صنعاء نيوز - إن اجراءات الحشد بالترغيب والتحفيز للتصويت في الانتخابات لا تستهدف الرأي العام في مصر بالدرجة الأولى
محمد عبد الشكور

السبت, 31-مارس-2018
صنعاء نيوز/محمد عبد الشكور -
انتخابات "سكوت هنصور"!
إن اجراءات الحشد بالترغيب والتحفيز للتصويت في الانتخابات لا تستهدف الرأي العام في مصر بالدرجة الأولى



سيدة تبلغ من العمر ١٠١ سنة في منطقة الأزبكية بالقاهرة يذهبون بها إلى لجنة الانتخابات بسيارة إسعاف، ويحملونها على كرسي متحرك، ثم يرفعون لها يدها بصعوبة لكى يتم تصويرها وإصبعها مغموس في الحبر الفوسفوري ، وهى لا تدرى ما يفعل بها، ولم يسألها أحد هل هى تعلم أن هناك انتخابات تجرى أو من هم المرشحون لها، فمثلها في هذا السن لا يعقل ما يدور حوله بفعل أمراض الشيخوخة والعجز، وقد يكون آخر ما وعى ذهنها الرئيس الراحل أنور السادات، ولكن كل ما يهم القوم هو اللقطة والصورة لتسويق شعبية غير موجودة يحاولون استدعاءها بمختلف الطرق والحيل .

اللقطة والكادر
هكذا جرت ما يسمى بالانتخابات الرئاسية في مصر، والتي يبلغ عدد من لهم حق التصويت فيها بجميع أرجاء الجمهورية 59 مليونا و78 ألفًا و138 ناخبا يصوتون في 13 ألفا و706 لجان فرعية تمثلها 367 لجنة عامة، بإشراف 18 ألف قاض تقريبا يعاونهم 110 آلاف موظف.

انتخابات أقرب للاستفتاء السمج البارد، يخوضها جنرال يحكم بالحديد والنار، لم يسمح لأحد يحمل أدنى شعبية ولو حتى قليلة أن يقلق كرسيه، وبعضهم مجرد أن أعلنوا النية تم إرهابهم وآخرون تم القبض عليهم، المهم ألا يناطح الجنرال مرشح حقيقي، ولكن يتم الاستعانة بمرشح متيم بحب الرئيس ومؤسس حملة ترشح الرئيس لكى يمثل دور المنافس، وللأسف فشل في ذلك كثيرا من خلال تصريحاته التى تهيم شوقا وحبا وهياما في سيادة الرئيس .

اختلف الكادر وتشابهت اللقطات
ولأنهم يعلمون أن شعبية الجنرال قد ولت وأن السكرة قد راحت فعلوها في انتخابات الخارج، فقد شاهدنا السيدة التى خرجت من حجرة العمليات بعد عملية قيصرية تحمل مولودها وهى تدلى بصوتها في سفارة مصر بالكويت، ورأينا السيدة العجوز التى بلغت التسعين من عمرها أيضا في اللجنة نفسها، ولم ينسوا الرجل الذى جاء على كرسي متحرك وهو يدخل السفارة لكى يصوت في الانتخابات، واللقطات نفسها في السعودية ومعها الطبل البلدى والرقص بالعصا، وغيرها الكثير من أساليب استجداء عاطفة الناس واللعب بمشاعرهم من دون أن يسأل أحد هل هذا حقيقى، وماذا يفعل الرجل القعيد في الكويت، وماذا يعمل؟ لا تسأل فعليك مشاهدة اللقطة كما أراد المخرج، وعليك أيضا أن تتأثر بها وتهب واقفا وتصرخ بصوتك: تحيا مصر ،تحيا مصر .

كل هذا الحشد للصورة واللقطة ولكن جاءت انتخابات الخارج مخيبة للقوم فلم تفلح الحشود الكنسية في الدول الأوربية وأمريكيا، وصور القساوسة وهم يدلون بأصواتهم، والحشد في دول الخليج خاصة في السعودية والكويت والإمارات أن تجعل الناس يقبلون على التصويت. ولم تبلغ النتيجة بأية حال من الأحوال ما نسبته 3.7% من جملة المصريين في الخارج، لذا تم تأجيل إعلان النتيجة لدمجها مع نتيجة الداخل!

التجارة بجثث المرضى
ثم جاءت انتخابات الداخل فلم يكن هناك تغيير في الصورة أو اللقطة أو الكادر حيث شاهدنا المواقع والصحف والفضائيات تتنافس على أخبار الأكبر سنا من الذين صوتوا ووصلت المزايدات في بعض المواقع من 110 سنوات لمسن إلى 120 سنة لمسن آخر، تخلل المشهد رجال ونساء عجزة على الكراسي المتحركة، وبعضهم جاء من المستشفى ومعه من يحمل له أسطوانة التنفس، وآخرين على أسرة الإسعاف، وتخلل اللقطة "عرسان" تركوا حفلات زواجهم لكى يصوتوا في الانتخابات من محافظات الصعيد ومحافظات الدلتا، كل ذلك يأتي على أنغام ورقصات فتيات بعضهن تم جلبه ليعمل على جذب الشباب وعمل حشود أمام مقرات اللجان، وبعضهن رقصن متطوعات .

وفى فيديو بثه أحد المواقع الكبرى المؤيدة للجنرال، كانت هناك لقطة تمثل قمة الإخراج الميلودرامي، حيث ظهرت سيدة ترتدى النقاب بمنطقة الدويقة وهى إحدى مناطق القاهرة الشعبية، وقالت إن زوجها رفض خروجها من المنزل للإدلاء بصوتها في الانتخابات الرئاسية، ولكنها حسب قولها صممت على المشاركة في الانتخابات رغم تهديد زوجها، قائلة: "جوزى ممكن يتعوض، لكن مصر لأ "، المهم هو الدفاع عن مصر وتوجيه رصاصة في قلب الأعداء كما قالت وسائل الإعلام.

التدليس والغش
ولم لا وقد قال الإعلامي معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، إن الانتخابات الرئاسية في مصر تجري بين مرشحين، هما الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمهندس موسى مصطفى موسى، و10 منافسين هم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذى يسعى لاستعادة أمجاد دولة الخلافة على حساب مصر حسب قوله، والثاني هو الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر، وثالث المنافسين تنظيم الإخوان، ورابع المنافسين كما قال عبد الفتاح خلال تقديمه برنامجه "الطريق إلى الاتحادية" عبر فضائية "أون لايف" هو إيران وأطماعها في السيطرة على الأزهر والمنطقة كلها، وأوضح أن خامس هؤلاء المنافسين هم الصهاينة وأطماعهم في سيناء والنيل وقناة السويس، وأشار إلى أن أمريكا تلي الصهاينة في تلك المنافسة من خلال أطماعها الاستعمارية والاقتصادية في الشرق الأوسط، وسابعهم الذين يريدون نزع سيادة مصر من على سيناء حتى تكون شوكة في ظهر المصريين لصالحهم، وثامنهم هو تنظيم داعش الإرهابي وأطماعه في وجود دولة إرهابية دينية أطلقوا عليها اسم ولاية سيناء، وتاسعهم الذين يريدون بيع البلد ويقبضون بالدولار تحت اسم الثورة والحقوق والحريات، والعدو العاشر كما يقول أستاذ العلوم السياسية هو البيروقراطية والإهمال والفساد والمحسوبية والعشوائيات وترحيل المشاكل الذي لا يجعل الوطن ينهض.

ديمقراطية اللقطة
وهكذا استخدم معتز عبد الفتاح الإعلام لكي يخترع من خلاله10 منافسين للسيسي، مطالبا الناس بالنزول وألا يصدقوا من يقول لهم الأمر محسوم، وألا يتركوا الفرصة لأعداء الوطن على حد قوله، وهو الذى كتب في أكتوبر/تشرين الأول 2011 مقالا بعنوان "كيف يخدعنا الإعلام" وكانت أبرز العناصر التي انتقدها في مقاله هذا هى التي استخدمها في برنامجه وهي: تلطيف القبيح أو التهدئة وتهييج المشاعر، والتأطير وغيرها.

إن اجراءات الحشد بالترغيب والتحفيز للتصويت في الانتخابات لا تستهدف الرأي العام في مصر بالدرجة الأولى، بل تستهدف توجيه رسالة إلى الغرب في الأساس بأن كل شيء على ما يرام، وأن الرئيس يحظى بالتأييد الكبير من أبناء شعبه، وبالتالي ينسف كل الادعاءات التي تتحدث عن أجواء قمع وتنكيل في مصر.

هى إذن ديمقراطية الصورة واللقطة، والمصريون خارج حسابات النظام، لا يهمه رضاهم، ولا يهمه صوتهم بالمرة، كل همه هو حشدهم أمام الكاميرات ووسائل الإعلام، لذا كان الرهان الأساسي على تحقيق ذلك، خلال أيام التصويت، من خلال التجارة بالمسنين والمرضى، ولو كان هناك قانون لتمت محاكمة من تجرأ وأحضر هؤلاء المرضى وكبار السن بتهمة التمثيل بالجثث والموتى.

ولا أعتقد أن ذلك قد تحقق بالصورة المطلوبة، وهو ما فسر عملية الاستنفار والحشد بكل الوسائل والضغط على الناخبين، في كل مؤسسات الدولة حتى تخرج اللقطة المطلوبة ليتم إعلان النتيجة بأرقام خيالية قد تتجاوز ما تم إعلانه في انتخابات 2014.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 10:01 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-59246.htm