صنعاء نيوز الدكتور عادل عامر - حماية المستهلك في العقود الدولية
الدكتور عادل عامر
تنتشر في الآونة الحالية العقود الدولية ، أو ما يطلق عليها -بعض الفقهاء- العقود العابرة للحدود، سواء كان طرفي العقد من التجار أو كان أحد طرفي العقد تاجرا والطرف الأخر مستهلكاً ، وتتميز هذه النوعية من العقود بأن لها معاملة خاصة وتتحرر نوعا ما من قبضة القوانين الوطنية، وتخضع لقواعد القانون الدولي الخاص.
ومن المهم قبل الشروع أن نبسط الفكرة للقارئ الكريم بتحديد معنى عقد الاستهلاك الدولي ، وهو أن يتعاقد مستهلك في سلطنة عمان مع تاجر محترف في دولة أخرى. فعلى سبيل المثال مستهلك في عمان يتعاقد مع تاجر من مملكة هولندا لشراء سلعة أو الحصول على خدمة من التاجر، سواء عن طريق استخدام الوسائل الحديثة (الانترنت) أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعاقد.
والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: ما هي المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق في حالة نشوب نزاع بين طرفي العقد؟ فمثلاً في حالة إخلال أحد طرفي العقد في الوفاء بالتزامه، كأن يسلم البائع بضاعة غير المتفق عليها في العقد، أو أن المستهلك لم يقم بتنفيذ التزامه بدفع الثمن. كيف تتحدد المحكمة المختصة، وما هو القانون الذي تطبقه؟
وهنا إشارة ضمنية على وجوب الرجوع للقواعد العامة في قانون الإجراءات المدنية والتجارية المتعلقة بتحديد المحكمة المختصة، والقواعد العامة التي تحكم العقود الدولية وهي تطبيق قانون الإرادة. بمعنى أنه لا توجد وسائل حماية قانونية للمستهلك على أرض السلطنة في العقود الدولية، فعلى سبيل المثال يمنح قانون الإجراءات المدنية والتجارية العماني للقضاء الوطني سلطة الفصل في المنازعة الناشئة في حالات معينة منها كون المدعي عليه يتوطن أو يقيم في الدولة، أو في حالة وجود اتفاق بين الطرفين على أنه في حالة نشوب نزاع بين طرفي العقد تكون المحكمة المختصة بنظر النزاع هي المحكمة العمانية . وفيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على النزاع فهو متروك لقانون الإرادة وهي بدون شك ليست بالحماية الكافية خصوصا عند الأخذ بعين الاعتبار أن المستهلك هو الطرف الضعيف، قد لا يستطيع أن يتحمل التكلفة الباهظة من مصاريف السفر وتوكيل محام أجنبي، وأيضا جهله بالقانون الأجنبي؛ من أجل مقاضاة التاجر الذي قد يختار المحكمة والقانون الذي يوفر له حماية أكبر ولا يوفر أي حماية قانونية للطرف الضعيف (المستهلك) .
وهذه الأسباب وغيرها دفعت بعض الدول في أن تسارع في تعديل قوانينها لحماية المستهلك في العقود الدولية سواء المتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي أو المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق. فعلى سبيل المثال القانون الدولي الخاص السويسري في المادة 114 يعطي المستهلك الخيار في رفع دعواه باختياره أمام محكمة موطنه أو محل أقامته أو أمام محكمة موطن مقدم السلعة أو الخدمة ...الخ . وفيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق فقد أخذت اتفاقية روما The Rome I Regulation (EC) No 593/2008 المبرمة بين دول السوق الأوروبية المشتركة في المادة (6) على تطبيق قانون إقامة المستهلك عند إبرامه عقد دولي مع التاجر المحترف، على الرغم ان اتفاقية روما قد انطلقت من مبدأ حرية الأطراف المتعاقدة، إلا أن هذا الاختيار يتقيد ببعض القيود في مقدمتها حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية (مثل المستهلك والعامل ). وهذا النص ينتقده بعض الفقهاء في شأن عقود الاستهلاك الدولية حيث لو تم تطبيق القانون الأصلح للمستهلك لكان أفضل سواء كان قانون إقامة المستهلك أو قانون إقامة التاجر.
لذلك نحث من خلال هذا المقال أن يحذو المقنن العماني حذو بعض التشريعات الحديثة التي توفر الحماية الكافية لحماية مواطنيه في عقود الاستهلاك الدولية ، و ذلك من خلال تدخل المقنن العماني فورا بسد النقص التشريعي في مجال عقود الاستهلاك الدولية، وتوفير الحماية القانونية للمستهلك التي من شأنها توفير الأمان والطمأنينة القانونية لدى المستهلك عند إبرامه للعقد الدولي.
يتضمن القانون الدولي الخاص بالعقود الدولية قواعد لحماية أطراف هذه العقود, من خلال النص على منح القضاء الوطني سلطة الفصل في المنازعات الناشئة عنها في حالات معينة, منها حالة كون المدعى عليه يتوطن أو يقيم في الدولة, وحالة الاتفاق بين أطراف العقد على منحها الاختصاص بنظر المنازعة, أو إذا تم إبرام العقد أو تنفيذه في الدولة. وهذا ما يأخذ به نظام المرافعات الشرعية السعودي في الباب الثاني في المواد 25 و26 و28, حيث تختص المحاكم السعودية طبقاً لهذه المواد إذا كان للمدعى عليه محل إقامة عام أو مختار في المملكة, أو إذا كانت الدعوى متعلقة بالتزام تُعتبر المملكة محل نشوئه أو تنفيذه, أو إذا قبل المتداعيان ولايتها, ولو لم تكن داخلة في اختصاصها. والحقيقة أن هذه النصوص وتلك القواعد لا تحقق حماية كافية للمستهلك في عقود الاستهلاك الدولية, وذلك بالنظر إلى أنها تحمي المدعى عليه, والذي يكون في الغالب هو المنتج أو الموزع أو البائع للسلعة أو مقدم الخدمة, أما المستهلك فيكون غالباً هو المدعي لأنه يُضار من السلعة أو المنتج الذي حصل عليه. ولهذا فإن بعض القوانين الحديثة تُضيف نصاً خاصاً إلى جانب النصوص التقليدية, بمقتضاه تحمي المستهلك في عقود الاستهلاك, مثالها المادة 114 من القانون الدولي الخاص السويسري لعام 1987م الذي يُعطي للمستهلك الحق في رفع دعواه باختياره أمام محكمة موطنه أو محل إقامته العادية أو أمام محكمة موطن مقدم السلعة أو الخدمة, وعند غيابه أمام المحكمة التي يقيم هذا الأخير في دائرة اختصاصها.
بل إن هذه المادة قد ذهبت, في سبيل تأكيد الحرية للمستهلك والعمل على كفالة حمايته, إلى عدم فاعلية شرط الخضوع الاختياري للمحاكم, فقررت أنه لا يسوغ للمستهلك أن يتنازل مقدماً عن اختصاص محكمة موطنه أو محل إقامته العادية.
وهذا ما أخذت به اتفاقية بروكسل المبرمة في 27 (سبتمبر) 1968م والمتعلقة بتحديد القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية بين دول السوق الأوروبية المشتركة في المادة 13, بل إنها تُجيز كذلك اختصاص محكمة موطن المستهلك, إذا كان إبرام العقد قد سبقه في دولة موطن المستهلك تقديم عرض خاص أو إعلان, أو إذا كان المستهلك قد قام في تلك الدولة بالأعمال اللازمة لإبرام العقد. وتُضيف في مادتيها 14 و15 أنه لا يُمكن رفع الدعوى على المستهلك من الطرف الآخر المتعاقد معه إلا أمام محاكم الدولة المتعاقدة التي يتوطن بها المستهلك, ولا يجوز الخروج على قواعد الاختصاص السابقة إلا باتفاق لاحق على نشأة النزاع تعتبر عقود الاستهلاك مجالا رحبا لاستغلال المهنيين لوضعيتهم المتميزة للمستهلكين من خلال الشروط التي يضمنوها عقودهم حيث لا يملك المستهلك إلا الخضوع لهذه الشروط التي تغلب بشكل غير معقول مصالح المهنيين على مصالح المستهلكين. كما هو الحال في عقود بيع وشراع السلع والخدمات والمنتجات وعقود أداء أو تقديم الخدمات وعقود النقل بوجه عام هذه الوضعية برزت من خلال التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي ازدادت حدتها منذ بداية القرن العشرين الذي ميزته ثورة في إنتاج السلع والخدمات مما أفرز فجوة بين المهنيين والمستهلكين فظهرت بذلك الحاجة إلى حماية الطرف الضعيف – المستهلك -.هذا ما استرعى اهتمام المشرع المغربي الذي يسعى لاعتماد قانون حماية المستهلك بدل الإعتماد على النصوص المتفرقة سواء في القانون الجنائي أو قانون الإلتزامات والعقود أو في قانون حماية اعار و المنافسة أو في القانون التجاري.
فما هي ياترى مختلف أوجه اختلال التوازن العقدي بين المستهلك كطرف ضعيف والمهني- كطرف قوي ؟ وما هي سبل حماية المستهلك من الشروط التعسفية سواء على مستوى القانون المغربي أو المقارن أو على مستوى الأجهزة والقضاء والجمعيات؟
للإحاطة بمختلف جوانب الموضوع ارتأينا أن نقسمه إلى فصلين إثنين أخصص الأول للمستهلك بين الرضائية والشروط التعسفية في العقود الاستهلاكية أما الفصل الثاني فسندرس فيه الحماية القانونية للمستهلك من الشروط التعسفية ودور الأجهزة والقضاء والجمعيات .
الفصـل الأول : المسـتهلك بين الرضائية والشـروط التعسفية فـي العقـود الاستهلاكية
تعتبر الشروط التعسفية من أهم ما يتقل التزام المستهلك في العقود الإستهلاكية باعتبارها شروطا مجحفة ، ظالمة تنال من رضا المستهلك، لذا سنقوم في هذا الفصل بتعريف أطراف العقد " المبحث الأول " على أن ندرس احتلال التوازن العقدي بين أطراف العقد وأسبابه في " المبحث الثاني "
المبحث الأول : أطراف العقد
إن دراسة موضوع الحماية القانونية لمستهلكي السلع والخدمات يتطلب في البداية تعريفا وتحديدا لمفهوم كل من المستهلك والمهني اللذان يشكلان طرفي العقد الإستهلاكي، وسيتم تناول هذا المبحث في مطلبين نتطرق في الأول لتحديد مفهوم المستهلك على أن نخصص الثاني لتحديد مفهوم المهني.
المطلب الأول : مفهوم المستهلك
لم يحظى مفهوم المستهلك باهتمام الفقه القانوني حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين حيث كان هذا المفهوم مستعملا فقط من قبل علماء الإقتصاد، لكن تزايد استعمال المصطلح في اللغة القانونية خاصة مع بداية حركة الدفاع عن المستهلكين وبتبلور فكرة حماية المستهلكين التي انطلقت مع الولايات المتحدة ، وانتقلت بعد ذلك إلى الدول الأروبــية لتصبح اليوم ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول مما أثار جدلا فقهيا وقضائيا حادا حول مفهومه القانوني فهناك من يضيف من مفهوم المستهلك " فقرة 1" ومن جهة أخرى هناك من يوسع من هذا المفهوم " فقرة2" .
الفقرة الأولى : المفهوم الضيق للمستهلك
يعتبر الاتجاه الذي يضيق مفهوم المستهلك هو السائد في الفقه والقضاء حيت يعرفه بعض أنصاره " المستهلك هو كل شخص يتعاقد بقصد إشباع حاجاته الشخصية أو العائلية، وبناء عليه لا يكتسب صفة المستهلك من يتعاقد لأغراض مهنته أو مشروعه
"-1-أما لجنة لاروفونت Commission de refonte -2- الفرنسية التي أخذت بهذا الإتجاه فقد عرفت المستهلك أو المستهلكين بأنهم " الأشخاص الذاتيون أو المعنويون الذين ينتمون للقانون الخاص والذين يكتسبون أو يستعملون الأموال أوالخدمات لغرض غير مهني أما في إحدى النشرات الدورية الإدارية الفرنسية فقد تم تعريف المستهلك عندما يتعلق الامر بالمنتجات" بأنه ذلك الذي يستخدمها لإشباع حاجاته الخاصة وحاجاته من يعولهم من الأشخاص وليس لإعادة بيعها أو تحويلها أو استخدامها في نطاق مهنته، أما في مجال تقديم الخدمات فيتعلق الامر بالمستفيدين منها في شكل أعمال على أموالهم المادية المملوكة لهم سلفا مثل أعمال الصيانة أو الإصلاح أو الخدمات التي يكون الشخص مستفيدا منها"
من خلال هذه التعاريف التي تصب في اتجاه تضبيق مفهوم المستهلك نلاحظ أنه يجب توافر ثلاثة عناصر لاكتساب صفة المستهلك.
1- أن يكون من الأشخاص الذين يكتسبون أو يستعملون السلع أو الخدمات.
هذا الإكتساب السلع والخدمات الإستهلاكية يضاف إليه اكتسابها أو استعمالها لغرض غير الغرض المهني، وهذا بطبيعة الحال لا يقصي الاشخاص المعنوية من دائرة المستهلكين إذ كان نشاطها غير مهني كالجمعيات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح.
2- أن يتعلق محل العقد بالسلع أو الخدمات. بحيث أن كل الأموال تصلح لأن تكون محل عقد الإستهلاك إذا تم استعمالها واكتسابها لغرض غير مهني بغض النظر عما إذا كانت هذه المواد الإستهلاكية تندثر من أول استعمال لها أو يدوم استهلاكها لفترة طويلة، أما الخدمات على مختلف أنواعها سواء كانت خدمات يدوية أو خدمات ذهنية أو خدمات مالية تصلح لأن تكون محلا لعقد الإستهلاك شريطة أن لا تكتسب أو تستعمل لغرض مهني .
3- الغرض غير المهني يعد هذا العنصر المعيار الجوهري للتفرقة بين المستهلك والمهني -3- بمعنى يعد مستهلكا كل من يكتسب أو يستعمل سلعة أو خدمة لغرض غير مهني أي لأغراض شخصية أو عائلية.
رغم ما لهذا العنصر من أهمية في الحسم بين المستهلك والمهني فإن الأمر يدق حينما يشتري شخص سلعة أو خدمة لغرض مهني وغير مهني في نفس الوقت، فهل يعتبر مستهلكا أم مهنيا في هذه الحالة؟ هنا نجد الفقه الفرنسي يذهب إلى أن الفرع يتبع الأصل فيكون الاستعمال الغالب للسلعة أو الخدمة هو المحدد لصفة المستهلك، هنا تلعب السلطة التقديرية للقضاء دورا محوريا لأنه من الناحية العملية يصعب إقامة مثل هذه التفرقة وبالتالي للقاضي رسم الحدود بين ما يمكن اعتباره غرضا مهنيا وما يمكن اعتباره غرضا استهلاكيا .
الفقرة الثانية : المفهوم الموسع للمستهلك
لأجل توسيع الحماية القانونية للمستهلكين في مواجهة المهنيين ذهب بعض الفقه لإدراج فئات أخرى من المتعاقدين تحت ظل هذا المفهوم حيث أطلق أنصار هذا الإتجاه الموسع لمفهوم المستهلك تعريفا يدخل كل من يستعمل مال أو خدمة في دائرة المستهلكين وذلك بتعريف المستهلك بأنه" كل شخص يتعاقد بهدف الاستهلاك"
وبذلك يعتبر مستهلكا كل من :
1- المهني الذي يتعاقد خارج نطاق تخصصه -4-
لأنه في هذه الوضعية يكون في نفس وضعية المستهلك بالمفهوم الضيق كما سبق أن وضحناه أعلاه عديم الخبرة .
لكن جدالا فقهيا ثار حول اعتبار المهني الذي يتحقاد خارج نطاق تخصصه مستهلكا أو مهنيا وهذا ما جعل الاجتهاد الفرنسي بدوره ينقسم على نفسه، فقررا اعتباره مستهلكا في بعض أحكامه بينما لم يأخد بهذا المفهوم في أحكام أخرى.
2-المدخر
يعتبر الإدخار مناقضا تماما للإستهلاك فالمدخر يحتفظ بموارده و توظيفها لإشباع حاجاته المستقبلية، أما المستهلك فيستخدم إمكانياته وموارده لإشباع حاجاته الآنية، لكن يلتقيان في نقطة كونهما أطرافا غير مهنية تتعاقد مع أطراف مهنية، وبما أن المدخر يتعرض لنفس الأخطار التي يتعرض لها المستهلك نجد بعض الفقه يأسف لاستبعاد المدخر من شريحة المستهلكين.
المطلب الثاني : مفهوم المهني
يعتبر المهني الطرف الثاني في عقود الاستهلاك وهنا تنبغي الإشارة إلى أن القانون الفرنسي لسنة 1987 لم يحدد معنى كلمة المهني، وبالتالي نجد البعض يرى بأن المهني هو الذي يتمتع بثلاثة عناصر من الأفضلية أو التفوق" المقدرة الفنية ، المقدرة القانونية، المقدرة الاقتصادية"كما نجد البعض يقصد بالمهني الشخص الذي يمتلك المعلومات والبيانات أو المعرفة التي تسمح له بالتعاقد على بينة ودراية تامة. ويقصد بالمهني في رأي آخر ، الشخص الذي يتعاقد من خلال ممارسة مهنة وليس بالضرورة أن يكون له صفة التاجر. ويتخذ بعض الفقه من الغرض من التصرف معيارا لوصف أو تصنيف فاعله في مجموعة المهنيين أو في مجموعة المستهلكين.ويعتبر مهنيا كذلك الذي يشتري الاشياء لاستعمالها دون نية بيعها، ولكن يقوم بذلك لأغراض مهنته.
لكن التعريف الذي منح للمهني الذي قدمته لجنة تنقيح قانون الإستهلاك الفرنسي يعتبر من أبرز التعاريف، حيث ورد فيه أن المهنيين هم الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون العموميون أو الخصوصيون الذين بعرضون الأموال أو الخدمات أثناء مزاولتهم لنشاط اعتيادي "
وقد يكون المهني الذي يعرض السلع أو يقدم الخدمة شخصا طبيعيا كما قد يكون شخصا معنويا سواء ينتمي إلى القطاع الخاص أو العام هذا المفهوم يتماشى مع قانون الاستهلاك الفرنسي ولجنة الشروط التعسفية ومع المادة الثانية من التوجيه الأوروبي لسنة 1993 التي تعتبر المهني سواء أكان هذا النشاط عاما أو خاصا.
المبحث الثاني : اختلال التوازن العقدي بين أطراف العقد
لايمكن الحديث عن حماية حقيقية للمستهلك دون الحديث عن حمايته من المهني ومن شروطه التعسفية التي يوردها في عقوده النمطية، حيث لا يكون المستهلك قادرا على رفضها نظرا لوضعية المهني المتميزة سواء الاقتصادية أو القانونية وبالتالي تغييب إرادة المستهلك، هذه الإرادة التي تعد مناط الالتزام من هنا يبرز بجلاء اختلال التوازن العقدي بين أطراف العقد لذا سنتطرق في هذا المبحث للشرط التعسفي " مطلب 1" ولبعض نماذج للعقود الاستهلاكية التعسفية، كعقد الإذعان " مطلب 2"
المطلب الاول : الشرط التعســفي كسبب لاختلال التوازن العـقدي
سنقف في هذا المطلب على تعريف الشرط التعسفي في الفقرة الأولى على أن نبين عناصره في الفقرة الثانية
الفقرة الأولى : تعريف الشرط التعسفي
أحيط تعريف الشروط التعسفية باهتمام كبير من قبل الفقهاء حيث عرفه البعض بأنه الشرط الذي يغرض على غير المهني أو على المستهلك من قبل المهني نتيجة التعسف في استعمال هذا الأخير لسلطته الاقتصادية بغرض الحصول على ميزة مجحفة، ويرى آخرون على أن المقصود بالشرط التعسفي في مفهوم القانون ذلك الشرط الذي ينشأ بسبب التعسف ويسمح بوقوع هذا التعسف وللتبسيط يمكن القول أن الشروط التعسفية ترد خاصة في عقود الإذعان أو العقود النمطية، يتولى إعدادها مسبقا مختصون يتمتعون بالتفوق الاقتصادي والكفاءة الفنية تبدو وفقا للقواعد العامة شروطا عادية لا تنال من سلامة الرضا، ولكنها في حقيقتها مجحفة ظالمة، ترهق المتقاعد وتتقل من التزامه.فإذا كانت جل القوانين الحالية تهدف إلى حماية المستهلك من الشروط التعسفية أو للتخفيف من حدتها فإنها تواجه صعوبة في تحديدها ورصد مختلف مظاهرها وتجلياتها، وفي هذا المسار نجد الفصل 24 من مشروع قانون الإستهلاك المغربي ينص على أنه " يعتبر تعسفيا كل شرط في العقد لم يكن محلا للمفاوضة الفردية ولم يراع في التنصيص عليه متطلبات حسن النية، والذي يترتب عنه من جانب المستهلك عدم توازن بين حقوق و التزامات أطراف العقد، يعتبر شرطا غير خاضع للمفاوضة الفردية كل شرط تمت كتابته مسبقا دون أن يكون للمستهلك أي تأثير على محتوى العقد، وخصوصا في إطار عقد الإذعان"من خلال هذا الفصل نجد شروطا متعددة تحدد في مجملها مميزات الشرط التعسفي :
1-ألا يكون خاضعا للمفاوضة الفردية
2-أن يترتب عن الشرط عدم توازن أو تكافئ بين الحقوق والإلتزامات الناشئة عن العلاقة التعاقدية
3-أن يكون الشرط مكتوبا بصفة مسبقة دون أن يكون للمستهلك أي تأثير في محتوى العقد
الفقرة الثانية : عناصر الشرط التعسفي
من خلال تفحص المادة 24 من مشروع قانون الاستهلاك خلصنا إلى أنه يوجد عنصران هامان لاعتبار الشرط تعسفيا وهذا ما سنورده تباعا:
1- التعسف في استعمال القوة أو السلطة الاقتصادية للمهني
هذا العنصر لا يمكن إثباته حالة بأخرى، وإنما يتم استخلاصه من الصفة الخاصة بأطراف العقد لذلك يوصف هذا بانه شخصي .
هذا الشرط محل نظر حيث يرى بعض الفقه الفرنسي أن المادة 132-1 من تقينين الإستهلاك الفرنسي لسنة 1993 قد ألغت معيار التعسف في استعمال القوة الإقتصادية وهذا التفوق الفني الذي يمكن المهني من فرض شروط تعسفية لأن هذا الأخير متعود على إبرام العقود والصفقات، ويعرف جيدا اللالتزامات والحقوق الناشئة عن العقد، ويعرف ما يرجي به العمل في مهنته ويمتلك من الوسائل ما يمكنه من تحديد اللالزامات التي يستطيع تنفيذها ويفرض الشروط التي يراها مناسبة على المتعاقد معه، ولذلك اعتبر هذا الشرط – السلطة الإقتصادية- غير ذي جدوى من الناحية العملية.
ويبقى بالتالي الرأي الراجح في الفقه الفرنسي هو الذي يرى أن عنصري الشرط التعسفي أي استعمال القوة الإقتصادية للمهني، وحصول المهني بسبب هذا الشرط على ميزة مفرطة أو مجحخفة بالمستهلك، هما في الحقيقة عنصرين متحدين و تربطهما علاقة سببية تامة ، فالميزة المتجازة أو المفرطة التي يحصل عليها المهني هي نتيجة للقوة الإقتصادية التي يتمتع بها هذا الاخير وهكذا فإن أحد العنصرين يعد نتيجة طبيعية للعنصر الآخر.
2-الميزة المفرطة والمتجاوزة التي يحصل عليها المهني بمناسبة التعاقد
وهو عنصر موضوعي يتعلق بتوفير مزايا مبالغ فيها للمهني كيفما كان نوع هذه المزايا مادامت المادة 35 من القانون الفرنسي والمادة 24 من مشروع قانون الغستهلاك المغربي لم يشير إلى أي نوع من أنواع المزايا نقدية أو غير نقدية لذلك يؤكد بعض الفقه بأن معنى الميزة المفرطة التي يحصل عليها المهني لا تتعلق فقط بثمن السلعة بل إنها تعني اللالتزامات الملقاة على عاتق المستهلك ، أو عن طريق التخفيف من التزامات المهني. ويقال ايضا أن الميزة المفرطة قد تعني انعدام سبب العقد ولوجزئيا، وأنه يجب أن يؤخد في الاعتبار المنفعة التي حصل عليها المهني نتيجة للشرط الوارد بالعقد. وتوجد في الواقع صعوبة في تحديد العنصر الذي يعد نقطة الإنطلاق في تحديد أو تقدير الميزة المفرطة، بيد أنه لا يجب في راي البعض تقدير المنفعة التي حصل عليها المهني والوضع المتميز له دون مراعاة مضمون العقد الذي تضمن الشرط الذي نص على هذه المنفعة ، وغيره من العقود الأخرى المرتبطة بذلك العقد، فقد يبدو الشرط تعسفيا ولكنه يكون مبررا إذا نظرنا إليه في ضوء مجموع العمليات التي ظهر بمناسبتها ، فمثلا قد يترتب على شرط تحديد مسؤولية المهني، تخفيض ثمن السلعة وسعرها المعروض على المستهلك.
المطلب الثاني : نماذج للعقود الاستهلاكية التعسفية
نظرا للتقدم التكنولوجي والإقتصادي الذي عرفه العالم في العقود الأخيرة كتوحيد نماذج وأنماط السلع والمنتجات ، وتعقد صناعتها والتوزيع بالجملة في أماكن متفرقة ، لهذا يتم تحرير بعض العقود بصفة مسبقة بالكامل بواسطة أحد المتعاقدين وهذا ما يسمى بالعقود النمطية أو عقود الإذعان.
وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرة الأولى ، أما في الفقرة الثانية سنوضح مظاهر التعسف في العقود الاستهلاكية " عقد التأمين" عقد القرض" ، "كنموذج "
الفقــرة الأولى : عقــد الإذعـان
أ-مفــهـوم عقــد الإذعـان
إن عقود الإذعان كما في عقود شركات التأمين والنقل، وعقود المرور، وشركات الغاز والمياه ومصالح البريد وغيرها بلغة الحقوق الحديثة هي كبقية العقود متكونة من إيجاب ورضا الطرفين، إلا أن القبول يتميز بأنه مجرد إذعان لما يمليه عليه الموجب وسمي هذا العقد بالفرنسية " عقد الانضمام" حيث أن من يقبل العقد إنما ينضم إليه دون أن يناقشه ، إلا أن الاستاذ السنهوري آثر تسميه في العربية " عقد الإذعان" لما يشعر به هذا التعبير من معنى الاضطرار في القبول وقد شاعت هذه التسمية في اللغة القانونية من فقه وقضاء. ويتميز الإيجاب في عقود الإذعان بأنه معروض بشكل مستمر على كافة الناس، بمعنى أن يكون ملزما بالنسبة للموجب لمدة أطول بكثير من المدة التي يلزم فيها الإيجاب في العقود المعتادة.
أما فيما يخص طبيعة عقود الإذعان فقد ذكر السنهوري انقسام الفقهاء في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين:
أولهما : يرى أنها ليست عقودا حقيقية وقد ترأس هذا المذهب الاستاذ سالي يرى وتبعه فقهاء القانون العام مثل " دبجين و هوريو" حيث أنكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية ، إذا العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار أما هنا فالقبول مجرد إذغعان ورضوخ.
فعقد الإذعان أقرب إلى أن يكون قانونا أخذت شركات الاحتكار بإتباعه فيجب تفسيره كما يفسر القانون ويراعي في تطبيق مقتضياته العدالة وحسن النية وينظر فيه إلى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وضع تنظيمها.
فالمذعن في عقد الإذعان لا يستطيع إلا أن ينزل إلى حكم شركات الإحتكار فالرابطة القانونية بين المذعن والمحتكر قد خلقتها إرادة المحتكر لوحدها وهذه الإرادة المنفردة للمحتكر هي بمثابة قانون ، أخذت شركات الاحتكار الناس بإتباعه شأن كل قانون، فتفسير العقد الإذعاني وتحديد الالتزامات يفسر القانون لا باعتبار أنه وليد إرادة الأطراف.
ثانيهما : يرى غالبية فقهاء القانون المدني أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بموافقة إرادتين ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود ومهما قيل من أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الآخر فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد عن عقد حقيقي، ولا يمكن للقاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الطرف الضعيف فتضطرب المعاملات وتفقد استقرارها ، بل إن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي. وتقوية الجانب الضعيف يكون بإحدى وسيلتين:
1- وسيلة اقتصادية فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر.
2- وسيلة تشريعية فيتدخل المشرع لا القاضي لينظم عقود الإذعان
أخيرا يمكن أن تقرر عدة ملاحظات على عقود الإذعان تجعله لا يختلف عن بقية العقود التي لا إشكال في صفتها العقدية وهي:
- إن أكثر العقود فيها إذعان من أحد الطرفين لآخر، إذا كان أحدهما مضطرا للآخر أو كان كلاهما مضطرين للتعاقد.
- إن عقود الإذعان تحتوي على ضرر أقل من العقود الأخرى التي يضطر إليها أحد الأطراف لأن الإيجاب في عقود الإذعان يكون عاما للجميع بصورة واحدة فبندر أن يكون غلط في العقد أو تدليس .
- أن المحتكر في عقود الإذعان ليس له غلبة على غيره لأنه هو أيضا خاضع للظروف الاقتصادية المحيطة به، فهي تضطره وتملي عليه شروط العقد وليس هو الذي يملي شروط العقد على الطرف الآخر حقيقة.
بل قد يكون المحتكر أضعف من المستهلكين كما يحصل عند اجتماع كلمتهم على محاربته.
ب- خصائص عقد الإذعان
يمكن إجمال خصائص عقد الإذعان في 5 خصائص :
·الإيجاب في عقد الإذعان يتميز بانه معروض بشكل مستمر على كافة الناس
· الإيجاب يكون ملزما للموجب لمدة أطول من الإيجاب في العقود المعتادة
· عقد الإذعان غالبا ما يكون مكتوبا بصفة مسبقة
· الطرف القوي في عقد الإذعان غالبا ما يكون محتكرا للسلعة أو الخدمة
· غياب مناقشة بنود العقد.
الفقرة الثانية :مظاهر التعسف في العقود الاستهلاكية
باعتبار العقود الإستهلاكية مجالا رحبا لوجود الشروط التعسفية بالتالي فهي تنعكس سلبا على المستهلك في كافة أوجه الحياة، وهنا سأتعرض لعقدين كنموذج لمظاهر التعسف في العقود الإستهلاكية ، عقد التامين " أولا " وعقد القرض الإستهلاكي " ثانيا " لكن لابأس قبل ذلك أن نورد تباعا بعض أنواع عقود الإذعان .
فإذا نظرنا إلى الخصائص الثلاث لعقود الإذعان تمكنا أن تعتبر من عقود الإذعان ما يلي
1-عقدود شركات الكهرباء والغاز والمياه ومصالح البريد والتبليفونات إذا كانت منحصرة في جهة واحدة، وتملي شروطها بدون مناقشة وتخفف من مسؤوليتها وتشدد من مسؤولية المتعاقد.
2- عقود النقل بواسئله المختلفة من سكك حديدية وكهربائية وبواخر و سيارات وطائرات وغير ذلك .
3-عقود شركات التامين إذا كانت منحصرة بين الدولة ومؤسساتها وكانت ضرورية
4- العقود مع المستشفيات التي تحصر الأجهزة المهمة للعمليات الكبرى التي يحتاجها المريض عندها.
5- عقود المرور في الطرق العامة للسيارات التي باعتها الدولة لشركة أو مؤسسة مع حاجة الناس إلى هذا الطريق المهم ولا يوجد بديل لهم عنه.
6- عقود الإيجار التعسفية التي تضعها وزارة الأوقاف لموقوفاتها التي أوجدت حق التقدم لشخص حقيقي أو حقوقي .
وهكذا كل عقد يظطر إليه الفرد ويذعن له مع شروطه التعسفية " عند عدم وجود مناقشة حرة" لا تقبل المناقشة مع تخفيف مسؤولية الشركة و تشديد مسؤولية المتعاقد.
أ- عقد التأمــين
استقر الاجتهاد الفقهي والقضائي منذ زمن ليس بالقصير على أن عقد التأمين هو نموذج حي ومتجدد على عقود الإذعان.
ولكن إذا تم تطبيق شروط الإذعان " التقليدية"على عقد التأمين وفق ما هو مشار إليه أعلاه يصعب القول بأن عقد التأمين عقد التأمين هو عقد إدعان بصورة مطلقة وذلك على النحو التالي :
أولا : فمن شروط عقد الإذعان كما ذكرنا أن هناك احتكار للسلعة أو الخدمة وهذا غير متوفر في التأمين إذا أن هناك حوالي 22 شركة نشيطة للتأمين -5- تمارس أعمال التأمين المختلفة مما ينفي عنصر الاحتكار عن هذه الخدمة .
ثانيا : إن خدمة التأمين في مجتمعنا ليست من الخدمات الضرورية ولا يتعبرها ممجتمعنا كذلك باستثناء التأمين على المركبات ضد الغير -6- فهذا النوع من التأمين يعتبر ضروريا لأنه مفروض بقوة القانون، مما أصبغ عليه طابع الضرورة القانونية وليس طابع الضرورة الواقعة أو الفعلية. أما ماعدا ذلك من أنواع التأمين أو من بعض أنواعه-7- ، فإنه أقرب ما يكون في رأي الكثيرين إلي الترف منه إلى الضرورة في مجتمع كمجتمعنا مما ينفي عن التأمين شرط الضرورة.
وبالرغم من كل ما سبق يبقى التأمين عقد إذعان لكون أن المؤ من يفرض في الغالب شروطه على المؤمن لهم ، فيعد تلك الشروط في شكل نماذج مطبوعة " عقود نمطية" يعرضها على الناس كافة وليس لهؤلاء إلا الانضمام إلى ما يعرض عليهم أو رفضه دون أية مناقشة-8-.
ومن بعض مظاهر التعسف في عقد التأمين نجد أن المؤمن هو الذي يستقل عمليا بتحديد المخاطر التي يقبل تغطيتها
كما يشترط المؤمن في عقد التأمين توليه بنفسه الدفاع عن المؤمن له في دعاويه.كما أن شركات التأمين تحكم القبضة على المؤمن لهم في الانتظام في دفع القسط في الوقت التي تضع في العراقيل دون حصولهم على مبلغ التأمين كما يقول خبير التأمين هنزديترمر.
ب- عقد القــــرض الإستهلاكي :
ينعكس التطور الاقتصادي والتحول المجتمعي حتما على نمط عيش الأفراد وتقاليد استهلاكه، فقد برزت حاجيات استهلاكية جديدة ومتعددة أصبح اللجوء إلى قروض الاستهلاك إحدى الوسائل الشائعة لتلبيتها. وذلك لمحدودية القدرة الشرائية لفئات عريضة من المجتمع ولسرعة القروض الاستهلاكية عن تغطية مصاريف عاجلة لا يمكن مواجهتها عبر الادخار الشخصي ، هذا فيما يخص أهميتها الاجتماعية، أما من الناحية الإقتصادية فهي تلعب دورا مهما بالنظر إلى مساهماتها في الرفع من إنتاج وتداول السلع ومختلف الآليات والتجهيزات الممولة بهذه القروض.-9-
وقد أدى ارتفاع الطلب على هذه القروض إلى ظهور شركات عديدة متخصصة في هذا الميدان الذي حظيت به القروض الإستهلاكية من طرف الشركات لم تحظى به على الصعيد التشريعي، فباستثناء القواعد العامة المنظمة لعقد القرض في ظ .ل.ع .فإنها تفتقر إلى تنظيم خاص بها، وهو ماجعل هذه الشركات تنفرد بوضع شروط التعاقد مضمنة إياها في نماذج عقود خاصة بها، وما على المقترض سوى الإذعان لهذا العقد والتسليم بكل بنوده دون مناقشة أو رفض التعاقد. من هنا تفرض حماية المقترض- الطرف الضعيف- نفسها على المشرع المغربي من المقرض – الطرف القوي في العقد- لأن الأمر لم يعد علاقة مدين بدائن حتى تضمن القواعد العامة في ظ.ل.ع الحماية لأطراف العقد . فما هي ياترى المخاطر والمشاكل التي تطرحها هذه القروض بحيت تستوجب تدخلا تشريعيا لحماية المستهلك ؟إن أكبر خطر يحيط بالمستهلك هو القرض الإستهلاكي لكونه عقدا إذعان بامتياز ولذلك يمكن للمقرض إملاء شروطه على المقترض ودس العديد من الشروط التعسفية في العقد بما يخدم مصالحه مادام أن المقترض لا يملك سوى التسليم بها دون أية مناقشته. ومن الشروط التعسفية الخاصة بعقد الاستهلاك: نجد أن في لحظة إبرام العقد تتفق عقود القروض الإستهلاكية على إدراج شرط يلزم المستهلك بالتعاقد في حين يعطي للمقرض مهلة طويلة ليقرر خلالها التعاقد أو رفض التعاقد إن هذا الشرط يثير لنا مألتين أساسيتين :
1-الانتقاء التحكمى للعملاء
2-عدم إعطاء المستهلك مهلة للتروي والتفكير
- اشتراط المقرض توقيع المستهلك على إعلان علمه بشروط العقد وبحالة البضائع بالرغم من أنه في الحقيقة يجهلها.
- تقوم مؤسسات اللإئتمان عند توقيع عقد القرض بفرض مجموعة من الأوراق التجارية " كمبيالات " سندات لأمر " يتعين على المستهلك توقيعها ولهذه الأدوات نتائج خطيرة على المستهلك لأنها تحرمه من أية حماية، فالمستهلك الذي وقع على كمبيالة أو سند لأمر لا يمكن له نهائيا الاعتراض على الأداء ولو في حالة عدم تنفيذ البائع لالتزاماته إما بعدم تسليمه البضاعة أو كونها غير مطابقة للمواصفات أو معيبة.
-عقود القروض الاستهلاكية المخصصة لشراء شيء معين تشير إلى الفصل التام بين عقدي البيع والقرض وذلك لإعفاء مؤسسة الإئتمان من أية مسؤولية ناتجة عن عقد البيع.
- يعد شرطا تعسفيا الشرط الذي يجبر المستهلك في حالة الأداء المسبق للقرض برد المبلغ الإجمالي لتكلفة القرض المحدد لكل فترة سداد.
- الشروط التي تعفي المقرض من المسؤولية حيث تصب جل بنود عقود القروض الاستهلاكية في اتجاه إعفاء المقرض من أية مسؤولية في حالة وجود عيب في الشيء المشتري بالقرض أو كان الشيء غير مطابق للمواصفات وتنتشر مثل هذه الشروط بصفة خاصة في عقود البيع بالقرض.
- لا يخلو عقد القرض الاستهلاكي من ضخامة الضمانات المعطاة للمقرض وكذا فرض تعويضات باهضة عند عدم تنفيذ المقترض لأحد التزاماته .
- تحديد محكمة مختصة بعيدة عن موطن المقترض في حالة نزاع حول تنفيذ العقد.
الفصل الثاني: الحماية القانونية للمستهلك من الشروط التعسفية ودور الأجهزة و الجمعيات والقضاء
المبحث الأول : الحماية القانونية للمستهلك
المطلب الأول الحماية القانونية للمستهلك في القانون المقارن
الفرع الاول : الحماية القانونية للمستهلك في القانون الفرنسي
التجربة الفرنسية (أساليب تعيين أو مقاومة الشروط التعسفية في القانون الفرنسي)
أولا : تعيين أو مقاومة الشروط التعسفية عن طريق مرسوم صادر من مجلس الدولة فقا للمادة 132/1 من تقنين الاستهلاك الفرنسي (م 35 قديم من قانون سنة 1978م) يكون تحديد الشروط التعسفية بمرسوم يصدر من مجلس الدولة ويجب معاملة هذه الشروط باعتبارها تعسفية، بعد أخذ رأي لجنة الشروط التعسفية.
وبذلك ، لا يكون للقاضي المختص بالنظر في النزاع، أية سلطة تقديرية، إذ يجب عليه أن يعتبر الشروط التي تضمنها المرسوم تعسفية وكأن لم تكن مكتوبة " باطلة " وينصب البطلان على الشرط التعسفي ذاته وليس على كل العقد، إذ يظل هذا العقد صحيحا ويتفق هذا الحل – كما نعرف – مع مصلحة المستهلكين ويتعلق الأمر ببطلان نسبي ، حيث لا يجوز التمسك به إلا من جانب المستهلكين فقط.
هذا ولم تصدر الحكومة الفرنسية إلا مرسوما واحدا تطبيقا للمادة 35 من قانون 1978 الملغى منذ صدور تقنين الاستهلاك سنة 1993. ويتعلق الأمر بمرسوم 24 مارس 1987، الذي نص على ثلاثة شروط تعسفية ( محظورة) هي :
1- الشروط المعفية أو المحددة لمسؤولية المهني في عقود البيع، مع استبعاد عقود أداء الخدمات ( المادة2).
2- الشروط التي تعطي للمهني الحق في أن يعدل – من جانبه فقط- خصائص السلعة أو الخدمة المطلوبة كالنص على خصائص الجهاز المبيع على سبيل البيان أو الاسترشاد ، ولا تلزم البائع بأي حال . ومع ذلك ، فإن المرسوم أجاز بشروط معينة- التعديلات المرتبطة أو المترتبة على التطور التكنولوجي.
3- شروط الضمان التعاقدي التي لا تنص على وجود الضمان القانوني للعيوب الخفية الذي تنص عليه المادة 1241 من القانون المدني الفرنسي.
وقد عرفنا أن مجلس الدولة الفرنسي قد ألغى نص المادة الأولى من المرسوم المذكور والتي كانت تنص على بطلان شروط الإحالة.
ثانيا : تحديد الشروط التعسفية عن طريق القائمة " Liste الملحقة بتقنين الاستهلاك.
تنص المادة 1/132 بنود على قائمة بيانية ( استرستادية) وليست حصرية بالشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية، بالقابلة للشروط التي تنص عليها مرسوم 1987 والتي يجب أن تعتبر تعسفية كما عرفنا آنفا. وأضاف المشرع بأن المستهلك ( المدعي) لا يعف من تقديم الدليل على الطابع التعسفي للشرط المتضرر منه ولا تخفي الحكمة من هذا النص، فالشروط الواردة في القائمة لا يفترض أنها تعسفية ، مما يعني أنه ليس لهذه القائمة قيمة قانونية، وما هي إلا وسيلة للكشف عن شروط يثور الشك بأنها تعسفية، وثم وضعها أمام كل من المستهلك والقاضي، لكي يسترشد هذا الأخير بها ، دون التزام منه بإتباعها. بيان الشروط المذكورة بالقائمة الملحقة بتقينين الاستهلاك الفرنسي . يفترض أن الشروط التي ذكرتها المادة Alienea 3 1- 132 " شروط تعسفية، وهي الشروط التي يكون هدفها أو يترتب عليها.
أ- استبعاد أو تحديد مسؤولية المهني، في حالة وفاة المستهلك أو إصابته باضرار جسدية، بسبب فعل أو إهمال من المهني
ب- استبعاد أو تحديد الحقوق القانونية للمستهلك بطريقة غير مقبولة لصالح المهني أو لصالح طرف آخر. في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب من جانب المهني لأحد التزاماته التعاقدية ويشمل ذلك المقاصة بين دين للمهني ودين ينشأ في مواجهته.
ج* النص على التزام قاس على عاتق المستهلك في حين أن واجبات المهني يتوقف تنفيذها على الإرادة المفردة للمهني.
د- السماح للمهني بالاحتفاظ بالمبالغ التي دفعها للمستهلك الذي عدل عن إبرام أو تنفيذ العقد، دون النص على حق المستهلك في الحصول على تعويض من المهني يعادل المبلغ الذي دفعه المستهلك، فإذا كان المهني هو الذي عدل عن التعاقد .
ثالثا : تحديد أو تعيين الشروط التعسفية عن طريق توصيات لجنة مقاومة الشروط التعسفية.
أنشأ قانون 10 يناير 1978 لجنة الشروط التعسفية La commission des cleuses alusives والتي تتكون من 15 عضوا ، بينهم ممثلين للمهنيين والمستهلكين ( 32) .
وتختص هذه اللجنة – كما سنرى-بفحص نماذج العقود المعتاد عرضها من جانب المهنيين على عملا ئهم غير المهنيين ( أو المستهلكين) الذين يتعاقدون معهم . كما تقوم اللجنة بالبحث عن الشروط التي يمكن أن يكون لها الطابع التعسفي (2 32) . ولا تتخد هذه اللجنة قرارات وإنما تضع توصيات ليست لها لها قوة ملزمة . وتوصي اللجنة بإلغاء أو بإبطال أو تعديل الشروط التي ترى أنها تعسفية.
ويمكن أن تكون هذه التوصيات ذات طابع عام، كما يمكن أن تكون خاصة ببعض المهنيين ذوي الشأن . وقد وضعت هذه اللجنة ما يزيد عن 30 توصية تتعلق بعدد كبير من الشروط التعسفية وتم إصدار ونشر تلك التوصيات .
رابعا : استبعاد الشروط التعسفية عن طريق اللوائح والقضاة:
أبقت المادة 132/1 بند 2 من تقنين الاستهلاك النظام اللائحي القديم الخاص باستبعاد الشروط التعسفية، حيث يكون للحكومة عن طريق مراسيم تصدر من مجلس الدولة سلطة اعتبار هذا الشرط أو ذاك تعسفيا ، وبالتالي يكون الشرط التعسفي محظورا وباطلا" كأن لم يكن مكتوبا" و يتم إبطال الشروط التعسفية ( الغير قانونية) أو إلغاؤها بطريقة " آلية" بواسطة القاضي ويمكن القول ، بأن المادة المذكورة تعترف ضمنيا بوجود نظام قضائي لاستبعاد أو طرح وتحريم الشروط التعسفية وإذا كانت هذه المادة لا تنص صراحة على سلطة القاضي في مقاومة الشروط التعسفية فإن هذه السلطة مقررة ضمنيا لأن استبعاد هذه الشروط من خلال الطريق التنظيمي ( اللائحي) لم يذكر إلا بصورة فرعية. حيث تنص هذه المادة على أن مراسيم مجلس الدولة يمكن أن تحدد نموذج الشروط التي تجب معاملتها باعتبارها تعسفية. وفضلا عن ذلك فإن المادة ذاتها تكلمت عن الشروط التي يقضى " Jugees" بكونها تعسفية . ويلاحظ أن التجديد الذي تضمنه تقنين الاستهلاك الفرنسي، ليس تجديدا تاما. إذا اعترفت محكمة النقض الفرنسية- في ظل القانون القديم – للقاضي سلطة الحكم بأن شرطا ما تعسفيا حتى مع عدم وجد مرسوم يحظر هذا الشرط. وتجدر الإشارة إلى التوجيه الأوروبي لسنة 1993م قد منح الدول الأعضاء مرونة كبيرة بشان وسائل مقاومة الشروط التعسفية. فيجوز لهذه الدول أن تتخذ الوسائل الملائمة والفعالة لإيقاف استعمال الشروط التعسفية المادة 5 خاصة عن طريق المحاكم أو السلطات الإدارية المختصة.
الفرع الثاني : الحماية القانونية للمستهلك في القانون المصري.
القانون المصري لا يتوفر لحد الآن على قانون لحماية المستهلك الشروط والتعسفية
في غياب هذا القانون يتم مواجهة الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك باللجوء إلى القواعد العامة للقانون المدني . وهذا الأخير نجده ينص في المـادة 148 : بأن العقد يجب أن ينفذ طبقا لها اشتمل عليه وبطريقة تنفى ما يوجبه حسن النية كما أعطى للقاضي الحق في إبطال العقد إذ كان يتضمن شروطا تعسفية أو تعديلها أو يعفي الطرف المذعن منها، بعض الطرق المدني منها . وفقا لمبدأ العدالة ونجده ينص على هذا في الفصل 149 من القانون المدني واتساعا في الحماية للمستهلك نجده ينص في المادة 101 بأن الشك في العبارات الغامضة في العقد يفسر لمصلحة المذعن.
المطلب الثاني :الحماية القانونية للمستهلك في القانون المغربي :
الفرع الأول : مدى فعالية قواعد القانون المدني لمقاومة الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك.
إن الحديث عن عدم فعالية قواعد القانون المدني في مقاومة الشروط التعسفية يتطلب منا بحثا واسعا ومطولا لا يسمح المجال به لذا سيتم تناوله بكيفية جد موجزة مع محاولة على أن نركز على القواعد التي لها علاقة مباشرة بعقود الاستهلاك. أول ما سنبدأ الحديث عنه هو غياب مبدأ عام في القانون المدني ليمكن من مواجهة الشروط التعسفية، وتحقيق التوازن العقدي بصفة عامة كأبرز عامل محدد لعدم الفعالية إضافة إلى غياب وسائل وقائية على تجنب هذه الشروط. إضافة إلى قصور نظرية عيوب الإرادة عن تحقيق هذا الهدف والمقاومة المحددة ببعض الشروط.
الفقرة الأولى:غياب مبدأ عام لتحقيق التوازن ومواجهة الشروط التعسفية إن تشبع القانون المدني بمبدأ سطان الإرادة لم يترك أي مجال لمبدأ تحقيق التوازن بين أطراف العقد فبمجرد إبرام العقد يصبح هذه الأحير قانون الطرفين- فمن قال تعاقدي قال عادل- في الحقيقة لا وجود لمبدأ عام لا في القانون المغربي ولا في نظيره الفرنسي يسعى إلى إقامة توازن عقدي بصفة مباشرة. لكن هذا لا يمنع من أن نجد في القانون المدني عدة نظريات يمكن أن تؤمن التوازن العقدي لو تقييدها والتضييق من مجال تطبيقها وفي بعض الأحيان عدم إثارتها في مجال عقود الاستهلاك. إن هذا ما ينطلق على نظرية السبب ونظرية الغبن ومبدأ حسن النية والتعسف في استعمال الحق والإثراء بلا سبب.
نظرية السبب
انطلاقا من هذه النظرية يمكن القول بأن الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع-10- بعد كأن لم يكن ( ف 62 ق.ل.ع) فالعقد بدون سبب عقد باطل-11-
السؤال المطروح في إطار الحديث عن دور هذه النظرية في تحقيق التوازن ومواجهة الشروط التعسفية هو هل يمكن الاعتماد عليها كمبدأ عام في هذا الإطار بالنظر إلى نصوص ق ل ع ( خاصة الفصل 62 ) يتبين أن نظرية السبب لا يمكن الاعتماد عليها في مجال عقود الاستهلاك لأنها لا تثور أصلا من الناحية العملية فالمطلوب هو مواجهة عدم التوازن بين التزامات المهنيين والمستهلكين وليس إثارة غياب السبب الذي تبني عليه والشرط غير المتوازن لا يمكن أن يبطل بناء على غياب السبب.
|