع القسائم في هذه البرامج انتجت هيكل ملكية أدى الى عرقلة ظهور شركات كفوءة وحاكمية رشيدة وأعادة هيكلة، وأن غياب أو ضعف الاجراءات التنظيمية المتخصصة وآليات التنفيذ في اسواق رأس المال قد فتحت الباب للأعمال غير القانونية والتي ادت الى إثراء المدراء الماليين على حساب أصحاب الاسهم وأضرت بالملاءة المالية للشركات ويؤكد تقرير المنظمة المذكورة بأن طريقة القسائم التي اكدت على السرعة في التنفيذ هي السبب الرئيسي وراء الفشل.
تجارب اخرى
وهناك بلدان اخرى طبقت مشروعات خصخصة على نطاق واسع مثل البانيا وكازخستان ومولدافيا ومنغوليا لكنها لم تجن الكثير من مساعيها في هذا المضمار. ان توزيع الملكية على غير ذوي الخبرة من السكان لم يولد حاكمية فعالة من المدراء الذين لم يستطيعوا تحقيق أعادة الهيكلة ولم يخضعوا للمحاسبة. ويحمل البعض المؤسسات الدولية جانباً من المسؤولية عن مثل هذه النتائج السيئة لانها فرضت على الحكومات تطبيق البرامج بسرعة وبشكل واسع.
رابعاَ: مقومات نجاح برامج الخصخصة.
من اجل ان تحقق برامج الخصخصة النجاح في تحقيق اهدافها المنشودة يتعين ان تتوفر جملة من المقومات والمستلزمات والعوامل المساعدة وفي مقدمتها :
توفر الارادة السياسية للحكومة والدعم السياسي للعملية .
توفر الاطار التشريعي للعملية من خلال اصدار القوانين والانظمة التي تسهل عملية التنفيذ للبرنامج وتعمل على فتح القطاعات التي كانت مغلقة امام القطاع الخاص، مع العمل على انهاء احتكار القطاع العام.
توفر الاطار المؤسسي والتنظيمي والآلية التنظيمية لبرنامج الخصخصة. فالتنظيم يعتبر عاملاً حاسماً لبرنامج الخصخصة الناجح وخصوصاً بالنسبة للأحتكارات. ففي حالة شركة ( التشيلي تيليكوم) تشير دراسة للبنك الدولي بأنه نتيجة لأرتفاع الكفاءة الانتاجية ( والناجم عن توفر أطار تنظيمي متطور ومنظم بشكل جيد) فأن جميع الاطراف في عملية الخصخصة قد انتفعت : المستهلكون والعمال وأصحاب الاسهم. ذلك لان ارتفاع الانتاجية يعزز فرص تخفيض الاسعار وزيادة الاجور وارتفاع الارباح.
تأسيس الهيئات الرقابية للقطاعات التي كانت حكراً على الحكومة.
ان يكون برنامج الخصخصة جزءاً من برنامج عام للأصلاح الاقتصادي الذي يساعد على خلق بيئة مواتية توفر سوقاً حرة وتنافسية ونظام نقدي مستقر وتشريعات تواكب متطلبات تنفيذ برامج الخصخصة. وعلى سبيل المثال فأن حالات النجاح المسجلة في نيوزيلندة وبريطانية والمكسيك وتشيلي تعود الى ان عملية الخصخصة رافقتها اصلاحات لفتح الاسواق وأزالة التشوهات (المتعلقة بالاسعار وأسعار الصرف) وتشجيع وتطوير القطاع الخاص من خلال ضمان حرية الدخول للسوق. وتؤكد دراسة للبنك الدولي بأن ظروف البلد وظروف السوق بمثابة شرطين من شروط نجاح برنامج الخصخصة، اذ ان ظروف البلد من شأنها ان تساعد على نجاح البرنامج. وتتضمن هذه الظروف أنظمة التجارة الحرة وبيئة مستقرة وقابلة للتنبؤ للأستثمار في مؤسسات متطورة وكذلك القدرة على التنظيم. أما ظروف السوق فهي عامل مهم للنجاح، حيث ان خصخصة الشركات التي تنتج سلعاً قابلة للتجارة أو تعمل في اسواق تنافسية تقود الى تحسن في مستوى الكفاءة .
اعادة النظر بقوانين الاستثمار وقانون الشركات بما يتلائم مع المستجدات ومع برنامج الاصلاح الاقتصادي.
مراعاة قواعد وأصول الشفافية والنزاهة في التطبيق وعدم محاباة اي طرف من اطراف العملية على حساب طرف آخر وذلك من خلال اتباع نظام المساءلة. فالمكسيك والفلبين، على سبيل المثال جعلتا بيع المنشأة شفافاً من خلال تبني طريقة العروض التنافسية وتطوير معايير موضوعية لاختيار العروض بحدود دنيا من البيروقراطية لمراقبة البرنامج. وتجدر الاشارة الى ان قصور الشفافية في عملية الخصخصة يمكن ان ينتج عنها تداعيات سياسية كما حدث مع بولندة في بداية العملية.
ضرورة التحضير الجيد لتنفيذ البرنامج وتهيئة كافة المستلزمات لذلك.
ضمان التأييد الشعبي والعمالي وكذلك الاداري(البيروقراطي) لضمان نجاح تنفيذ البرنامج وتجنب المعارضة القوية للبرنامج . ضمان حقوق المواطنين وأنتفاعهم من عملية الخصخصة ولضمان تحقيق المنافع المالية من عملية الخصخصة ينبغي توجيه العوائد المالية من البرنامج نحو تسديد الدين العام والذي سوف يساعد على تخفيض موازنة السنوات اللاحقة بمقدار التوفير في فوائد الدين العام. وعلى العكس من ذلك عندما يكون مقدار التوفير في فوائد الدين العام أقل من حجم الارباح التي كانت تتحقق في المنشأة التي كانت تعمل قبل عملية الخصخصة فأن برنامج الخصخصة يمكن ان يترك أثراً سلبياً على الموازنة العامة للبلد.
وبغية تنفيذ برامج الخصخصة بنجاح يتعين ان تمر العملية بمراحل عديدة أهمها :
أبتداء ينبغي تحديد الوحدات المرشحة للخصخصة ومن ثم أعداد دراسات الجدوى الاقتصادية لها ويمكن الاستعانة بالمؤسسات الدولية لكي تقوم جهات مستقلة بأعداد الدراسات المذكورة . يتم بعدها أصدار القوانين واللوائح التنظيمية المطلوبة للتنفيذ، وهنا قد تلجأ الحكومة الى أنشاء إدارة عامة مستقلة، أو انها تقوم بأنشاء شركات قابضة تمتلك أسهم عدد من المنشآت المعروضة للبيع.
وأخيراً تتم أعادة هيكلة المنشأة العامة بهدف تخليصها من كافة القيود والمشكلات التي قد تعاني منها المنشأة مثل تراكم حجم الديون والعمالة الفائضة …الخ. فقد يتم تجزئة المنشأة اذا كانت كبيرة الحجم.
ولضمان حقوق المواطنين وأنتفاعهم من عمليات الخصخصة بشكل مؤكد يقترح البعض اعداد دليل أرشادي يتضمن العديد من النقاط التي يتعين الاخذ بها وأهمها:
ان يتم العمل في الشركات الخاضعة للخصخصة وتشغيلها على وفق المواصفات الفنية المعتمدة.
ان تقوم الحكومة بتحديد الحد الاعلى للتعرفة ( السعر) الذي سيدفعه المستهلك.
ان تتعامل الشركات التي يتم تأسيسها معاملة الشركات الوطنية من حيث الضرائب.
ان يجري العمل على انشاء أكثر من شركة لضمان حالة المنافسة.
ويمكن وضع حد اعلى لمساهمة رأس المال الاجنبي وأشتراط المساهمة في زيادة حجم الصادرات وخفض المستوردات وتشغيل نسبة معينة من العمالة الوطنية وحد ادنى للأجر، فضلاً عن فرض شرط الاستمرار في ذات النشاط المعني وخصوصاً اذا كان النشاط المذكور مطلوباً ويشبع حاجة أساسية للمواطنين.
ويشار الى ان تطبيق النقاط المذكورة اعلاه من شأنه ان يساعد على النجاح في تنفيذ برامج الخصخصة.
رابعاَ : عوامل فشل برامج الخصخصة
في ظل غياب الخطط الجيدة والاجراءات الواضحة والبيئة المناسبة فأن العديد من برامج الخصخصة تعثرت ولم تحقق الاهداف المرجوة منها، لا على مستوى المنشأة المعنية ولا على صعيد الاقتصاد الوطني. وتشير تجارب الخصخصة في العديد من بلدان العالم الى ان هناك عوامل عديدة وعقبات حالت دون تحقيق النجاح وابرزها :
غياب الارادة السياسية لدى الحكومات لتنفيذ هذه البرامج بنجاح، حيث ان العديد من البلدان التي طبقت برامج الخصخصة فعلت ذلك تحت وطأة الضغوط والتدخلات الخارجية من المؤسسات المالية الدولية التي فرضت تنفيذ هذه البرامج على البلدان المعنية بسرعة وبشكل واسع، وقامت هذه الاخيرة بتنفيذها بسرعة دون أي أعتبار لجدوى العملية أو تهيأة مستلزماتها. ومن المتوقع بأن عملية الخصخصة اذا ما تمت بهذا الشكل فأن النتيجة لن تفضي الى زيادة الانتاج وخلق فرص العمل وزيادة الدخل
. وعلى سبيل المثال فأنه خلال عام 1990 قام كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بجعل حزم القروض الممنوحة الى الاكوادور مشروطة بخصخصة منافع المياه والتي أدت الى ارتفاع اسعار الخدمة وزيادة الارباح مما تسبب بأزمة سياسية أدت الى غلق المنشأة الخاصة المعنية. وفي المكسيك قام البنك الدولي بالضغط كثيراَ من أجل خصخصة الكهرباء رغم المقاومة الشعبية ضد هذه الخطوة. وتتكرر مثل هذه الأمثلة في العديد من البلدان الاخرى مثل المغرب وبوليفيا وغيرها.
انعدام حالة المنافسة وخصوصاَ عند تحويل الشركات العامة الاحتكارية الى شركات احتكارية خاصة، مما يشجع على رفع الاسعار للسلع والخدمات خدمة لمصالح المالكين وعلى حساب المستهلكين. ان مثل هذا الاحتمال وارد اذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات المناسبة لمنع ذلك من خلال الاجراءات القانونية وتشكيل هيئات الرقابة.
مقاومة برامج الخصخصة من قبل منظمات المجتمع المدني والنقابات والادارات البيروقراطية في العديد من الحالات.
تفشي حالة الفساد وانعدام الشفافية وتحكم المصالح الفردية والفئوية.
تقليص اعداد الايدي العاملة بعد الخصخصة في بلدان تعاني أصلاَ من مشكلة البطالة مما ينتج عنه معارضة واستياء شعبي من هذه البرامج وتجدر الاشارة الى ان مثل هذا الاحتمال قد لا يتحقق في كل الحالات اذ ان تنامي الاستثمارات من شأنه أن يقود الى المزيد من فرص العمل. كما ان تدخل الحكومة لحماية مصالح العاملين يخفف من التأثير السلبي لهذه المشكلة. عدم توفر الاعداد اللازمة من الاستشاريين والخبراء الذين ينفذون البرامج بشكل ناجح.
أن برامج الخصخصة قد ينتج عنها في الغالب أعادة توزيع للسلطة والثروة ومنافع للبعض مثل الوسطاء(stock brokers ) والمحامين المنخرطين في عملية الخصخصة مما قد يمكنهم من وضع اليد على القطاعات المفصلية في الاقتصاد الوطني وامكانية ظهور الاحتكارات التي تخدم اصحابها وعلى حساب مصالح المستهلكين، الامر الذي يولد استياء ومعارضة شديدة لعمليات الخصخصة.
هناك بعض المخاطر الاخلاقية عندما يتم تحويل المؤسسات الحكومية الكبيرة والمهمة الى مؤسسات خاصة، وخاصة تلك التي تقدم خدمات حساسة مثل الخدمات الصحية والخدمات العقابية (Penal ) لان الآثار التي يتركها الفساد والاستغلال وارتفاع الاسعار له مضامين اخلاقية. وعليه فأن تحويل المسؤولية الى الجهات الجديدة قد ينتج عنه بعض المشكلات. أن العديد من التقارير الاجتماعية المتعلقة ببرامج الخصخصة تشير أيضاَ الى حالات الفساد التي تتمثل بمحاباة بعض المستثمرين من ذوي العلاقات