صنعاءنيوز -
http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/12/blog-post_24.html
الرقة التي تتعامل بها السلطة الفلسطينية مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية تثير الدهشة،وتحتاج إلى تفسير، خصوصا أنها لا تقارن بالغلظة والشدة اللتين تتعامل بهما السلطة مع المخالفين الفلسطينيين.
ما دعاني إلى إبداء هذه الملاحظة أنني قرأت في صحف الأحد 19 ديسمبر تصريحا لرئيس البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة قال فيه إن المشروع العربي بخصوص النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة سيتم تأجيل عرضه على مجلس الأمن لتجنب "إحراج" الولايات المتحدة.
لم أصدق عيني حين وقعت على الخبر في صحيفة "الشرق الأوسط" صبيحة ذلك اليوم. إذ تصورت لأول وهلة أن السلطة الفلسطينية مشغولة بتعبئة الرأي العام الدولي ضد الاستيطان بأكثر من انشغالها بمجاملة الإدارة الأمريكية وتجنيبها الحرج الذي سوف تستشعره حين تجد نفسها مستخدمة "الفيتو" لرفض القرار، رغم أن الرئيس أوباما تبنى الدعوة إلى وقف الاستيطان في بداية توليه السلطة، وهو يعلم جيدا أنه يعد جريمة تنتهك القوانين والأعراف الدولية. وفي ذلك لم يكن يسدي معروفا للفلسطينيين، بقدر ما كان يحاول في بداية ولايته أن يمسح بعض العار الذي يجلل الوجه الأمريكي، ويضفي على سياستها مسحة أخلاقية تفتقدها.
لم يكن الكلام منصبا على الاحتلال الذي هو أصل الداء، ولكنه كان منصبا على فرع عنه، ثم أن ذلك الوعد تراجع عنه الرئيس أوباما بصورة تدريجية، إلى جانب أن وثائق ويكيليكس الأخيرة كشفت النقاب عن أن الرئيس الأمريكي لم يكن جادا فيه، باعتبار أن تجميد الاستيطان لم يكن يعني بالضرورة إيقافه، ولكنه يتسع لاستمرار العمل في المشروعات الجاري تنفيذها، وتأجيل المشروعات الجديدة، لفترة محدودة قيل إنها 90 يوما.
باختصار، فإن الموقف الأمريكي كان متلاعبا ومخادعا للفلسطينيين والعرب، في الوقت الذي كان مستمرا في استدراج الفلسطينيين إلى مفاوضات غير مباشرة وأخرى مباشرة، حين فشلتا فإن خزانة الاحتيال السياسي أفرزت "نمرة" جديدة أطلقوا عليها اسم المفاوضات الموازية. وهو ما أعطى انطباعا قويا بأن القضية أصبحت لغوية في نهاية المطاف، وأن المراد هو إشغال الفلسطينيين بالثرثرة حول الطاولات، في حين تستمر "إسرائيل" في تغيير الواقع على الأرض.
طول الوقت كان الموقف الأمريكي متسما بالاحتيال والتواطؤ مع الإسرائيليين، والتستر على ممارساتهم وتمكينهم من إجهاض الحلم الفلسطيني وتصفية القضية.
وطول الوقت كانت القيادة الفلسطينية تتلقى الصفعات والصدمات والإهانات، حتى فقدت ثقة الجماهير في داخل فلسطين وخارجها، ونعتت بأوصاف لا تشرفها كثيرا.
مع ذلك، فحين تهيأت الظروف لتقديم قرار من مجلس الأمن لإدانة الاستيطان، الذي لا تستطيع دولة عضو في الأمم المتحدة أن تؤيده، فإن القيادة الفلسطينية رق قلبها وغضت الطرف عن مسلسل الإهانات والإذلال الذي تتعرض له طوال نحو عشرين عاما، منذ استدرجت إلى عملية السلام، ودعت إلى تأجيل المشروع العربي الخاص بالمستوطنات، مجاملة للولايات المتحدة الأمريكية.
ثمة سابقة مماثلة لجأت إليها الرئاسة الفلسطينية في عام 2009، حين عرض تقرير القاضي الدولي جولدستون، الذي فضح وأدان الممارسات الإسرائيلية أثناء العدوان على غزة. إذ عندما عرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جينيف، فإن الرئيس الفلسطيني آثر أيضا ألا يحرج الإسرائيليين، وطلب من مندوب السلطة لدى المجلس تأجيل بحث الموضوع، الأمر الذي كان بداية لتمييع الملف ونسيانه بمضي الوقت.
وبدا واضحا آنذاك أن رئاسة السلطة كانت مشغولة بتطييب خاطر الإسرائيليين ورفع الحرج عنهم، بأكثر من انشغالها بعذابات الفلسطينيين في غزة والجرائم الوحشية التي ارتكبت في حقهم.
حين يقرأ المرء أخبار التعذيب الذي يتعرض له المئات من الفلسطينيين الذين يحتجزهم جهاز الأمن الوقائي في رام الله، فإنه لا يستطيع أن يقاوم السؤال عن سر ذلك الاستئساد على الفلسطينيين في الوقت الذي تمارس السلطة فيه مختلف صور الحنو والدعة مع الأمريكيين والإسرائيليين، وهي مفارقة تثير الحيرة والبلبلة بما يجعل المرء يتساءل:
هي مع مَنْ وضد مَنْ؟
في العامية المصرية مثل يقول إن ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.
وعلماء النفس يصفون تعلق الضحية بأهداب الجاني بأنه "ماسوشية"، ويعتبرونه نوعا من الخلل في الشخصية يجعل الإنسان يتعاطف مع جلاده ويستعذب إهانته له،
ولا أعرف ماذا كان أيهما يصلح لتفسير سلوك القيادة الفلسطينية، وذلك سبب إضافي للحيرة. |