السبت, 24-يوليو-2010
صنعاء نيوز - 
خلصت إلى القول: إن بركات الشكر والذكر متضمنة في المناحي الآتية: 
أولاً: أخلاق المسئولية: صنعاء نيوز بقلم/ عبد الله الدهمشي -


خلصت إلى القول: إن بركات الشكر والذكر متضمنة في المناحي الآتية:
أولاً: أخلاق المسئولية:
كل إنسان مسئول عن حياته بحكم أهليته لذلك، ذهنياً وعقلياً، وبحكم إمكان قيامه بهذه المسئولية على أكمل وجه في المكان المقيم به أصلاً، إن الحياة نعمة مهداةٌّ من خالقها لكل خلقه بقدر ومقدار، وعلى الإنسان أن يتذكر هذا الحق، ليذْكُر به الاستحقاق المزدوج له وعليه تجاه ذلك تدبر هنا في قوله تعالى:( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون) الأعراف الآية 10 ..إن القواعد الظالمة في العلاقات الاقتصادية هي التي تقيم أزمات الفقر والترف بين الأفراد والشعوب والدول، وبعبارة أخرى، إن حيازة 257فرداً على ثروة تساوي مجموع ثروة مليارين ونصف من البشر، تدل على أن الاختلال ليس بين الموارد والبشر، وإنما في عدالة توزيع الثروة، دعوني أدعو ثانية إلى التدبر في قوله تعالى:( والأرض مددناها والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين) الحجر الآيتان 20.19 ما أريد قوله بيسر هنا، هو أن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى حديث من نوع خاص يذكر العالم بالنعم التي أصبحوا فيها مقارنة بما كانوا عليه من شقاء وضنك معيشي في فترات ليست بعيدة، والحاجة إلى هذا التذكير مفروضة بقدسية الحياة التي توجب أخلاقياً حماية الأجيال القادمة مما يعدها به منطق العولمة الرأسمالية من انتحار، تدبر من أجل هذا قوله تعالى:( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) الأعراف الآية 96 إن أخلاق المسئولية تبيح للبشر جميعاً التمتع بالنعم المسخرة لهم في البر والبحر والجو، بغير إسراف أو تقتير أو تبذير، ويستطيع التقدم العلمي والتطور التقني أن يفيض على الناس جميعاًً بخير ما تتطلبه الحياة من نعيم مقيم، لو أن إرادتهم اتجهت نحو ذكر حقائق الخلق وحقوق المخلوق فاتزنت بهذا الميزان بغير طغيان ولا خسران بالتأكيد، إن حديثي هنا يتجه نحو المجتمعات المتقدمة علمياً وتقنياً، أما غيرهم، وخصوصاً، العرب منهم، فالأولى بهم أن يذكروا نعمة الخالق في أجسادهم،لعلهم يشكرونها بما علموا أولاً قال تعالى:( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) النحل الآية 78.
ثانياً: أخلاق القناعة
لا تتحقق الحرية في نظام يقوم على استرقاق الناس كالنظام الرأسمالي، فهربرت ماركوزة، في وصف المجمع الصناعي الراهن بالغرب وفي تشكيله للقيم التي تتطابق وشراهته الربحية، يقول: إن هذا المجمع يصطبغ بالصبغة الأداتية فهو لا يقول للمرأة الجمال جذاب، بل يأمرها: استعملي المسحوق الفلاني لتجذبي الرجال، ولا يقول للعامل: العمل متعب بل يأمره: أشرب كل صباح المشروب الفلاني فلن تحس بالتعب، فلغة مثل هذه تملأ الذهن على الدوام بالصور فتعرقل نمو المفاهيم العقلية وقدرة الإنسان على التعبير عنها.
إن ثورات العلم وتقنياته يجب أن تجسد قدسية الحياة بخدمة غايات سامية للإنسانية، ولا ينبغي أن تؤدي إلى نقض الدين وهدم الأخلاق وإخضاع كل شيء في هذه الحياة، بما في ذلك الإنسان لشره الربح والسيطرة، لهذا نرى أن القناعة تجسد معيارية التقوى عملياً في حياة الإنسان للحيلولة دون إلحاق الضرر والفساد بالأرض هذا يعني مما يعنيه، تزكية الذكاء الإنساني في إبداع الإمكان ووسائل التمكن بجمال تقديس الحياة الذي يسجل الإنسان به موقف الخشوع أمام جلال الحق في نعم الخلق حتى يدفع عن نفسه وعن الحياة آفات الطمع وشرور البطر وويلات الهلع،«ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب».
ثالثاً: أخلاق الرضا
لعله من المناسب هنا أن الرضا بالحق غير الرضا بالاستضعاف ونقول توضيحاً أن الرضا المقصود هنا موقف يكف بغي الإنسان على غيره وعدوانه على ما ليس من حقه في الأرض وعند الناس، وعملاً بقاعدة “عامل الناس بما تُحب أن يعاملوك به” نقول بأن حكمها يعم البشر والأحياء، والأرض والسماء، إذا أعدنا صيغتها بهذه العبارة “ أعمل شكراً تجز شكراً” تدبر في هذا قوله تعالى:( اعملواء آل داوود شكراً وقليلُ من عبادىِ الشكوُرُ) سبأ الآية 13.
إن الرضي يبدأ بالنفس ويتجسد في العمل الصالح الذي تؤديه بين الناس قال تعالى:( وأن اعمل صالحاً ترضاهُ وأصلح لىِ فيِ ذُريتي) الأحقاف الآية15.
وما يُرضي الناس يرضي الله لقوله (صلى الله عليه وسلم) من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، لهذا نقول، بأن أخلاق الرضا، تمنح النفس السكينة والطمأنينة وتشيع الأمن الفردي والأمن الجمعي سياسياً واقتصادياً وتحول دون نجاح الحروب النفسية وإشاعات المرجفين، لأنها تبني في الإنسان نفسية راضية مرضية لا تثيرها عواصف الشك والارتياب، ولا تعصف بها أوهام الفزع ورعب الظنون ولا تستبد بها أمواج الحيرة والقلق.
نعود إلى مفهوم البركة بالقول: أنها تعني الزيادة والنماء، بعبارة أخرى فالبركة هي الكفاية والعدل، وتتحقق قيمتها في الإنتاج بالعمل الملتزم بقاعدة :«أعمل شكراً تجز به»، غير أنه إذا كانت الحياة والرزق المسخر لها تستوجب الشكر لذاتها، فإن البركة استقامة هذا الشكر على سبيل العمل بأوامره ونواهيه، إذاً لا مفر هنا من العمل الصادق والمخلص بكل خير والانتهاء عن كل سوء في أعمال التقتير والإسراف والتبذير والبخل والشح والبطر والرياء والكبر واللهو والعبث والتفاخر«فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث» الضحى، الآيات 11-9 ويقول تعالى:( وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً) الجن، الآية 16 لعله من المفيد في هذا المقام تذكير المتلقي بأن الوصيتين الأولى والثانية من الوصايا العشر هما” وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” الإسراء الآية 23، قد وردت في وصايا لقمان الحكيم بهذه الصيغة«أن اشكر لي ولوالديك الي المصير» لقمان الآية 14بل أن الشكر كثيراً ما يقرن بالكفر في آي الكتاب الحكيم، تدبر في هذا المعنى آيات 83-71 من سورة النحل وحتى في مشيئة الاختيار الإنساني يكون السبيل أمام الإنسان كما في قوله تعالى:( إنا هديناه السبيلا إما شاكراً وإما كفوراً) الإنسان الآية 3، وقوله تعالى :( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضهُ لكم ولا تزرُ وازرةٌ وِزر أخرى) الزمر الآية 7، وقوله تعالى :( وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) إبراهيم آية 34.
إن نظرة متفكرة في معايش الحياة العربية الراهنة لا تنكر أن أسباب فشل المجتمعات العربية في انجاز طموح التقدم والتنمية هي طغيان الفساد وتفشي الغش والرشوة والفوضى والعبث المالي والإداري فهل نصر ونكابر على القول بأن الإصلاح والتنمية يمكن تحققهما في ظل هذا السلوك أم أن الاهتداء إلى الحق يرينا أن النماء مشروط ومتوقف على إصلاح هذه المفاسد؟!
إن البركة كسب العمل الصالح بإحسان الذكر والشكر والتزام الخيرات في العمل واتقاء مفاسد الترف والطغيان، ومالم تتغير النفسية الفردية والجمعية الأمارة بالفساد في المجتمعات العربية، فإن التنمية مطلب لا ولن يتحقق وحلم مقتول بهذا الفساد الكبير والكثير.
بقي أن نذكر بآفة الربا مع التأكيد والتشديد على أن هذه الآفة فلسفة اقتصادية متكاملة، وليست مجرد فائدة في المعاملات المصرفية ولن نقول عن هذه المصيبة أكثر من بيناتها في آي الذكر الحكيم، ومنها هذه الآية قال تعالى :(يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفارٍ أثيمٍ ) البقرة 276 وكذلك هذه الآيات:(فآت ذا القربى حقه والمسكين وبن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون، وما أتيتُم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتُم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون، الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) الروم الآيات 41-38.
لقد ابتدعت الحداثة الغربية نموذجاً للتنمية، ووفق المعسكر الرأسمالي في أسر دول العالم الفقيرة في هذا النموذج هذا ما يقوله خالد حاجي، ثم يضيفُ “ولا دليل أنصع على هذا التوفيق من تفشي الحديث عن الأرقام الدالة على التنمية في أوساط المثقفين، ولكم تضيق نفس الإنسان ذرعاً وهو يقرأ أو يسمع من محللين واقتصاديين مكترثين بأمور التنمية، بأن العدد اللازم من الحواسيب لضمان التنمية هو كذا، وبأن عدد الصحف والجرائد في المجتمع الذي حقق أعلى نسبة في التنمية هو كذا أو بأن عدد أجهزة التلفاز هو كذا، وبأن، وبأن، وبأن فمن الذي ربط في أذهان هؤلاء العينة من البشر بين مستوى التنمية والتوفر على هذا القدر أو ذاك من الوسائل والأدوات سوى منطق التراكمات المادية والغنى بالمال والاستغناء بالأشياء؟ أو لسنا بهذه الأرقام نضلل الإنسان ونلقي به إلى التهالك في سوق الاستهلاك فنحرمه إمكانية استشراف حياة ملؤها الاطمئنان بعيداً عن عالم السوق الكوني؟
ـ هل من الخير للحياة وكرامة البشر أن نقتل الأحياء لنتزين بالفرو والجلد؟
إن على الإنسان أن يتذكر بأن قيمته الحسية والجمالية وسعادته الجسدية والنفسية ليست في قدرته على مجاراة الدعاية الترويجية للسلع، وأن ارتداء هذا الحذاء أو اقتناء الأحدث في سوق الأزياء أو الآلات ليس بالضرورة مفتاحاً للسعادة ولا مؤشراً على التقدم، ومادمنا قد جئنا على ذكر التقدم، فعلينا مراجعة مقياس الحكم عليه بكونه في الوعي السائد مدى تحصيل الإنسان للمال بغض النظر عن قيم الخيرية ومكارم الأخلاق المجسدة لاطمئنان النفس ورضي الإنسان وسكينته وتمتعه بوجوده، فهل يتغير الحال إذا نحن أعدنا تصورنا لقدسية الحياة بمعيار الخيرية والكرامة؟ نعم، يتغير، لأن تسخير كل شيء للإنسان يعني تحريره من الخضوع لغير خالقه، وبعبارة أخرى، تحرير البشر من رق المال وعبودية الربح والاحتكار.
الخاتمة رؤية جديدة للحياة
ـ يدعو المجاهد العربي أحمد بن بيلا إلى أنه أمام أزمات النموذج الغربي علينا أن نفكر بكيفية أخرى، وأن نقرر اختياراتنا الصادرة عن قيمنا ورؤيتنا وفلسفتنا في الحياة، وأن تكون نقطة انطلاقنا هي القطيعة مع الرأسمالية والمادية والفردية المستفحلة وبدائلها مثل الصراع بين البشر أولاً والطبيعة ثانياً ثم التنافس المسعور المفضي إلى روح الغزو والهيمنة والاستغلال ذلك أن هذه الروح قد أفسدت كل شيء، بدءاً بتلويث القلوب وانتهاء بتلويث الأرض، ويخلص الفيلسوف رجاء جار ودي في تأملاته في الاقتصاد الإسلامي إلى القول” فالإنسان خليفة الله في الأرض وهو مسئول عن التوازنات الطبيعية أي ما نسميه نحن اليوم بـ«علم البيئة»، إن احترام الطبيعية التي خلقها الله يمنع من تدميرها وتلويثها ويمنع استنزاف الأرض كما يمنع توسيع الصحارى واستنزاف الموارد الباطنية بلا روية واعتبار ويمنع القضاء على علق البحر أو أوزون الجو وكل ما يؤدي إليه النموذج الغربي للتنمية المدمرة للكرة الأرضية، إن الاقتصاد الإسلامي بهذا الشكل يغطي حقلاً إنسانياً أكثر اتساعاً من الاقتصاديات الغربية.
ولعله من فضل الله وتوفيقه أن تأتي خاتمة هذه الدراسة وختام هذا الجزء منها، في أيام الله هذه التي استدار فيها الزمان، ليكون المسك فيها البلاغ الذي وصفه الخالق بقوله تعالى:(وإنك لعلى خلق عظيم)، ففي خطبة الوداع بلّغ الشاهد من الناس غائبهم عن رسول الله وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وسلم) قوله الذي تكرر بهذا النداء “ يا أيها الناس” وتوالت فيه الوصايا التي بُعث لإتمامها بمكارم الأخلاق، فأعلى حرمة الدماء والأموال، وأرسى المساواة والكرامة وفضل التقوى، ووضع سفك الدماء وربا الأموال، وأوصى بالنساء خيراً، فهن شقائق الرجال، ألا فليبلغ الشاهد الغائب بأقوم الهدي في بلاغ الخاتم(صلى الله عليه وسلم) مما قاله في خطبة الوداع:
أيها الناس: اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً.
أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم هذا وكحرمة بلدكم هذا.
أيها الناس: فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وإن كل ربا موضوع، وكل دم كان في الجاهلية موضوع.
أيها الناس: إن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا،واستوصوا بالنساء خيراً، فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلّغت اللهم هل بلّغت.. قالوا اللهم نعم ، فقال رسول (صلى الله عليه وسلم) اللهم فاشهد، اللهم فاشهد اللهم فاشهد.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:24 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-3804.htm