منال الكندي - الحب ليس مجرد كلمة من حرفين، بل هي قيمة معنوية تحتوي على معاني كبرى وعديدة في كل قواميس الحياة الإنسانية واللغات.
في القران الكريم ذكر الله سبحانه وتعالى الحب في مواضع عدة كمحبة المؤمنين لبعضهم البعض، وبين في الكثير من السور القرآنية كيف تكون المحبة، كالتعاون، والإيثار ، والكرم، وغيرها من المعاني السامية القائمة على المحبة والحب.
وفي علاقة الرجل بالمرأة جعل الله مسميات أخرى كالمودة والرحمة التي بالضرورة تنتهي بالحب والمحبة بينهم، والعكس غير صحيح، لأن الحب يحمل في كثير من قيمه الصفات البشرية النفسية غير سوية، كالأنانية والسيطرة وحب التملك وغيرها التي تنتهي بنهايات على غرار (ومن الحب وما قتل). تقول أحلام مستغانمي (هل ثمة أجمل من حب يولد بشراسة الغيرة ، واقتناعنا بشرعية امتلاكنا لشخص ليس لنا ).
الله سبحانه وتعالى عندما ذكر الحب في علاقة الرجل والمرأة ذكرها في موضع واحد وهو قصة امرأة فرعون وسيدنا يوسف عليه السلام يقول( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ *)سورة يوسف: الآيات 23
فنتعجب من ملكة عشقت فتاها الذي ابتاعه زوجها بثمن بخس، وبهذا الحب والوله لم يبق مُلك، ولا منزلة، وزالت الملكة من الأنثى.
هذه المرأة جعلت تعترض سيدنا يوسف عليه السلام بكل ألوان أنوثتها، لون بعد لون، وبذلت كل ما تستطيع في إغرائه وأول ما خلعت أمام عينيه، خلعت ثوب المُلك!
الحب في قضية هذه المرأة جاء ببرهان الشيطان يقذف به آخر محاولته، ولكن لسيدنا يوسف عليه السلام، يقع برهان ربه كما وقع لها هي برهان الشيطان.
فلولا برهان ربه لكان رجلا من البشر في ضعفه الطبيعي، ولكن إذا تأملنا الآية جيدا والتي ننفي عن يوسف عليه السلام فحولة الرجولة، والتي تربي الشباب والرجال والنساء وتعلمهم كيف يتسامون بهذه الرجولة الحقيقية البشرية بكل قوتها فوق الشهوات، حتى في الحالة التي هي نهاية قدرة الطبيعة
في الوقت الذي نرى اليوم كيف صار الهوس بالجنس وتحرره تحت شعار الحب، وكيف يتعذر البعض بأنها غريزة طبيعية والبشر ضعيف أمامها!!
البرهان الذي يراه الإنسان من ربه، يؤوله كل إنسان بما شاء، فإذا مثل الرجل لنفسه في تلك الساعة أنه هو وتلك المرأة منتصبان أمام الله يراهما، أو أماني في القلب التي تهجس فيه ويظنها خافية وإنما هي صوت عال يسمعه الله، وإذا تذكر أنه سيموت ويُقبر، وما يصنع الثرى في جسمه هذا، أو في موقعه يوم تشهد عليه أعضاؤه بما كان يعمل، أو إذا فكر بأن هذا الآثم مرجعه عليه في أخته أو أبنته. إذا فكر ورأى برهان ربه يطالعه فجأة، تماما كالسائر في الطريق غافلا، مندفعا إلى هاوية، ثم ينظر فجأة فيرى برهان أمام عينيه، هل من المعقول أن يتردى في الهاوية حينئذ أم يقف دونها وينجو!!!!
أية واحدة تربي وتعلم كيف يستطيع الإنسان رجلا أم امرأة أن يحمي نفسه من الهاوية التي يدفعه إليها الشيطان، فبالرغم من ظهور العديد من الفلسفات الإنسانية والتي هي من صنع البشر الضعيف تدعو لتحرر العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة، إلا إنها تتثبت كل يوم فشلها وخلقها لمشاكل عدة وأمراض نفسية وجسدية ومادية، وأدت أخرها إلى صنع قانون باسم حقوق المثيلية (زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة)، والعجيب بأن كل الرذائل والفسوق في وقتنا الحاضر والتي نهت عنها الأديان السماوية والفطرة السوية التي ترفضها، صارت اليوم تُقر وتُسن كقوانين في المحافل الدولية وتفتح لها ملفات ضغط على الدول التي ترفضها، وتشعل حروب لتطبيقها تحت مبررات حقوق إنسانية يكفلها القانون!
وكما هناك من يرى برهان الشيطان ليقوده للهاوية، هناك من يرى برهان ربه، ويسمو بحبه وفكره وقلبه ويحافظ على إنسانيته وبشريته مهما كان ضعفها، وقوة إيمانه بالله ثم بنفسه ثم بمن يحب.
|