صنعاء نيوز - 
يقول إن اليمن لا تحكم بالقوة والغلبة. له نظرية "الفائض" التي تقرر أن أي بلد فقير في موارده يصعب فيه الاستبداد

الأحد, 05-مارس-2017
صنعاء نيوز/حاوره - فايز الأشول -

حاوره - فايز الأشول


يقول إن اليمن لا تحكم بالقوة والغلبة. له نظرية "الفائض" التي تقرر أن أي بلد فقير في موارده يصعب فيه الاستبداد والطغيان السياسي. يُتهم بالكفر والردة عن الإسلام، وقد تعرض للملاحقة بسبب دراسات أعدها وكشفت جوانب مغيبة من تاريخ اليمن، وقدم للمحاكمة وثبتت براءته. أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء ورئيس مركز "دال" للدراسات والأنشطة الإجتماعية والثقافية، الدكتور حمود العودي، في حوار مع "العربي"، هذا نصه:
بعد ما يقارب الستة عقود على ثورة 26 سبتمبر، أين نحن اليوم؟
نحن اليوم نعيش مرحلة استمرارية الصراع والجدل بين الحاضر والمستقبل. ونستطيع القول إن ثورة 26 سبتمبر حققت الكثير. ولتقريب الصورة فقد كانت صنعاء يوم اندلاع الثورة تغلق أبوابها قبل مغيب الشمس. ووفق إحصائية موجودة لدى الجامعة العربية، فقد قامت ثورة سبتمبر ولم يكن في شمال اليمن سوى خمسين ألفاً يجيدون القراءة والكتابة. واليوم لدينا 6 مليون يمني منخرطون في العملية التعليمية بالجامعات والمدارس. وعلى من يجهل أو يتجاهل بقصد أو بدون قصد هذه الثورة أن يتأمل هذه الحقائق.
لكن البعض يرى فيما تقوم به "أنصار الله" اليوم محاولة لإعادة اليمن إلى ما قبل العام 1962م؟
الثورات لا تعيد نفسها في حلقة مفرغة، لكنها جزء من حركة التاريخ. وثورة سبتمبر تعرضت لانحناءات وتعثرات، لكن ليس "أنصار الله" وحدهم السبب في ذلك، فهناك محطات قبل ذلك تراجعت فيها الثورة كما في نوفمبر 1967م وحرب صيف 1994م. لكن في المحصلة النهائية حركة التاريخ تمضي إلى الأمام. وحركة "أنصار الله" كانت مكوناً أساسياً في ثورة 11 فبراير 2011م، وكانت من أكثر الأطراف مظلمة في المجتمع. واليوم عليها مراجعة أخطائها التي قد تفوق أخطاء كل من سبقها. وأنا أخشى عليها أكثر من البحث عن إدانتها. وليس من مصلحتهما الاستمرار في الشطط والتهور ومحاولة الإلغاء لمفهوم الثورة والجمهورية، فهذه أخطاء فادحة ومضرة بها. لأن الواقع قد تغير، وهي تحاكمه بلغة لم يعد لها وجود. وللتذكير فإن الصف الأول من ثوار الـ 26 من سبتمبر كانوا ممن يعرفون بفئة الهاشميين، ولهذا أدعو "أنصار الله" (إلى) أن لا يتقيأوا على تاريخهم المشرق في مسيرة الثورة والجمهورية، أما الإمامة فهي خطأ سياسي فهموه أم لم يفهموه. لأن الدين هو ضمير الشخص بينه وبين الله، أما السياسة والشريعة فهي ملكنا نحن ونتوافق بشأنها، وليس لأحد الحق في أن ينصب نفسه وصياً على ضمائر الناس.
ما توصيفك للصراع في اليمن؟
أنا أنظر له وباختصار شديد بأنه آخر مراحل الصراع بين الماضي والحاضر، وأنها معركة الحزم الإجتماعي والتاريخي بين مشروع الماضي ومشروع المستقبل، وللقارىء أن يسمي الماضي: إمامة أو قبيلة أو طائفة أو الفساد، ويسمي المستقبل: الثورة، الجمهورية، الدولة المدنية، الأمن والإستقرار... وما إلى ذلك.
لماذا يستحضر اليمنيون اليوم رموزهم الوطنية كعبهلة العنسي وحضارتهم في ما قبل الإسلام؟
لأن الطرف الآخر يستحضر رموزه "المتخلفة"، كالمهدي المنتظر وما أشبه ذلك، والتي يرفضها اليمنيون جميعاً ويستحضرون ماهضم وغيب من تاريخهم من رموز وطنية وحضارة تأبى محاولات طمسها. فعبهلة العنسي هو قائد ثورة ضد الإحتلال الفارسي قبل أن يصل الإسلام إلى اليمن بـ 13 سنة، وهذا ما يجهله الكثير اليوم، ولا يحضر عبهلة العنسي في أذهانهم إلا كأسود ادعى النبوة وقاوم الإسلام، وهذا غير صحيح. كما أن اليمنيين لم يرتدوا عن الإسلام، وهي مروية خاطئة أريد بها الإساءة إلى اليمنيين والتقليل من دورهم في نصرة الإسلام وقيادتهم للفتوحات إلى أصقاع المعمورة، لتوازي ما فعله أهل مكة بالرسول وبأصحابه من تنكيل وتشريد، وأنا أثبت هذه الحقائق بدراسات علمية وحوكمت عليها واتهمت بالكفر وبالردة لأنني أثبت أن الجن لم تقتل سعد بن عبادة، فهم لا يقتلون بشراً، وأن عبهلة بن كعب العنسي لم يدع النبوة ولم يثبت أنه أسلم حتى يقال أنه ارتد. وأن علي بن الفضل قاد حركة القرامطة ووحد اليمن في القرن الثاني الهجري وألصقت به تهم باطلة تم تناقلها كمرويات زائفة، وأن سيف بن ذي يزن قاد ثورة ضد الإحتلال الحبشي.
لكن سيف بن ذي يزن هو من استدعى الفرس إلى اليمن؟
سيف بن ذي يزن قاد ثورة ضد الإحتلال الحبشي. وقام بتحالف قومي مع عرب الشمال وذهب إلى مكة والحيرة وتدمر، ولقب بملك الملوك في الجزيرة العربية. وذهب في النهاية إلى فارس عدوة الروم المتحالفة مع الأحباش المحتلين لليمن من أجل تنفيذ مشروع سبق للرومان أن فشلوا فيه قبل ذلك، وألحق بهم اليمنيين شر هزيمة في منطقة مأرب. وبالتالي فإن التحالفات الإقليمية والدولية هي سنة من سنن الصراع السياسي على مر التاريخ.
واغتيال سيف بن ذي يزن لم يكن من قبل الحليف الفارسي بالدرجة الأولى، ولكن بتآمر داخلي قاده فروة بن مسيك المرادي الذي جعل منه الفرس اليد اليمنى وأطلقوا اسمه على إثنين من الأحياء في صنعاء.
أين هي النخب اليمنية اليوم؟
للأسف الشديد تعيش حالة من الشتات الذهني وفقدت كل أوراقها ولم تعد قادرة على تقديم أي شيء يمكن أن يحافظ على ما تبقى من وحدة اليمن واستقلاله. لأن انجرارها وراء الأطماع الشخصية وانخراطها في صراع المصالح الحزبية والطائفية والقبلية والمناطقية أوصلها إلى حالة من العدمية والثأرية والإنتقام المدمر الذي لا علاقة له بضمير ووجدان هذا الشعب. والمعول اليوم على جيل جديد وبروز قوة وطنية سياسية جديدة، وأنا أنظر إلى ثورة الشباب التي بدأت في 2011 على أنها الخميرة التي تنضج بمرور الوقت وستحقق مشروع الحاضر والمستقبل.
لماذا فشلت الأحزاب في قيادة الجماهير؟
لأنها لم تعد أحزاباً سياسية بل أشخاصاً أو قبائل أو مناطق أو طوائف، وفقاسة لإعادة إنتاج التخلف لا أقل ولا أكثر.
تتوالى دورات العنف والصراع في اليمن، لماذا؟
اليمن مجتمع لديه شروط حياتية وموضوعية فرضتها عليه ظروف المكان ومصادر العيش عبر التاريخ. وهذه الظروف لا يفهمها السياسيون ولا يريدون فهمها إلا بالصدفة أحياناً. اليمن حظي في فترات بالأمن والرخاء والتوحد وحقق إنجازات حضارية لم تقل عن حضارات وادي النيل والرافدين وروما واليونان، وهذه الحقيقة الأولى التي لا خلاف عليها، والحقيقة الثانية أننا بين فترة وأخرى ندمر ما أنجز ونتحول إلى شذر مذر. فعندما يتحقق التوازن بين المركز والأطراف تنهض اليمن وتزدهر.
وعندما يطغى المركز ويريد أن يتحول إلى فرعون لا يمكن أن يتحول الشعب إلى عبيد، بل يقاوم وينهدم المعبد على الجميع ويحل الدمار والخراب. كذلك عندما تميل الأطراف كالقبيلة والمذهب والطائفة والمنطقة إلى تدمير مفهوم التعايش والوحدة.
وأستحضر فترة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي تولى الحكم في مرحلة تشبه الوضع الذي تعيشه اليمن اليوم، قتل وقتال ممتد من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وصراع شطري، ويأتي الرئيس إبراهيم ليجسد الشراكة والشفافية والنزاهية ولم تمض سوى 3 أشهر من توليه الحكم حتى اختفت المظاهر المسلحة وصار اليمني يخجل من حمل السلاح على كتفه وتحققت في شمال اليمن تلك الثورة التنموية التاريخية الخالدة خلال 3 سنوات. ولا تزال تجربة التعاونيات الأهلية نموذجاً لبناء اليمن بأيدي أبنائه الذين حققوا بإمكانيتهم الذاتية ما لم تحققه الدولة. وهذا ما أزعج القوى المتخلفة لتتكالب وتغتال الرئيس إبراهيم الحمدي ومشروعه الوطني النهضوي، وبعدها اغتيل الرئيس الشهيد سالم ربيع علي.
واليوم نعيش مرحلة مشابهة لكن مهما تعثر المشروع المستقبلي إلا أن التاريخ لا يعيد نفسه ولا يعود إلى الوراء.
لماذا تهاوى الجيش النظامي ولم يصمد في وجه المليشيات؟
لأن مراكز القوى في القبيلة وفي الدولة هي التي سهلت هذه المهمة، وهي التي تواطأت مع كل ما هو مدمر وانتقمت من الشعب الذي لم يسئ لهم ولم يظلمهم. واليوم مشيخات الخليج تريد أن تقرر مصير شعب وبلد حضاري، وهذا خزي وعار سيلحق بساسة اليمن الذين يتصدرون المشهد في هذا الزمن الرديء الذي نعيشه.
صراع على السلطة باسم الدين لكن أين هي شواهد الحضارة الإسلامية في اليمن والجزيرة؟
الإسلام ليس مشروعاً اقتصادياً ولا صناعياً ولا ربحياً ولا تجارياً وإنما عقيدة ترشد الإنسان إلى فعل الخير. ولكن للأسف تحولت هذه العقيدة السمحة والتي تشكل مرجعية أخلاقية وقيمية وإنسانية، ليس للمسلم فقط وإنما حتى لغير المسلم، إلى أداة لإدارة الصراع بين السياسيين وادعاء تملك رقاب وحقوق ومصالح الآخرين.
وماذا عن شعارات "الإسلام دين ودولة" و"الإسلام هو الحل"؟
الإسلام ليس ديناً ودولة، ولا بد من التفريق بين العقيدة والشريعة، لأن العقيدة هي أصل الدين وجوهره. فأنا مؤمن بأن الله واحد وأن البعث والجنة والنار حق وأن القرآن الكريم منزل من عند الله، وكل ذلك مسائل إيمانية لا تخضع للكم ولا للكيف ولا للقياس. لكن الشريعة شأن دنيوي تتوافق عليها الشعوب بمختلف عقائدها ومذاهبها وأعراقها وانتماءاتها لإدارة شؤون حياتها. وتركيب العقيدة على الشريعة مفسدة للأولى والثانية، وهذا ما يفعله تجار الدين في السياسة.
لماذا صعدة منطلق الكثير من الأئمة لادعاء أحقيتهم في السلطة والوصول إليها؟
المساءلة نسبية، ولكن صعدة منطقة نائية وظلت معزولة لقرون عن التواصل مع العالم الخارجي، وحتى مع وجود دولة وعاصمة، سواء في صنعاء أو تعز أو إب أو حضرموت، لكنها ظلت خارج اهتمام السلطات المتعاقبة، الأمر الذي أفسح المجال لنشوء الأفكار والتوجهات غير المألوفة لرفض الواقع الذي يعيشه السكان هناك. وصعدة وما جاورها في شمال الشمال هي أكثر مظلمة على الإطلاق، لأنها معزولة ومحرومة، ولأن السياسيين والسلطات المتعاقبة قد حافظت على العزلة المتعمدة والممنهجة لسكان شمال الشمال وظلمتهم لكي تظلم بهم.
هل للجغرافيا تأثير في الصراع الحالي؟
لا يوجد صراع بين جبلي وتهامي، وإنما صراع أيدلوجي سياسي. وكل الجغرافيا اليمنية تقاتل بشراسة إذا أجبر سكانها على القتال، فالزرانيق سطروا ملاحم في مقاومة تسلط الأئمة والغزاة والمستعمرين، لكن التصاق كثير من التمردات والحركات والإجتياحات بشمال الشمال يعود إلى أن الأكثر عزلة ومظلمة هو الأكثر عنفاً.
والسياسة بخبثها وأنانيتها تريد أن تكرس صراعاً مناطقياً في اليمن لتدمر النسيج الإجتماعي.
ما تصورك للحل؟ وهل تتوقع اتفاقاً كالطائف ومصالحة كمؤتمر حرض؟
إذا اختل توازن القوى لصالح طرف فقد يجبر الطرف الآخر على القبول بوقف الحرب وفق شروطه. واذا أنكهت كافة أطراف الحرب والصراع في اليمن فقد يفضي ذلك إلى حل بالتوافق. ولا يمكن لأي طرف أن يلغي الآخر بالقوة.
ما مستقبل الصراع في المنطقة؟
هو صراع بين العقل والخرافة والجهل والعلم. والمنطقة تمر بمنعطف تاريخي ومرحلة مفصلية. والسعودية لم تشن الحرب على اليمن اعتباطاً، لأننا قد خضنا حروباً كثيرة معها قبل الثورة وبعدها، وهي كانت تمول الصراع في اليمن عبر أدواتها في الداخل اليمني، لكنها لم تزج بنفسها في حرب مع اليمن كما اليوم، ولها مبررها لأن ما يدور في اليمن يثير فزعها. فالشعارات الجوفاء و"الجنان (الجنون) حق (لدى) أنصار الله" والتشيع واستحضار إيران إلى اليمن يرعب السعودية ودول الخليج. وبالتالي فإن السعودية في اليمن هي تدافع عن نفسها وليس عن عبد ربه منصور هادي ولا عن الشرعية. ووالله العظيم لو نصبت "أنصار الله" إماماً بدلاً عن هادي من أي محافظة بشعارات يمنية لدعمته السعودية ووقفت إلى جانبه. وهي التي وقفت ضد ثورة 26 سبتمبر ومولت فلول الملكية في حروبهم ضد الجمهورية من العام 1962- 1970م. لكن "أنصار الله" أخطأت بفداحة و"راحت تدور" (تبحث عن) شعارات المهدي المنتظر ولديها تراث يمني. كما أن السعودية كانت تمول "أنصار الله" إلى وقت قريب ضد علي عبد الله صالح، لكن عندما ازداد "جنان" قيادة "أنصارالله" أوقفت السعوديه دعمها. و"أنصارالله" هم أقرب للتعايش مع السعودية من بقية اليمنيين الذين رفعوا شعار الثورة والجمهورية والوطنية والقومية والأممية والإشتراكية. وهذه نقطة يجب أن يفهمها الجميع، فالذي ظل مع السعودية ويتعامل معها ليس عدن ولا تهامة ولا إب، هم هؤلاء أنفسهم سواء كانوا ضد الثورة والجمهورية أو معها وتحت عباءتها كعلي عبد الله صالح والشيخ عبد الله الأحمر.
ختاماً؟
أتمنى نشر الحوار كاملاً، والذي وجدت فيه متنفساً لإيصال الحقيقة في ظل الإعلام الملوث. ورسالتي الأخيرة لشباب ثورة الـ 11 من فبراير 2011م والذين خرجوا إلى الساحات والميادين من أجل الحرية والدولة المدنية والمواطنة المتساوية، وفتحوا صدرهم على مدى عامين للرصاص ومواجهة الموت وظلوا ينادون "سلمية... سلمية": لا تتنازلوا عن ثورتكم ولا عن مشروعكم الوطني، فأنتم الحاضر وكل المستقبل، وعليكم مراجعة الأخطاء السابقة وترتيب أوراقكم، أما كرادلة الصراع فلا مشروع وطنياً لهم، وفاقد الشيء لا يعطيه.



تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 02:42 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-50062.htm