صنعاء نيوز\بقلم:سري سمور - إذا أمطرت أو أثلجت في جنين في آب اللهاب بالتأكيد سأستغرب،وإذا جنى الدبور رحيقا لتنتج خليته عسلا فلا شك سأندهش ،وإذا صار ماء البحر الميت الملح الأجاج عذاب فراتا فهذا شيء من العجب؛ولكن لن أستغرب إذا قيل لي بأن الملح والسكر أبيضان ،ولن تعتريني الدهشة إذا حملت سكينا وشققت بطيخة فوجدتها حمراء صالحة للأكل أو بيضاء ليكون مصيرها الرمي في النفايات...وهكذا الإنسان يستغرب ويندهش من رؤية أمور لم تألفها عيناه وعقله ووعيه مبرمج على أنها من غير المعقولات في الحياة،أما ما سوى ذلك فلا يدعو للدهشة أو الاستغراب أبدا!
(1) عيدن أفرجيل
كنا مئات الأشخاص عام 2002 حينما احتجزتنا قوات الاحتلال ،وكبلت أيدينا بكلبشات بلاستيكية ،وحين طلبنا قضاء حاجتنا،أي أن نتبول،وقفنا طابورا وتبولنا على سياج بشكل جماعي،كان هناك جندي يحمل كاميرا ديجيتال ويقوم بتصويرنا،لماذا؟لا يهم؟وحين أحضروا لنا طعاما لم يفكوا قيودنا،فأخذنا نقضم الخبز كالأرانب وأيضا كان هناك تصوير،وعلى حاجز بيت إيبا ،الذي أزيل قبل مدة،كانوا يصورون المواطنين الذين يذوقون الأمرّين كي يسمح لهم بالمرور.
من أجل هذا لم أستغرب ما قامت به أو قالته عيدن أفرجيل المجندة صاحبة الصور الشبيهة بصور المجندة سيئة الذكر في سجن أبي غريب قرب بغداد،هذا أمر عادي لديهم،وكل ما هنالك أنها نشرت الصور على الفيسبوك،بقية زملائها وزميلاتها قد يقوم بعضهم بذلك وقد يمتنع البعض الآخر ويكتفي بعرض الصور لمجموعة أشخاص محدودين وليس لملايين المتصفحين،ولن أستغرب إذا ما أصدرت عيدن أفرجيل كتابا عن تجربتها في جيش الاحتلال وحقق مبيعات بالملايين...لماذا تستغربون ؟العيب من أهل العيب ليس عيبا،فهذه الثقافة تشبعت بها عيدن وكانت منسجمة مع نفسها ولم تذرف دموع التماسيح كما فعل آخرون لا يقلّون عنها عنصرية وسادية...لم الاستغراب؟!
(2) يوري برودسكي
حتى لو كان الشهيد محمود المبحوح متمتعا بالجنسية الألمانية كانوا سيطلقون سراح برودسكي لأن إسرائيل بالتعبير البلدي هي «بنت الداية» وهي فوق كل القوانين الأوروبية وكل ما جرى وسيجري مستقبلا فقط لحفظ ماء الوجه،لأن الصفاقة الإسرائيلية تحرج الأمريكيين والأوروبيين وحتى اللوبيات اليهودية في العالم ،أنا لم أستغرب ؛وأستغرب ممن هو مستغرب من إخلاء سبيل برودسكي ،عادي جدا،في ظرفنا أصبح البريء متهما والضحية مجرما،وبرمجت العقول على تقبل هذا الانقلاب في موازين العدل في هذا العالم القاسي الظالم الجاف المشاعر،لم تستغربون مما حدث لبرودسكي؟وبالنسبة لي لن استغرب لو رأيته يوما يجلس مكان باراك أو نتنياهو،فهذا عالم تبدلت فيه كل القيم والمبادئ وخالف فطرة الله التي فطر الناس عليها!
(3) المسجد الأقصى
لقد منّ الله على السيدة والدتي «أم سري» بالصلاة في المسجد الأقصى يوم أمس الجمعة وهي الجمعة الثانية من شهر رمضان المبارك،وقد سُرّت رغم تعبها بسبب الحرّ الشديد والإجراءات والحواجز؛سمحوا لأمي بالدخول للقدس لأنها فوق 45 سنة وسمحوا للرجال فوق 50 سنة بالدخول أيضا،شخصيا لم أدخل المسجد الأقصى منذ عام 1994م ،أمي دعت لي بألا يحرمني الله مما نالته من الصلاة وشدّ الرحال لأولى القبلتين وثالث المسجدين،وأزيد على دعاء أمي بأن يكون ذلك قريبا،فالله أعلم هل أبلغ الخمسين سنة أم يتوفاني الله قبلها،وربما يغيرون النظام المتبع حاليا برفع سن الرجال المسموح لهم بالدخول وقد حدث هذا فعلا فقد كانوا يسمحون للرجال في سن الخامسة والأربعين.
اعتدنا على الحرمان من شدّ الرحال إلى مسجدنا الأقصى،وتبلد الإحساس بحيث لم يعد هذا يثير فينا دهشة أو استغرابا،ربما يثير في نفوس بعضنا أو حتى أكثرنا حزنا أو حنقا أو شوقا،لكن لا دهشة ولا استغراب.
هناك من يستغرب ويندهش ؛عمر بن الخطاب،رضي الله عنه،وصلاح الدين وهارون الرشيد وقطز و سليمان القانوني...وغيرهم وغيرهم هم من يستغرب حال أمتهم وكيف الهوان قد حل وعشش بها،واليوم 21/8 هي ذكرى إحراق المسجد الأقصى ومع كل تذكّر لهذه الذكرى الأليمة نزداد بعدا بحكم قوة الغاصب عن الأقصى ،لتصبح زيارته حدثا مدهشا أو حلما بعيد المنال .
لست بصدد نثر بكائية فلطالما فعل ذلك من هم أقدر مني ومن هم أهم وأشد تأثيرا،بلا نتيجة على أرض الواقع،وما يحزنني أن ثمة جيل ينشأ ويكبر محروم من الأقصى،وقد كان جيلي ممن يزوره في الرحلات المدرسية بشكل روتيني ،فماذا عن الجيل الجديد؟أحاول أن أشرح لطفلتي البالغة من العمر سبع سنوات عن القدس والمسجد الأقصى،وأريها صورا على التلفزيون والإنترنت وأعطيها معلومات،وأعلم يقينا أن كل هذا لا يغني عن زيارة للمسجد الذي على شرفه يدنس ،ولكنهم كما سمعت من أمي يسمحون للأطفال بالدخول،هل من العجب في وضعنا أن نحسد كبار السن والأطفال لأنه يتاح لهم ما لا يتاح لنا...أم لا داعي للاستغراب من التعجب من حسد الشاب للشيخ والمرأة في ظروف ووضع الشقلبة؟! |