صنعاءنيوزمنى صفوان منى صفوان -
فالمخرج الذي ابتكر طريقة المقارنة بين ثلاث احداث، يمكنها ان تحدث لشخص واحد، ارسل رسالة سهلة، تقول انك لو فعلت كذا لحدث لك كذا.
الفيلم الالماني " اجري.. يا لولا.. اجري" هو قصة الشابة التي يقع حبيبها في مأزق مع رئيس عصابته، لان عليه ان يسلمه 100 الف مارك كان قد سرقها، ثم نساها في عربة المترو، و قبل مغادرته للعربة يرى حقيبة المال في متناول يد متشرد، ياخذها بالفعل.
الفيلم يبدأ باتصل يأتي "للولا" من حبيبها " ماني" يحكي لها كل ما سبق، و على "لولا" الان ان تساعد حبيبها، قبل ان يأتي وقت التسليم، وان لم تفعل سيضطر لسرقة المحل الذي امامه، و يعرض نفسه لتهمه اخرى، الان خلال دقائق ربما هي اقل من المفترض على الفتاة ان توفر مبلغ 100 الف مارك لانقاذ حياة حبيبها و كل ما تفكر فيه الان هو، من الذي تذهب اليه!
ومن هنا يبداء جري "لولا " بكل قوتها لتصل لهدفها.
الفيلم اعمق من ان يشرح، لكن ببساطة فكرته ، يعرض ثلاث محاولات لها، بطريقة اخراجية مختلفة، فلو فعلت كذا سيحصل لها كذا ، ففي المره الاولى تكون النتيجة ان تقتل هي، و في المره الثانية يقتل حبيبها، اما في المره الثالثة تحصل على المال و بطريقة مشروعه، و في نفس الوقت يجد حبيبها الرجل المتشرد و يسلم المبلغ بموعده و بذلك يكونان بأمان و بحوزتهما 100 الف مارك اخرى، هذه النهاية النموذجية للقصة.
وهي نهاية لا تحصل عليها "لولا" الا بعد تكريس فكرة واحده، هي : ان على خطوتك الاولى ان تكون صحيحة، وانك ان اجتزت العقبة الاولى ستصل بسرعه، ، و ليس عليك سوى ان تجري، و الامور هي التي ستقود نفسها.
الامر تماما كلعبة الدومينو التي اظهرها المخرج بلقطه ذكية و خفيفة بداية الفيلم، ثم اختفت في الاعادات التالية للاحداث.
لعبة الدومينو المشهورة، تعتمد على سقوط القطعة الاولى، ثم من بعدها تسقط كل القطع تباعا في مسار واحد له فروع، الفروع في الفيلم كانت هي قصص الاشخاص الذين تلقيهم "لولا" صدفه في اثناء جريها، و مالذي يحدث لهم بمجرد ان تجري الى جوارهم، و كيف تتغير حياتهم للاحسن او للاسواء بحسب الانطلاقة التي تبدائها " لولا".
قطع الدومينو المتساقطه تسقط بسرعه تضاهيها سرعة "لولا" و هي تجري كقطار سريع لا يوقفه شيء، ربما هذا ما عليك ان تفعله انت ايضا!
الفيلم ينفذ سريعا اليك، و يوجه لك رسائل قوية، متلاحقة، و يوضح كل شيء لك مع مرور الوقت، فمتى على "لولا" استخدام قوتها و حماسها و صراخها، متى عليها ان تقامر، و مالذي عليها ان تفعله و الذي تجنبه.
لقد حصلت على المال مره حين هددت والدها مدير البنك، و استولت على المبلغ.
و مرة ساعدت حبيبها " ماني" في سرقة المتجر و قتل الشرطي، الذي يحرسه. القتل و السرقة طريقتان كلاهما منبوذه لتحقيق الهدف، نتيجتها ان تقتل هي في احدها، و يقتل حبيبها في المره الثانية.
لكن حين تدخل دون سابق تفكير الى كازينو قمار و تقامر لتفوز، وهي ليست عضوا في هذا النادي و ليست من رواده، و ليس مرحبا بها، انها الغريبة على هذا العالم الذي ليست جزء منه لكنها تريد منه شيئا.
و كل ما يهمها ان تفوز بالملبغ دون ان تقتل او تسرق، الفيلم لا يعطي للقمار قيمة اخلاقية، بقدر ما يظهر مشهد القمار و الكازينو برمته انه لوحة سريالية و يغنيه بكثير من الرموز ليوصل فكرته، بان الحياة هي مغامره و مقامره، ومها كان اعتراض من حولك على قدرتك او حماسهم لهدفك، و مهما كان استيائهم لوجودك و هذا ما حدث لها في الكازينو، و لانك الغريب عنهم و لست منهم ، فهذا لم يهز " لولا" التي غادرت الكازينو وسط ذهولهم، و معها ال 100 الف مارك .
في الوقت الذي ساقت فيه الاقدار المتشرد في طريق حبيبها، ليسترد منه المبلغ و بسهوله، اما كيف وصل المتشرد للمكان الذي يقف فيه حبيب "لولا" في انتظارها، فهذه هي حكمة الفيلم.
انها ذاتها طريقة قطع الدومينو التي بسقوطها تحرك كل مره قطع اخرى في جهات مختلفة، و مفترقة عن بعضها، لتصل كلها لنقطة و احدة بعد ذلك.
فحين كان على " لولا" ان تسير في طريق معين هذ المره غير الطريق الذي كانت تسلكه كل مره، لا تخترق صفوف الراهبات، فتسير الى جوارهن. و تصطدم بالشاب على الدراجة الذي كان كل مره يضايقها، و هذه المره يصمت و يغير مساره و يقف في محل لشرب القوه، مصادفا للمتشرد الذي يشتري منه الدراجة، فيسير بها باتجاه المكان الذي ينتظر فيه حبيب " لولا" ، و التي هي بدورها بدلا من ان تعرقل سيارة الاسعاف التي تصطدم بلوح زجاجي يحمله العمال على الطريق، تختار هذه المره ان تصعد الى سيارة الاسعاف فتجد الممرض يحاول انقاذ حياة رجل يمد لها يده، وتمد له يدها، وكانها جاءت لتكون الى جواره، فتنتظم دقات قلب المريض و تنقذ حياته. ... هكذا تسقط قطع الدومينو تباعا بترتيب لتصل لهدف واحد...
فالان ... تنزل "لولا" من سيارة الاسعاف و تجد " ماني" ينزل من سيارة رجل العصابة و قد سلمه حقيبة المال و يجري باتجاه حبيبته سعيدا، بينما هي تقف في ذهول صامت.
و حين يمشيان معا في طريق العودة يسالها.." ما هذا الكيس الذي في يدك!!؟"
تلفت اليه و تصمت، نعرف نحن ان في الكيس المبلغ الذي كان يبحث عنه وهو ملكهما الان، و بذلك تصلنا الحكمة التي اردها هذا المخرج من فيلمه، الذي عليه ان ينتهي هنا، و فعلا يفعل، لنلمح لماذا اخرجه بهذه الطريقه المتسارعة الايقاع.
لقد دمخ المخرج بين رسوم الكارتون و الاحدث، و الصق اكثر من صورة في كادر واحد و اعتمد على تلاحق الصور و تقطيعاتها، في اكثر من موقف حتى لا يسترسل فيه، و وظف الموسيقى في مكانها، اما ليعبر عن موقف مسترخي في حدث يبدو مشدود الاعصاب، او عن علاقة حميمة جدا بين الشابين في استخدام الضوء الاحمر ليعطي مبررا لجري "لولا" طول الفيلم، لانقاذ حبيبها، دون ان يغوص في تفاصيل علاقة عاطفية او مشاهد حميمية.
انها قصة حب ولكن بشكل مختلف تماما، و فيلم سريع الايقاع لا يسرف في لقطاته، ولا يخل بها .
يبقى الفيلم خفيفا و ساحرا ، و محافظا على ايقاعه السريع برغم ان يقارب الساعتين، و يعطي بعدا للسينما الالمانية التي اعديت لها الروح بهذا الفيلم، بعد توقف مربك لها .
فهذا الفيلم الالماني الذي حصد جائزة الاوسكار عن احسن فيلم اجنبي، العام الفائت، اعاد الاحداث ثلاث مرات باستخدم كل مره زاوية مختلفة للكاميرا، و عدسة مختلفة، لحدث واحد بحركة تؤكد ان زواية النظر او التعامل مع حدث واحد يمكنها ان تختلف وان تحدث نتيجه مختلفة .
الفيلم، عرضه الاسبوع الماضي "نادي السينما" في المسرح المكشوف لاوبرا القاهرة ، و نال اهتمام النقاد و الصحفيين، و خلال الندوة التي اعقبت الفيلم و ادارها الناقد الكبير "رفيق الصبان" كان واضحا ان نجوم الفيلم ، هم الفكرة و المونتاج وانه فيلم اخراج من الدرجة الاولى، لا يعظم الاداء التمثلي المبهر، فهو لا يعتمد على تعبير الممثلين او نجوميتهم بل على طريقة عرض الاحداث.
من شاهد الفكرة، كان معجبا بسيناريو "ستيف كلوفيكس" الخفيف و اجتمعت الاراء حول فلسفة عبثية الاقدار التي يمكن التحكم بها، كما تحكم المخرج الكبير " ديفيد ياتس " بفيلمه و اعاد الاحدث ثلاث مرات ليوصل الفكرة و جعل بطلة فيلمه " فرانكا بو تنيتا" تجري دون توقف.. لتقطع كل هذه المسافه... جريا .