صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي صحفي وفاعل جمعوي -
يتميز المحتوى الدراسي في المدارس العتيقة المغربية بالطابع الموسوعي، وتعدد المواد الدراسية التي كانت تجمع بين العلوم النقلية والعقلية،وتضم لائحة العلوم والمعارف التي كانت تدرس بهذه المدارس أزيد من أربعين علما، وهي" لائحة تشكلت تدريجيا، ابتداء من القرنين الثاني للهجرة، مع ظهور العلوم الشرعية الإسلامية والأدبية، ومع اقتباس علوم الحضارات السابقة.
ويمكن اعتبار تلك التصنيف نوعا من المقررات الدراسية التي يمكن للطلاب أن يختاروا منها ما يشاءون، حسب عدة اعتبارات، غير أن لائحة المواد المدروسة علميا في حلقات الدروس العامة بالمساجد أو المدارس أقل من نصف اللائحة التي تقدمها كتب تصنيف العلوم، ولا تشتمل إلا على حوالي عشرين علما فقط، موزعة بين علوم دينية وأدبية وطبيعية.
ولم يكن تدريس هذه اللائحة خاضعا لمقاييس مضبوطة ومقننة، إذ ليس هناك مضمون دراسي موحد لمستوى من مستويات التعليم، أو لجهة من جهات المغرب، خلال العصر الوسيط، في غياب أية سلطة تعليمية تشرف وتعمل على توحيد المقررات، بل كان الطلاب والمدرسون يتمتعون بحرية نسبية في اختيار المادة التي يرغبون في تعلمها، متى شاءوا، ومن أي كتاب شاءوا، وعلى الأستاذ الذي يطمئنون إليه.
لذى، تعددت المحتويات التعليمية، حسب ميول الأفراد وتقاليد الجهات، في وقت معين،ومع ذلك ترسخت، في ظل هذه الحرية النسبية وهذا التنوع، عوائد كانت توجه الطلاب لاختيار مواد بعينها والبداية بأخرى يفرضها مجتمع يتسم إجمالا بالمحافظة، وبالتالي، يمكن ملاحظة وجود وحدة داخل هذا التعدد والتنوع.
وكانت الدروس في المدارس العتيقة المغربية إلى يومنا هذا تنطلق من المدونات والمنظومات التعليمية، وقراءة الكتب، وتصفح نصوصها بالشرح والتفسير والتوضيح، ومناقشة أفكارها وأحكامها وقضاياها، من خلال إيراد المسائل، واستعراضها بالدرس والفحص ، واستحضار كل أقوال العلماء في كل مسألة معينة، والتمثيل لها من أجل استخراج مجموعة من الأحكام والقواعد، سواء أكانت مطردة أم شاذة كما هو الحال في الفقه والنحو، وغالبا ما يتبع الفقيه في تدريسه طريقة اختصار كتب الأمهات في فنون وعلوم شتى من أجل تقديمها لطلبته لحفظها واكتسابها، سواء أفهموا ذلك أم لم يفهموا.
ويعني هذا أن التعليم في هذه المدارس كان يعتمد على الحفظ والتلقين، واختصار المتون والكتب والمصنفات في ملخصات وشروح وتعاليق وحشيات وهوامش ومدونات،لذلك يلتجئ المدرسون إلى اختصار المعارف والدروس في شكل متون موجزة مختصرة مقتضبة ككتاب (الأج رومية) في علوم اللغة العربية، و(متن الرسالة) لابن سحنون في الفقه المالكي، أو في منظومات شعرية ليسهل حفظها واستيعابها كألفية بن مالك في النحو ، ومختصر خليل في فقه مالك.
و كانت هذه المنظومات التعليمية سائدة في العصر العباسي مع انتشار المظهر العقلي، وتسهيل الكتب والمؤلفات من أجل حفظها واستظهارها كما هو حال (كليلة ودمنة) لابن المقفع التي حولت شعرا، و الشيء نفسه ينطبق على الكثير من الكتب الفقهية والقصص والحكايات التي كتبت نظما.
ومن أشهر مصنفي المنظومات التعليمية نذكر في هذا العهد إبان بن عبد الحميد اللاحقي ، " فله من هذا الفن بضعة آلاف من الأبيات، فقد نظم في القصص والتاريخ والفقه وغير ذلك من العلوم والمعارف.
وقد نقل كتاب ( كليلة ودمنة) إلى الشعر في أربعة عشر ألف بيت، فأعطاه يحيى بن خالد عليه عشرين ألف دينار، وأعطاه الفضل بن يحيى خمسة آلاف دينار، وله مزدوجات منها مزدوجة اسمها " ذات الحلل" ذكر فيها بدء الخلق وشيئا من أمر الدنيا ومن الفلك ، والمنطق، ثم له مزدوجات أخرى في تاريخ الفرس، وله كتاب حلم الهند، وكتاب الصوم والاعتكاف."
وقد صار الشعر التعليمي - القائم على تحويل العلوم والمعارف إلى نظم شعري- ظاهرة لافتة للانتباه في عصور الانحطاط العثماني والجمود التركي سيما في القرنين السادس والسابع الهجريين وما بعدهما.
وبعد ذلك، انتقل هذا الشعر، وبما سيتتبعه من جمود وركود وكساد وتخلف، إلى دول المشرق والمغرب على حد سواء.
ومن المنظومات والمتون التي كان يدرسها التلاميذ والطلبة في المدارس العتيقة ، بعد حفظ القرآن الكريم، وحفظ سنة الرسول ، وتعلم العربية والحساب، ما كتبه محمد بن عبد الله بن مالك (/1273م/672هـ)، كالألفية في النحو، وهي أرجوزة من ألف بيت، ولامية الأفعال في أبنية الأفعال، وإيجاز التعريف في علم التصريف، وكتاب محمد الصنهاجي ابن آجروم (1323م/723هــ) ( المقدمة الآجرومية في مبادئ علم العربية)، فضلا عن كتب أخرى كلامية المجرادي، والمرشد المعين لابن عاشر، ونظم مقدمات ابن رشد لأبي زيد الفاسي، ومنظومة الرسموكي في الفرائض، ورسالة أبي زيد القيرواني، ومنظومة السملالي في الحساب.
ومن هنا، كان البرنامج أو المقرر الدراسي في المدارس العتيقة المغربية يتكون من وحدات أساسية، تتمثل في العلوم الشرعية كتفسير القرآن وعلومه، وحفظ الحديث مع علومه وشروحه، ودراسة الفقه وأصوله، والتمكن من أصول الدين والعقيدة، وتمثل مبادئ الأخلاق، والتبحر في علوم التصوف، والاستهداء بالسيرة النبوية العطرة.
أما العلوم الثانوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهي عدة المتعلم الضرورية في فهم العلوم الشرعية وتفسيرها، فتتمثل في تحصيل علوم العربية من نحو، وصرف، وبلاغة، ودراسة للأدب.
يتبع...
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي صحفي وفاعل جمعوي
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/