الخميس, 29-يوليو-2010
بقلم: روحي فتوح -
إمتنعت عن الحديث، منذ ظهور نتائج الإنتخابات التشريعة السابقة، في إستحداث مواد معدلة للقانون الأساسي للسلطة الوطنية. واليوم وبصراحة فإن الذي يتحمل مسئولية إفشال كتلة فتح في المجلس التشريعي السابق هم عدد من بين أعضائها لم يلتزموا بقرار الأغلبية: فأعضاء الكتلة آنذاك خمسة وستون، ثلاثة وستون منهم كانوا يستطيعون حضور جلسات المجلس، أما الأخ القائد الكبير مروان البرغوثي، "أدعو ربنا أن يعود لنا قريباً جداً ليأخذ مكانة الطبيعي بيننا"، والأخ المناضل الكبير حسام خضر الذي من اللّه عليه بالحرية بعد الإنتخابات، فكانا أسيرين في سجون الإحتلال وبالتالي إستحالة مشاركتهما في حضور الجلسات. وبلغ نسبة مؤيدي إدخال التعديلات خمسون عضواً من كتلة فتح، وتبقي ثلاثة عشرة (بينهم ثلاثة أعضاء من اللجنة المركزية السابقة من أصل ستة أعضاء تغيبوا عن جلسات التعديلات التي دعوت لها، بينما الأخوان الطيب عبد الرحيم وعباس زكي والأخت أم جهاد شاركوا فيها) يتحملون تعطيل قوة فتح.
على أثر إصابة الأخ القائد المرحوم صخر حبش بجلطة دماغية، دعا الأخ أبو مازن اللجنة المركزية لإجتماع طارىء، كنت أشارك بصفة مراقب فيها. وعقد الإجتماع في غزة، وطلب أبو مازن من المركزية تعيين نائب للرئيس. وتفاجأ الحضور بطلب الرئيس تعين نائب له بعكس ما يفعله روؤساء آخرون. فقال لهم أبو مازن ما معناه "بعد إصابة الأخ أبو نزار بجلطة وهو أصغر سناً منا، ولا أحد ضامن عمره ولا يهرب من قدره، لذلك أطلب منكم تعيين نائب تجنباً لأي مشاكل في حالة الشغور، لقد إستطعنا بعد رحيل أبوعمار رحمه اللّه نقل السلطة بهدوء وسلاسة، والأخ روحي موجود بيننا لعب دوراً كبيراً ولدينا قانون ومعنا التشريعي، نحن مقبلون على إنتخابات تشريعية، ولا أحد يضمن اللي جاي". رد عليه البعض "بعيد الشر ... وبعد عمر طويل ... إيش هالحكي ... أنت الرئيس وبتطلب نائب لك..." قاطعهم أبو مازن (أمتنع هنا عن ذكر ما قاله) وواصل حديثه قائلاً "بلاش فلسفة وكلام فاضي، أنا بتكلم جد"، وطلب من الأخ أبو الأديب رئيس المجلس الوطني أن يفتي بالأمر. رد أبو الأديب "بالنسبة لمنظمة التحرير لا يوجد إشكالية فالنظام الأساسي واضح حيث تنتخب اللجنة التنفيذية الرئيس من بين أعضائها، أما رئيس السلطة الوطنية فبحاجة إلى تعديل في القانون الأساسي للسلطة وإستحداث مادة جديدة بذلك". من ثم طلب مني أبومازن الرأي، فأكدت على كلام أبو الأديب وأضفت "مطلوب إجتماع مع كتلة فتح وإبلاغها بالقرار ونسبة الثلثين متوفرة، لدينا ثلاثة وستين عضواً الأن ونحن بحاجة إلى ثمانٍ وخمسين صوتاً لإقرار أي تعديلات على القانون الأساسي".
كما طرحت في نفس الجلسة تعديل قانون الإنتخابات بإعتماد التمثيل النسبي الكامل، الذي وافق عليه أبو مازن وأبو الأديب في حين طلب البقية دراسته قبل إعطاء رأيهم. بعد هذه الجلسة دخلت بداية أنا وزملاء من أعضاء المجلس: د. سعدي الكرنز، د. غازي حنانيا، إبراهيم أبو النجا، هشام عبد الرازق، د. عبد الرحمن حمد، حسن عصفور، عماد الفالوجي معركة إقناع لأبناء كتلة فتح الرافضين للتعديلين المذكورين أعلاه. وأضفنا عليهما تعديلين آخرين وهما: منح الرئيس صلاحية حل المجلس بضوابط يكفلها القانون، والإستفتاء العام يعلنه الرئيس ويعلن نتائجه بنفسه ويأمر بتنفيذه. وإستمرت محاولاتنا ستة أشهر حشدنا خلالها خمسين عضواً من الحركة وهي غير كافيه لإقرارها. للأسف، تعرضت أنا شخصياً للهمز واللمز وأتهمت بأنني أسعي للتعديلات لأن الرئيس وعدني بتسميتي نائباً له، طبعاً ذلك لم يحدث أبداً.
لقد كظمت غيظي قبل الإنتخابات، وتحملت سماجة الكثيرين، ورفضت أن أكون من ضمن قائمة فتح في الأسماء الأولى (الرابع) وطلبت إعفائي من الترشح للإنتخابات. وتم تفسير رفضي الترشح هو قطع شكهم باليقين بأنني سأكون نائباً للرئيس بعد الإنتخابات!!
الغرابة، إن الذين عطلوا إرادة فتح في توفير أوراق قوة يمكنها من حماية النظام السياسي، تقلدوا المناصب العليا في السلطة. منهم من ترك ومنهم مازال يتقدم الصفوف ولم يوجه لهم حتى مجرد عتاب، في حين أنا وبعض الذين جهدوا كثيراً لحماية النظام تعرضنا لأبشع أنواع التنكيل، وأنا شخصياً أكثر من لحق به الأذى. لقد شجعتني كلمة أبومازن في دورة المجلس الثوري الأخيرة نشر هذا الحديث حتي لا يتم إجمال أعضاء فتح في التشريعي السابق ويؤخذون بجريرة من عطل إرادة فتح ومن بعد إرادة المجلس التشريعي. لقد خذلتهم حساباتهم الشخصية، وهواجسهم وأوهامهم ودفعتهم لتغليب مصالحهم الفردية على مصالح فتح ونظامها السياسي، الأمر الذي نعاني منه الأن وعلى المدى المنظور.
لقد حاربوني بضراوة، ولم يدخروا جهداً إلا بذلوه في سبيل إبعادي عن دائرة الفعل بإغتيالي حياً ودون إراقة قطرة دم واحدة من جسدي. وبعد الباطل الذي إبتدعوه ضدي أبلغني الأخ أبو مازن، بعد مرور خمسة شهور على الواقعة المدبرة، أن عضواً من اللجنة المركزية السابقة قال له "أن الموقف الصعب ضد روحي سببه رغبتك بتعيينه نائباً لك". فأجبتة "لم أسمع من سيادتك أي تلميح بذلك، بل طلبت أنت منهم (أي المركزية) أن يختاروا ثلاثة أسماء تطرح على المجلس الثوري والذي يحصل على أعلى الأصوات يعين نائباً ويعرض على التشريعي للمصادقة عليه". كما ذكرته بما قلته أنا أيامها "الأمر محلول لا أحد يتقدم على الأخ أبو ماهر وفي حال عدم موافقته العودة إلي الوطن يتم إختيار الأخ أبو علاء" بمعني أنني لم أفكر في نفسي، كما أضفت لحظتها "أنا ما صدقت وخلصت من الستين يوم". وأنني أعلم جيداً بقناعة أنني لا أتقدم على الأخوين المذكورين وعلى آخرين من القيادة، بالرغم من تقلدي أعلى المناصب في السلطة، فأنا أحترم تقاليد حركتي وتنظيمي ومعروف عني بالإنضباط. الشك، والوهم، وكراهية الآخر، شلت قدرة البعض عن التفكير السليم، وغيرتهم جعلتهم يفقدون إنسانيتهم وأنستهم روابط الأخوة والسجل النضالي النظيف والسمعة الوطنية المشرفة لرفيق دربهم الذي لم يتخادل يوماً عن دوره وواجباته كافة. هكذا أفقدنا أنفسنا بأيدينا أوراق القوة والسيطرة لأوهام لا وجود لها، وتركز هدفهم قطع الطريق على مرشح وهمي محتمل لهذا المنصب.
أما القضية الأخرى مسألة التمثيل النسبي التي واجهت رفضاً معطلاً من عدد كان يخشي أن لا يتم إختياره في قائمة الحركة، منهم من خدعته حساباته الجهوية والمناطقية وتوهم بأن أربعة أو ستة آلاف ناخب عشائري يجلب له الفوز. وأعماهم حبهم الشديد لأشخاصهم، وإفتنان لا معقول بقدراتهم الخارقة، عن فهم حالة الإستقطاب السائدة التي كانت تطلب أصوات عشرات الألاف للفوز (لكن لسان حال كل واحد منهم قال له أما أنا أو من بعدي الطوفان). إعتقدوا أنها مثل إنتخابات 1996م، عندما خاضتها فتح لوحدها ودون منافس. حتى دائرة المرشح الواحد التي ينطبق عليها قانون الدوائر وقانون النسبي في نفس الوقت، عطل مرشحوها تعديل القانون. وبعد طول عناء، إحتار أمري مع المعطلين، فاقترحت أن يتم إحتساب إنتخابات الدوائر على أساس النسبية وإحتسابها طبقاً لنظرية "سانت لوجي"، ولكنهم رفضوا ذلك أيضاً. لقد بذلت قصارى جهدي بكل الأشكال والوسائل.
زارني الأخ اللواء محمد إبراهيم رئيس الوفد الأمني المصري، صبيحة يوم إجراء تعديل على مواد إنتخابات الدوائر، ليبلغني رسالة من حركة حماس بأنها ترفض التعديلات وستقاطع الإنتخابات في حالة إحتساب إنتخابات الدوائر على أساس النسبية. ومع ذلك، جاء العمل المعطل من فتح وليس من حماس، من دائرة العضو الواحد، أي دائرة من يحصد أعلى الأصوات هو الفائز في النسبي وفي غيره!
أما فيما يتعلق بمنح الرئيس صلاحية حل البرلمان، فهي ليست بدعة، ومعمول بها في كل الأنظمة الديمقراطية، ولها أسباب موجبة وضوابط تشكل قيوداً تمنع الأستخدام التعسفي للصلاحية القانونية. لم أفهم لغاية الأن لماذا رفضوا ذلك حتى في الجلسة التي عقدتها بعد الإنتخابات، وهي نظامية وشرعية، ولولا تنبهي لحالة العبث والإستهتار قبل الإنتخابات الأمر الذي دفعني إدخال تعديل على القانون الأساسي المادة رقم 47 مكرر لما إستطعنا عقدها. فالمجموعة التي عطلت التعديل قبل الإنتخابات والتي لم تفز بها بقيت متمسكة بمواقفها وعطلت التعديلات بعد ظهور النتائج النهائية وتراجع فتح الكبير والفوز الساحق لحركة حماس.
بعد إنقضاء السنوات الخمس على الإنتخابات التشريعية، رأيت أنه من حق الزملاء السابقين عليَّ أن أدافع عنهم وعن نفسي، ولو بعجالة، وفيما بعد سأنشر كتاباً بذلك. وكي لا يحسب على التشريعي السابق أن أعضاء فتح وحدهم كانوا مع التعديلات فهذا سيكون فيه نكران لأعضاء آخرين كانوا أكثر تشجيعاً وتبنياً لإعتماد التعديلات: الأخت د. حنان عشراوي والأخوة د. عزمي الشعيبي، ود. زياد أبو عمرو، ود. كمال الشرافي. كنا بحاجة على الأكثر لخمسة أصوات لبلوغ الثلثين، التي للأسف حجبها بارزون من فتح. وليعذرني أخواتي وأخوتي في كتلة فتح لعدم ذكر أسمائهم، فهي كانت تضم أعضاء من فتح وأخوة آخرين ترشحوا على قوائم فتح في الإنتخابات التشريعية الأولى. بالرغم من الأخطاء التي أرتكبت، فهي إجتهادات، والأخطاء من لوازم العمل، وأتمنى أن يكون لنا مجلس بقدرة وكفاءة وعمل التشريعي السابق، لهم جميعاً حبي وتقديري الرافضين والموافقين على التعديلات، وساق اللّه على تلك الأيام.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:50 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-3860.htm