صنعاء نيوز - عبدالباري طاهر
أفكار
ماذا تركت وراءك؟ أصوات من بلاد الحرب المنسية

السبت, 21-يوليو-2018
صنعاء نيوز/ عبد الباري طاهر -


الحرب على كراهتها تفجر المواهب حقاً. عن فترة مؤشرات حرب 94 ضد الجنوب، أصدر الروائي المبدع وجدي الأهدل روايته «أرض المؤامرات السعيدة». قبل بضعة أيام، أصدرت الساردة والباحثة والناشطة السياسية والكاتبة الصحافية، بشرى المقطري، نصاً إبداعياً ووثائقياً «ماذا تركت وراءك؟ أصوات من بلاد الحرب المنسية»، عن دار رياض الريس.
أود الإشارة إلى أن هذه المقالة، ليست كتابة عن نص «ماذا تركت وراءك؟»؛ فالكتابة عن هذا النص تحتاج إلى وقفة أخرى تتناول جوهر الموضوع. لفتتني المقدمة الصافية والرائعة للروائية بشرى، وكذا البيبلوغرافيا المختصرة للضحايا الملحقة بالنص السردي المائز، وهي ببيلوغرافيا للفترة من26 مارس 2015 وحتى سبتمبر 2017، وثقت لها برصدها، وبالاعتماد على تقارير منظمات دولية.
رصد جرائم الحرب وتوثيق انتهاكاتها، هي المهمة الرائسة والواجب الأشد إلحاحاً. فهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وما ضاع حق وراءه مطالب. وهذه هي الرواية الثانية للساردة بشرى؛ فالرواية لأولى هي «خلف الشمس».
وبشرى من القيادات الميدانية لـ «مسيرة الحياة» التي قادتها من تعز مشياً على الأقدام إلى جانب الدكتورة ألفت الدبعي وأخريات وآخرين، وعشرات الآلاف؛ لفك الحصار عن ميدان الستين في صنعاء، وذلكم في ذروة الثورة الشعبية السلمية.
ترصد المدونة النابهة والمدافعة عن الحريات والحقوق جرائم الحرب: «تضيء غارات الطائرات ليلَ صنعاء». هكذا تبدأ مقدمتها. ويقيناً فإن طائرات التحالف الاثنا عشري والمزود بتقنيات وخبرات دولية تقيم وتعسكر في سماء المدن اليمنية، تهدم الأحياء السكنية والحارات الشعبية والأسواق والطرقات، ويطال قصفها حتى المدارس والمستشفيات والموانئ وصالات الأعراس والعزاء.
تتناول الباحثة صحافيين وقنوات فضائية ومثقفين يمتدحون الحرب، ويجرمون دعاة السلام معتبرين إياهم طابوراً سابعاً. للأسف الشديد توزع العديد من الصحافيين والكتاب ومثقفين مدنيين وقادة سياسيين وأحزاب سياسية مدنية على خارطة الحرب، وأصبح البعض يتحمس للحرب وكأنه جنرال من جنرالاتها.
السعي الدائب للسلام، بدأت بشائره في الأعمال الإبداعية التوثيقية لجرائم الحرب والداعية للسلام، فإضافةً للنص السردي للروائية الناشطة بشرى المقطري هناك -أيضاً- كتاب تحت الطبع، وهو ثمرة مناقشات وورش عمل شارك فيه إعلاميون وإعلاميات ونشطاء حقوق، وأشرف عليه الدكتور عبد الله الزلب. تضمن الكتاب عدة قصص واستطلاعات ومقالات عن الحرب، وجرى نزول ميداني إلى صعدة وتعز وإب وصنعاء، تضمن الكتاب قصصاً عديدة تبين الآثار الكارثية للحرب ومآسيها.
ساهم في إعداد الكتاب المنتظر صدوره الدكتورة بلقيس علوان، والأستاذ الباحث والناشط محمد عزان، والإعلامية نبيهة الحيدري، وأمل فايع، ومراسل «العربي 21» خليل القاهري، وصحافيون من عدن، وحضرموت، ومختلف مناطق الصراع.
إطلاق نداءات السلام في اليمن أولاً ثم في المنطقة العربية والعالم خطوة مهمة للتذكير بجرائم ومآسي الحرب المنسية في اليمن. شعرنا بسعادة غامرة للنداء الذي أطلقه زعماء وسياسيون ومفكرون عرب من مناطق ومواقع مختلفة واتجاهات سياسية متعددة ومتنوعة داعين إلى وقف الحرب وإلى هدنة لثلاثة أشهر، وحثوا الأطراف الإقليمية والدولية لإيجاد صيغة للتوافق بين القوى العربية الساعية إلى حل النزاع.
ناشد الموقعون العربية السعودية ودول التحالف العربي وإيران الجنوح للسلم، ودعم النداء، وأبدوا استعدادهم للإسهام بأي جهد يُطلب منهم، وقد وقع البيان الصادق المهدي، وعبد السلام المجالي، وهما من رؤساء الوزراء السابقين في السودان والأردن، والشيخ عبد الفتاح مورو نائب رئيس مجلس النواب في تونس، وهو داعية إسلامي أيضاً، وعباس زكي عضو اللجنة المركزية لفتح، والدكتور مدحت العدل كاتب ومفكر مصري، والدكتور محمد طلابي كاتب ومفكر مغربي، والدكتور حسين شعبان كاتب ومفكر عراقي، وهناك أسماء مفكرين وسياسيين من مختلف البلدان العربية.
البيان مبادرة طيبة تتمنى أن تُفَعَّل وتصل إلى عقول وقلوب أطراف الحرب في الداخل والخارج، وأن تلقى الاستجابة لنداء الضمير والعقل، كما نأمل أن يمتد ويتصاعد نداء السلام العربي ليصل إلى الرأي العام العربي والعالمي، وأن تصبح الحرب المنسية في اليمن قضية رأي عام حي عربي ودولي؛ للضغط على أطراف الحرب الداخلية والخارجية لإيقاف الحرب التي دمرت اليمن، وقضت على وحدته وكيانه الوطني، وحولته إلى أسوأ كارثة على وجه الأرض.
تصاعد دعوات السلام، والتوثيق لجرائم الحرب والانتهاكات الناجمة عنها هي المقدمات الأساسية للوصول إلى وقف الحرب، وتحقيق مصالحة وطنية ومجتمعية شاملة تجنب اليمن المزيد من الانهيار والتفكك، وضياع جزرها وموانئها.
تصاعد نداءات السلام، ورصد وتوثيق جرائم الحرب يأتي في ظل تصاعد الحرب واستطالتها وامتدادها إلى الجغرافية اليمنية كلها، وانكشاف العجز عن حسم عسكري، وإيغال كل الأطراف في الإمعان في التقتيل والتدمير وتهديم المدن والبنية التحتية الضعيفة. ومع استمرار الحرب بدأت تتكشف نوايا الأطراف المختلفة أكثر فأكثر، وظهر زيف شعاراتها، وافتضاح دعاواها.
الساردة بشرى المقطري أبدعت سفر وسجل إدانة لكل الضالعين في الحرب وجرائمهم. فالنص ينوس بين السرد القصصي وشهادات ضحايا جرائم الحرب الموثقة بالساعة واليوم في مختلف مناطق اليمن، بما في ذلك عدن المحررة وريف عدن وتعز المحاصرة وريفها، ووثق جرائم مليشيات الحوثيين وصالح في مختلف مناطق اليمن، وشهادات الضحايا، كما وثق جرائم القصف الجوي لدول التحالف في المناطق المختلفة أيضاً، ورصد الانتهاكات التي مارسها ويمارسها الحراك الجنوبي ضد أبناء الجنوب والشماليين، ووثق النص المهم والمائز للتعذيب في سجون الإمارات العربية في الجنوب، وشهادة «هيومن رايتس ووتش»، كما رصد انتهاكات أطراف في المقاومة في تعز، والاختطاف والقتل والإخفاء والتعذيب هناك.
السرد القصصي المليء بالحقائق الراعبة يمثل شهادة بلسان الضحايا، وهو ما يجعل منه وثيقة مهمة للمنظمات الدولية الإنسانية، وللعفو الدولية، وللناشطين، ودعاة حقوق الإنسان، وقبل ذلك وبعد ذلك، يعتبر مستنداً ومرجعاً للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان الذي فشل أكثر من مرة في فرض تشكيل لجنة دولية محايدة تحقق في جرائم الحرب في اليمن؛ بسبب الموقف المتخاذل للشرعية، وضعف موقف أنصار الله، وتعنت السعودية ونفوذها باعتبارها الطرف الأكبر في الجرائم، وعدم احترامها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع.
في كتاب «الخوف من البرابرة»- ماوراء صدام الحضارات يشير تزفيتان تودروف، وهو فيلسوف وناقد بنيوي يتمتع بشهرة علمية واسعة. يتحدث عن أن الخوف من البرابرة هو الذي يخُشى أن يحولنا إلى برابرة، والسوء الذي نتسبب به لأنفسنا سيتخطى السوء الذي كنا نخشاه في الأساس. إن التاريخ يعلمنا: «يمكن للدواء أن يكون أسوأ من الداء. أن الأنظمة التوتاليتارية قدمت نفسها كوسيلة لشفاء المجتمع البرجوازي من نقائصه؛ فأنتجت عالماً أكثر خطورة من ذلك الذي كانت تحاربه».
نظام صدام دكتاتوري واحتل الكويت، ولكن ماذا فعلت أمريكا والتحالف الثلاثيني الذي شاركت فيه مصر وسوريا ومولته السعودية والدول الخليجية؟ لقد دمروا العراق، وسلموه لإيران، وللمليشيات الطائفية.
نظام الأسد فاسد ومستبد، وكانت الثورة الشعبية السلمية سبيل الخلاص منه، لكن التحالف الأمريكي- الأوربي - الخليجي دمر سوريا بالإرهابيين، وبتدخل مباشر، وهو نفس ما عمل في ليبيا.
في اليمن جرى الالتفاف على الثورة السلمية عبر الانقسام في الحكم نفسه، وجرى إعادة الاقتسام وإنتاج النظام، ثم انقلاب صالح وأنصار الله، وكله بهدف القضاء على الثورة الشعبية السلمية.
جل حروب التحرير الوطني والانقلابات العسكرية في بلدان ما اصطلح على تسميتها بالعالم الثالث عجزت أو رفضت أنظمتها «الثورية» التحول إلى الشرعية الديمقراطية والدستورية، وتحولت إلى أنظمة شمولية ودكتاتوريات أزرت بالمستعمرين والإمبرياليين والرجعية.
انقلاب الحوثيين وصالح جريمة، ولكن الرد بالتحالف الاثنا عشري هو معالجة للداء بالداء، أو هو دواء أسوأ من الداء- كقراءة تودروف-.
يعرف الجميع اليوم أن أنصار الله يريدون العودة باليمن إلى ما قبل عصر الدولة، ولكن ماذا يريد التحالف؟ هل يريد إعادة الشرعية؟
جرائم الحرب، وتدمير المدن، واستمرار الحصار الشامل علي اليمن، وحصار تعز، وإغلاق مطار صنعاء، وإنهاء التمدن، ومصادرة الحياة السياسية، وما يجري من تعطيل للموانئ في عدن والمخا والحديدة وسوقطرة والمهرة شاهد أن التحالف، وتحديداً السعودية والإمارات، لا همَّ لهما إلا تفكيك اليمن وتمزيقها، ووضع اليمني في مواجهة اليمني؛ ليتمكنا من «إعادة الشرعية».
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 07:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-61942.htm