الجمعة, 21-أغسطس-2015
صنعاء نيوز -
يكبرون وتكبر معهم أحزانهم
أطفالنا يخلّدون مآسي الحرب بطريقتهم الخاصة



كانت الساعة العاشرة صباح الثلاثاء حين مررت في أحد أحياء العاصمة صنعاء المزدحمة بالسكان، حيث استوقفني طفل يبدو من هيئته أنه في الثامنة من عمره طالبا مني مساعدته في حمل كيس كبير..
حاولت ممازحته بالقول : ( كم ستدفع لي مقابل ذلك) غير انه لم يحتمل مزاحي وقام مباشرة بشد الكيس من أحد أطرافه وسحبه وراءه وهو في استعجال من أمره .. فأمسكت به وحملت عنه الكيس الذي كنت اعتقد بأنه يحوي أغراضاً لأسرة الطفل متسائلاً في نفسي كيف تقوم أسرته بإرساله لشراء حاجات كثيرة وثقيلة على جسمه الطري؟
فجأة انقطع الكيس وتناثرت محتوياته على الأرض وانكشف المستور.. كان مليئاً بفوارغ رصاصات الأسلحة الرشاشة المضادة للطيران فأذهلني المشهد وتساءلت من أين حصل هذا الطفل على كمية فوارغ المضادات الجوية وما الذي سيفعله بها ووجهت هذه الأسئلة للطفل الذي كان لحظتهاً منزعجا بدرجة كبيرة جراء تناثر حاجاته في الشارع ومشغولاً بتجميعها في أطراف ثوبه وبعد إلحاحي عليه أشار بيده إلى طريق ضيق يؤدي إلى الحارة المجاورة وقال :( بيقسموهن هناك).
سلكت الطريق الضيق حتى الحي المجاور وهناك كان المشهد مختلفاً تماما لما اعتدنا عليه في مختلف الأحياء السكنية حيث يتجمع أبناء الحيّ لممارسة ألعابهم المفضلة مثل كرة القدم أو لعبة الاختباء والعاب "السهم" والبطة وغيرها.
كان الأطفال في هذا الحي يتجمعون حول كومة من فوارغ رصاصات مضاد الطيران.. كمية كبيرة لم أشاهد مثلها من قبل .. مجموعة من الأطفال كانوا يقفون على شكل طابور أمام عربية ممتلئة بمئات فوارغ الطلقات "الخراطيش" .. وبجوار العربية طفل آخر أكبرهم سناً يقوم بتوزيع هذه الفوارغ على الأطفال بالتساوي وعن طريق العد.
على مقربة منهم ثلاثة أطفال يحملون سلة مليئة بالفوارغ ذاتها وينطلقون بها نحو المنزل بينما يحاول طفلان آخران حمل حصتهما الموضوعة في كيس دعاية كل واحد منهم يحمله من طرف.. والبعض ملأ جيوبه بهذه الفوارغ وأطفال صغار السن شاركوا إخوانهم في حمل ما استطاعوا منها.
عجبا .. ما هذا المشهد؟ وما الذي سيفعله أطفال في هذا العمر بكمية فوارغ الطلقات النارية.. أين ذهبت ألعابهم البلاستيكية.. ولماذا يحرصون على تجميع الفوارغ وكأنها أشياء ثمينة؟.. كل هذه الأسئلة تبادرت إلى ذهني.وأنا أتابع حركة الأطفال وكأنهم في سوق لبيع الأسلحة.
قلت لهم : بالتأكيد ستبيعونها لأصحاب الخردة.. فرد أحدهم بالنفي قائلاً انها مصنوعة من النحاس ولا تصلح للبيع لأن أصحاب الخردة يشترون ما هو معدن أو حديد.. وأخبرني بعدها بأنهم يحرصون منذ بداية العدوان السعودي على اليمن بتجميع ما يستطيعون من فوارغ المضادات الأرضية ويتنافسون فيما بينهم على من يجمع أكثر..
وقال إنهم يحصلون عليها من أحد الجنود المرابطين في أماكن يتمركز فيها عدد من الرشاشات " مضادات الطيران" ويسكن هذا الجندي في حارتهم ويقوم بين كل فترة وأخرى بجلب كمية من فوارغ الأعيرة النارية لأطفال الحيّ للعب بها بناءً على طلبهم.
تذكار الحرب طيب ماذا تفعلون بها؟ قالوا : نحتفظ بها ذكريات.. وأكد بعضهم أنهم قد تمكنوا من ملئ كيس "شوال" كبير بفوارغ مضادات الطيران..!!
قد لا يهتم البعض بهذا المشهد وهذا الاهتمام والإصرار من قبل الأطفال على الاحتفاظ بفوارغ الأسلحة الفتاكة كتذكار.. إلا أنه يكشف مدى الأثر الذي أحدثه العدوان في هؤلاء الأطفال وهو مشهد يعكس حالة أطفال اليمن بشكل عام مع استمرار العدوان السعودي قصفه الغاشم للمنازل والأحياء السكنية والمنشآت الحكومية والأهلية وغيرها منذ نحو 145 يوما متواصلة.
أطفالنا يحملون في قلوبهم الكثير من الأسى نتيجة الحرب والكثير الكثير من الإصرار على الانتقام من الأعداء وجرائمهم بحق اليمن أرضاً وإنساناً.
أطفالنا يكبرون وتكبر معهم المآسي والأحزان التي تسبب بها حلف العدوان بقيادة بلاد الحرمين ولن تنمحي تلك المآسي من ذاكرتهم ولو بعد حين.
في كل ليلة ينام أطفال العالم بين أحضان أمهاتهم ووسط أهاليهم آمنين مطمئنين وكل أحلامهم وردية، ووحدهم أطفال اليمن من يخلدون إلى النوم وهم لا يعرفون هل ستظهر شمس يوم غد ومازالوا أحياء يتنفسون أم أن صواريخ وطائرات العدوان ستتسلل إلى مخادعهم تحت جنح الظلام كعادتها منذ أربعة أشهر ونيف لتخطف أرواحهم وتنكل بأجسادهم .
جرائم حرب
للشهر الخامس على التوالي والعدوان السعودي مستمر في همجيته مرتكباً جرائم حرب وإبادة جماعية بحق أبناء شعبنا اليمني، متعمداً استهداف المواطنين في المنازل والبيوت والمساجد والمدارس والشوارع والقرى والمدن والطرقات، والتدمير الشامل للبنية التحتية والتراث الإنساني وكل مقدرات اليمن.
وكشفت إحصائية رسمية تفصيلية بعدد الشهداء والجرحى في صفوف الجيش والأمن واللجان الشعبية والمواطنين جراء غارات تحالف العدوان السعودي الجوي والقصف الصاروخي من البوارج الحربية المتواجدة في المياه الإقليمية منذ تاريخ 26 مارس وحتى 18 يوليو الماضي عن استشهاد (2890) شهيداً بينهم (1874) من المدنيين.
وأشارت الإحصائية إلى أن عدد الجرحى بلغ (7284) بينهم (5404) مدنيين فيما توزعت البقية على الجيش والأمن واللجان الشعبية بواقع (370) شهيداً في صفوف الجيش و(578) جريحاً.
وفي ذات السياق أصدر المركز القانوني للحقوق والتنمية حصيلة بضحايا 128يوماً من العدوان السعودي على اليمن، بلغ فيها عدد الشهداء 4025 منهم660 امرأة و 938 طفلاً، فيما بلغ عدد الجرحى 8950 منهم 625 امرأة و715 طفلاً. وفيما يتعلق باستهداف البنية التحتية أشار التقرير إلى تدمير "82" خزانا وشبكة مياه، و"94" محطة وشبكة كهرباء، و"277" جسرا وطريقا، و"10" مطارات، و"6" موانئ، و"88" شبكة اتصالات، بالإضافة إلى تدمير نحو "303597" منزلا ونزوح قرابة "410000" مواطن وتدمير عدد "342" مدرسة
ومركزا و29 جامعة وكلية و515 مسجدا و188 مستشفى ووحدة صحية و11 مؤسسة إعلامية و76 مزرعة دواجن و6 صوامع غلال و146 مصنعا.
كل هذه الجرائم والمجازر لم ولن ينساها اطفالنا وسيحملونها معهم في مراحل الزمن وتصرفاتهم تؤكد ذلك.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 08:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-37706.htm