صنعاء نيوز - بقلم: عمر دغوغي الإدريسي

الخميس, 24-أغسطس-2017
صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
تعتبر تربية الأبناء تربية حسنة وسليمة غاية كل أبوين مسلمين يطمحان إلى أن يسلك أولادهما وبناتهما الطريق الصائب والتوجيه القويم حتى يلقن هؤلاء الأبناء بدورهم لأولادهم هذه التربية الفاضلة والسليمة، فتنشأ أجيال بارة وواعية بما لها وما عليها، تعرف الخطأ فتبتعد عنه، وتدرك الصواب والحسن فتسعى إليه.
ولعل التربية الجنسية من أهم ما يجب تلقينه للأبناء وهم صغار وأيضا وهم شباب مراهقون، غير أن التربية الجنسية لها شروطها وآدابها وضوابطها، وآلياتها التي تتطلب من الوالدين الكثير من الحكمة والتروي والتؤدة باعتبار الجنس موضوعا ذا تشعبات وتفرعات قد لا تُحمد عقباها إن لم يحسن الأب أو الأم إبلاغ أبجدياته وآدابه لأبنائهما.

أمثلة ووقائع:
ومن بعض تصرفات الأبناء التي تضايق كثيرا الآباء والأمهات ما يقوم به الطفل الصغير من مداعبة عضوه التناسلي دون قصد منه ولا سابق تخطيط أو ترصد، وكثيرا ما تنزعج الأم من هذا التصرف فتنهر الطفل البريء وقد تعنفه وتأمره بأن لا يعيد الكَرة وإلا لن يلمون إلا نفسه، غير أن الطفل العنيد يصر على أن يلمس عضوه الصغير كردة فعل على تلك النواهي المزمجرة ولو بعيدا عن أعين أبويه وإخوته خوفا من العقاب، وقد تكبر فيه هذه العادة أو قد يستقذر العمل الجنسي كليا بسبب تعبيرات الاستهجان التي يسمعها من والديه حين يلمس عضوه مدة طويلة.
هنا، تبرز أهمية التربية الجنسية والتي هي عادة جزء رئيسي وهام من الثقافة الجنسية السليمة التي على الوالدين أن يبرزاها ويوضحاها لأبنائهم صغارا حتى لا يذهبوا إلى مصادر أخرى غير الوالدين ليتعلموا منها التربية الجنسية على طريقتهم.



ومن الأمثلة الأخرى التي تؤكد ضرورة تحلي الوالدين بقسط هام من الحنكة في إيصال وتبليغ تربية جنسية سليمة ما يحدث للفتاة الصغيرة حيت تطرأ على جسمها متغيرات فيزيولوجية من قبيل العادة الشهرية، حيث ترتبك الفتاة لهذا الحدث "الجلل" وتتخوف منه، بل هناك من الفتيات من يبكين ولا يستطعن إبلاغ الأمر لأمهاتهن خوفا من عقوبة أو تعليق ليس في محله، في حين كان الأجدى أن تُفهم الأم خاصة ابنتها هذا الحدث الطبيعي بأنه سنة من سنن الحياة وطبيعة نسائية محضة وضعها الله تعالى في الإناث، وأن الأمر لا يدعو للتخوف، وغيرها من المعلومات التي ينبغي على الأم أن توصلها لابنتها قبيل البلوغ ببضعة أشهر حتى لا يصيبها خوف أو تقزز من طبيعة إنسانية لا دخل للفتاة فيها.

ومن أمثلة التربية الجنسية التي منبعها ثقافة جنسية إسلامية وسليمة هو أدب العورات ومواقيتها، فأي تقصير من الوالدين في هذا الجانب حيث أحيانا يمكن أن يرى الولد أو تشاهد الفتاة والديهما في وضع المعاشرة، قد تتولد عنه أشياء تؤثر على شخصية البنت أو الولد مستقبلا، ومع ذلك يمكن تدارك الأمر بتعليم البنت أو الفتى معنى الاستئذان وأدبه وعواقبه إذا لم يتم التقيد به ،وبما أن هذا الحادث يمكن أن يقع في أي فترة من فترات العمر ، فالواجب يحتم على الوالدين أن يحسنا تمرير وتبليغ مفاهيم التربية الجنسية للطفل وفق مراحل وخطوات تربوية ومنهجية.

الصدق في التربية الجنسية
وتتطلب التربية الجنسية الصدق مع الأبناء خاصة وهم صغار السن، وأن تكون أجوبة الآباء على أسئلة أطفالهم صادقة لا تتضمن كذبا أو غيره، وإذا كانت الأسئلة محرجة جدا، يمكن للوالدين أن يكيفا جوابهما وفق السؤال بطريقة ذكية كأن يحيلا الجواب على أمثلة تقريبية مثل حيوان أو غيره، أما النهر والضرب والقمع فليس طريقة تربية صائبة، بل سيجعل تلك الأسئلة دائمة الحضور في ذهن الطفل يبحث عن إجابتها حتى لو مرت السنون الكثيرة
مثلا، في ما يتعلق بمداعبة الطفل لعضوه التناسلي، يرى الدكتور كمال الرضاوي نائب رئيس الجمعية العالمية للعلاج النفسي أن التعامل الصحيح يكمن في "ترك الطفل على حريته، يمارس عمله بشكل عادي، لأن الطفل لا ينظر إلى هذه الأعضاء نظرة خاصة، وإذا استطاع الآباء أن يصرفوا نظره إلى التسلية بوسائل أخرى دون تعنيف بالطبع، ودون أن يشعروه بأن لتلك المناطق خصوصية معينة لكان أفضل.
ويعتبر الرضاوي أنه "لا يمكن للأجوبة أن تسبق التساؤلات، فعلى الطفل أن ويسأل، ويعلمه والداه كيف يطرح الأسئلة، ثم يجيباه على أسئلته، وهنا يجب على الآباء أن يكونوا على استعداد لأي سؤال مهما كان محرجا، وكذلك عليهم أن لا يفصلوا في الإجابات، وأن يراعوا مبدأ التدرج في عملية التربية، وأن لا يتهربوا من الرد على أسئلة أبنائهم ، لأن هذا الهروب يدفع الطفل إلى الاعتماد على مصادر أخرى تناقض الواقع".

متى تبدأ التربية الجنسية
ويرى الرضاوي أنه لا توجد "سن محددة لبدء عملية تلقين الطفل مبادئ التربية الجنسية، لأن مرحلة اهتمام الأطفال بالمسائل الجنسية تختلف حسب مستوى ملاحظاتهم لمجريات الأمور، وكذا حسب فهمهم وإدراكهم لطبيعة الأشياء، لكن هناك أسئلة تثار حسب الفئات العمرية، فالفترة العمرية من السنة الثانية إلى الثالثة تتمحور أسئلة الطفل حول الفارق بين الجنسين، ومن السنة الثالثة إلى السادسة تتركز الأسئلة حول مسألة الحمل والولادة، أما خلال فترة المراهقة فتنصب الأسئلة حول الأمور الجنسية الدقيقة كالزواج والتناسل مثلا".
ويؤكد الباحث التربوي والنفسي محمد الصدوقي في حديث للمسلم على أن التربية الجنسية للأطفال نظرا لخطورتها وأهميتها النفسية والاجتماعية في حياة وتاريخ توازن شخصية الفرد الإنساني وفي تحديد نماذج وأنماط تمثلانه وعلاقاته الجنسية مع ذاته ومع الجنس الآخر، وتأثيراتها السلبية أو الايجابية على حياته الاجتماعية (التربية الجنسية) يجب أن تبدأ منذ الطفولة الأولى إلى الطفولة المتأخرة وبعدها لأنه، من جهة، التربية الجنسية هي صيرورة تربوية و نمائية مستمرة ( فيزيولوجيا/جسميا، ونفسيا، ومعرفيا واجتماعيا وقيمي؛ ومن جهة أخرى، وحسب الأدبيات التحليل نفسية، فإن العمليات والسيرورات الجنسية المسئولة على بناء نماذجنا ومواضيعنا الجنسية تبدأ منذ المراحل الأولى من الطفولة وعليه، فإن تدخل التربية الجنسية كحمولات معرفية وعلائقية وقيمية أخلاقية يبتدئ منذ الطفولة المبكرة وصولا إلى المراهقة، وربما بعدها كذلك".
وترى بدورها الأستاذة صليحة الطالب، استشارية ومعالجة نفسية، أنه لا ينبغي أن نجعل من التربية الجنسية "تابو"، فهناك أسئلة قد يطرحها طفل ذو 3 سنوات، وهناك أسئلة يطرحها أطفال يافعون، وأيضا هناك أسئلة لسن الرشد، مضيفة أنه من الجيد أن نبدأ بتكوين وتربية أطفالنا تربية جنسية من سن مبكرة 3 سنوات، والمهم في ذلك هو حين يطرح أولادنا الأسئلة، نحاول قدر الإمكان أن نغذي حب استطلاعهم، فهم حتما سيجدون الجواب ولكن مع الأسف قد يكون جوابا خاطئا في الإعلام والمدرسة والشارع".




شروط التربية الجنسية:
وترتبط التربية الجنسية للأبناء بآليات الشرح والمناقشة والتوعية والتقويم والتوجيه بأدب ودون تعنيف أو ازدراء أو تعالي أو ترفع، ذلك أنها تربية تلازمهم طيلة حياتهم وتنير لهم جانبا حيويا من علاقاتهم مع أجسادهم وأيضا مع الجنس الآخر في علاقات الزواج وما تتضمنها من روابط المعاشرة الجنسية.
وحدد الباحث المغربي محمد الصدوقي الشروط الواجب توفرها من طرف الوالدين من أجل التمكن من التربية الجنسية ومنها:
ـ التخلص من التمثلات السلبية حول الجنس والتربية الجنسية مثل تابوهات وممنوعات، والوعي بأهمية وخطورة الجنس والتربية الجنسية في البناء السليم لشخصية أبنائهما (ذكورا وإناثا) وتوجيهم ووقايتهم من أشكال الانحراف والأخطار المرتبطة بالحياة والعلاقات الجنسية، والإيمان بقيم الحوار والتتبع والمصاحبة في علاقتهم مع أبنائهم.
ـ التأهيل المعرفي العلمي: أي المعرفة العلمية بالجنس وثقافة وآليات التربية الجنسية، والمعرفة العلمية بالخصوصيات والحاجيات النفسية والإنمائية للطفل ذكرا أو أنثى".
وتعتبر، من جهتها، الأخصائية صليحة الطالب أنه لا يجب أن نقمع الأطفال، بل يجب أن نرد على تساؤلاتهم، فالطفل الصغير يتساءل عن أمور يسهل الجواب عليها إلى حد ما ، مضيفة أن الإشكال يقع مع الراشدين، فالنزعة والإعجاب للطرف الآخر يكون عاديا، و كثير من المراهقين يقعون في أخطاء نظرا لجهلهم بهذا الموضوع وكثير من الزيجات قد تؤول إلى الطلاق بسبب هذا الجهل أيضا".

آليات التربية الجنسية
ويعتبر الصدوقي أن كيفية شرح الوالدين للمواضيع الجنسية لأبنائهم مشروطة بطبيعة المرحلة الإنمائية والعمرية للأبناء وجنسهم وطبيعة الثقافة والعلاقات السائدة داخل الأسرة، مؤكدا أنه عموما يجب أن يكون هذا الشرح والتدخل مراعيا لما يلي:
ـ استعمال لغة علمية بسيطة ومفهومة حسب المرحلة العمرية للأبناء.
ـ استعمال لغة الإيحاء إن كانت اللغة الصريحة المباشرة تشكل بعض الحرج، أو اعتماد مواقف وسلوكيات معينة هدفها التوجيه التربوي غير المباشر للحياة الجنسية لأبنائهم.
ـ توظيف الأمثلة والقصص والحكايات ذات الحمولة التربوية الجنسية المباشرة أو غير المباشرة أما في وسط عائلي محافظ، فيمكن ـ وفق الباحث المغربي ـ شرح الأمور الجنسية الخاصة للطفلة من طرف الأم، وللطفل من طرف الأب، أو الاستعانة بأفراد العائلة أو الأصدقاء أو المدرسين أو الأخصائيين.
ـ تزويد الأبناء بمصادر المعرفة العلمية والسليمة التي تهم الحياة والأمور الجنسية، أو توجيههم إليها.
ـ تشجيع الأبناء على البوح بأسئلتهم ومشاكلهم التي تهم حياتهم الجنسية والعلاقة مع الجنس الآخر، وجعلهم يفهمون أن الأمور الجنسية طبيعية وعادية، وأن معرفتها أمر ضروري من أجل حياة جنسية سليمة نفسيا، وشرعية قيميا وأخلاقيا، وأن الجنس يتجاوز معنى الممارسة السائد في مجتمعاتنا، حيث إن الجنس هو أخلاق وقيم، والتزام اجتماعي تجاه الجنس الآخر، ومعرفة الجنس في أبعاده المختلفة مفيد من أجل بناء شخصية سوية ومتوازنة، وتأسيس حياة زوجية سليمة وناجحة".
وتضيف صليحة الطالب عاملا آخر مساعدا على التربية الجنسية وهو غض البصر بكل محاوره، والحجاب وعفة المرأة بالحجاب وأبعاد الحجاب في تواصل الفتاة مع الشاب، فالشاب ينظر للشابة من خلال الحجاب نظرة المرأة الإنسانة وليست نظرة المرأة الأنثى".
وتوضح الاستشارية المغربية أن أخطر مرحلة في التربية الجنسية هي مرحلة المراهقة، فالمراهق من الضروري أن يتعرف على البنية النفسية للمرأة والبنية النفسية للرجل، وما تحتاجه المرأة في هذا الموضوع وما يحتاجه الرجل أيضا، وأن النزعة الجنسية والإحساس بالآخر في هذه المرحلة تكون في أوجها، فلهذا وجب أن يتعرف هؤلاء المراهقون على مثل هذه الأمور لكي يديروا هذه النزعة الجنسية إدارة صحية وشرعية".

مصادر التربية الجنسية:
وينبغي أن تكون الأسرة المسلمة المحافظة أول مصدر رئيسي في إيصال التربية الجنسية للأبناء وتلقينها لهم، لهذا فالمسؤولية كبيرة ملقاة على الأب والأم والإخوان خاصة إن كانوا كبارا ومتعلمين، فالطفل إن لم يجد جوابا عن أسئلته الجنسية أو الفتاة والمراهقة إذا ما لم تعثر على أجوبة مقنعة لتساؤلاتها المرتبطة بالجسد من قبيل دم العادة وتأثيراتها وأيضا إطار العلاقة الجنسية الشرعية وأعراض الحمل ومخاطر العلاقات المختلطة وغير ذلك، فإنها ستلجأ إلى صديقاتها وربما تقع ضحية معلومات خاطئة عمدا أو عن غير قصد من طرف رفيقاتها، فتنشأ لديها تربية غير سليمة قد تفضي بها إلى محاولة التجريب الفعلي لكل ما هو "جنسي" من أجل المعرفة، وفي أهون الحالات قد تلجأ إلى الكتب أو الفضائيات دون معرفة درجة صديقتها وتوقيتها؛ فتنهل منها المعلومات المطلوبة وتتشكل تربية جنسية خاطئة تماما لديها تؤثر سلبا على حياتها، والأمر نفسه بالنسبة للفتى الذكر.
ويرى الأخصائي التربوي منذر الحاج حسن أنه "لم يَعُد الوالدان وحدهما أو حتى المعلم من يمتلك مصدر المعلومات وتوجيه السلوك، فهناك العديد من المؤسسات التي تساهم اليوم إلى جانب الأسرة والمدرسة في تشكيل شخصية أبنائنا وتوجيه سلوكهم، وبث القيم في نفوسهم سلبًا أو إيجابًا، وخاصة ما تتيحه وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة من معلومات وتبثه من قيم، في كثير من الأحيان يحكم المربون عليها بالسلبية، حيث لا تنسجم مع قيمنا وتراثنا الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالتربية الجنسية ومفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة".

ومن هذا المنطلق، وجب أساسا على الأسرة أن تعي أهمية التربية الجنسية من خلال روافدها الإسلامية المعروفة من قرآن وسنة نبوية وكتب علمية سليمة ينصح بها أهل العلم والتخصص، فضلا عن الدروس العلمية التي يمكن أن يتلقاها التلميذ والطالب بخصوص التربية الجنسية دون أن يتعدى ذلك الضوابط الشرعية أو يتجاوز الذوق والآداب العامة..
وبذلك تؤدي التربية الجنسية أدوارها وغاياتها المطلوبة منها من أجل جيل سليم معرفيا وتربويا، ومحصن أفضل تحصين من مجموعة من العوامل والمغريات التي تحاول اختراق هذا الحصن وتفتيت ركائزه خاصة في عصر العولمة الكاسحة التي اختلط فيها الحابل بالنابل والضار بالنافع، مما يستدعي من الآباء والأمهات وضع عين مراقبة لأبنائهم دون أن يعني هذا رقابة لصيقة أو خنقا لحريتهم أو إحصاء لحركاتهم، بل توجيها من بعيد إن اقتضى الحال أو توجيها مباشرا إن دعت الضرورة ذلك بما فيه من أساليب الترغيب والترهيب، فلكل مقام مقال.


بقلم: عمر دغوغي الإدريسي صحفي وفاعل جمعوي [email protected] https://www.facebook.com/Omar.Dghoughi.officiel/
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 01:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-54772.htm