صنعاء نيوز -
بقلم :مصطفى القحفة
إن موضوعة "الوحدة اليمنية" كهدف استراتيجي للثورة اليمنية في العصر الحديث قد تم رفعها كشعار نضالي في مواجهة الغزو الأجنبي الذي تعرضت له اليمن من قبل المستعمرين الأتراك والبريطانيين .. كما انه تم رفعها كشعار نضالي في مواجهة التحالف القائم بين النظاميين الأمامي والاستعماري البريطاني آن ذاك أيضا.
ونظرا لما تشكله الوحدة اليمنية في جوهرها من أساس بنائي كمدماك متين لقيام الوحدة العربية الشاملة المنشودة لإنفراد اليمن من بين كل الدول العربية بميزة خاصة تمكنها من هذا الدور المرتقب والذي لم يعد خافيا على احد.
فإن اليمن على الرغم مما عانته من ويلات التخلف والاستعمار والعزلة الدولية لسنين طويلة .. إلا أنها لا تزال تحتل موقعا ووزنا دوليا هاما لمكانتها ودورها التاريخي والحضاري والاستراتيجي .. ولهذا فقد كانت دائما مثار اهتمام عربي وغير عربي..
أن موضوعة " استعادة الوحدة اليمنية" إنما هي علاقة قائمة بين الأرض والإنسان على الفطرة التي فطرها الله عليها ، ومتأصلة بين التاريخ والجغرافيا ضاربه جذورها في الأغوار السحيقة منذ الأزل وهي العلاقة الصميمة التي لم تكن بحاجه إلى تأكيد الترابط الجدلي فيما بينها إلا عندما يتعرض احد طرفيها أو طرفي العلاقة معا للامتحان العسير أم للابتلاء الجسيم أكان يمس الوجود أو يمس المصير . وفيما عدا ذلك من الحالات الطارئة والظروف الاستثنائية والتي لم يكتب لها النجاح تعود العلاقة إلى سيرتها الأولي لتبقى وحده واحده بلحمة لا انفصال بينها ولا تحتاج من ثم إلى برهان.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن موضوعية "الوحدة" لا تحتاج الى دليل يوكد عليها بطبيعتها لا في حاله قيام الدليل القاطع على وجود الضد منها وهو "الانفصال" او التمزق او التشطير او ماشابه ذلك من مترادفاته.
وبالتالي تنتفي الحاجة من الأصل الى رفع شعار "الوحدة" كقضية إلا في الحالات الطارئة وعندما تكون "الوحدة" نفسها كموضوعه معرضه للإخطار والاستباحة والتجزئة.
وللتذكير فإن اليمن تنفرد دون غيرها بالمميزات الواضحة التي تحسم هذه العلاقة القائمة بين الأرض والإنسان وعلى أوثق ماتكون العلاقة جذرية الوشائج بيّنة وثابتة إلى درجة تعطي الأحقية الأولي للإنسان اليمني في تحمل مسئولية "الوحدة".
وتبعات الدعوة إليها فيه تجسدت كرسالة ومنه تجددت إبعادها ودوائرها الوطنية والقومية والإنسانية أينما حط الرحال. علاوة على ذلك فهناك خلط بين "الوحدة اليمنية" كعلاقة طبيعية تمثل الصلات الحية والوثيقة تاريخا وجغرافيا وبصورتها الشمولية التي لا تولي إي أهمية للسلم السياسي والاجتماعي إلا بقدر ما يعطي هذه العلاقة من اهتمام ومدى قدرته على تجسيدها وتحقيقها هذا من جهة ومن جهة أخرى بين مفهوم "السلطة" فالسلطة بمفرداتها ألتعدده والمتباينة – مركزية – لا مركزية – اتحادية – تعاهدية – وطنية – أجنبية ..الخ-
أيا كان شكلها لا تمثل قرينة "للوحدة" وإنما العكس هو الصحيح لذا فإن من يذهب إلى القول بان اليمن في تاريخها الطويل عاشت في ظل "الوحدة" أقـل مما عاشت في ظل التفكك مستندا في ذلك إلى الرأي: (وتفككت وحدة اليمن .. لتفتح الباب إمام إمارات صغيره .. في تطاحن ديني).
وهو قول مردود عليه كونه يرتكز على مفهوم "السلطة" كمعيار لقياس موضوعة طبيعية هي "الوحدة اليمنية" بصورتها الشمولية الثابتة تاريخيا وجغرافيا .. بينما انه كان من الأسلم الارتكاز على موضوعة "الوحدة اليمنية" كمعيار أساسي لقياس مفهوم "السلطة" حتى يمكن تفسير هذا التفكك على انه تفكك في السلطة المركزية الى سلطات محلية صغيرة لما لهذا التفكك من مردود سلبي في إضعاف السلطة المركزية للدولة وقوتها وهيبتها مما يجعلها عرضة للإخطار والإطماع الخارجية .. وليس تفسير هذا التفكك على انه تفكك في " وحدة اليمن" وشتان بين هذا وذاك .. نظرا لان الاختلاف القائم بينهما يقوم على أساس من التباين القائم بين التحديات الداخلية والتحديات الخارجية من الأخذ بعين الاعتبار للدور القبلي في النظام السياسي لليمن تاريخيا وهو الأمر الذي يؤدي الى القول بأن شعار " الوحدة اليمنية" او " استعادة الوحدة اليمنية " لم يكن ليرتفع كبيرق للنضال إلا عندما تتعرض موضوعة " الوحدة اليمنية" للأخطار المحدقة والإطماع الأجنبية والماحقة وذلك على مدى التاريخ اليمني القديم والحديث.
ونظرا لما تحضا به اليمن من موقع استراتيجي هام كانت ولا تزال محلا للإطماع الأجنبية والمحاولات الاستعمارية ومنذ الأزل كان الــرد يأتي متلازما بين التاريخ والجغرافيا ودون إي انفصال .كحقيقة أزلية راسخة وثابتة لا تقبل التعسف أو الالتواء . ويتمحور تحت شعار " الوحدة اليمنية" الذي استطاع ان يجعل من اليمن عصية الابتلاع ويحولها بالتالي مقـــــــــبرة للغـــــزاة والمستعمرين تحت اي اسم جاؤوا وأي لو رفعوا على الدوام وصفحــــات التاريــــــخ اليمني اصدق إنباء على تأكيد هذه الحقيقة.
فإن شعار "الوحدة اليمنية" كموضوعة حية للتلازم بين التاريخ والجغرافيا بالنسبة لليمن أرضا وإنسانا لا يمكن الاستدلال عليه الا في أوقات الشدة وفي الحالات غير الطبيعية عندما تتعرض اليمن إلى التهديد والأطماع والغزو الخارجي وعلى النحو الذي يذهب إليه " قانون الأضداد ".
وفي هذا السياق يمكن القول : ان موضوع "الوحدة اليمنية" كهدف استراتيجي للنضال اليمني ومقاومة الإخطار والإطماع والغزوات الأجنبية قد عكست نفسها – إن لم يكن بالنص الحرفي – فبصيغ أخرى تعبر عن محتوى ومضمون الموضوعة ذاتها وبما يتلاءم مع طبيعة المرحلة وشروطها الذاتية والموضوعية تاريخيا لذا فإن موضوعة "الوحدة اليمنية" كهدف استراتيجي للنضال اليمني لم يكن من بنات أفكار المراحل التاريخية المتأخرة والمعاصرة على وجه اخص حتى يمكن التحدث والتقصي التاريخي عمن له قصب السبق في ترجمتها على شعار بقدر ما كانت ترجمة واقعية وأمينة للنضال اليمني ضد مختلف الإطماع والغزو الخارجي ومحاولات الاغتصاب والاقتطاع لأي جزء من جغرافية اليمن المحددة والمعروفة تاريخيا وعبر مختلف المراحل والعصور….
كما ان العبرة من هذه الموضوعة "الوحدة اليمنية" ليست في الناحية النظرية ولكن العبرة فيها هو تحويلها من حيز النظرية الى حيز التطبيق وبث دبيب الحياة فيها ويجعلها كبرنامج يمكن الاسترشاد به في النضــال الوطني.
ومع ان موضوعة " الوحدة اليمنية " كشعار للنضال ضد كل من الاستعمار التركي والبريطاني في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ، إلا انه وفي هذا السياق يمكن التمييز بين ثلاث توجهات متباينة .. تمكنت من استخدام شعار "الوحدة اليمنية " – تحت نفس الشعار او بصيغ أخرى – ووظفته من اجل خدمة أهدافها ومصالحها الخاصة والضيقة ففي حين استخدام النظام الأمامي شعار " الوحدة اليمنية " لدغدغة عاطفة الشعب اليمني بطول الساحة اليمنية وجغرافيتها وامتصاص نقمته وثورته ، فقد عمد الى استغلال هذا " الشعار " كدرع وافي لحماية نفسه من أية إخطار فد يتعرض لها او تستهدف وجودة ومصيره كنظام والى توظيف هذا "الشعار" في خدمة أهداف النظام الأمامي ومصالحة الخاصة والضيقة أيضا وذلك سواء بسواء تماما وكما استخدم "الدين" كسلاح للتظليل والدجل والشعوذة والإرهاب – إضافة إلى ذلك فقد استخدم "شعار الوحدة اليمنية " كوسيلة للضغط السياسي والمساومات تمكنه من المناورة والدخول في اللعبة السياسية كلاعب أساسي على الرغم من ان النظام الأمامي لايجيد أصول وفنون اللعبة من الأساس ولكي يضمن بالتالي الإبقاء على علاقة النظام الأمامي وتحالفه مع الاستعمار في السرية والكتمان وتعيدا عن الانكشاف لأقصى مدى ممكن وهي العلاقة والتحالف المصيري بين النظام الأمامي والاستعماري والتي كانت تستهدف فيما تستهدفه من تهيئة المناخ العام وتوفير الظروف الملائمة لتحقيق الأهداف المشتركة والمصالح الخاصة بكل منهما من خلال الالتزام الكامل بالاتفاقيات ومعاهدات الصداقة والتعاون المتبادل مع كل من السلطات الاستعمارية البريطانية في المستعمرة عدن والنظام السعودي وهي المعاهدات التي تقر بالتجزئة والتشطير لأجزاء من جغرافية اليمن التاريخية وذلك كنظام مناسب للنظام الأمامي ليتمكن من تنفيذ نواياه بخطوات بعيدة عن الأهداف الواردة في اتفاقية "دعــــــــــان" والتي بنيت على أساس من تفتيت الوحدة الوطنية مذهبينا وطائفيا إلى تمزيقها تمزيقا متناهيا سلا ليا واسريا وحتى تلتقي تلك النوايا بالأهداف والمخططات الاستعمارية على أرضية مشتركة من التحالف القائم على قاعدة من التشكيك بموضوعة " الوحدة اليمنية" بقصد فراغها كشعار نضالي وكهدف مصيري من إي محتوى شعبي ومن مضمونها الجغرافي والتاريخي.
وكان في الجانب المقابل للنظام الأمامي يجثم فوق الأرض اليمنية المتقطعة في الجنوب سلطات الاستعمار البريطاني ومن الطبيعي أن تكون أهداف الاستعمار ومصالحة قائمة على أساس من المبدأ العام " فرق تسد" وقد سعت بريطانيا من خلال هذا المبدأ العام إلى إبقاء البلاد العربية مجزأة ومفككة إلى كيانات صغيرة بقدر الإمكان لا حول لها ولاقوه بحيث ترضخ لها هذه الكيانات المفككة التي لا يمكنها أن تقوم بعمل موحد ضدها في الوقت الذي تشكل فيه منطقة عازلة بإمكانها عرقلة الأطماع للدول الكبرى في المنطقة وللوقوف في وجه قيام حكومة قوية وطنية على طرق مواصلاتها الإمبراطورية – التي كانت لا تغرب عنها الشمس – إلى الهند . بقصد الاستمرار في السيطرة والاستغلال والابتزاز لنهب خيرات المنطقة وثرواتها .
وعلى هذا الأساس جاءت التوجهات الاستعمارية للجنوب اليمني المحتل تعكس الأهداف والمصالح الاستعمارية الخاصة وتستغل كل ما هو متاح إمامها من رسائل وأساليب وعوامل من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق الأهداف والمصالح الاستعمارية الخاصة ولتعزيز من مكانتها وهيمنتها الاستعمارية . سواء منها العلمية أو السياسية أو العسكرية أو الإعلامية … الخ.
وفي هذا السياق عمدت السلطات الاستعمارية البريطانية في الجنوب اليمني على استخدام شعار "الوحدة اليمنية" استخداما سلبيا ووظفته في خدمة أهدافها ومصالحها الاستعمارية الخاصة والقائمة على أساس من المبدأ الاستعماري العام "فرق تسد" وبصورة متدرجة ومتأنية تستجيب للطبيعة اليمنية وموروثها النضالي ضد كافة أشكال الاستعمار قديمة وحديثة . لذا فلقد لجأت السلطات الاستعمارية البريطانية إلى التحالف مع الاستعمار التركي من اجل اقتسام الأراضي اليمنية بينهما وترسيم الحدود الفاصلة لغنيمة كل منهما كما سعت السلطات الاستعمارية البريطانية الى تعيين مناطق لنفوذها داخل الأراضي اليمنية يجعلها كحزام امني عازل يمنع حملات الجهاد اليمنية من القبائل ضد الاستعمار ولتأمين القاعدة العسكرية في المستعمرة عــــدن وذلك من خلال عقد الاتفاقيات لحماية السلطات والمشيخيات المحيطة بالمستعمرة عــدن وبعد ان دان لها الأمر في اتفاقيات الحماية والشراء سعت السلطات الاستعمارية البريطانية الى التحالف مع النظام الأمامي وتدعيم سلطته المركزية في صنعـــــاء كون قيام هذه السلطة المركزية للنظام الأمامي في صنعــاء انما يمثل حاجزا امنيا متقدما واحتياطيا يحمي مناطق نفوذه ويصون المستعمرة عــدن من اية إخطار محدقة قد تحيق بقاعدته العسكرية فيها .
ومن ثم لجأ الاستعمار البريطاني الى عقد اتفاقيات ومعاهدات مع النظام الأمامي يقر فيها الطرفان بالحدود القائمة بينهما بالوضع القائم على تقسيم الأرض والشعب اليمني وهي الاتفاقية التي أضرت بالوحدة الجغرافية والتاريخية لليمن واستهدفت زعزعت الإرادة ومسخ الجغرافية والتاريخ وتشويه الإرث الحضاري لليمن أرضا وإنسانا من خلال تكريس سياسة الامر الواقع الاستعمارية وكما فرضته اتفاقية الحدود التركية – البريطانية الموقعة في لـــــــــندن في مارس 1914م والبروتوكولات الملحقة بها كتسوية شاملة لمشاكل الحدود بين مناطق نفوذ الدولتين المستعمرتين لليمن آنذاك ليتفرغ بالتالي الى إعادة ترتيب أولويات سياساته ومخططاته التوسعية الاستعمارية ، بالنسبة للجنوب اليمني فعمل على تجميع السلطنات والإمارات في مجموعين سميت "المحميات الشرقية"و"والمحميات الغربية" ومع ظهور نتائج الحرب العالمية الثانية وبروز دور المنظمة الدولية "هيئة الأمم المتحدة" بميثاقها الجديد المتضمن للإعلان القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة الى جانب تصاعد النضال للشعور المستعمرة وانتشار حركات التحرر العالمية واتساع المد التحرري في البلدان المستعمرة . كان لابد للاستعمار البريطاني من ان يستجيب لهذه المتغيرات الدولية الجديدة بحقائقها العصرية شاء ذلك ام آبى .
وإزاء تلك المستجدات للأوضاع الدولية التي أربكت السياسات الاستعمارية وخلخلت مخططات الاستعمار وأقلقت الإمبراطورية البريطانية مما دفعها الى ان تعيد حساباتها الاستعمارية وبالذات في المنطقة العربية وعلى وجه أدق في جنوب اليمن خاصة بعد ان تمكنت السلطات الاستعمارية فيها من انتزاع المحميات وفصلها فصلا تاما عن اليمن "ألام" وحرصا من بريطانيا على (ان يبقى البترول العربي تحت سيطرتها وفي قبضة أيديها وهي النوايا التي يستحيل عندها استمرار عملية نهب البترول ما لم يتوافر احد شرطين : اما الاحتلال المباشر واما الاستقلال المزيف الاسمي والمجئ بحكومات عميلة ).
بدأت في تطبيع العمل السياسي في نطاق المستعمرة عـــدن بإنشاء المجلس التشريعي في العام 1947م . وإدخال نظام التعددية السياسية والإعلامية والانتخابات ليسهل إمامها في احياء مشروعها القديم بإنشاء "الاتحاد بين المحميات الشرقية والغربية " بصيغته الفيدرالية وبسماته الغربية المنسوخة والمسوقة لتبرير المشاريع "الوحـــــــــدوية" الاستعمارية الهادفة في الأصل الى تمرير مخططاتها تتمزق وحدة الأرض والشعب ليتسنى لها من ثم الإمساك بالأوصال وخيوطها بإحكام لربطها بالعجلة الاستعمارية .
وفي إطار هذا المناخ السياسي العام ظهرت الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والوسائل الإعلامية مما اتاح للسلطات الاستعمارية البريطانية ان تحتضن عددا من الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية بصحافتها الخاصة بها ولتعكس من خلالها السياسيات الاستعمارية بالتعبير والدفاع عنها والترويج لها في الأوساط المحلية ومن اجل تشتيت الوحدة الوطنية وتمزيقها الى أشلاء متنافرة ظهرت الأحزاب الانفصـــالية بدعوتــــها الى الانفصــال المتمسحة بلبوس "الوحدة" تحت شعارات "الحـــكم الــذاتي لعـــدن" و "إتحـــــاد الجنوب العربي" – وليس اليمني – "الاتحــاد الفيــدرالي لعدن والمحميات" بواجهاتها السياسية التنظيمية المتمثلة بـ "الجمعيــة العدنيــــة" و "رابطة أبناء الجنـــوب" و "الحزب الوطني الاتحادي" … الخ من هذه المسميات الانفصــالية الهادفة الى إفراغ "الوحـــــدة اليمنية" من اي محتوى شعبي نضالي ومن اي مضمون جغرافي تاريخي حضاري.
وفي مقابل هذا وذاك كانت التوجهات الوطنيــــة تؤدي دورها الوطني بصبر وأناة وتضحية على الرغم من كل الظروف الصعبة والعوامل المحبطة والقاهرة التي تحيط بها وتخيم على كل ما حولها والتي استطــــــــــاعت ان تجد – لبعض الوقت وليس لكل الوقت – الدور الشعبي في النضــــال الوطني وفي إسناد تلك التوجهات الوطنية ورفدها بمادتها الحية القابلة للاشتعال والمحركة على تصيد النضال في وجه كلا النظامين الأمامي والاستعماري بالجماهير المعبأة والمنظمة وسيلة وبالنضال الثوري الطويل النفس أسلوبا.
ومع تلك التحديات الجسيمة تمكنت التوجهات الوطنية من ان تؤتي أكلها في كل حين وان تجسد الإرادة الحية النابضة بالحياة والروح النضاليـــــة المتجددة على الدوام وان تقف في وجه التحالف الأمامي الاستعماري بالمرصاد بالاستفادة من كل ما هو متاح إمامها سواء من حيث الظروف والعوامل او من حيث الوسائل والأساليب لخدمة النضال الوطني وتحذيره وتطويره.
ان الحركة الوطنية اليمنية في التاريخ القديم والحديث لليمن لم تكن لتتبلور او حتى تتنفس الا من خلال النضال الوحـــــــــــدوي وبه – مهما كانت التحديات التي تقف امامها جسيمة وكأداء فانها دائما ما كانت تجد لنفسها مجالا للتعبير والاستقطاب الجماهيري وبعد ان حركتها التجارب والمحن التي مرت بها .
فإذا كانت التحديات الداخلية تقف امام النضال الوطني بما يمثله الواقع المجزأ والممزق بين نظامي الامامة والاستعمار كعقبة رئيسية كأداء ..فإن تحالف هذين النظامين فيما بينهما على احتواء إي تطلعات وطنية من شأنها ان تشكل اي خطورة على اي منهما او على تحالفهما – بالرغم من التباين الشاسع بين هذين النظامين إلا إنهما في الواقع مثلا قطبي الرحى – وبالتالي فإن تكريس عملية الانفصال التي جرت على الأرض والجغرافية اليمنية كانت تحاجة ماسة الى من يعزز عملية الانفصال هذه في ضمير الإنسان اليمني ووجدانه وسلب إرادته كمقدمة لفصلة عن التاريخ والإرث الحضاري ومسخ وعيت وتزييفه بالتنويم والتخدير وهو الأساس المركزي الذي قام علية هذا التحالف البغيض لكي يحافظ كل منهما على بقائه واستمرار يته من خلال هذا التحالف .
ومثل هدف التحالف المركزي هذا عقبه خطيرة في وجه النضال الوطني كونه كان يركز على ضرب "الوحدة" من الداخل وزعزعتها وبث اليأس الى .
فلقد أثبتت التوجهات الوطنية عن إدراكها المبكر لمثل هذه المخططات الاستعمارية والأمامية فاستغلت كل وسيلة من وسائل الاتصال الممكنة لبلورة النضال الوطني ورفع شعار "الوحدة اليمنية" لرص صفوف الشعب اليمني للنضال ضد النظامين الأمامي والاستعماري وكانت على سبيل المثال وليس الحصر الصحافة إحدى تلك الوسائل المهمة للتأثير في الرأي العام اليمني في الداخل والخارج .
وإذا كانت التنظيمات السياسية والنقابية التي تشكلت من الطلبة اليمنيين في خارج الأرض اليمنية قد مثلت الرد العملي والمباشر على أهداف النظامين الأمامي والاستعماري حيث جسدت تلك التنظيمات السياسية والنقابية وحدة الأرض اليمنية ووحدة النضال اليمني ويلازمها تاريخيا طبيعيا لا انفصال بينهما فجاءت "كتيبة الشباب اليمني" التي تأسست في القاهرة عام 1940م من الطلبة الدارسين فيها والوافدين من كلا شطري اليمن لتدحض كل أهداف وتخر صات النظامين الأمامي والاستعماري ، بل ان تأسيس الجمعية اليمنية الكبرى ومن ثم الاتحاد اليمني في عدن وغير ذلك من الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابية التي استطاعت ان تجسد في إطارها "النضال الوحدوي" لليمن وان تتخذ من تسمياتها الصيغة المعبرة عن هذا النضال الوحدوي .
وفي هذا السياق كانت الصحافة اليمنية وفي كل موضوعاتها عن استعادة الوحدة اليمنية معبرة عن وحدة النضال اليمني قلبا وقالبا سواء تلك التي تسنى لها الصدور في داخل الأرض اليمنية او تلك التي تسنى لها الصدور في خارج الأرض اليمنية على الصعيدين العربي والعالمي قد عكست وعلى المحك وبصورة مباشرة لا لبس فيها ولا غموض "نضال الوحدة اليمنية" كشرط أساسي لها محتوى ومضمونا بقصد تفعيل وتنشيط "وحدة النضال اليمني" باتجاه إسقاط النظامين الأمامي والاستعماري صوب تحقيق واستعادة الوحدة اليمنية وإقامة النظام الوطني المجسد للإرادة اليمنية.
ومن هنا تمكنت الصحافة الوطنية ان ترفع شعار "الوحدة اليمنية" من الناحية العملية من خلال الاهتمام الإعلامي بالساحة اليمنية طولا وعرضا وأيضا من خلال التجسيد العملي في القائمين على الصحافة الوطنية والذي كان يعكس في مجمله صورة طبيعية عن اليمن الواحدة تاريخيا وجغرافيا وتبلورت تلك الوحدة العملية الى صيغ نضالية تشكلت على النحو
"ان اليمن كما يعرفه حتى تلاميذ المدارس الأولية محدود بالبحر غربا وخليج عدن جنوبا وبحر عمان او البحر العربي شرقا وكل ما دخل في ضمن هذه الحدود فهو يمن .." , "صوت اليمن" , "لا استعمار ولا إمام" , "ان اليمن الطبيعية كل واحد لايتجزأ وقضيتها قضية واحدة ذات كفاح واحد في سبيل التحرر الوطني والوحدة الوطنية الشاملة" , "الوحدة اليمنية" , "التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما" , "وحدة الحركة الوطنية اليمنية وتعزيز وحدة أداة التطور اليمنية من اجل تحقيق وحدة الشعب واليمني وقيام السلطة الوطنية الديمقراطية الواحدة" , "على ان لا تتم الوحدة الا بعد التحرر من الاستعمار والاستعباد" , "إعادة تحقيق الوحدة اليمنية".
وإذا كانت الصحافة قد عكست تعدد الصيغ لمسألة الرؤية لكيفية التعبير عن شعار "استعادة الوحدة اليمنية" كما هي كل الوسائل المتاحة للمناضلين اليمنية فإن الوحدة اليمنية منذ صباح 22 مايو 1990م لم تعد شعارا نظريا ولا حلما منتظرا .. بل أصبحت حقيقة واقعية وثابتة لا ولن تستطيع اي قوة على وجه الأرض ان تسترجع الماضي التشطير مادام هناك وعلى هذه المعمورة إنسان يمني يتنفس . لان الوحدة اليمنية هي بنسبة لكل يمني الماء والغذاء والهوى الذي يتنفسه وهذه الثلاثة العناصر لا يستغني عنها كائن حي وهذا هي الوحدة اليمنية التي لا يستطيع احد ان يقول "اليمــــن" إلا "بالوحدة" هي موضوعية ذات العلاقة القائمة بين الأرض والإنسان على ألفطره التي فطرها الله عليها ، ومتأصلة بين التاريخ والجغرافيا ضاربه جذورها في الأغوار السحيقة منذ الازل وهي العلاقة الصميمة التي لم تكن بحاجه الى تأكيد الترابط الجدلي فيما بينها إلا عندما يتعرض احد طرفيها او طرفي العلاقة معا للامتحان العسير ام للابتلاء الجسيم أكان يمس الوجود او يمس المصير . وفيما عدا ذلك من الحالات الطارئة والظروف الاستثنائية والتي لم يكتب لها النجاح تعود العلاقة الى سيرتها الأولي لتبقى وحده واحده بلحمة لا انفصال بينها ولا تحتاج من ثم إلى برهان.
[email protected]