صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
بات موضوع الجهة يستقطب اهتماما متزايدا ليس فقط في المغرب، بل بمختلف بقاع العالم، كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمحلية وتقوم على تعبئة الموارد والطاقات المليحة من أجل ترسيخ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي.
وتهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا بالمؤسسة الجهوية كإطار ملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية. عبر اعتمادها على الحكامة التي أضحت تضع الديمقراطية التمثيلية (البرلمانية عموما) في محك من أمرها ليس فقط باعتبارها إياها مركزة لآليات اتخاذ القرار ولا لكونها تحتكر (لدرجة الاستصدار) سلطة الولاية على الشأن العام, ولكن أيضا كونها تحجر على قضايا الشأن المحلي والجهوي التي غالبا ما يكون أمر البث فيها من صلاحيات مجالس منتخبة, تعمل بمبدأ القرب ولا حساب لها تقدمه إلا لهذا التجمع السكاني الضيق أو ذاك دونما حاجة من لدنها (أو إكراه) إلى وصاية من المركز أو ضرورة قانونية لطلب استشارته أو الاحتماء المسطري بما قد يصدر عنه.
وضمن هذا النقاش جرتني الرغبة في المساهمة فيه عبر الربط بين الجهوية و الحكامة الجيدة من خلال محاولة البحت إيجاد تعريف للحكامة ضمن في أفق اعتاد المغرب الجهوية الموسعة.
إذا كان هناك اختلاف في تأويل الحكامة بين رجال القانون و السياسة و الاقتصاد و علماء الاجتماع فإنهم يجمعون حول الهدف منها و هو التدبير الرشيد للشأن العام، عبر تحقيق التعاون بين مختلف السلطات السياسية والاجتماعية.
أصبحت مسألة الحكامة في قلب مشروع العصرنة و المرتبطة بالأساس بالاقتصاد والمجتمع. هذه الدينامية تسترعي قسطا هاما من الاهتمام والنقاش بين أوساط الرأي العام وذلك لتسريع وثيرة التغيير من أجل الحفاظ على مجتمع قوي و موحد و من أجل تكريس ثقافة القرب و المشاركة و التشارك.
وبهذا فمفهوم الحكامة إنما يصبو لبلوغ مرتبةّ «الأداة العلمية» التي يكون بمقدورها ضبط وتفسير التوجهات الكبرى التي تحكم تطورات وتحولات المنظمات ونظم الحكم.
و إقرار المغرب بفتحه مشروع الجهوية الموسعة تندرج في إطار بناء المجتمع الحداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون و الحريات الفردية و الجماعية و تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية لدى رأينا ضرورة استحضار الحكامة الجيدة كأسلوب حديث للتدبير أثبت فاعليته في الدول المتقدمة و ربطها بالجهوية.
تقتضي الحكامة الجيدة امتلاك نظرة شمولية تضع برنامجا واضحا يؤدي للوصول للهدف المتوخى عبر توضيح أسلوب للعمل، واضح المعالم قائم على المستوى القريب و البعيد، و الذي يلزمه التنسيق بين مختلف البرامج و جهود الأجهزة المختلفة القائمة على تنفيذ المخطط مما يسهل وضع التنظيمات التنسيقية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمجتمع .
هذا الأمر يقتضي تصحيح الأولويات إبان وضع برنامج يروم الربط بين المبادئ الأخلاقية و القيم و بين الجهود التنفيذية عن طريق سياسة اجتماعية تمكن من استثمار للإمكانيات البشرية و المادية و التنظيمية المتوفرة بتوزيع الأدوار و الحدود و الجزاءات بين الأفراد و الجهة من اجل تحقيق النمو المستمر و دفع الجهة للتقدم اجتماعيا و اقتصاديا، على أساس التخطيط العلمي الذي يرتكز على:
القدرة على التنبؤ العلمي و الاستفادة من مختلف العلوم الحديثة التي تمكن من استشراف المستقبل.
تحقيق التوازن بين حاجيات المجتمع من ناحية الموارد البشرية و المادية.
الوظيفة التنموية: عبر دعم و تقوية الأسرة، من أجل ضمان تكوين المواطنين تكوينا ملائما يمكنهم من الإسهام في التنمية خاصة الأطفال و الشباب و النساء بشكل يدفعهم للتعاون و التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية. بشكل يقوي البعد الثقافي و البيئي.
الوظيفة الوقائية: تروم استباق كل التداعيات التي من الممكن أن تقع من خلال الاعتناء بالفئات المهددة بالتأثير السلبي من عملية التنمية بما تفرزه من تصنيع و تحضير و تغير قيمي.
البعد العلاجي: يشكل نقلة نوعية في سياسة الرفاهية الشيء الذي يتطلب ضرورة إعادة توجيه الموارد و البرامج و الأشخاص قصد تحقيق الدمج و التكامل بين جميع القطاعات المجتمع في التنمية الشاملة.
دراسة الترابط الديمقراطي من حيث الهدف و الوسيلة، بإحداث تخطيط يوفق بين حاجيات و أهداف المجتمع من خلال التأكيد على مفهوم الحرية الإنسانية بشكل يمكن من الحيلولة دون حدوث تصادم بين الهدف و الوسيلة.
فالتخطيط يجب أن يكون واقعيا يراعي الإمكانيات المالية و البشرية للمجتمع و درجة عالية من الشمولية و التكامل يقوم على أساس استحضار كل الجوانب البنيات الاجتماعية و الاقتصادية في اتجاه يفسح المجال لكل قطاعات المجتمع مما يجعل التخطيط متكاملا و شاملا.
لذا وجب أن يكون تحديد خطة العمل في شكل يقسم مراحل التخطيط إلى حلقات للوصول إلى الهدف العام عبر إتباع أسلوب التتابع و الاضطرار في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي بشكل يحول دون خلق فجوات و تجاوز كل النتائج السلبية.
إننا اليوم في أمس الحاجة لأخصائيين اجتماعيين في عملية التخطيط على المستوى المحلي و الجهوي نظرا لدوره في صنع و تعديل السياسة الاجتماعية ،فالسياسة الموجهة للخطط و البرامج تقتضي التوفر على البيانات التي تشكل قاعدة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة و تقديم التوصيات حول نجاح التخطيط للتنمية.
و هنا يبرز دور الأخصائي الاجتماعي في ضرورة إشراكه في صياغة السياسة الاجتماعية و تعديلها وتحويلها إلى برنامج محدد على اعتبار أن التنمية الاجتماعية تنفذ وفق خطة أو أكثر تتضمن برنامج و مشروعات عبر تنفيذها تحقق أهداف السياسة العامة.
و هنا يلعب الأخصائي الاجتماعي دورا مزدوجا: فهو من جهة يقوم بتوضيح السياسات و البرامج الجديدة و يقدر الآثار التي قد تحدثها هذه الأوضاع على البناء الاجتماعي و الشكل النهائي الذي سوف يأخذه البرنامج ،و من جهة أخرى يساهم في و ضع و تحليل السياسة الاجتماعية بناءا على خبرته المهنية قصد التعرف على مدى ملائمة السياسة للواقع الاجتماعي و اقتراح البديل ،كما يقوم بالمساهمة في تقييم البرنامج و الخدمات التي تتضمنها السياسة عبر بناء نظم جديدة لها و المساهمة في وضعها عن طريق البحث و تجريب البرامج المتوفرة في مواجهة المشاكل الاجتماعية من خلال التعرف على التركيب البنائي للمؤسسات و القوى الاجتماعية و السياسية المؤثرة في تحقيق التنمية.
في هذا السياق يقوم الأخصائي الاجتماعي بجمع و تحليل البيانات؛ و توكل إليه مهمة توفير بعض البيانات عن الخدمة المتوفرة في الجماعة المستهدف من التخطيط عبر رسمه بيانات مفصلة عن الحاجيات الآنية و المستقبلية التي تتطلبها الجماعة و الإمكانيات المتوفرة أو الممكنة التوفر في المستقبل سواء كانت إمكانيات مادية أو بشرية أو تنظيمية.
إن التوفر على هذه البيانات يساعد على تشخيص المشكلات بشكل دقيق، الأمر الذي يساعد في إنجاح الخطط التي ترمي لإشباع حاجيات الأفراد.
لهذا و جب أن يكون المخطط الاجتماعي على أتم الدراية من الناحية النظرية بسلوك الأفراد و الجماعات و المجتمعات لهذا يستحب أن يكون من بين أبناء المنطقة و ملما بطرائق البحث الاجتماعي لكي يقوم بدوره على أساس علمي موضوعي.و لكي يقوم بدوره على أكمل وجه يجب أن تكون مصادر معلوماته متنوعة تغطي كافة الجوانب التي تشملها عملية التخطيط.
كما يشرف على عملية التنفيذ في مختلف مراحلها حتى تصل في نهايتها لتحقيق الأهداف المحددة من تحديد المسئولين عن كل مرحلة من مراحل التنفيذ و دور كل مسئول و العاملين اللازمين للقيام بعميلة التنفيذ بناءا على معارفهم و خبراتهم التي تمكنهم من تنفيذ البرنامج ، و الإشراف على تحديد الشروط التنظيمية و البشرية و المادية و الحيز الزمني و ضرورة التعاون و التنسيق بين القطاعات و ضمان المشاركة الأفراد للاستفادة من جميع الطاقات.
الإعداد والتنمية والتهيئة كلها مفاهيم تقنية تصب في ضرورة التنظيم وحسن التسيير حسب إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية وايكولوجية، وتهدف إجرائيا وعمليا إلى إزالة الحدود بين المستويات وإلى العدالة في توزيع مداخلات ومخرجات التنمية المستدامة.
ومنه فالحكامة إذن دعوة صريحة وفعلية إلى ضرورة الحجر على الديمقراطية التمثيلية التي تحتكر سلطة الولاية على الشأن العام، وتدعو إلى ضرورة تطعيم هذا النهج اللامركزية الذي أثبت فشله بجرعات وأشكال جديدة من الديمقراطية التشاركية تمكن من إشراك جميع أطراف معادلة الإعداد الفعال، المدافع عن المجموعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا والمطالبة بضرورة صيانة الوسط الثقافي واعتباره في عمليات التهيئة.
وختاما، الحكامة هي الحد الفاصل بين الديمقراطية في شكليها التمثيلي والبرلماني الممركز ودعوة صريحة على ديمقراطية تشاركية مؤسسة على المساهمة والمشاركة والتوافق في صنع وتنفيذ وتقييم برامج ومشاريع التنمية على أرض الواقع، وهي قناة أساسية تمكن من الاستفادة من نتائج التنمية المستدامة.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي صحفي وفاعل جمعوي
[email protected] https://www.facebook.com/Omar.Dghoughi.officiel/