صنعاء نيوز/تحقيق | ماجد الشيخ -
في بداية كل عام دراسي يشتاق يوسف لمدرسته وزملائه وفي هذا العام تغير تماما .. لقد تحول يوسف من طفل مرح إلى طفل كئيب يبكي لأسباب بسيطة.
تقول الأستاذة يسرى - مدرسة - قريبي يوسف أصبح ذاهب الذهن مشتت الأفكار، لا يحب المرح واللعب كما كان يحبها من قبل حتى الكلام لا يتكلم كثيراً.
وتضيف يسرى وهو إسم مستعار "قريبي أصبحت شهيته ضعيفة وظهرت عليه أعراض لم تكن موجودة مثل شعوره بالغثيان وألم في منطقة البطن وعندما يخبره أبوه بأن لايذهب إلى المدرسة كونه متعب يفرح لذلك وتتحسن حالته".
يوسف في الصف الرابع من التعليم الأساسي يخبر أسرته أنه لم يعد يفهم الدروس بشكل جيد وغير متحمس للدراسة ويطلب من والده الذهاب معه إلى المدرسة.
وتقول أسرة إن السبب يعود إلى تأثر نفسيته بسبب الإنفجارات الهائلة الناجمة عن الصواريخ التي كان يلقيها طيران تحالف عاصفة الحزم وفق يسرى.
أحلام ضائعة
الطالب عمر أحمد - 10سنوات - تحدث متسائلاً بكلمات مؤلمة وحزينة كانت تظهر ملامحها على وجهه " متى تنتهي الحرب التي دمرت كل أحلامي ؟"
عمر يحلم أن يكون دكتور في المستقبل، ويدعو الله أن ينتقم من المتسبب في هذه الحرب .. ويؤكد أنه عندما يكبر سينشر فكر السلام.
مخاوف
من جهتها أكدت - الأستاذة لطفية غلاب مديرة مدرسة فاطمة الزهراء للبنات - التي يحيط بها معسكر النقل الخفيف والفرقة الأولى مدرع إن بداية العام الدراسي الحالي كانت بداية صعبة ومقلقة لدى الجميع.
وقالت : "استمرينا ما يقارب ثلاثة أسابيع لم يتوجه إلا عدد ضئيل لا يذكر وبعد توعية للناس وأولياء الأمور حضرت الطالبات والحمدلله الآن في المدرسة ما يقارب ٢٤٠٠طالبة".
وأشارت إلى أن الجميع من إدارة مدرسة ومدرسات و طالبات وأولياء أمور طالبوا بنقل الطالبات إلى مدرسة أخرى أكثر أمنًا لكن واجهتهم صعوبات وعراقيل مما اضطرت إدارة المدرسة إلى فتح باب التسجيل في نفس المبنى حسب تأكيدها.
وأكدت أن الخوف والقلق ما زال موجودا لدى الطلاب والمعاناة مستمرة وخاصة وضع الطالبات النازحات.
وقالت " عند تحليق الطيران يتجه أولياء الأمور لأخذ الطالبات من المدرسة ".
آثار نفسية وسلوكية
تؤكد الدكتورة أمة الرزاق محمد أحمد الوشلي رئيس قسم علم النفس بجامعة صنعاء - أن الكبار قادرون على تحمل الصدمات أكثر من الأطفال في الحرب.
و قالت : "الأوضاع الراهنة للحرب وما يصاحبها من مصائب ونكبات يكون أثرها النفسي والسلوكي والتعليمي كبير على طلبة المدارس وخاصة في مرحلة التعليم الأساسي لعدم اكتمال نضج التلاميذ والأطفال نفسيا واجتماعيا ومعرفيا ووجدانيا".
وتضيف: "تظهر آثار الحرب على الصحة وعلى نفسيات الطلاب ومن أبرزها قلة الحركة وقلة الانتباه وفقدان القدرة على التركيز أثناء شرح الدروس وكذلك فقدان الثقة بالآخر".
أما فيما يتعلق بالجانب السلوكي تقول الوشلي : " قد تزداد السلوكيات العدوانية نتيجة مشاهدتهم للعنف وتزداد مشاعر الخوف والقلق لديهم.
وتشير إلى مظاهر لذلك القلق الناجم عن الحروب لدى الأطفال والتي منها إمكانية ممارستهم للعنف وكذلك قص الأظافر وعض الأصابع بسبب القلق وعدم الشعور بالأمان.
وأكدت من مظاهر تأثير الحروب على الأطفال هو "ضعف التحصيل الدراسي بسبب انشغال الطلبة بالأحداث الصادمة خارج إراتهم وبشكل تلقائي نتيجة خطورة الأحداث ومشاهتهم لصور مثيرة بشكل مباشر وغير مباشر".
تحول سلبي
من جهته أكد الخبير التربوي عارف الشيخ بأن العملية التربوية والتعليمية ترتكز في أدائها على التفاعل النفسي الإيجابي وعلى مقدار وحجم الدافعية والرغبة في التعلم.
وقال :"هذه الرغبة والدافعية لا يمكن أن تتوفر مالم تكون الظروف النفسية المحيطة مواتية وتسمح برفع الدافعية".
وأشار إلى أن الحرب والصراعات تنقل الطالب إلى بيئة نفسية غير مستقرة مما يجعل الدافعية والرغبة في التعلم على المحك "في الجانب النفسي وتحول الأفق المرسوم من قبل الطالب إلى أفق ضبابي ومعتم مما يؤثر سلبا على مستوى التحصيل العلمي".
وقال : " الصراع يضعف القدرة على التفكير والإبداع ويصبح الهم الأكبر هو التخلص من فوبيا الحروب وربما انصهر البعض في بوتقة الصراع ".
عارف الشيخ تحدث عن آثار قد تترتب على الحرب القائمة منها تحول الطالب من مجتهد في المجال العلمي والأكاديمي إلى طالب متمرد على كل قوانين السلم والعلم والمعرفة ليصبح بعدها منظر في ممارسة القتل ولعبة الموت التي تحول المجتمع إلى غابة من سلسة صراعات لا تنتهي.
التعامل مع الجديد
طاهر الشلفي - مدير الإعلام بمركز الدراسات والإعلام التربوي- يقول: "للحروب والنزاعات المسلحة آثار سلبية لاتقتصر على المتعلمين فحسب حيث أن الآباء والأمهات بالتأكيد ينالهم آثار الحروب والنزاعات المسلحة اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وغيرها وبكل تأكيد ينعكس ذلك على المتعلمين إضافة إلى الآثار المباشرة التي تصيبهم".
وأفاد الشلفي بأن الآثار النفسية لدى المتعلمين المترتبة على الحروب تؤثر بشكل كبير على توجهاتهم وسلوكهم المعتاد مما يحد من نسبة التحصيل والقبول من الآخر فيتغير سلوكهم وأساليب تعاملهم مع الآخرين.
وأضاف: "بعض المحافظات عاشت عام دراسي كامل و نفذت امتحانات مرحلتي الأساسي والثانوي في ظل صوت القذائف ورائحة البارود وهو ما نعكس سلبا على سلوك الطلاب الشخصي وتحصيلهم العلمي وعلى مستقبل المجتمع والبلد بشكل عام".
وشدد الشلفي على ضرورة تطبيع الوضع النفسي و السلوكي لدى المتعلمين من خلال برامج الدعم النفسي التي تتيح المجال لتخطي مرحلة كبيره في تعديل الوضع النفسي والسلوكي.
وطالب عبر وسائل الإعلام التعاون بين أولياء الأمور والمدارس، وقال: إن أولياء الأمور لهم الدور الأكبر دائما في ملاحظة هذه السلوكيات, وكيفية التعامل مع أبنائهم, وفي حالة عدم وجود الخبرة الكافية لديهم يجب أن يتواصلوا مع المرشد التربوي والمختص النفسي في هذه الأمور. |