صنعاء نيوز - صور من اليمن - محمية عتمة

الخميس, 23-ديسمبر-2010
صنعاءنيوز -


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فهذه رسالة مختصرة في حكم غناء القرآن، جعلتها في فصلين:
الفصل الأول: حكم الغناء بآيات القرآن الكريم.
الفصل الثاني: تضمين الشعر أو النثر شيئاً من القرآن وحكم ذلك.


الفصل الأول؛ حكم الغناء بآيات القرآن الكريم
من غنى القرآن أو شيئاً من القرآن فقد ارتبك إثماً عظيماً، وكبيرة من كبائر الذنوب، قد تصل في أحيان كثيرة إلى الارتداد عن دين الإسلام - والعياذ بالله - بحسب ما يحف ذلك الغناء من قرائن وأحوال، كأن يكون هذا الغناء على سبيل الاستهزاء واللهو واللعب، أو على سبيل التنقص له، أو نحو ذلك، وبيان هذا الأمر من طرق:

الطريق الأول:
أن الله سبحانه قرن بين الاستهزاء بالآيات وبين الكفر والتكذيب، مما يدل على أن كل مستهزئ بآيات الله فهو كافر مكذب:
فقال تعالى: { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون}، فقرن هنا بين التكذيب بالآيات والاستهزاء بها، وجعل عاقبة من فعل هذا جهنم - والعياذ بالله -.
وقال تعالى: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره}، فقرن هنا بين الكفر بالآيات والاستهزاء بها.
وقال تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
وقد جاء في سبب نزول هذه الآية عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك - في مجلس -: (ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء؛ أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء )، فقال رجل في المسجد: (كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم )، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر: (أنا رأيته متعلقاً بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون... الآية} ).

قال الجصاص على هذه الآية [3/207]: (دل أيضا على أن الاستهزاء بآيات الله وبشيء من شرائع دينه كفر من فاعله).

وقال ابن قدامة [المغني: 9/33]: (ومن سب الله تعالى , كفر , سواء كان مازحاً أو جاداً. وكذلك من استهزأ بالله تعالى , أو بآياته أو برسله , أو كتبه , قال الله تعالى: { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) وينبغي أن لا يكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام , حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك , فإنه إذا لم يكتف ممن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة فممن سب الله تعالى أولى ).

وبيان دلالة هذه الآية على كفر من غنى شيئاً من القرآن على سبيل اللهو واللعب به ونحو ذلك من وجوه:
الأول: أن الله سبحانه وتعالى رتب الكفر في قوله تعالى: {قد كفرتم بعد إيمانكم) على الاستهزاء بالله والآيات والرسول.

الثاني: أن أولئك القوم يظهر أنهم - أو بعضهم - لم يعرفوا حكم هذا الاستهزاء لذلك عفا الله عن بعضهم ممن تاب، ومع ذلك كفروا، فكيف بمن تغنى لهوا ولعباً بمن استقر في فطر المسلمين كبيرهم وصغيرهم، سنيهم ومبتدعهم احترامه وتعظيمه وتبجيله ورفعه عن الأدناس ومحلات الأرجاس؟!

الثالث: أن الله سبحانه قال عنهم في اعتذارهم (إنما كنا نخوض ونلعب) ومن المعلوم عند الجميع على أن الكلام المنثور ينقسم إلى قسمين جد و هزل، ومع هذا لم يكذبهم في ادعاء اللعب والخوض، بل جعل لعبهم هذا من باب الاستهزاء، وأما الغناء الملهي بالقرآن فهو قسم واحد فقط؛ فهو من الهزل واللعب.

الرابع: أن هؤلاء كفروا مع أنهم لم يذكروا الله سبحانه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا آيات القرآن مطلقاً، ولكن الله سبحانه جعل كلامهم في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله وجعله كفراً بعد الإيمان، فكيف بمن غنى آيات الله سبحانه نفسها وتلاعب بها على العود أو غيره من الآلات؟!

الطريق الثاني:
أن الله سبحانه قد نفى عن كتابه الكريم الباطل والهزل:
فقال تعالى: {إنه لقول فصل وما هو بالهزل}، قال ابن عباس: (بالباطل)، وقال مجاهد: (باللعب) (1).
وقال تعالى: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}.

والغناء من الباطل واللعب، وقد بوّب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باباً سماه (كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله)، وقال القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه: (الغناء باطل، والباطل في النار)، وسمى مجاهد؛ الغناء باطلاً، وقال الشافعي: (الغناء مكروه يشبه الباطل).

وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل، ويبطل به اللعب والرقص والمزمار والمزهر والكبارات)، والمزهر: العود الذي يضرب به، والكبارات قيل العيدان وقيل الدفوف كما فسره بعض التابعين.

فإذا كان القرآن قد نص الله سبحانه وتعالى أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فمن غناه أو غنى شيئاً منه فقد عاند القرآن بعمله هذا.

وقد روى ابن أبي شيبة عن عمران بن عبد الله بن طلحة: أن رجلاً قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فطرب، فأنكر ذلك القاسم، وقال: ( يقول الله تعالى: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد})، فانظر كيف جعل هذا التابعي الجليل ترتيل القرآن - بتطريب - باطلاً، مع أنه لم يله ويلعب ويهزل به، وأنكره على من صنعه فكيف بمن تغنى بالقرآن على الآت اللهو؟!

الطريق الثالث:
أن الله سبحانه ذكر أن اتخاذ آيات الله هزواً ولعباً من صفات الكفار:
فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب والكفار أولياء}، وقال تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً}، وقال تعالى: {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً}، وقال تعالى - عن الكفار -: {ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا}، وقال تعالى: {وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين}، وقال تعالى: {ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون}.

ومن غنى بآيات الله فقد اتخذها هزواً ولعباً كما هو ظاهر.

قال القرطبي رحمه الله [3/157]: ( يقال لمن سخر من آيات الله {اتخذها هزواً}، ويقال ذلك لمن كفر بها، ويقال ذلك لمن طرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها).

الطريق الرابع:

أن الله سبحانه وتعالى قال: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين}، وقد صح عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما - رضي الله عنهم - تفسير لهو الحديث هنا بأنه الغناء، بل وأقسم عليها ابن مسعودٍ ثلاثاً.

واللام هنا لها معنيان بحسب الغناء:
الأول: إن كان الغناء ليس بقصد الصد عن سبيل الله فاللام للعاقبة، كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}، بمعنى أن عاقبة الغناء ومآله هو الصد عن سبيل الله - وهذه تكون من المسلمين العصاة -

الثاني: وإن كان الغناء بقصد الصد عن سبيل الله فاللام للتعليل - وهذه تكون من الكفار -
فهو هنا ذكر أن المغني إما أن يكون حاله أو مآله إلى الصد عن سبيل الله واتخاذها هزواً - وهو إنما غنى شعراً ونحوه - فكيف إذا كان المُغَنَّى من آيات القرآن الكريم؟!

لا شك أنه يكون داخلاً في اتخاذها هزواً في الحال وهي صفة لا تصدر إلا من كافر.

الطريق الخامس:
أن العلماء قد أجمعوا على أن الاستخفاف بالقرآن كفر وردة:

فقد قال السفاريني [غذاء الألباب: 1/414]: (قال الإمام النووي في "التبيان"، وابن مفلح في "الآداب" وغيرهما: أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العظيم على الإطلاق وتنزيهه وصيانته, وأجمعوا على أن من جحد حرفاً مما أجمع عليه , أو زاد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر، وقال القاضي عياض: اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه , أو جحد حرفاً منه , أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر , أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك , أو شك في شيء من ذلك , فهو كافر بإجماع المسلمين).

والغناء بالقرآن أو بشيء منه استخفاف به، فلو أن ملكاً من ملوك الدنيا أصدر مرسوماً مكتوباً يأمر رعاياه بأمرٍ أو ينهاهم عن شئ، ثم قام أحدهم بغناء هذا المرسوم لعدّ هذا العمل استخفافاً بالملك وبأمره، ولعاقبه أشد العقوبة.

الطريق السادس:
أن هناك نصوصاً لبعض أهل العلم في هذا الباب، وسأذكر طرفاً منها:

قال ابن نجيم الحنفي [البحر الرائق: 5/130] - في المكفرات -: (وبوضع رجله على المصحف عند الحلف مستخفاً، وبقراءة القرآن على ضرب الدف أو القضيب).

وفي "الفتاوى الهندية" [2/267]: (إذا قرأ القرآن على ضرب الدف والقصب فقد كفر ).

وفي "مجمع الأنهر" [1/693]: (وفي فصول العمادية إذا قرأ القرآن على دق الدف والقصب يكفر).

وفي "بريقة محمودية" [2/61]: (من استخف بالقرآن أو حرف منه أو ألقى المصحف إلى القاذورات أو جحد حرفا منه أو كذب به أو نفى ما أثبته أو أثبت ما نفاه أو بدل حرفا منه أو زاد أو قرأ على الهزل بنحو الدف).

وفي "لسان الحكام" [ص 416]: (رجل قرأ على ضرب الدف أو القصب يكفر لاستخفافه بالقرآن).

قلت: فانظر إلى قولهم لو قرأ بالقرآن على "الدف" أو "القضيب" كفر مع أن "الدف" مباح في بعض الحالات كغناء العرس.

والقضيب قال فيه ابن قدامة [المغني: 10/174]: (أما الضرب بالقضيب فمكروه إذا انضم إليه محرم أو مكروه كالتصفيق والغناء والرقص، وإن خلا عن ذلك كله لم يكره لأنه ليس بآلة ولا يطرب ولا يسمع منفرداً بخلاف الملاهي).

فإذا كان غناء القرآن أو بعضه بما هو مباح الأصل كالقضيب أو في بعض الحالات كالدف كفر وردة عند هؤلاء، فكيف بما هو حرام بالإجماع كالعود ونحوه؟!

الطريق السابع:
أن غناء القرآن استهزاء به مركب من وجهين:

الوجه الأول: أن الغناء نفسه لهو ولعب بالإجماع - حتى بشهادة من شذ عن أهل العلم فأجازه وهو ابن حزم - فقد سمى رسالته المبيحة للغناء "رسالة في الغناء الملهي أمباح هو أم محظور؟!" [مجموعة رسائله: 4/417]، فسماه "ملهياً" كما ترى، وغناء القرآن لهو ولعب به - والعياذ بالله -

الوجه الثاني: أن العلماء قد أجمعوا - قبل شذوذ ابن حزم - على تحريم الغناء، والنقول عنهم في هذا الباب كثيرة، وقد حكى الإجماع كثيرون منهم؛ ابن المنذر، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والقاضي عياض، وابن قدامة، وابن الصلاح، والنووي، والقرطبي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن مفلح، وابن رجب، وابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيتمي، وغيرهم، بل وأبلغ من ذلك أن القاضي عياض والكافي التونسي قد نقلا الإجماع على كفر من استحل الغناء (2).

فإذا كان الغناء قد ورد ذمه وتحريمه في الكتاب والسنة وأجمع العلماء على ذلك، فإن التغني بالقرآن هو مزيد استخفاف بهذا التحريم - حتى لو كان الغناء من الجد وليس من الهزو واللعب -، وهو مثل قول؛ (بسم الله) عند شرب الخمر - والعياذ بالله - فإن التسمية مشروعة ولكن التسمية على شرب الخمر استخفاف باسم الله تعالى الذي حرّم ذلك، كما قال بعض أهل العلم لو أن رجلاً شرب الخمر وقال (بسم الله) أو قالها عند الزنا يكفر (3).

فهو استهزاء من جهة اللعب بالقرآن، ومن جهة الاستخفاف بالتحريم.


الفصل الثاني؛ حكم تضمين القرآن شيئاً من النثر أو الشعر
المبحث الأول: صور تضمين القرآن في غيره من الكلام (4):

اعلم أن ورود القرآن الكريم في النثر أو الشعر يكون على صورتين:
الصورة الأولى: الاستشهاد؛ وهو ذكر آيات القرآن كما هي بلا تغيير، وهذا الاستشهاد على حالتين:

الحالة الأولى: أن ينبه القائل إلى أنه قول الله سبحانه، وذلك في النثر نحو قول الفقهاء وغيرهم حين الاستشهاد بالآية: "لقوله تعالى..."، ثم تُذكر الآية، وفي الشعر نحو قول عبد القاهر البغدادي:

يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ***** ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف

أبشر بقول الله في آياته "إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"

الحالة الثانية: أن لا ينبه إلى أنه قول الله سبحانه ولكن سياق الكلام والقرائن تدل على أن المراد الآيات، كأن يسوق عدداً من الآيات، أو يذكر آية لا يمكن أن يقولها بشر، نحو؛ {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ونحو ذلك.

الصورة الثانية: الاقتباس؛ والكلام على هذه الصورة في مطالب:

المطلب الأول: في تعريفه: فالاقتباس يقصد به: تضمين المتكلم كلامه - شعراً كان أو نثراً - شيئاً من القرآن, على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن.

المطلب الثاني: في أنواعه: الاقتباس ينقسم باعتبار الكلام الذي ورد فيه إلى نوعين:

النوع الأول: أن يكون الاقتباس في النثر: نحو قول الخطيب في خطبته {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}، ونحوه.

النوع الثاني: أن يكون الاقتباس في الشعر: كقول أبي العتاهية:

الحمد لله الواحد الصمد ***** هو الذي لم يولد ولم يلد

وينقسم باعتبار المعنى الذي سيق له إلى نوعين أيضاً:
أحدهما: ما لم تنقل فيه الآية عن معناها الأصلي , ومنه قول أبي تمام:

قد كان ما خفت أن يكونا ***** إنا إلى الله راجعونا


والثاني: ما نقل فيه الآية عن معناها الأصلي، كقول ابن الرومي:

لئن أخطأت في مدحك ***** ما أخطأت في منعي

لقد أنزلت حاجاتي "بواد غير ذي زرع"

فقوله: ( بواد غير ذي زرع )، اقتباس من القرآن الكريم , فهي وردت في القرآن الكريم بمعنى "مكة المكرمة" , فنقله الشاعر عن هذا المعنى إلى معنى مجازي هو: ( لا نفع فيه ولا خير).

المطلب الثالث: في حكم الاقتباس: اختلف أهل العلم في حكم الاقتباس (5)، وقبل أن نذكر خلافهم، نريد أن نحرّر محل النزاع كما يلي:

أولاً: اتفق أهل العلم على عدم جواز الاقتباس في نحو المجون ومجالس الفساق.

ثانياً: اتفق أهل العلم على أن الاقتباس من القرآن يجعل للنص المقتبس من الحرمة ما ليس لغيره. واختلفوا فيما عدا هذا على مذاهب:

المذهب الأول: ذهب بعض أهل العلم - وروي عن المالكية - إلى منع الاقتباس مطلقاً في النثر أو الشعر والتشديد في ذلك لحرمة القرآن الكريم.

المذهب الثاني: وذهب بعض أهل العلم إلى جوازه في النثر دون الشعر لأن الله سبحانه نزه القرآن عن الشعر، ومنهم النووي والباقلاني وغيرهما.

المذهب الثالث: التفصيل، وهو أن الاقتباس ثلاثة أنواع:

1) مقبول: وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود.

2) ومباح: وهو ما كان في القول والرسائل والقصص.

3) ومردود: وهو على ضربين: أحدهما: ما نسبه الله إلى نفسه وينقله القائل إلى نفسه. وثانيهما: تضمين آية كلاماً فيه معنى الهزل. واستحسنه السيوطي.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية [2/289]: (فصل؛ في الاقتباس بتضمين بعض من القرآن في النظم والنثر: سئل ابن عقيل عن وضع كلمات وآيات من القرآن في آخر فصول خطبة وعظية؟

فقال: تضمين القرآن لمقاصد تضاهي مقصود القرآن لا بأس به تحسيناً للكلام, كما يضمن في الرسائل إلى المشركين آيات تقتضي الدعاية إلى الإسلام , فأما تضمين كلام فاسد فلا يجوز ككتب المبتدعة وقد أنشدوا في الشعر:

ويخزهم وينصركم عليهم ***** ويشف صدور قوم مؤمنينا


ولم ينكر على الشاعر ذلك لما قصد مدح الشرع وتعظيم شأن أهله وكان تضمين القرآن في الشعر سائغاً لصحة القصد وسلامة الوضع ).

والصحيح بالنسبة للنثر في المواعظ والخطب ونحوها جوازه لوروده من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، نحو ما جاء في الصحيح مرفوعاً - في فتح خيبر - (الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وغيرها من النصوص - وهي كثيرة -

المبحث الثاني: حكم غناء ما تضمن شيئاً القرآن:

حكم غناء الكلام الذي تضمن بعض الآيات في الصور السابقة:
أما الصورة الأولى: وهي "الاستشهاد" بمعنى أن يذكر آية من القرآن أو أكثر على أنها من القرآن سواء نص على ذلك أو عرف هذا بالقرائن، فحكم غنائه حكم غناء القرآن تماماً على ما قدمناه في الفصل الأول؛ لأن المذكور بعض القرآن، و بعض القرآن له حرمة القرآن بالإجماع؛ لذلك لو كفر أحدٌ بآية واحدة أو شكّك فيها لارتد عن الإسلام بالإجماع - كما يقرّره أهل العلم والفقه في كتبهم - كذلك في مسألتنا هذه.

وأما الصورة الثانية: فقد تبين من خلاف أهل العلم فيه أن من أجازه اشترط فيه أن يكون في غير مجالس المجون والهزل، وما ذاك إلا لتقرّر حرمة ما اقتبس من القرآن حتى لو خرج عن كونه من القرآن، فمن غنى شيئاً من الكلام المقتبس من القرآن فقد فعل محرّماً تحريماً مركّباً من وجهين:

الوجه الأول: حرمة الغناء الأصلي الذي أجمع عليه أهل العلم.

الوجه الثاني: حرمة غناء ما تضمن بعض الآيات - وإن أراد بها غير القرآن -

هذا ما تيسر إيراده هنا.

والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


--------------------------------------------------------------------------------

(1) (تفسير الطبري) 30/150.
(2) وهذا لا يصح، و انظر النقول عنهم بالتفصيل في (فصل الخطاب) 157-164.
(3) انظر (لسان الحكام) 416 .
4) انظر تفصيل هذه المسألة في : رسالة للسيوطي بعنوان (رفع الباس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس) في (الحاوي للفتاوي) 1 /344-377، و (شرح الزرقاني) 3/65، و(تنوير الحوالك) 2/24، و (مناهل العرفان) 1/296، و (أبجد العلوم) 2/491، و (صبح الأعشى) 1/234، و (الموسوعة الفقهية الكويتية) 6/17 .
5) انظر المراجع التي ذكرتها في أول هذا الفصل.


منقول من موقع منبر التوحيد والجهاد


كاتبه/
الشيخ ناصر الفهد

Dr.abduooo
Five minutes a day
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 01:59 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-5864.htm