صنعاء نيوز/محمود صالح عودة - من الطبيعي وجود منظمة أو مؤسسة دولية تحتكم إليها كافة الدول في زمن أصبح فيه العالم كالقرية الصغيرة بتطوره التكنولوجي، إنما على الأولى أن تكون عادلة مقسطة لتحصل على مصداقية وثقة.
إذ تأسست منظمة "الأمم المتحدة" عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث كان الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت مقترح الاسم والمشروع، وقد تم إنشاؤها بعد تفكّك وفشل منظمة "عصبة الأمم" التي سبقتها.
تفكّك "عصبة الأمم" نتج عن عدّة أسباب، كان من ضمنها فشل العصبة في منع وقوع الحرب العالمية الثانية وحروب أخرى، وفشلها في إعطاء الشعوب "حق تقرير المصير".
ولو ركّزنا على هذين الأمرين فقط، سنجد أن منظمة "الأمم المتحدة" بتركيبتها الحالية تمارس ذات الأخطاء التي مارستها "عصبة الأمم"، والذين يعتبرونها أخطاء هم بالطبع الشعوب المستضعفة والمظلومة، وليست الدول التي تملك حق النقض "الفيتو" للقرارات والمشاريع التي لم تتوافق مع مصالحها، فقد طوّرت هذه الدول أساليب التحكّم بعد فشلها من خلال "عصبة الأمم" وتعلمت من تجاربها السابقة.
الحروب الممتدة منذ إنشاء الأمم المتحدة وحتى اليوم تمّت على يد أكبر مموّل للأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من كون هذه الحروب مصلحة لأمريكا وحلفائها، فإنها كذلك المضاد التام لحق الشعوب في تقرير مصيرهم، وللسلم والأمن وحقوق الإنسان وحريته.
وإن كانت الأمم المتحدة هي المرجع لجميع دول العالم، فإنّ ما يسمى "محكمة العدل الدولية" تشكّل "الشرعية" لتلك الدول. وإن عارضت بعض الدول قرارات هذه "الشرعية الدولية" من خلال المحكمة أو المنظمة، فهي تعرّض نفسها للحصار والتجويع والتركيع، وفي نهاية المطاف للحرب.
لنا في المعاملة الدولية مع إيران عبرة، فإيران تمثّل نموذجًا لدولة "نائية" ترنو للتقدّم والتطوّر دون تدخّل خارجي، وتسعى لتطوير الطاقة النووية السلمية، وترفض الهيمنة الغربية على كافة المستويات في الدول المستضعفة، ممّا يجعلها هدفًا سائغًا لـ"الشرعية الدولية"، التي يرفض من يديرها أي تقدّم واستقلال واكتفاء ذاتي لأي دولة دونهم، خاصة إن كانت دولة عربية أو إسلامية.
ولنا في الحكومة الفلسطينية في غزة المنتخبة وفق معايير "الشرعية الدولية" عبرة، فعندما ينتخب الشعب بـ"الديمقراطية" جهة لا ترضى عنها الدول المنظّرة للديمقراطية، والشرعية الدولية، تتكالب عليها تلك الدول وتحاصرها وتجوّعها وتحاربها.
كذلك المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رفيق الحريري، المنبثقة عن "مجلس الأمن"، والتي توشك أن تصدر قرارًا ظنيًا مزوّرًا منذ بدايته، يتهم عناصر من حزب الله بالجريمة، وتستثني المستفيد الأكبر والمتّهم الأول من مسرحيّة التحقيق، بهدف واضح لإثارة الفتنة وزعزعة أمن واستقرار بلد عربي يأبى أن يستسلم للمكر الصهيوني الغربي.
لترسيخ هذه "الشرعية الدولية"، نجد القوى الصهيو-أمريكية وحلفاؤها تستخدم كافة صور التحريض بالتزييف والافتراء، ضد الدول أو الجهات التي لا تتنازل عن حقوقها الطبيعية التي تقرّها ذات "الشرعية الدولية" المصوّبة تجاههم، من حق تقرير المصير والحفاظ على الأمن والسلم وحريّة المعتقد، وقد بذلت أمريكا 500 مليون دولار فقط لتشويه صورة حزب الله.
إن "الشرعية الدولية" كانت وما زالت شرعيّة القوّة، وهي تشكّل اليوم إحدى سمات الاستعمار الحديث. ولمواجهة هذا الاستعمار الحديث - المتسلسل من الاستعمار القديم - لا بدّ من إنتاج قوّة لإيجاد الشرعية، قوّة تنتج عن إيمان وعلم وعمل، فما أخذ بالقوّة يسترد بالقوّة، لا باستنجاد "الأمم المتحدة"، ولا باللجوء إلى "مجلس الأمن"، ولا بـ"إقحام العالم بعملية السلام" كما يزعم وكيل "الشرعية الدولية" في فلسطين.
تلك القوّة مطلوبة ليس للعربدة والتسلّط على باقي الأمم كما يفعل صنّاع القرار في "الأمم المتحدة" اليوم، إنما لحفظ إنسانية وكرامة وقيم هذه الشعوب، لكي تتعامل مع الأمم الأخرى بصفتها مختلفة مكمّلة، لا معتدية مدمّرة. |