صنعاء نيوز احسن ملاط - منذ مدة تلوح في الأفق ملامح عمل على تغيير حكومي مرتقب. علماً أن الخطوات التي جرت في هذا المضمار لم تكن، في أحسن الأحوال، أكثر من تهديد بالإمكانية للاتجاه إلى إجراء تغيير حكومي. والدليل على ذلك أن الطرف المعني بهذا الموضوع لم يغير نمط تعاطيه مع المواضيع المطروحة التي تعتبر الذريعة للتغيير الحكومي نتيجة الكيفية في التعاطي معها.
ما هو الدافع إلى هذا النمط من التعاطي؟
الإجابة على هذا السؤال تستدعي العودة إلى الوراء. ففي العام 2000 ، بعد الإنتصار الذي حققته المقاومة الإسلامية على العدو الصهيوني، لم تطلب المقاومة ترجمة انتصارها على صعيد السلطة في لبنان. ويمكن تبرير ذلك بأن الرئيس رفيق الحريري كان يحسن التعاطي مع المقاومة، نتيجة العلاقات التي كانت تربطه بسيد المقاومة، السيد حسن نصر الله. فالعلاقات ما بين الشخصين لم تصل يوماً إلى القطيعة حتى في ذروة توترها. وهذا ما ساهم بالحفاظ على نوع من التعاطي يرضي الطرفين في معظم الأحيان. ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005 ، وتبوء السفارة الأمريكية قيادة "العمل الوطني" في لبنان تغيرت العلاقات التي كانت تربط سيد المقاومة برئيس حكومة لبنان. وهذا ما كان يتطلب التغيير في نمط التعاطي مع الرئيس الجديد. فالرئيس رفيق الحريري كان زعيماً شعبياً محبوباً، وهذا الوصف لا ينطبق على الرئيس فؤاد السنيورة. فهذا الأخير ليس زعيماً شعبياً، ولم يكن يوماً رئيساً أصيلاً لمجلس الوزراء. فالنظرة إليه كانت على أنه رئيس مؤقت ريثما يتهيأ الأصيل (سعد الحريري) لتبوء هذا المنصب. لذلك فالحسابات التي كان يقوم بها الرئيس السنيورة تختلف عن تلك التي كان يقوم بها الرئيس الأصيل الأول رفيق الحريري. فالرئيس السنيورة كان عليه أرضاء المايسترو الموجود في عوكر مضافاً إلى جوقة المطبلين لهذا المايسترو، نعني أطراف 14 آذار. ولم يكن في حسبانه إرضاء الناس، لأنه لا شيء يربطه بالناس. والمقاومة لم تأخذ هذا التغير في الحسبان.
بعد انتصار تموز 2006 ، والذي كان له وقع الزلزال في الكيان الصهيوني، كان هم أطراف 14 آذار البرهان على أن المقاومة الإسلامية لم تنتصر على إسرائيل، وكان هم الرئيس السنيورة العمل على ترجمة ما ذهبت إليه أطراف 14 آذار وذلك بطرحه النقاط السبع التي تنص في إحدى موادها على نزع سلاح المقاومة. حتى القرار 1701 والذي كان نسخة معدلة عن النقاط السبع كان يرمي بشكل أو بآخر إلى نزع سلاح المقاومة. ما نريد أن نقوله أن تعاطي الرئيس فؤاد السنيورة مع المقاومة لم يكن تعاطي الصديق الذي كانه تعاطي الرئيس رفيق الحريري مع المقاومة. ودعونا نستذكر اتفاق ال96 الذي شرعن عمل المقاومة المسلح ومنع إسرائيل من ضرب المدنيين.
هل تعاطت المقاومة مع الحكومة اللبنانية بشكل يؤمن حمايتها(حماية المقاومة) بعد انتصارها في آب 2006 ؟ الجواب هو كلا! لم تطلب المقاومة أن ينعكس انتصارها على العدو الصهيوني على صعيد السلطة السياسية في لبنان. وكان أهم انعكاس على هذا الوضع هو وصول المقاومة إلى أزمة 2008 في السابع من أيار. إن ما مكن أطراف الرابع عشر من آذار من التطاول على المقاومة هو زهد المقاومة بالسلطة السياسية وكأن المقاومة جمعية خيرية تتخلى عن انتصارها للآخرين. فعندما أهدي الانتصار للبنانيين، كانت ترجمته انتصاراً لأطراف 14 آذار. والدليل على ذلك هو القرارين التصفويين بحق المقاومة اللذين صدرا في الخامس من أيار 2008 . دعونا نتخيل أن المقاومة قد استثمرت انتصار 2006 على صعيد السلطة السياسية في لبنان، هل كان بإمكان الحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة أو غير السنيورة أخذ القرارات التي أُخذت في 5 أيار 2008. الجواب كلا!
هل استفادت المقاومة من عدم تعاطيها المتقن في 2006 ؟ نقول كلا!
أحبطت المقاومة الإسلامية المؤامرة التصفوية التي دبرتها أطراف 14 آذار مع المايسترو القائد، في السابع من أيار 2008 نتيجة تحركها السريع. لن نتحدث عن جميع انعكاسات هذا الحدث. ولكننا سوف نشير فقط إلى كيفية استثمار المقاومة لهذا الحدث على صعيد السلطة السياسية.
بعد إحباط المؤامرة التصفوية، دعت الأطراف العربية إلى إجتماع الدوحة. وكان الطرف الوحيد في هذه الجمهرة من الناس الذي بإمكانه استخدام حق النقض (الفيتو) هو المقاومة، لأنها الوحيدة التي انتصرت بإحباطها للمؤامرة التصفوية. هل استعملت المقاومة هذا الحق في اختيار الأطراف التي سوف تشارك في إجتماع الدوحة؟ إن مجرد تمثيل الطرف السني بالرئيس السنيورة وبالرئيس سعد الحريري(الذي لم يكن رئيساً بعد) هو دليل على أن المقاومة لم تستخدم أوراقها المنتصرة في تسمية أطراف الحوار. إن الطرف الوحيد الذي تضرر من تحرك السابع من أيار 2008 هي المعارضة السنية. والطرف الوحيد الذي كان خارج الحوار في الدوحة هو المعارضة السنية المؤيدة لحزب الله. فعندما يكون هناك طرفان حليفان، فانتصار أحدهما يكون انتصاراً للآخر. ولكن هذه المعادلة لم تترجم في الدوحة. حتى في هذه المعركة التي كانت أخطر من العدوان الصهيوني في ال2006 ، آثرت المقاومة التخلي عن انتصارها للأطراف اللبنانية حتى المعادية لها!!
ما هو الوضع الراهن؟
إن التغير الذي طرأ داخل الساحة السنية لا يمكن اعتباره انتصاراً للطرف المعارض لتيار المستقبل بجناحيه المتغرب والمتطرف بقيادة الرئيس السنيورة ومن أبرز رموزه النائب الحالي والوزيرالسابق أحمد فتفت الذي افتخر منذ يومين، في حديث إذاعي، لاستضافته جنود الاحتلال الاسرائيلي في 2006 ، والنائب السابق مصطفى علوش. أما الاتجاه الآخر هو ذاك الذي يمثله الرئيس سعد الحريري والذي يفضل الارتباط بمحيطه العربي (السعودي والسوري) على الارتباط بالمايسترو الأمريكي، ومن أبرز رموزه النائب الحالي والوزير السابق الأستاذ سمير الجسر. إن البلديات التي نجحت كانت تتبارى للتحرر من المستقبليين المسيطرين على الساحات المحلية وليس للتحرر من الرئيس سعد الحريري. والمتابع يعرف صحة ما نذهب إليه في هذا التحليل.
أما ظاهرة الاختلاف ما بين الوزير الحالي محمد الصفدي و تيار المستقبل، لن تخلق انقساماً ضمن الساحة السنية، ذلك أن الناس المرتبطين بالوزير الصفدي يرتبطون في نفس الوقت بالرئيس الحريري، أعني الشريحة الكبرى من هؤلاء. أي أن الاستقطاب هنا ليس بالاتجاه المعاكس لتيار الرئيس الحريري. وأعتقد أن نفس الكلام، وإن كان بنسبة أقل يصح على جمهور الرئيس نجيب ميقاتي. فالرئيس ميقاتي قد عمل معظم وقته على استقطاب مستقل عن تيار المستقبل، وليس كما فعل الوزير الصفدي. ومع ذلك فهو لا يملك قاعدة يمكنها أن تنافس قاعدة الرئيس الحريري.
نعتقد أنه لا منافس جدي للرئيس الحريري خارج الساحة الطرابلسية، اي أنه لايمكن طرح الأستاذ عبد الرحيم مراد كرئيس للحكومة في هذه الظروف.
إن عدم طرحنا للرئيس عمر كرامي كخيار للتغيير الحكومي هو لاعتقادنا أن الرئيس عمر كرامي لن يقدم على خطوة كهذه من دون تفاهم مع الرئيس الحريري نفسه.
إن الخطورة في طرح التغيير الحكومي في الظروف الحالية يحمل محاذير منها أن تكون الحكومة الجديدة كتلك التي ألفها الرئيس أمين الحافظ وأجبر على الاستقالة لأنها لم تملك تغطية شعبية سنية. فإذا حصل ذلك فإن خطة التغيير الحكومي تصبح خطوة ناقصة. وربما تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها. كما أن التغيير الحكومي لن يحظى بتأييد سعودي، كما أنني أزعم أنه لن يلقى تأييداً سورياً، مع التأييد الجدي السوري للمقاومة. ولكن هذا لا يمنع من رؤية سورية مختلفة للوضع الحكومي اللبناني عن تلك التي ترى ضرورة للتغيير الحكومي. لأنني أعتقد أن الرئيس الحريري لا يغرد وليس على استعداد للتغريد خارج السرب السوري وخاصة في الظروف الحالية والتي ترتدي قدراً كبيراً من الحساسية.
أما الأخطر من ذلك جميعاً هو أن يؤدي العمل على التغيير الحكومي إلى النتائج التالية
1 - اصطفاف مذهبي أخطر من كل ما حصل حتى الآن. وهذا يحمل أخطر المحاذير. فإعادة اللحمة إلى الساحة السنية سوف يكون على حساب الاتجاه المؤيد للمقاومة والاتجاه المعارض ضمن الساحة السنية.
2 – إزدياد قوة الاتجاه التغريبي داخل تيار المستقبل.
3 – انكسار الجرة ما بين حزب الله والرئيس سعد الحريري.
هل وصلت الأمور بين حزب الله والرئيس الحريري إلى طريق مسدود؟
صحيح أن الأمور شديدة الحساسية ولكنها لم تصل حتى الآن إلى طريق مسدود. لقد تحمس الوزير الصفدي كثيراً، عندما وجد تلميحات للتغير الحكومي وراح يصرح من دون تحفظ. علماً أن التلويح بالتغيير لا يعني بالضرورة تغييراً. لم يتدخل السوري في هذه الأزمة القائمة مابين حزب الله والرئيس الحريري والسوري لديه القدرة على حلها من دون تدخل السعودي. ومن الممكن أن يتمكن الطرفان المعنيان من حلها حتى من دون تدخل الأصدقاء المشتركين. إن الحفاظ على الاستقرار الداخلي هو مطلب حريري بقدر ما هو ضرورة لحزب الله وخاصة في ظروف التهديدات الاسرائيلية اليومية. ولكن ليس من العدل أن يضغط الرئيس الحريري في هذه الورقة لأنها ورقة العدو المشترك. أما بالنسبة للمحكمة الدولية فالرئيس الحريري يعلم حق المعرفة أنه لن يكون فاعلاً فيها إذا تناقضت رغباته مع المتطلبات التي يريدها المجتمع الدولي من خلال المحكمة الدولية. هذا يعني أن التفاهم الداخلي سوف يحمل الكثير من الايجابيات للرئيس الحريري أكثر من تلك التي يستجلبها الخضوع للمتطلبات التي يريدها المجتمع الدولي وأقلها القضاء على الاستقرار التي تنعم به بلادنا. فالتفاهم إذن ممكن ولكن لايمكن الوصول إليه من غير تواصل على مستويات رفيعة.
إذا لم يكن التغيير الحكومي ممكناً الآن فما هو المطلوب؟
إن الساحة السنية حبلى بالإمكانات الجدية للعمل الوطني، فاغترابها عن العمل المقاوم كان استثناء ولم يكن يوماً من بنيتها. ولكنها ساحة متروكة للتجارب. فالمعارضة لم تخلق يوماً عملاً جاداً يمكن أن يتصدى لأولئك الذين عملوا على نقل الساحة من المعسكر الوطني إلى المعسكر المضاد. وقيادات العمل الوطني لا تقوم بأي ممارسة جدية. إن الولائم لا تخلق عملاً، إنما تعطي انطباعاً أن اتجاهات الرياح قد تغيرت. أما الساحة فهي بحاجة إلى عمل جدي. إن معيار النجاح في هذه الساحة هو انقسامها العمودي بين الاتجاه الوطني والمؤيد للمقاومة من جهة والاتجاه المعادي لكل ما هو وطني والذي يعمل للارتباط بالغرب وتلقي الأوامر من السفارات.
عندما يصبح الأمر كذلك تنتفي المحاذير لأي طرح يبدو ضرورياً وفي مختلف الظروف.
|