صنعاء نيوز - 
ليس صدفة أن تكون أولى نوايات المستعمرات الاستيطانية التهويدية قد أقيمت في منطقة المطلة في العام 1896، بالجوار من منابع نهر الأردن وطبريا وقرى الليطاني.

الخميس, 23-ديسمبر-2010
صنعاءنيوزبقلم علي بدوان -
المادة المنشورة على صفحات صحيفة الوطن القطرية

صباح الأربعاء الواقع في 22/12/2010

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليس صدفة أن تكون أولى نوايات المستعمرات الاستيطانية التهويدية قد أقيمت في منطقة المطلة في العام 1896، بالجوار من منابع نهر الأردن وطبريا وقرى الليطاني. فمنذ بدايات الاستيطان الصهيوني للأرض الفلسطينية والعربية بشكل عام، كرر المتمول الصهيوني اللورد روتشيلد قوله .
«إنني أفكر في المستقبل، ولا مستقبل إذا لم نضع أيدينا على الماء. وينبغي أن نفكر في ذلك من دون الكلام عنه أبداً».
بهذه الروحية الاستعمارية اهتمت الوكالة اليهودية فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، بترسيم الحدود الانتدابية للقطر العربي الفلسطيني مع البلدان العربية المجاورة، ومع كل من سوريا ولبنان بشكل خاص، متضمنة منحدرات المياه وينابيعها في أقصى الشمال على المثلث السوري - الفلسطيني - اللبناني. وقدمت الوكالة اليهودية العديد من المخططات المائية لسلطات الانتداب البريطاني سنتذاك في محاولة منها لتثمير هذه المشاريع اقتصادياً لحسابها، ولحساب المشروع الصهيوني الذي كانت تعد وتعمل له في فلسطين تحت رعاية سلطات الانتداب.
«إسرائيل» والمياه العربية والتخطيط المسبق
ولم تكن تلك الرؤية الصهيونية البعيدة منسلخة عن إرادة بريطانيا، التي سهلت وعملت على إعادة تخطيط حدود فلسطين الانتدابية بما ينسجم مع تلك التوجهات، فجرت تعديلات عدة مست خطوط تقسيمات سايكس/ بيكو السيئة الذكر، وصولاً الى ما سمي في حينها تعديلات (نيو كمبوليه) للحدود بين كل من فلسطين من جهة وسوريا ولبنان من جهة ثانية.
وكانت الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية قد اقترحت عدة مشاريع قبل وبعد قيام الدولة العبرية الصهيونية على أنقاض الكيان الوطني للشعب العربي الفلسطيني، للسيطرة على مياه الجولان ووادي نهر الأردن، منها مخطط يونيدس عام 1939، وهو المخطط المتعلق بري الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن، عن طريق تخزين مياه نهر اليرموك في بحيرة طبريا. وتحويل جزء من تصريف مياه نهر اليرموك لا يتجاوز (1,6) متر مكعب في الثانية عبر قناة تتجه جنوبا لتقطع وادي العرب وتصل حتى وادي زقلاب لتجمع تصريفهما الدائم ليصبح (2,56) متر مكعب في الثانية، وري (45360) دونم من أراضي الغور الشرقي . كما ينص هذا المشروع في جانب منه على تخزين فائض مياه اليرموك في بحيرة طبريا وإنشاء قناة تسحب مياهها من البحيرة لري أراضي الغور الغربي .
كذلك مخطط والتركلاي - لودرملك عام 1944، والمتعلق بري سهل نهر الأردن عن طريق بعض روافد نهري الأردن واليرموك باتجاه النقب، وتنمية طاقة مائية بواسطة بناء قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الميت، للاستفادة منها بتوليد الكهرباء، ويعتبر لودرملك من أكبر علماء وخبراء التربة والمياه الأميركيين في حينه، وتوصياته مازالت أساساً لجميع مشاريع المياه في الكيان الصهيوني.
إضافة الى مخطط ايس عام 1948 والقاضي بتحويل نصف كمية مياه نهر اليرموك إلى بحيرة طبريا، وجزء من مياه الليطاني إلى المستوطنات اليهودية في شمال فلسطين. وإنشاء سد على الحاصباني وتحويل مياهه عبر قناة مغلقة لتوليد الطاقة الكهربائية في محطة داخل فلسطين. وتحويل مياه نهر بانياس من سوريا عبر قناة، نحو تل القاضي ودان لتجميع مياه ينابيعهما وجرها في قناة مكشوفة لإرواء أراضي سهل الحولة، والجليل الأدنى، ووادي مرج ابن عامر ثم إمرارها عبر نفق لتخزين الفائض في سهل البطوف. ويطرح المشروع في جانب منه تحويل كمية من مياه البحر المتوسط إلى البحر الميت عبر قناة تمتد من حيفا وذلك لمنع انخفاض منسوب البحر الميت بعد استثمار مياه حوض الأردن وروافده.
وصولاً الى مخطط ماك دونالد عام 1951: والمتعلق باستعمال مياه نهر الأردن فقط لري ضفتي أخدود وادي الأردن من جنوب هضبة الجولان عند مثلث الحدود السورية ـ الفلسطينية ـ الأردنية حتى جنوب بيسان، بواسطة قنوات متوازية.
وأخيراً، مخطط جونستون الشهير عام 1953، وهو المشروع الذي اقترحه مبعوث الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور، ويقوم على بناء ثلاث قنوات للري، وإنشاء سدين كبيرين لتخزين مياه الأمطار. رفضت سوريا هذا المشروع حيث لا مصلحة لها فيه، ويتعارض مع حقوقها في مياه حوضي اليرموك والأردن، إذ أنه يقتطع منها مياه نهر بانياس لصالح مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، بينما اعتبرته إسرائيل غير كاف. كذلك لم يستطع هذا المشروع أن يشق طريقه بسبب التعقيدات السياسية في المنطقة.
وبهذا الصدد فإن الأطماع «الإسرائيلية» في المياه العربية ومواردها الرئيسية تزداد كل يوم، ويتوقع لها أن تفاقم من خطورة المشكلة المائية بالنسبة للعديد من البلدان العربية، وتحديداً المحيطة بفلسطين كسوريا ولبنان والأردن وحتى مصر.
تقارير عربية ومقايضات «اسرائيلية»
فقد رصد تقرير اعتمدت على دراسات لمركز الدراسات والأمن المائي العربي والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (اكساد) التابعين لجامعة الدول العربية ومقرهما دمشق المحاولات والأطماع «الإسرائيلية» في المياه العربية وموارها الرئيسية، ومحاولات «إسرائيل» الدائمة للاستحواذ على القسم الأعظم منها بشتى السبل والوسائل حتى ارتبطت استراتيجيتها العسكرية في المنطقة بحرب المياه.
ومن المعلوم أن «إسرائيل» تحاول مقايضة مصر واستدراجها نحو القبول بتركيب خط لنقل مياه نهر النيل عبر صحراء سيناء الى داخل عمق فلسطين المحتلة، وهو ما رفضته مصر وبشكل قاطع، الأمر الذي دفع «إسرائيل» في الآونة الأخيرة لتحريض دول حوض النيل ودفعها للتصادم مع كل من مصر والسودان.
كما يذكر بأن الدولة العبرية الصهيونية تمارس في واقع الأمر سرقة مياه نهر الاردن وروافده من سوريا ولبنان عبر إقامة السدود والمضخات الضخمة لنقل المياه وحفر الآبار الارتوازية، وتحويل مياه بحيرة (مسعدة) الواقعة الى الشمال من الجزء المحتل من الجولان الى المستعمرات الصهيونية جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ومن هذه السدود المقام منها على وادي الرقاد قبل ان يرفد اليرموك وعلى نهر الدان القاضي وجر مياه انهار اخرى إلى بحيرة طبريا.
بالمحصلة، يمكن القول بأن من نتائج عدوان يونيو 1967 أن تمكنت الدولة العبرية من وضع يدها والسيطرة بشكل كامل على جميع مصادر المياه في منطقة الحدود المشتركة اللبنانية - السورية - الفلسطينية ، والأردنية - الفلسطينية - السورية. لذا تبدو العقبات الكبيرة قائمة أمام حل قضية المياه خاصة وان الحدود الجغرافية للمنابع تقع خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 .
الآن وفي ظل مفاوضات التسوية على المسار السوري - الإسرائيلي، من المتوقع أن تكون هناك خطط ومشاريع سورية طموحة لإعادة بناء مدينة القنيطرة وبلدات محافظة الجولان، وإعادة إنشاء بنية اقتصادية زراعية بما تتطلبه من كميات كبيرة من المياه، وتالياً لا بد من عودة الينابيع والمصبات والحوض المائي في الجولان للسيادة السورية الكاملة، والاستفادة منها في البرامج التطويرية اللاحقة.
وعند الإصرار السوري على رفع مياه الحاصباني وبانياس إلى الأراضي السورية في الهضبة كما هو مفترض بعد تطبيق قرارات الشرعية الدولية، فإن هذا الأمر يتطلب بناء سدود على نهر الأردن كي تضخ سوريا المياه من الأحواض الصغيرة في الهضبة، لعدم توافر إمكانية تجميع المياه، وهذا ما يولد مشكلة إضافية مع الأطماع التوسعية الإسرائيلية للاستحواذ على المياه الجوفية العربية.
من جانب آخر وبسبب من التكاليف الباهظة التي يمكن أن تقع جراء القيام بتحلية (500) مليون متر مكعب سنوياً من مياه البحر كتعويض عن فقدان مصادر المياه من هضبة الجولان كما تطرح بعض الجهات الدولية، فان هذا الحل سيكون غير وارد، وبالتالي فالحل الأكثر احتمالا من الوجهة الإسرائيلية لموضوع المياه مع عودة الجولان السورية يتمثل في العمل لجلب المياه من تركيا، أو مقايضة مياه الفرات من خلال زيادة منسوب التدفق إلى سوريا مع مياه الجولان وفق العديد من الاقتراحات الإسرائيلية التي يبدو أنها لن تحظى على موقف سوري متقبل لها.

ومن جملة الاقتراحات التي يقدمها الخبراء الإسرائيليون حول نقل المياه من تركيا، هناك اقتراح لجلب المياه التركية عن طريق قناة معدنية عبر البحر بمعدل (600) مليون متر مكعب في السنة بقناة تمتد من حوض سد اتاتورك على الفرات الذي يرتفع 540 متراً فوق سطح البحر. وفي هذا السياق وقعت كل من تركيا وإسرائيل في سبتمبر 2003 على اتفاق نهائي خاص بشراء مياه نهر مناوغات التركي بعد أربع سنوات من المفاوضات بين الطرفين، وستشتري إسرائيل بموجب الاتفاق (50) مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر مناوغات الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط قرب مدينة أنطاليا. وذلك بسعر (12) سنتاً من قيمة الدولار الأميركي للمتر المكعب الواحد منها، حيث سيتم نقل المياه مؤقتاً بواسطة ناقلات بحرية إلى خزانات المياه في مدينة حيفا، على أن يتم لاحقاً بناء أنبوب للمياه عبر البحر الأبيض المتوسط.
كما تطرح «إسرائيل» إمكانية بيع جزء من هذه المياه إلى مناطق الكيان الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث من المتوقع أن تتفاقم المشكلة هناك اكثر فأكثر مع احتفاظ سلطات الاحتلال بالسيطرة الكاملة على الأحواض الجوفية المائية شمال ووسط الضفة الغربية، وفي مناطق قطاع غزة. وبذا يبدو أن مشروع القناة المائية يحمل في طياته مشروعاً تجارياً إسرائيليا جديداً، يتمثل في الاستفادة من القناة المائية التركية المتدفقة نحو الدولة العبرية لتعويض النقص المائي عند الانسحاب من الجولان والاستفادة من جزء كبير من هذه المياه في الزراعة وخاصة في منطقة النقب، إضافة لبيع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة جزءاً منها بأسعار تجارية.
أخيراً، ان حربا مستعرة قادمة لا محالة في ظل التكالب الصهيوني للاستحواذ حتى على منابع المياه ومصادرها وإدامة احتلالها في الجولان ولبنان وفلسطين.

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 03:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-5869.htm