صنعاء نيوزسلوى يحيى الارياني سلوى يحيى الارياني -
إنها فلسفة عميقة، خطيرة لا ُيستخف بها. لا يجوز أن نواجهها بالقهقهة أو التقليل من شأنها. بل و لا يجب أن تمر من فوق رؤوسنا مرور الكرام. سياسة المصالح ، من أين تؤكل الأكتاف. سياسة للخلف در..... ابحث يا حمار عن الصدف في الشاطئ، لملم الصدف يا حمار...و سيأخذ منك صاحب النفوذ أحلى الأصداف. لأنك حمار و هو يعرف من أين تؤكل الأكتاف. غير مهم انه لم يكد و يتعب. شيء هامشي كونه لم يبحث. ُخلق أمثالك لهذا، أنت قدرك التعب. خلق ناس مثله في أفواههم مجرف من ذهب. شباب هذه الأرض، ما أشبههم بالأكياس العلاقيات. أنا من هؤلاء الشباب. كلما ضاف صدري ، كثيرا ما يضيق. لا أجد لعقدي المتشابكة منفذ نور، لا أجد لأحلامي تحقيق...لا أجد لرأسي المثقل وسادة أتوسدها... لا أجد لحياتي فرح و لا ذرة سرور
أذهب لأشتري علاقي قات ، أركب المواصلات و اصعد إلى أعلى جبل عصر. أجلس فوق جبل عصر و أطل على مدينة صنعاء. أخزن ، أفكر ، أتنهد...حتى ينتهي القات و أعود أدراجي و همومي كالنسانيس تتنطط أمامي لتذكرني بأني لم أحل أيا منها. أرى في وجوه النسانيس مشاكلي، وظيفة، زوجة، بيت،استقرار، طموح. كلها نسانيس!!! فأصافحها بحزن و أعود إلى بيتي. لا أنسى بعد أن أقضي على آخر ورقة أن أطير الكيس المسكين في الجو... مسكينة أكياسي كلها لا تحوي إلا قليل من القات، أحيانا حبة بصل و حبتين طماطم، أحيانا ربع ك سكر، و في بعض المواقف قليل من صابون الثياب. مسكينة أكياسي لم تحوي يوما لا ذهب و لا ثياب فاخرة و لا عطور ساحرة و لا طعام لذيذ...و لا مال كثير. تأملت كيسي يعلو و ينخفض، مسكين و أنا مثله مسكين. مثلي لا يعرف سوى القليل بداخلة، و لا يعرف أن يحمل أهداف و مكاسب كثيرة...مثلي تائه مشرد يتلمس بأصابعه مصيره. مثلي يحمل بداخلة ما ُكتب له أن يحمله، مثلي قد يرتفع ليشبك في شجرة داخل قصر و قد تقفز و تحطه أرضاً قطة ليمتد فوق كومة قمامة..مثلي لا يعرف أين خلفه و أين أمامه؟ هذه الأكياس مثلنا نحن الشباب. لا نملك تحديد أي طريق، بل و إذا اشتعلت النيران نكون أول من يذوب بين ألسنة الحريق. لا نملك لا أن نهرب و لا أن نفر، فلا وصلنا لمرتبة الكلاب التي تهرب و لا حتى الهر الذي يفر. جلست أتأمل من مكاني المرتفع فوق جبل عصر الأكياس تتطاير أمامي في الجو، فأكاد أراها تشكل بوجوه أصحابي ، فأرفع يدي محييا، أهلا محمد، كيف الحال يا منصور ، كيف دنياك يا علي؟ أين أراضيك أبو الشباب يا أسعد؟ و الأكياس تتطاير أمامي و لا يجيبني منها أحد. أسئلتي المعتادة التي كلما أتيت هنا ظلت تراودني هي، هل سأجد وظيفة؟ هل سأتزوج؟ هل سيكون لي ابن؟ هل سيكون لي بيت؟ هل سأكل و أشرب؟ هل سأفرح و أرتاح؟ كيف أفعل أي من هذا و أنا لا قرابة بيني و بين أي من المسئولين، كيف؟ كيف أعمل، كيف أطمح؟ عمري يمر سريعا و أنا أتحسر و أتململ. بعض الأكياس العلاقيات من زملائي و من دفعتي لا يتخرجون من الجامعة إلا و قد تم خلق وظيفة في انتظارهم ليشغلوها. يحدث لهم ذلك ببساطة لأنهم تزوجوا بنت مسئول أو لأن مسئول يقرب لهم قرابة أسرية و لو من بعيد. ليس لدي أنا أي شيء من هذا؟ لذا كنت و مازلت كيس علاقي، و لا يوجد في الأمر جديد. أنا منذ قال لي أبي قبل وفاته :"يا بني المال يلد مال أكثر ، و الفقر يلد فقر أكبر" و أنا متوكل على الله ليساندني بعونه و أثبت أن الحركة و العمل هي التي تلد مال أكثر و أن اليأس و الكسل يلد فقر أكبر. تأملت صنعاء الجميلة المسكينة، ، لم تجد من يرعاها. أحبها كثرا برغم كوني لم أر فيها سوى البؤس و المهانة. حمدت الله أن حبها لا زال مجاني، و لم يحول أولاد الأبالسة حبها إلى اشتراك سنوي أو شهري يسدد إلى جيوبهم و خزائنهم. كانت كل هذه الأفكار تجول داخل رأسي حيت توقفت سيارة خلفي. سيارة فاخرة لا أعرف نوعها و لا اسمها. نزل منها رجل ، امرأة و طفل. صدحت الموسيقى من السيارة. أغنية مصرية راقصة و حلوة. أنا أحب الأغاني المصرية و يطرب لها قلبي غير أنني نسيت متى فعلها آخر مرة. أعطيت الأسرة ظهري خشية أن أضايق الأسرة. كانت الموسيقى عالية رجتني ، رجت كياني و رجت كيسي في حضني. فأمسكته بأصابعي العشرة خشية أن تطيره في الجو. شعرت بنقر على كتفي، فالتفت لأجد الرجل يقف خلفي قائلا:" معي عائلة و أنت واحد. بإمكانك أن تنتقل إلى مكان آخر لتخزن فيه." لم أهتم كونه يطردني من مكان عام، ليس ملكة بل كنت ممتناً كونه قال لي "أنت واحد" ، فنهضت لأغير مكاني و أجبته:" أشكرك! أنا واحد؟؟، الله يحفظك"لقد أكرمني هذا الرجل، أما أنا فلم أكن أعرف سوى أنني كيس علاقي. نهضت ألملم مائي ، قاتي و نفسي. رفعت رأسي إلى وجه الرجل فألجمتني المفاجأة. كان الرجل الذي طلب مني مغادرة المكان زميل قديم منذ أيام الثانوية. كبر و سمن و تغير و لكنني ميزت حتى صوته. حملقت في وجهه ، هتفت:" أنت؟؟؟ معقول؟" تأمل هو وجهي ، أبتسم و صاح بصوت رج كيس القات الخاوي في يدي :" أهلااااااا" اقترب مني ، صافحني و تعانقنا. أيام الثانوية ، أيام الشباب و الطيش و الأحلام الوردية. سألني ما أخباري، تزوجت؟ لا..توظفت؟ لا....معك بيت؟ لا.... معك سيارة.؟لا...معك خطط مستقبلية؟ لا...... ضاق الرجل مني... فقال مجاملا :" لكن ما شاء الله ، كما أنت لم تتغير: أما أنا فسمنت كثيرا للأسف" قالها بتحسر يغلف مضمون من التفاخر و الفشر. أجبته،" أنا لم أتزوج و لم أنجب ، فلما أسمن؟" قهقه هو بصوت هزني و تشبثت بكيس القات و أجاب :" أنا زوجتي هي التي تلد و ليس أنا، ما بك يا رجل؟؟؟؟" لم اخبره لئلا يستاء مني أن من يراه يعتقد انه هو من حبل و ولد. تنحنح بعد ذاك الضحك الذي سمعة كل سكان وادي ظهر، قال لي :" أما أنا فأعمل في الشئون المالية، تزوجت و لدي ولد" فاقتربت هامسا في إذنه: "أما أنا فكيس علاقي ، و لكن لا تبوح بالسر لأحد" قهقه و هو يقول "منكت فظيييييييييييييع" و ما كنت أنكت...كنت أبكي ، كثر التنكيت ... ما هو إلا حزن مريع. بدأت زوجته تضيق من انتظارها فنادته. أرتبك كوني سمعت صوتها، و همس :" أنا آسف، غير مكانك لو سمحت أنت واحد و ستنتقل بسهولة. زوجتي مدلله و لا أريد إغضابها" فهمت أنا ما بين السطور. هززت رأسي و توجهت لأنزل إلى مكان آخر. ابتعدت عنهم، ربما زوجته المدللة تريد أن ترفع نقابها أو تريد أن تغني....أما أنا فلست إلا علاقي لم يبقى فيه إلا القليل. ابتعدت و أنا أحدث نفسي، صاحبي موظف في منصب فاخر و السيارة دليل، متزوج و الوظيفة دليل، و ابنه دليل استمرار ذريته. ما شاء الله كم هو سعيد. كنت أغششه في الامتحانات...لأنة كان بليد. لديه في الأرجح بيت و ليس مستبعد أن يكون لدية حديقة بل لا استبعد امتلاكه طائرة. آه منك يا دنيا لعوب و غادرة. ابتعدت عنهم، و مددت يدي إلى داخل الكيس فوجدت أن القات قد انتهى، طيرت الكيس تأملته يعلو و يميل و ينخفض. ليت أستطيع مثله أن أطير و أتطاير... ليت أكون حر أحيا أو أموت دون أن ُأعاقب.... تعبت كون أني بشر.. أريد أن أكون كيس علاقي..... لا ينقض علي أبدا غول الإحباط و أظل دوما أسافر.