صنعاء نيوز/الدكتور عادل عامردكتور القانون العام -
في التأثيرات الاقتصادية والاستراتيجية لطريق الحرير
بحث مقدم الي: (المركز الاستراتيجي والدراسات الدولية)
دكتور القانون العام
الملخص: تناولت هذه الدراسة موضوعا حيويا جديدا، لم يطرق من سابق – في مجتمع الدراسة – سواء بالبحث او المعالجة.
وعلية ري الباحث اهمية تناول هذا الموضوع لأنه: تأتي أهمية طريق الحرير الجديد من المبادرة الصينية والمناطق التي يعمل على ربطها ليشكل حزامًا اقتصاديا يوسع مجالات التبادل الاقتصادي والثقافي وربط مجموعات من الدول الصاعدة الصغيرة، إلى جانب الدول الصاعدة التقليدية المنضوية في مجموعة العشرين.
إذا تتمحور الدراسة في توضيح واظهار: أهمية الحزام الاقتصادي لطريق الحرير لان الاهتمام بإقامة المناطق الصناعية على محور القناة، وغيرها من المشروعات العملاقة التي سوف تحدث نقلة نوعية في منطقة قناة السويس خلال السنوات العشرة القادمة. مع الاهتمام بأنشطة منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بالسويس المقامة بمشاركة الاستثمارات الصينية.
لأنه طريق يتركز على ثلاثة خطوط رئيسة لوثيقة ما يعرف بتطلعات وأعمال حول دفع البناء المشترك لحزام وطريق الحرير، وهي "ربط خط بين الصين وأوروبا مرورًا بآسيا الوسطى وروسيا"، و"خط يمتد من الصين إلى منطقة الخليج والبحر الأبيض المتوسط مروراً بآسيا الوسطى وغرب آسيا"، و"خط ثالث يبدأ من الصين ويمر بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا والمحيط الهندي".
أما طريق الحرير البحرية للقرن الحادي والعشرين، فيتركز على خطين رئيسيين هما: "خط يبدأ من الموانئ الساحلية الصينية ويصل إلى المحيط الهندي مرورا ببحر الصين الجنوبي وانتهاء بسواحل أوروبا": و"خط يربط الموانئ الساحلية الصينية بجنوب المحيط الهادئ".
أن هذا الطريق يمر بـ 65 دولة؛ حيث تم تلقي موافقة خمسين دولة حتى الآن للمساهمة في هذا المشروع نظراً لكونه يخترق قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا؛ حيث إنه يربط دائرة شرقي آسيا الاقتصادية النشطة من طرف بدائرة أوروبا الاقتصادية المتقدمة من طرف آخر ويقع بينهما عدد غفير من الدول، التي تكمن فيها إمكانيات هائلة للتنمية الاقتصادية.
وعلية بنيت نتائج الدراسة: اهمية دور طريق الحرير في تعظيم التبادل التجاري؛ حيث بلغ إجمالي حجم التجارة الصينية خلال 2013 ما يقرب من 257 مليار دولار مع دول الشرق الأوسط، ونحو 192 مليار دولار مع الدول الأفريقية وفقا لأحدث بيانات صندوق النقد الدولي. أن انضمام مصر لطريق الحرير البحري سوف يعود من جديد بتنشيط التجارة الداخلية والخارجية مع دول أعضاء الاتحاد، لان "مصر مركز وركيزة لطريق الحرير الجديد" وهو ما جعل الرئيس الصيني يطرح مبادرة لإحياء طريق الحرير من خلال مصر وعضوية 50 دولة يمر فيها الطريق.
أن الصين تستهدف رفع رصيدها من الاستثمار غير المالي في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال العشرة سنوات القادمة، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع أفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2020. أن إقامة مشروعات لوجيستية ومناطق لخدمات السفن والصناعات المتعلقة بالنقل البحري على طول محور قناة السويس لتعظيم الاستفادة من طريق الحرير الصيني وقناة السويس الجديدة في تنشيط حركة التجارة مع دول العالم. مع التركيز على مشروعات تخزين ونقل الحبوب حيث سيأمن مشروع صوامع دمياط مخزون مصر الاستراتيجي من الحبوب للسنوات القادمة.
وأظهرت الدراسة: ان تلك المشروعات لها أهمية كبيرة في خلق ركائز قوية لطريق الحرير البحري في صورته المعاصرة، وبما يعود به هذا كله من منافع لمصر والصين.
ومن الفوائد الاستراتيجية والسياسية لمصر؛ منها إقامة شراكة استراتيجية بين مصر وأكبر الدول في العالم حالياً، لان الشراكة قد تفتح الطريق لعديد من المشروعات وتضع مصر أقدامها كدولة محورية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وان واقع الأمر أنه لا يمكن الجزم بسيناريو بعينه للمآل النهائي لتلك التحولات. هناك في المقابل إجابات عديدة يمكن طرحها استناداً إلى المقولات والافتراضات التي تطرحها النظريات الأساسية في حقل العلاقات الدولية المعنية بفهم وتفسير حالات الانتقال داخل النظام العالمي، وما إذا كان الصدام العسكري بين الدولة الصاعدة والقوة المهيمنة على هذا النظام مسألة حتمية، أم أنه يظل رهناً بعدد من الشروط؟
ان الانضمام إلى اتحاد منظمات أعمال دول طريق الحرير، الذي تتبناه غرفة تجارة شنغهاى يسمح بجذب مزيد من الاستثمارات الصينية والاستفادة من المنطقة الصينية بالعين السخنة التي تقع ضمن نطاق محور إقليم قناة السويس.
وخلصت الدراسة: أن الصين تستهدف ضخ استثمارات بنحو 60 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يحتم علينا تهيئة مناخ الاستثمار للفوز بنصيب الأسد من هذه الاستثمارات، أن منطقة محور قناة السويس من أهم المناطق التي تستهدفها الاستثمارات الصينية بهدف التصنيع من أجل التصدير، فضلا عن كون هذه المنطقة الباب الرئيسي لتصدير المنتجات لمختلف دول أفريقيا. مبادرة طرحها الرئيس الصيني لإحياء طريق الحرير من خلال مصر. وعضوية 50 دولة يمر بها الطريق
لان انضمام مصر لطريق الحرير البحري سيعود من جديد بتنشيط التجارة الداخلية والخارجية مع دول اعضاء الاتحاد، أن "مصر مركزا وركيزة لطريق الحرير الجديد" وهو ما جعل الرئيس الصيني يطرح مبادرة لإحياء طريق الحرير من خلال مصر وعضوية 50 دولة يمر فيها الطريق.
إن إمكانيات زيادة التعاون بين مصر والصين ضخمة، وقد وصل التبادل التجاري بين البلدين عام 2016 إلى 11 مليار دولار، وتعمل أكثر من 40 شركة صينية في مصر، بينما حجم الاستثمارات الصينية يظل دون قدرات الصين الاستثمارية الهائلة،
ولهذا فمن المتوقع أن تولي الصين استثماراتها في مصر اهتمامًا أكبر خاصة مع إضافة التعاون في مجال طريق الحرير الجديد. أن إقامة مشروعات لوجيستية ومناطق لخدمات السفن والصناعات المتعلقة بالنقل البحري على طول محور قناة السويس لتعظيم الاستفادة من طريق الحرير الصيني وقناة السويس الجديدة في تنشيط حركة التجارة مع دول العالم.
مع ضرورة التركيز على مشروعات تخزين ونقل الحبوب حيث سيأمن مشروع صوامع دمياط مخزون مصر الاستراتيجي من الحبوب للسنوات القادمة، بالإضافة إلى الاهتمام بإقامة المناطق الصناعية على محور القناة، وغيرها من المشروعات العملاقة التي سوف تحدث نقلة نوعية في منطقة قناة السويس خلال السنوات العشرة القادمة.
الاهتمام بأنشطة منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بالسويس المقامة بمشاركة الاستثمارات الصينية، أن تلك المشروعات لها أهمية كبيرة في خلق ركائز قوية لطريق الحرير البحري في صورته المعاصرة، وبما يعود به هذا كله من منافع لمصر والصين.
و إن إقامة شراكة استراتيجية بين مصر وأكبر الدول في العالم حالياً , أن الشراكة قد تفتح الطريق لعديد من المشروعات و تضع مصر أقدامها كدولة محورية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا .
مقدمة البحث: -
تغييرات سريعة يشهدها النظام الاقتصادي العالمي، قد تؤدي إلى عصر جديد، يمكن أن يطلق عليه «ثورة الإنتاج الرخيص»، أو «العولمة الصينية»، فالاقتصاد الصيني تمكن من إحداث ثورة في كمية الإنتاج، تمكنه من إغراق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة الثمن، حتى وإن كانت أقل من ناحية المكون التكنولوجي بين منافساتها، وسيصبح هو القوة الاقتصادية العالمية الأهم. وهو ما يمثل بداية لمرحلة جديدة من العولمة الاقتصادية، بعد إعادة صياغتها لتحمل اسم «العولمة الصينية»، والتي تعتمد على سيادة النسق الفكري للنموذج التنموي الصيني، القائم على كثافة الإنتاج الرخيص.
وتطرح الصين نفسها باعتبارها قوة دولية قادرة على إعادة التوازن للنظام العالمي، وتأسيس نظام عالمي جديد تحتل الصين فيه موقع الصدارة، مقارنةً بالنهج الصيني الثابت خلال العقود الماضية بادعاء انتماء الدولة الصينية للدول النامية، وعدم قدرتها على الحلول محلّ الولايات المتحدة في النظام الدولي.
وتسعى الصين إلى إعادة هيكلة النظام الدولي ليصبح أكثر عدالة وتمثيلا للمصالح المشتركة لدول العالم، باعتبار ذلك ضمن أولويات السياسة الصينية خلال المرحلة المقبلة، لا سيما إصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وإعادة هيكلة مؤسساته الأساسية مثل: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية.
“طريق الحرير” هي طريق برية وبحرية بطول 12 ألف كيلومتر، تربط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا منذ مئات السنين بروابط تجارية وثقافية ودينية وفلسفية، تم من خلالها تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل، وكذلك تبادل الثقافات والعلوم. ويعد اسم “طريق الحرير” حديث العهد نسبيا، ففي أواسط القرن التاسع عشر أطلق العالم الجيولوجي الألماني البارون فرديناند فون ريشتهوفن اسم “دي سيد ينستراس” (أي طريق الحرير بالألمانية) على شبكة التجارة والمواصلات. لان الانتاج الصناعي الصيني الفائض يعد أحد أهم الدوافع التي تقف خلف المبادرة، فعلى سبيل المثال، تنتج الصين نحو 1,1 مليار طن من الفولاذ سنويا (وهي كمية تعادل تلك التي تنتجها كل دول العالم الأخرى)، ولكنها لا تستهلك داخليا الا 800 مليون طن.
ويقدر اتحاد غرف التجارة الأوروبية ان المبادرة ستستوعب 30 مليون طن من هذا الانتاج الفائض فقط. وتتمتع الصين بعلاقات ودية وجيدة ومؤثرة مع معظم دول المنطقة اذ من المتوقع أن يكون لها دور سياسي أمني أكثر فاعلية في الشرق الأوسط في الوقت نفسه، حالة مماثلة من الإعجاب والانبهار شعرت بها، منذ أيام قليلة، وأن الصين أصبحت محركًا مهما لنمو الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات أنه يمكن لمشروع تنمية محور قناة السويس أن يستفيد من الإمكانات الهائلة التي توفرها مبادرة الحزام والطريق وبالذات في جلب الاستثمارات والتصنيع ونقل التكنولوجيا.
ونظرا لضخامة المشروع، ومكوناته، والفترة الطويلة المتوقعة لاستمراره في التطور، فإن على الهيئات الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص أن تفكر في إنشاء الوحدات واللجان التي تتيح لهم معلومات صحيحة عن طريق الحرير، بالإضافة إلى إعداد المشروعات المناسبة للاشتراك في هذا المشروع العملاق.
يجب أن تقوم المعاهد التاريخية والجغرافية المصرية بدراسة الجزء الواقع من طريق بمصر دراسة علمية، ويا حبذا لو تخصص أحد هذه المعاهد في دراسات طريق الحرير وكل ما يخص المبادرة الصينية لتحديد كيفية التعامل معها والاستفادة منها في كل مرحلة.
لقد كانت البضائع ومنها الحرير تصل إلى مواني البحر الأحمر ثم تنقل برًا، أو عن طريق قناة أمير المؤمنين وسوابقها، إلى مدن أخرى اشتهرت في تاريخ مصر بصناعات الحرير، مثل: دبيق-أخميم-الأشمونين-القاهرة-دمياط-تنيس-الإسكندرية-ومواني التجارة على البحر الأحمر، كانت: عيذاب-القلزم-الطور-أبو زنيمة-وغيرها.
ويتضح من هذا حاجتنا إلى:
- التوثيق التاريخي ورسم الخرائط للموانئ والطرق والمدن التي كان يمر بها طريق الحرير في مصر، وقد أحصت اليونسكو 50 مدينة، ولم تذكر من بينها في مصر سوى الإسكندرية.
- دراسة امتدادات طريق الحرير من الإسكندرية إلى شمال إفريقيا والصحراء الكبرى، بل وإلى جنوب مصر وشرق إفريقيا، وكذلك إلى مواني البحر المتوسط حتى إسبانيا والبرتغال على المحيط الأطلنطي.
- إحياء الصناعات التراثية والتقليدية للسلع التي كانت مزدهرة في تلك المدن واستخدام الميزة النسبية لكل مدينة.
- إعداد متخصصين في المجالات الاقتصادية والثقافية خاصة لمتابعة هذا المشروع الضخم. - هناك فكرة مشروع لإحياء فنار الإسكندرية التاريخي، وقد تقدمت شركة صينية، وكذلك شركات فرنسية-بلجيكية عام 2008 لتنفيذه وهو مشروع يمكن تنفيذه في فترة زمنية متوسطة وتظهر آثاره الإيجابية على مدينة الإسكندرية وباقي مصر.
إشكالية البحث:
1- طرح الإشكالية: في إطار الحرص على تأكيد اختلاف الحزام والطريق عن مشروع مارشال، تقارن بعض الكتابات الصينية بين القدرات الاقتصادية الصينية الحالية ووضع الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
2- الإشكالية الرئيسية: وتذهب في هذا الإطار إلى أنه رغم تصاعد القدرات الاقتصادية الصينية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أن بعض المؤشرات الاقتصادية الصينية مازالت في وضع متأخر نسبيا بالمقارنة بمثيلاتها الأمريكية وقت تنفيذ مشروع مارشال، خاصة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي.
3- الإشكاليات الفرعية: الضمانات التي تتعلق بالشفافية في العمل ضمن طريق الحرير وتساوي الفرص بين الدول في مواضيع المناقصات والمشاريع، وكذلك حول حقوق العمال والالتزام بمعايير وقوانين العمل الدولية إضافة إلى قضايا الحفاظ على البيئة. وهكذا، فإن ارتباط مصر بالمبادرة
لا يجب أن يُفهم على أنه ارتباط بتكتل دولي جديد بالمعنى الاستراتيجي، بقدر ما يعنى الالتحاق المصري بمشروع عالمي، سيكون ل
فضلا عن تعظيم المكاسب الاقتصادية والمالية المتوقعة. أن مثل هذه المشاريع يجب أن تلتزم بالمعايير الدولية وألا تشكل عبئاً على الدول عبر خلق ديون لا يمكن سدادها.
الفرضيات: إن مبادرة طريق الحرير تعتبر مبادرة ملهمة في مجالات عديدة، ولذا ليس من المستغرب أن نرى مستقبلا مثل هذه الأفكار تتحقق يومًا مًا ..
إن الاهتمام بالعلاقات الثقافية والسياحية سيكون له مردود سريع على تنمية طريق الحرير الجديد. وهكذا، ووفقا للتصورات الرسمية المعلنة، تقع مصر ضمن المكون البحري من المبادرة من خلال ارتباط قناة السويس بطريق الحرير البحري، الأمر الذي يفتح المجال أمام تساؤلات عدة حول طبيعة هذه المبادرة، وفرص استفادة مصر منها،
وما إذا كانت تمثل جزءا من بناء تكتل عالمي بالمعنى الذي قدمته خبرة مشروع مارشال خلال فترة الحرب الباردة، خاصة المبادرة تستهدف ما يقرب من 65 دولة -حتى الآن-
تتوزع على أقاليم شرق، وجنوب، وجنوب شرقي آسيا، ووسط آسيا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشرق أفريقيا، بالإضافة إلى بعض الأقاليم الأوروبية. - أن تكون المؤسسات المالية التي تقدم الاستثمارات مدعومة ومضمونة من جانب الحكومة الصينية،
أو أن يكون هناك نوع من التأمين على المشروع ليتوافر الاطمئنان على عدم تعثر تنفيذها. يجب إعطاء الأولوية في المشروعات للعمالة المحلية في الدول المختلفة لمواجهة ظاهرة البطالة في بعض الدول.
ألا يتركز الاهتمام كما يبدو في الإعلام الآن بآسيا الوسطى فقط؛ بل لابد من إيلاء الاهتمام بالأطراف البعيدة عن الصين مثل إيطاليا وإندونيسيا ومصر وكينيا وغيرها
أهداف البحث: -
يستهدف البحث خمس أولويات عمل أساسية.
الأولى، هي اهمية التنسيق بين الدول الواقعة على مسار المبادرة policy coordination، بشأن السياسات الاقتصادية واستراتيجيات التنمية وبناء المشروعات التنموية كبيرة الحجم. الثانية، اهمية ربط البنية الأساسية facilities connectivity، بهدف إعطاء بعد إقليمي وعبر أقاليمي لهذه البنية، وكشرط رئيسي لتسهيل التجارة، وذلك من خلال التوسع في بناء شبكة الطرق البرية والبحرية الدولية عابرة الأقاليم والقارات، وزيادة معدلات الأمان في الممرات وطريق الملاحة البحرية، فضلا عن التوسع في بناء شبكة خطوط نقل مصادر الطاقة ووسائل نقل البيانات.
الثالثة، اهمية إزالة الحواجز أمام معاملات التجارة والاستثمار، بهدف زيادة حجم هذه المعاملات بين الدول والأقاليم الواقعة على مسار المبادرة، وتغيير هيكل التجارة، وذلك من خلال إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية، وتشجيع التعاون والاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية، (الزراعة، تحلية المياه، السياحة، التنقيب عن النفط والفحم والغاز والمعادن، الطاقة الكهرومائية، الطاقة النووية، طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، التوسع في إنشاء التكتلات الإنتاجية والصناعية عابرة الحدود).
الرابعة، اهمية التكامل المالي، من خلال بناء أنظمة أكثر كفاءة واستقرارا للعملات، والاستثمار والتمويل، والائتمان، والتوسع في آلية السداد الثنائي المتبادل للعملات المحلية بين الدول الواقعة على مسار المبادرة.
الخامسة، اهمية توسيع وتعميق التواصل الشعبي، من خلال تشجيع التبادل الأكاديمي والثقافي والإعلامي، وزيادة حجم البعثات التعليمية، والتوسع في تنظيم الأعوام الثقافية ومهرجات الفيلم ومعارض الكتاب، وتبادل المسلسلات والأفلام، وتشجيع السياحة والتفاعل بين الأحزاب السياسية والبرلمانات والمنظمات غير الحكومية.
منهج البحث: بناء على الاشكالية المطروحة والفرضيات المتبناة، فقد تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي.
هيكل البحث
تم تقسيم البحث الى ثلاث مباحث:
المبحث الاول: تناولنا فيه لقد أثيرت العديد من الانتقادات حول المبادرة بإمكاناتها المالية الضخمة السابقة، واستهدافها معظم الأقاليم الرئيسة في العالم. وذهب البعض في هذا الإطار إلى تشبيه المبادرة بمشروع «مارشال» التاريخي، والذي مثل أحد الملامح الأساسية لمرحلة الحرب الباردة، لكن تظل هناك العديد من التمايزات المهمة بين المبادرة ومارشال.
المبحث الثاني: تم عرض مع تزايد التجارة الدولية والنمو الاقتصادي وسياسات التحرير التي اتبعتها العديد من الدول إلى زيادة حجم التجارة، والذي أدى إلى زيادة الطلب على احتياجات النقل والمناولة والتخزين إلى الطلب على حلول لوجستية متكاملة، ومن هذا المنطلق أعلنت الصين مبادرة طريق الحرير الجديد بهدف أساسي هو تحقيق التكامل الاقتصادي من خلال تعزيز الاتصالات وزيادة التجارة من خلال بناء ممر طريق الحرير البري والبحري الذي من شأنه أن يقلل من تكلفة النقل والإمداد ووقت الشحن العابر.
المبحث الثالث: تطرقنا فيه المبادرة في حالة نجاحها سوف تمثل مدخلا مهما لإعادة هيكلة المؤسسية الاقتصادية العالمية التقليدية العالمية، ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ليس فقط بالنظر إلى القدرات المالية المهمة للمؤسسات البديلة التي تقدمها المبادرة، ولكن بالنظر أيضا إلى الفلسفة المغايرة التي تعتمد عليها هذه المؤسسات في توفير التمويل.
المقدمة: -
إن طريق الحرير هو طريق الحضارة والحوار بين الشرق والغرب ولعل إحياء مسار طريق الحرير بين مصر والصين هو إحياء لقيم حضارية واقتصادية وإنسانية عظيمة، يجب أن نحافظ عليها دائمًا وأبدًا.
فإن مشروع طريق الحرير يبدو متقدماً بقوة، ودعم العديد من الدول مثل روسيا وبريطانيا وتركيا للمشروع يضع الصين في موقف قوة لمواجهة أي انتقادات تتعلق بتوسيع هيمنتها، خصوصاً مع تصريحات رئيس الصين حول الشراكة والتساوي بين الشركاء في طريق الحرير. أهم التفاصيل عن مبادرة طريق الحرير الصينية وممراته ودور قناة السويس المصرية في هذا الطريق ووجه استفادة مصر من الطريق. تعتمد المبادرة هنا على الأطر الثنائية والإقليمية القائمة، مثل «البريكس»، و«منظمة شنغهاي للتعاون»، و«صندوق طريق الحرير»، و«البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية» و«رابطة بنوك الصين-الآسيان»، و«رابطة بنوك منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي» بالإضافة إلى إقامة نظام إقليمي مبكر للمخاطر المالية، وآلية للتعاون الإقليمي لمعالجة الأزمات والمخاطر عابرة الحدود، وإنشاء مؤسسات إقليمية لتقييم الائتمان والمخاطر.
المبادرة بهذا المعنى تتضمن مجالات عمل تتجاوز الطبيعة التجارية. كما تتمتع بعدد من المقومات المهمة التي توفر لها ليس فقط فرص نجاح، ولكن فرص مهمة للاستفادة المصرية. أبرز هذه المقومات وجود عدد من المؤسسات المهمة التي ستعمل كأذرع مالية للمبادرة، بهدف توفير التمويل اللازم لمشروعاتها المختلفة.
تشمل هذه المؤسسات «صندوق طريق الحرير»، الذي أسسته الحكومة الصينية لهذا الغرض خصيصا، في ديسمبر ٢٠١٤، برأسمال قدره ٤٠ بليون دولار، و«البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية»، والذي دخل اتفاقه حيز التنفيذ في ٢٥ ديسمبر ٢٠١٥.
وقد بدأ البنك بالفعل في توفير التسهيلات المالية لتنفيذ مشروعات المبادرة. وبالإضافة إلى هذه المؤسسات، لا يمكن إغفال دور البنوك الصينية الأساسية المملوكة للدولة، والتي بدأت بالفعل في تقديم حزمة من القروض والائتمان لتمويل مشروعات المبادرة. • يضع مصر كدولة محورية فاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
فمن ناحية، اتسم مشروع مارشال بطابع «تمييزي مغلق»، على خلفية قصره على دول أوروبا الغربية دون غيرها من دول أوروبا الشرقية التي ارتبطت بالمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت. وعلى العكس، تتسم مبادرة الحزام والطريق بالطابع الانفتاحى، وعدم قصرها على إقليم أو مجموعة دولية بعينها، أو توجه سياسي محدد، فضلا عن تمسكها بالنظام الاقتصادي العالمي متعدد الأطراف. كما أنها لا تسعى إلى بناء كتلة دولية محددة، بالمعنى السياسي-الأمني-الأيديولوجي أو بالمعنى الاقتصادي.
من ناحية ثانية، وبينما ارتبط مشروع مارشال بالصراع الاستراتيجي والأيديولوجي بين المعسكرين الشرقي والغربي، حيث مثل إحدى الأدوات الأمريكية لإعادة بناء اقتصادات أوروبا الغربية كحائط صد في مواجهة التهديد السوفيتي، فإن المبادرة، وفقا للرؤية الصينية، لا تُعد جزءا من أية مواجهات دولية، قائمة أو محتملة.
فمن ناحية، ترتبط المؤسسات الجديدة للمبادرة بتمويل الاستثمار في البنية الأساسية، وهو ما يمثل تحديا كبيرا بالنسبة للمؤسسات المالية الدولية التقليدية، وذلك على خلفية المساهمة التاريخية المتواضعة للأخيرة في هذا المجال.
ويرجع ذلك إلى انحراف مؤسسات التمويل الدولية الرئيسية (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي) عن وظيفة تمويل الاستثمار في البنية الأساسية. كذلك، فإن برامج واستراتيجيات القضاء على الفقر-وهى أحد الأطر الأساسية لتقديم المساعدات الخاصة بدعم التنمية الاقتصادية-اختزلت مهمتها في التركيز على القطاعات الاجتماعية على حساب قطاع البنية الأساسية، ما أدى في التحليل الأخير إلى الإضرار بالهدف الأساسي وهو رفع معدلات النمو الاقتصادي.
من ناحية ثانية، فإن مؤسسات المبادرة تمثل نموذجا أكثر فاعلية لتعاون وتدفقات التمويل في إطار «الجنوب-الجنوب» والتي ظلت محدودة نسبيا، وذلك على العكس من المؤسسات المالية الدولية التقليدية التي قامت على فكرة التدفقات المالية المشروطة من الشمال إلى الجنوب.
المبحث الاول: -الانتقادات حول المبادرة واستهدافها
إن المؤسسات المالية للمبادرة تنطوي على احتمالات مهمة لتقويض إحدى الفلسفات الأساسية التي قام عليها نموذج «الشمال-الجنوب»، فيما عرف بـ «توافق واشنطن»، والذي مثل أحد الضوابط الأساسية الحاكمة لعمل المؤسسات المالية الدولية في علاقتها باقتصادات الجنوب، في اتجاه تطور ما يمكن وصفه بـ «توافق بكين» كفلسفة بديلة للمؤسسات المالية الجديدة.
وتدور المبادئ الأساسية لنموذج مؤسسات «الجنوب-الجنوب» -قيد التطور في إطار مبادرة الحزام والطريق-حول أولوية الاستثمار في تنمية البنية الأساسية والاقتصاد الحقيقي كوسيلة رئيسة للنمو الاقتصادي وخلق التجارة الجديدة، وأنه «لا يوجد نموذج تنموي واحد قابل للتعميم»، و«لا توجد وصفة واحدة لمعالجة مشكلات التنمية»،
ذلك أن الدول التي نجحت في تحقيق معدلات تنمية مرتفعة ليست تلك التي طبقت «توافق واشنطن» ولكنها تلك التي استفادت من مختلف التجارب التنموية، وطوعت دروس وخبرات هذه التجارب مع بيئاتها المحلية، وأن حلول المشكلات التنموية الراهنة تأتى بالأساس من داخل الموجة الحديثة من النماذج التنموية أكثر من دول الموجة الأولى التي حققت تجاربها التنموية خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
يتسم «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية» -إحدى أهم المؤسسات المالية المهمة للمبادرة والتي تعد مصر عضوا مؤسسا به -بالجمع بين سمتين أساسيتين.
الأولى، هي الوزن النسبي للصين داخل البنك، سواء قياسا على حجم المساهمة المالية الصينية في رأسمال البنك (29.8 بليون دولار، بنسبة مساهمة 31.3% من إجمالي رأس مال البنك، وبإجمالي أصوات قدرها 300600 صوت، بنسبة 26.9% من إجمالي القوة التصويتية) ٍ.
السمة الثانية، هي اتجاه عضوية البنك إلى الاتساع بشكل يؤكد تكريس الطابع العالمي متعدد الأطراف للبنك.
وهكذا، فإن الالتحاق المصري بالمبادرة يضمن، أولا، الاستفادة من القدرات المالية الضخمة لمؤسساتها التمويلية، والتي سيتم تخصيص النسبة الأكبر منها للاستثمار في تنمية البنية الأساسية. ويضمن، ثانيا، استفادة قناة السويس من حجم التجارة الجديدة التي ستساهم المبادرة في خلقها عبر طريق الحرير البحري وما سيرتبط به من تطوير وبناء سلسلة من الموانئ الحديثة عبر السواحل الآسيوية والأفريقية على المحيطين الهادئ والهندي.
كما يضمن، ثالثا، دمج مصر في شبكة المؤسسات الاقتصادية والمالية الجديدة، والتي تمثل جزءا من عمليات إصلاح النظام الاقتصادي العالمي.
1- –آثار طريق الحرير وانعكاساته على مصر والعالم:
على الصعيد العالمي تعتبر الممرات الاقتصادية أكثر الأشكال شمولاً لربط البلدان بالتجارة والصناعة والامكانيات الاستثمارية مع بعضها البعض، وعلى المدى الطويل توفر هذه الممرات وصولاً سريعاً إلى وحدات الإنتاج الصناعي وتخفيض تكاليف المعاملات التجارية بما في ذلك الخدمات اللوجستية، فمن المنظور اللوجستي ووجهات النظر التجارية، ترحب البلدان العربية بالمبادرة الصينية،
ومع ذلك لكي تتوصل إلى كامل استخدام إمكاناتها ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتيسير المعوقات عند الحدود، وأن تتعاون الحكومات وقطاع الأعمال في العمل جنباً إلى جنب، مع تركيز السلطات على تبسيط شروط الجمارك والتنظيم والبنية التحتية.
وجديراً بالذكر أن الخبراء الدوليين أكدوا أن طريق الحرير سيجعل مصر مركزاً استراتيجيا واقتصاديا مهماً في المنطقة والعالم وسيفتح الطريق أمامها لشراكات وتحالفات اقتصادية مهمة تجعلها دولة محورية وفاعلة في التجارة الدولية ومعبراً لمرور حركة التجارة من التنين الصيني لمختلف دول العالم، كما أوضحوا أن الطريق لن يؤثر على قناة السويس بل سيكمل دورها ويعظم الاستفادة منها، ويجعل محور إقليم قناة السويس مركزاً لوجيستياً للسفن والبضائع، كما سيزيد من عدد السفن المارة بالقناة ويحقق بالتالي إيرادات إضافية من رسوم مرورها، فضلاً عن أنه سيزيد من فرص العمل ويحقق التنمية الاقتصادية المرجوة.
2- لماذا سٌمي هذا الطريق ب ” الحرير”
وتعود تسمية طريق الحرير إلى عالم الجغرافيا الألماني” فرديناند فون ريتشفون “الذي عاش في القرن التاسع عشر، حيث لم يكن مجرد طريق بل شبكة طرق تجارية داخل وعبر آسيا وأوروبا تطورت خلال الألفي عام الماضية وتقع الصين في نهاية ذلك الطريق وعلى الطرف الآخر الهند وبلاد فارس، وشبه الجزيرة العربية وأوروبا، في منظومة عولمة مبكرة بدأها المغول في القرن الثالث عشر.
طريق الحرير هو ممر التجارة الذى استخدمته الصين من أجل زيادة تبادلها التجاري مع بلدان جنوب آسيا وغرب آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا، ويُسمى بذلك الاسم بسبب نقل كميات كبيرة من الحرير والمنسوجات الحريرية الصينية إلى الغرب عبر هذا الطريق، وهو مجموعة من الطرق المتصلة التي كانت تسلكها القوافل وتمر عبرها السفن من جنوب شرق آسيا واصلة بين الصين مع منطقة أنطاكية، فضلاً عن عدد من المواقع الأخرى، وما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي كان على طول طريق الحرير أربع دول إمبراطورية كبرى: روما وبارثيا وكوشان وأسرة “هان” الصينية.
ويمتد طريق الحرير بين المراكز التجارية في شمال الصين ويسير في طريقين: أحدهما شمالي والآخر جنوبي. ويمر الفرع الشمالي من “بلغار-كيبتشاك “ويعبر شرق أوروبا وشبه جزيرة القرم ويصل إلى البحر الأسود وبحر مرمرة والبلقان،
وينتهي بالبندقية، بينما يمر الفرع الجنوبي من تركستان وخراسان مرورًا ببلاد النهرين والأناضول وسوريا وإلى أنطاكية إلى البحر الأبيض المتوسط أو عبر دمشق وبلاد الشام إلى مصر وشمال أفريقيا.
وأطلق الجغرافيا الألماني فرديناند فون ريتشهوفن عليه اسم «طريق الحرير» في عام 1877 وساهم طريق الحرير في ازدهار الكثير من الحضارات، مثل الحضارة الصينية والحضارة المصرية والحضارة الهندية والحضارة الرومانية وحضارات شبه الجزيرة العربية، وكانت مصر من بين المناطق الأكثر الأهمية على مسار الطريق.
3- أهمية طريق الحرير:
ترجع أهمية هذا الطريق إلى أن الحضارة الصينية أبدعت صناعة الحرير، وكانت صناعة الحرير الصينية متميزة للغاية، وبلغت الذروة مع أسرة “تانج” ومن بعدها أسرة” مينج “وكان الجميع يتنافس على الحصول على الحرير الصيني عالي الجودة بأي مقابل وبدأ الحرير الصيني ينتشر في العالم، ومعه بضائع أخرى فخرجت هذه البضائع من الصين وجنوب شرق آسيا إلى أواسط آسيا وشمال أفريقيا ووسط أوروبا في مسارات تجارية وحضارية محددة وهكذا، كانت القوافل والسفن تتجه من الشرق إلى الغرب، رابطة العالم ببعضه البعض، وساهم هذا الطريق في ازدهار العديد من البلدان والمدن التي كانت تقع على مساره.
4- طريق الحرير وانتشار الديانات:
انتظمت تجارة الحرير على هذا الطريق قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، وظلت منتظمة لآلاف السنين، والجميل أن طريق الحرير كان مسارًا ثقافيًا وحضاريًا واجتماعيًا له عظيم الأثر على المناطق التي يمر بها ولم تكن التجارة أو الاقتصاد فقط هو ما يتم نقله عبر طريق الحرير، وإنما كذلك الديانات، فعرفت آسيا الإسلام وعرف العالم البوذية، وانتقل عبره البارود، مما أدى إلى زيادة الحروب والصراعات بين الأمم والشعوب.
وانتقل الورق عبره، مما أدى إلى تحقيق إنجاز حضاري كبير، ساهم بشكل كبير في تقدم البشرية وحفظ ذاكرة الإنسانية من الضياع.
وبقي هذا الطريق البري مستخدمًا إلى القرن السادس عشر، ثم اندثرت معالم طريق الحرير البري رويدًا رويدًا، وصارت البضائع والمعارف الإنسانية تأخذ مسارات بحرية منتظمة، من جنوب آسيا عبر المحيط الهندي، ثم عبر البحر الأحمر عبر القوافل البرية من خليج السويس، ثم إلى المراكب في دمياط إلى شمال أفريقيا.
المبحث الثاني: النمو الاقتصادي وسياسات التحرير
يهدف “الحزام الاقتصادي” لطريق الحرير الجديد إلى إحياء الرابطة البرية القديمة بين الصين والبحر المتوسط من خلال وسط آسيا وأوروبا ويشمل الحزام 60 دولة يسكنها نحو ثلثي سكان العالم، وبها 55في المائة من إجمالي الناتج العالمي،75 في المائة من احتياطي الطاقة العالمي؛ مما جعل الصين تعيد تسميته ليصبح «مبادرة طريق الحرير الجديد»؛ وذلك لحث جميع الدول على المشاركة فيه.
تعد قناة السويس بوابة طريق الحرير البحري إذ أنها الممر الملاحي الرئيسي الذي يربط الشرق بالغرب، حيث أن حركة التجارة المنقولة عبر طريق الحرير والمتجهة إلى أوروبا لا بد أن تمر عبرها. محور إقليم قناة السويس سيكون مركزا لوجيستيا للسفن والبضائع يخدم طريق الحرير البحري.
ـ تسعى مصر إلى تعظيم دور الموانئ المصرية المرتبطة بطريق الحرير البحري لتكون محورا استثماريا خصوصا في تجارة الترانزيت والخدمات اللوجيستية والنقل متعدد الوسائط.
يطلق على مشروع (طريق الحرير الجديد) مشروع القرن فهو المشروع الذي سيربط بين ميناء (ليانينجانج) الصيني الواقع على بحر الصين والمحيط الهادي في أقصى شرق القارة الاسيوية بميناء (روتردام) الهولندي في أقصى غرب القارة الأوروبية عبر اسيا الوسطى، مرورا بما يقرب من أربعين دولة من خلال سلسلة من الممرات التنموية التي تتكافل فيها كافة وسائل النقل من سكك حديدية وطرق برية بما يعزز التعاون الاقتصادي والعلاقات التجارية بين مختلف البلدان الواقعة على امتداد الجسر، ويقلل من مخاطر العداء بينها ويجسد فكرة العولمة التي ساد الحديث عنها مؤخرا.
يعتبر هذا الحدث هو المرة الأولى التي تدفع فيها الصين تجاه المشاركة الجماعية في مشروعها الطموح لإعادة إحياء الطريق في مشروع ضخم تقدر استثمارات بنيته التحتية بمليارات عدة من الدولارات، تشمل خطوط للسكك الحديدية والموانئ والأقطاب الكهربائية.
ووقّعت الصين أيضا عقودا مع 56 دولة لتعزيز الدعم المقدم للمشروع. وخصصت الصين 40 مليار دولار أميركي لـ «صندوق طريق الحرير».
وتقوم الرؤية الإصلاحية الصينية على عدة أسس، أهمها: عدم إجبار الدول على اتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي والتجارة الحرة، والعدالة في توزيع عوائد التبادل التجاري بين الدول، والتوازن بين مصالح كل أطراف التفاعلات الاقتصادية الدولية. أن مشروع طريق الحرير الجديد ليس مجرد مشروع اقتصادي للصين، وإنما يُعد بمثابة رؤية استراتيجية لدور الصين في النظام العالمي.
ويقوم المشروع العالمي للصين على عدة أسس، أهمها: تطوير دبلوماسية جديدة للصين ذات طابع عالمي تتناسب مع مكانتها كقوة كبرى في العالم، وتقديم الصين لنفسها كبديل في مجال التنمية الاقتصادية في مقابل تركيز الولايات المتحدة والدول الأوروبية على الأمن، ومراعاة المصالح المشتركة لدول العالم.
ولدى الصين فوائض مالية غير مستغلة يمكن استثمارها في مشروعات البنية التحتية في دول العالم، وهو ما أدى إلى تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، بهدف استغلال هذه الفوائض المالية في استثمارات بدول الجوار تستهدف تحقيق التنمية. وقد توازى ذلك مع توسع قطاع الخدمات في الاقتصاد الصيني،
مما جعل بعض الصناعات غير جاذبة للعمالة المحلية، ودفع للتفكير في إمكانية نقل هذه الصناعات وتكنولوجيا الإنتاج للدول النامية للإفادة من هذه الصناعات، خصوصا في ظل الجدل الداخلي المتصاعد حول مستويات التلوث البيئي الذي تُسببه بعض الصناعات التحويلية والصناعات الثقيلة.
أن التعاون بين الدول النامية والصين في إطار طريق الحرير قد يتضمن نقل مصانع كاملة ذات تكنولوجيا متقدمة، والتركيز على الصناعات كثيفة العمالة باعتبارها الأكثر ملاءمة لتعزيز التنمية الاقتصادية واستيعاب معدلات البطالة المرتفعة. وستقوم الشراكة في التصنيع على قيام الصين بنقل المصانع والتكنولوجيا للدول النامية، ثم يقوم خبراء صينيون بتدريب الأيدي العاملة المحلية كي تتولى عملية الإنتاج والتصدير.
تطورات الاقتصاد العالمي انعكست أيضاً على صندوق النقد الدولي، فقد أعلنت كريستين لاغارد، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي في يوليو الماضي، عن احتمال نقل مقر الصندوق من الولايات المتحدة الأميركية إلى بكين في غضون عشر سنوات، ولكنها رهنت عملية النقل استمرت اتجاهات النمو في الصين والأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى، وهو ما يعني انتقال مراكز الثقل الاقتصادي من الغرب إلى الشرق.
1- كيف يبدو مشروع طريق الحرير في الوقت الحالي؟
طريق الحرير الجديد يبدو حالياً في نمو كبير ومتصاعد وقد تنضم العديد من الدول إلى مشاريعه للبنية التحتية والتجارة في الأشهر القادمة، وهذا النمو المتسارع أثار العديد من الانتقادات لدى بعض الدول التي مازالت متحفظة على نشاطات الصين التجارية التي تعتبرها محاولة لزيادة النفوذ الصيني في العديد من مناطق العالم!
وصل مشروع طريق الحرير اليوم إلى أقصى درجات توسعه حيث يشمل 65 بلداً في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، ورغم ذلك فقد أكد الرئيس الصيني شين جين بينغ أن الصين ستضخ 124 مليار دولار في مشاريع طريق الحرير، ودعا العديد من الدول إلى المساهمة في مشاريع البنية التحتية والتجارة الحرة الخاصة بالمشروع، فان بنك تطوير الصين” China Development Bank” ذكر أنه خصص 890مليار دولار لحوالي 900 مشروع متعلقة بطريق الحرير،
كما أكد جين بينغ أن الصين ستقدم دعماً قدره 7.8 مليار دولار للدول الناشئة لدعمها في المشاركة ضمن مشاريع طريق الحرير. واثنان من أكبر المصارف في الصين أكدا على أنهما سيوفران قروضاً بقيمة إجمالية 55 مليار دولار لدعم المبادرة والمشروعات التي ترغب الدول الناشئة في إنشائها ضمن مشروع طريق الحرير. المشروع يلقى في الوقت الحالي دعماً كبيراً من دول كبرى مثل روسيا وبريطانيا وتركيا وحتى دول صغيرة مثل اليونان التي اعتبر وزير خارجيتها أن المشروع يمثل قمة الانفتاح الاقتصادي في الوقت الذي تلجأ الكثير من دول العالم إلى الانغلاق على نفسها اقتصادياً وسياسياً.
2- طريق الحرير وردود الأفعال المتباينة:
مضي ما يقرب من الخمس سنوات منذ أن أعلن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عن مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” خلال جولته في دول آسيا الوسطى في شهر سبتمبر من عام 2013، ومبادرة “طريق الحرير البحري للقرن الـ 21” خلال جولته في جنوب شرق آسيا في شهر أكتوبر من عام2013.
إن مبادرة “الحزام والطريق” تعد واحدة من أكبر وأهم المشروعات التي طُرحت في تاريخ الإنسانية وتأتى أهميتها من انطوائها على عدد من الخصائص التي تميزها جوهريا عن نمط المبادرات والمشروعات التي طرحتها الدول الغربية خلال العقود السابقة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
أن مبادرة “الحزام والطريق” ليست مجرد مبادرة تسعى إلى تسهيل وتوسيع حجم التجارة بين الأقاليم والدول المشاركة في هذه المبادرة، من خلال إزالة العوائق المادية أمام هذه التجارة وتخفيض تكاليفها بقدر ما تنطوي أيضا على أبعاد تنموية من خلال مشروعات مهمة لتنمية البنية الأساسية وتوفير التمويل اللازم لها، وبهذا المعنى
فإن مبادرة “الحزام والطريق” تنطوي على مكاسب اقتصادية محتملة للدول النامية المعنية، بالنظر إلى اشتمالها على مشروعات تنموية جنبا إلى جنب مع التجارة. إن مبادرة “الحزام والطريق” لا تساهم فقط في تنشيط الاقتصاد الخليجي والبالغ حاليا حجمه 1.6 تريليون دولار أمريكي، بل ستغير المشهد الاقتصادي والسياسي للشرق الأوسط نحو الاستقرار والأمن. اهداف مبادرة طريق الحرير
أن منطقة الشرق الأوسط تمثل أهمية بالغة لتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، نظرًا لعدة أسباب، أهمها:
1- أولًا-الموقع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط بين طريق الحرير البحري وحزام الطريق الاقتصادي البري، وبالتالي فإن له أهمية جوهرية في التنفيذ الناجح للمبادرة، فضلًا عن أن لدى المنطقة نقاط مرور بحرية حيوية تعتبر حاسمة بالنسبة لنظام نقل الطاقة العالمي، وإذا تعطلت هذه النقاط يمكن أن تؤثر بشكل خطير على إمدادات الطاقة والأسعار، وكذلك تدفقات التجارة العالمية.
ويأتي مضيق باب المندب، على سبيل المثال، يمر من خلاله حوالي 10% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك معظم صادرات الصين اليومية إلى أوروبا. علاوة على ذلك، يُعتبر مضيق هرمز، الذي تمر من خلاله 20% من سفن النفط العالمية، أهم نقاط مرور النفط عالميًّا.
2- ثانيًا-الأهمية الحيوية للمنطقة لأمن الطاقة الصيني: ففي عام 2015، أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم؛ إذ إن نصف استيرادها الذي يمثل أكثر من 6 ملايين برميل في اليوم، يأتي من الشرق الأوسط. وبحلول عام 2035، من المتوقع أن تضاعف الصين وارداتها النفطية من المنطقة.
3- ثالثًا-الشرق الأوسط "امتداد استراتيجي" لمجالات التأثير الجيوسياسية الأساسية للصين: تشير الدراسة إلى أن تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة لها تأثير مباشر على أمن واستقرار بكين، الأمر الذي دفع الحكومة الصينية لبذل مزيد من الجهود بالتعاون مع حكومات الشرق الأوسط لمكافحة النزعات الانفصالية العرقية، والتطرف الديني، وظاهرة المقاتلين الأجانب، وهو ما زاد من انتشار الإرهاب في مقاطعاتها الغربية. تعد مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني "شيء جين بينج" في عام 2013، مشروعًا استراتيجيًّا شاملًا طويل الأجل، يهدف إلى ربط الصين برًّا وبحرًا بجنوب شرق آسيا ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا من خلال طريقين رئيسيين، هما "حزام طريق الحرير الاقتصادي البري" و"طريق الحرير البحري". وليس من شك في أن لتلك المبادرة تداعيات كبيرة على دول منطقة الشرق الأوسط، لكونها تمثل مرحلة جديدة في تفاعل الصين مع المنطقة.
4- المبادرة تستهدف إعادة إنشاء شبكة الممرات البحرية القديمة لخلق طريق الحرير البحري لتعزيز الربط الدولي ودعم حركة التجارة الدولية مرورا بـ 65 دولة.
5- ـ تتضمن المبادرة فرعين رئيسيين وهما حزام طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري.
6- طريق الحرير البحري يبدأ من فوجو في الصين ويمر عبر فيتنام وإندونيسيا وبنجلادش والهند وسيريلانكا وجزر المالديف وشرق أفريقيا على طول الساحل الأفريقي متجها إلى البحر الأحمر مارا عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط نحو أوروبا حتى يصل إلى الساحل الصيني.
7- ينقسم الطريق البرى إلى 6 ممرات: -
ـ الجسر البري الآوراسى الجديد الذى يمتد من غربي الصين إلى روسيا الغربية.
ـ ممر الصين -منغوليا - روسيا ويمتد من شمال الصين إلى شرق روسا.
ـ ممر الصين -آسيا الوسطى - آسيا الغربية يمتد من غرب الصين إلى تركيا.
ـ ممر الصين -شبه جزيرة الهند ويمتد من جنوب الصين إلى سنغافورة.
ـ ممر الصين -باكستان ويمتد من جنوب غرب الصين إلى باكستان.
ـ ممر بنجلاديش -الصين - الهند - ميانمار ويمتد من جنوب الصين إلى الهند.
وقد ظل سر استخراج الحرير وصناعته قاصرا على الصينيين دون غيرهم من الأمم والشعوب، واقتصر استعماله على الامراء والحكام في الصين دون الشعب، ولم يسمح بتصدير الحرير المصنع في الصين الى خارجها إلا في عهد اسرة هان 206 (ق.م ـ 220 ق.م) وعندئذ احتل الحرير مكانة هامة في تجارة الصين الخارجية واشتد الاقبال عليه في الشرق والغرب ولذا يعد طريق الحرير من أقدم الطرق البرية حيث يبدأ في أواسط اسيا والصين ثم الهند ويسير حتى بخاري ليتفرع فرعان الأول يتجه نحو بحر قزوين ونهر الفولجا وبلاد البلغار، والثاني يتجه الى البحر الأسود وموانيه ثم القسطنطينية وأوروبا، وتخرج من الطريق فروع جانبية الى بلاد الشام وساحل البحر المتوسط واخر الى بغداد وديار بكر.
وقد اشتهر هذا الطريق البري باسم (طريق الحرير) اذ كان أهم ما يحمل فيه من بلاد الصين، وكان طريق الحرير بداية للاتصالات الودية المتبادلة بين الصين والعرب ومختلف البلدان الاسيوية والاوروبية القديمة ولم تقتصر العلاقات على الجانب الاقتصادي فقط، انما شملت السياسة والثقافة والفنون وغيرها واذا كان الصينيون هم الذين فتحوا الطريق البري أو طريق الحرير من شرق آسيا، فإن العرب هم الذين فتحوا الطريق البحري من البحر الأحمر والخليج العربي الى الهند وشبه جزيرة الملايو الى جنوب الصين وعرف هذا الطريق البحري الى الصين باسم (طريق التوابل).
وإذا كان طريق الحرير القديم قد ساهم في ازدهار حركة التجارة في العالم القديم وتبادل السلع والافكار وسلكه الدعاة الى الدين الاسلامي، فإن هذا الطريق نفسه كان سببا في شقاء العالم الاسلامي وذلك حين سلكه جنكيز خان وجحافل التتار ودمروا خوارزم وسمرقند وبخاري في بلاد وماوراء النهر واسيا الوسطى ومرورا ببغداد وبلاد الشام، حتى وصلوا الى مصر حيث تصدى لهم سيف الدين قطز وأوقف تقدمهم الى أوروبا.
بعد طريق الحرير القديم جاءت عدة أفكار لممرات قارية في القرن الماضي وقد بدأ الاقتصادي الأمريكي هنري كاري في انشاء أول جسر عبر قاري العالم في الولايات المتحدة وذلك في الستينيات من القرن الماضي ليربط الشواطئ الشرقية للبلاد على المحيط الأطلنطي بالشواطئ الغربية على المحيط الهادي من خلال ممرات تنموية تتمحور حول شبكة من خطوط السكك الحديدية لتنمية وتطوير اراضي الغرب الأمريكي،
ولم يتوقف الأمر بالأمريكي هنري كاري عند هذا الحد، بل اقترح امكانية تطوير ممرات وجسور قارية مماثلة عبر أور وآسيا من المحيط الأطلنطي الى المحيط الهادي، ومن بحر الشمال الى المحيط الهندي بهدف تحقيق نجاحات مماثلة في المناطق الداخلية
وسرعان ما ذاعت فكرة كاري في كل من أوروبا واسيا وتبنتها كل من ألمانيا وفرنسا والصين وألمانيا التي وافقت جميعها آنذاك غير أن الامبراطورية البريطانية رأت ذلك مصدر خطر عليها كقوة بحرية عظمى
ولهذا السبب اعترضت على المشروع بقوة شديدة، وبالتالي لم تخرج فكرة كاري الى حيز التنفيذ الفعلي خارج نطاق الولايات المتحدة الا بعد نحو قرن من الزمان مع انشاء الجسر القاري الأوروآسيوي الأول في الستينيات من القرن الماضي، والذي يربط بين ميناء ناخودكا الروسي في الشرق ومدينة روتردام الهولندية في الغرب عبر سيبيريا بطول 13 ألف كم. ويعتبر مشروع (طريق الحرير الجديد) هو أحد النتائج الكبرى التي اسفرت عنها نهاية الحرب الباردة، اذ أدت تلك النهاية الى تطلع بعض القوى الآسيوية الى توسيع مجالها الاقتصادي الخارجي، والارتباط بعملية العولمة الاقتصادية،
وفي هذا الصدد لعبت الصين وتركيا وإيران أدوارا مهمة في تطوير فكرة هذا المشروع وتطبيقه، وفي 3 يونيو عام 1992 أعلنت الصين رسميا انها على وشك تشغيل طريق السكك الحديدية الأور وآسيوي، وهو خط حديدي يربط الساحل الشرقي الصيني بآسيا الوسطى، وواضحت الصين أن الخط الحديدي يختصر المسافة الى الشرق الأوسط بالمقارنة بالطريق الأور وآسيوي الأول، وهو الطريق التقليدي الذي يمر عبر سيبريا داخل الأراضي الروسية ومنها الى أوروبا بحوالي ثلاث آلاف كيلو متر.
ومن ناحيتها بدأت مصر في بناء ما يسمى (خط الشرق السريع) وهو خط سكك حديدية يبدأ من الدلتا ويستمر عند مدينتي الاسماعيلية والفردان حتى مدينة رفح عند الحدود المصرية، ومن المقرر أن يمتد هذا الخط عبر المشرق العربي مرتبطا بطريق الحرير الجديد.
أربعة مجالات مهمة سيؤثر من خلالها طريق الحرير الجديد على المصالح الدولية.
أولا: الأثر الكلي للطريق على التجارة الدولية حيث أن تنفيذ الطريق الأور وآسيوي من شأنه أن يؤدي الى إنعاش الاقتصاد العالمي الكلي وزيادة مستوى التبادل التجاري بين الدول ويرى أن مصر يمكن أن تستفيد من ذلك.
ثانيا: أثر طريق الحرير الجديد على الموقع الاستراتيجي المصري، ويمكن أن نخطط للارتباط بهذا الطريق ومن المحتمل أن يمتد الى شمال أفريقيا في حالة تنفيذ المشروع الليبي ـ المصري لمد خط السكك الحديدية الى ليبيا ومنها الى شمال افريقيا، ومن ثم، فإن الطريق الأوروآسيوي يؤدي الى استعادة المكانة الاستراتيجية لمصر كحلقة وصل بين آسيا وأوروبا وافريقيا، هذا بالإضافة الى فتح افاق جديدة لسرعة نقل البضائع الى الدول التي سيمتد اليها الطريق.
ثالثا: أثر طريق الحرير الجديد على علاقات مصر بدول آسيا الوسطى حيث أن مصر ليس لها اتصال جغرافي مباشر بحري أو بري أو جوي مع دول اسيا الوسطى، وهذا يشكل أحد العقبات امام التجارة بين مصر وتلك الدول ومن شأن طريق الحرير توفير اداة للاتصال البري بدول اسيا الوسطى من خلال بلدين أحدهما أما نقل البضائع بحرا الى الموانئ الايرانية، ومنها عن طريق شبكة السكك الحديدية الى اسيا الوسطى، والثاني نقل البضائع عبر الطريق بالكامل عند اكتماله.
رابعا: أثر طريق الحرير الجديد على الملاحة في قناة السويس، وليس مؤكدا حتى الآن حجم التأثير الذي سيتركه بناء الطريق على الملاحة في قناة السويس، فمن المحتمل أن يؤدي الى جذب جزء من البضائع المنقولة من شرقي وجنوب شرقي اسيا المتجهة الى أوروبا، وذلك بنقلها بالسكك الحديدية عبر هذا الخط، وتشير احصائيات هيئة قناة السويس انه خلال عام 1999 بلغت نسبة عدد الأطنان المنقولة من منطقة جنوب شرقي وشرق اسيا والمتجهة شمال قناة السويس 41.9% من اجمالي عدد الاطنان المشحونة في الاتجاه الشمالي للقناة.
ومن المحتمل ان يتجه جزء من تلك الحركة الى الطريق الجديد، ولكن هذا الاحتمال ضعيف، ذلك أن البضائع التي ستنقل عبر هذا الخط سيتعين عليها أن تعبر عددا من الدول بما يعني رفع رسوم عبور وعمليات تفتيش،
واعادة شحن تزيد على تكاليف النقل البحري وعبور القناة، وهو ما سيجعل الدول التي تتردد في توجيه جزء كبير من بضائعها للنقل الطويل عبر الخط، ولذلك، فإنه من المحتمل أن يقتصر استعمال الخط على نقل البضائع عبر المسافات القصيرة والتي لا يتوفر لها طرق للنقل البحري كنقل البضائع من الصين الى آسيا الوسطى، أو من آسيا الوسطى
أن الصين تواجه معضلة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط نظرًا لكونها غنية نفطيًّا وذات موقع استراتيجي هام، لكنها في الوقت ذاته تعاني من أوضاع سياسية معقدة وحالة من عدم الاستقرار. وفي هذا الإطار، تعتمد بكين استراتيجية ذات أربعة محاور تتسق مع الأهداف الوطنية لدول المنطقة. وتتمثل تلك المحاور فيما يلي:
أولًا-عرض المبادرة في إطار مفيد وغير مُهدِد للدول، وتقديمها على أنها "نوع جديد من آليات التعاون" التي تتميز بالانفتاح، والمعاملة بالمثل، والمنفعة المتبادلة، والنتائج المتكافئة، والابتكار، والتكامل، والتعددية.
كما تستغل الصين ميزتها السياسية باعتبارها "دولة نامية" لا تملك تاريخًا إمبرياليًّا، وتقوم بتصوير نفسها للشرق الأوسط كشريك محايد وغير متحيز ولا يتدخل في الشئون الداخلية للدول.
ثانيًا-تحديد أهداف المبادرة ومدى توافقها مع مصالح المنطقة من أجل زيادة جاذبيتها، وجذبها للاعبين الرئيسيين في المنطقة؛ إذ تؤكد الصين على توسيع التقارب بين مصلحة المنطقة ومصلحتها، وكذلك أهمية تحقيق التكامل بين الطرفين، وتكوين مجتمع يتقاسم رؤية مشتركة لمستقبل البشرية.
المبحث الثالث: طريق الحرير واعادة هيكلة المؤسسة الاقتصادية العالمية
مع استمرار عملية «الصعود الصيني»، تصاعدت أيضاً سلسلة من الكتابات والتحليلات التي استفاضت في تناول مظاهر ومؤشرات هذا الصعود، خصوصاً تلك المتعلقة بمعدلات النمو الاقتصادي، وحجم الإنفاق العسكري،
وحجم الصادرات الخارجية، وحجم الاحتياطي النقدي... إلخ. لكن قراءة أكثر شمولاً لهذا الصعود، والوقوف على المآل النهائي لهذه العملية -خصوصاً مع تطور حرب تجارية مفتوحة بين الصين وبين الولايات المتحدة - تقتضي تجاوز الوقوف عند المؤشرات الاقتصادية والعسكرية - مع أهميتها –ورصد مجموعة من التحولات الأخرى ذات الطابع الهيكلي، والتي تمثل - إن شئنا الدقة - جزءاً من استراتيجية صينية لإعادة هيكلة النظام العالمي، والمؤسسية الاقتصادية العالمية، لتعكس التوزيع الفعلي الجديد للقدرات الاقتصادية والعسكرية داخل هذا النظام، بعد أن فقدت العديد من مؤسسات وأبنية هذا النظام وأنظمته الوظيفية المختلفة، القدرة على التوزيع العادل للأعباء والمكاسب داخل هذا النظام. في هذا السياق، وفي إطار عملية «مراكمة» القوة الصينية داخل النظام العالمي، يمكن تسجيل الدور الصيني داخل «مجموعة العشرين» (G -20)،
. التي باتت تلعب دوراً مركزياً في إدارة النقاش العالمي حول إصلاح النظام الاقتصادي والتجاري العالمي، وعلى رأسه إصلاح صندوق النقد الدولي. ورغم أن المجموعة أنشئت في سنة 1999 بمبادرة من «مجموعة السبع» الصناعية، عقب الأزمة المالية الآسيوية، إلا أن الصين نجحت بشكل لافت في الاضطلاع بالدور المركزي داخل المجموعة والتعبير بقوة عن مصالح الاقتصادات الناشئة والنامية.
من ذلك أيضاً الدور الصيني في تأسيس مجموعة «بريكس» التي تضم الاقتصادات الناشئة الخمس الأهم: الصين، روسيا، الهند، جنوب أفريقيا، البرازيل.
ثم جاء التحول الأهم مع طرح المبادرة الصينية الضخمة «الحزام والطريق»، التي تمثل إطاراً لتعميق حالة الاعتماد المتبادل بين الاقتصاد الصيني من ناحية، وعدد كبير من الاقتصادات الموزعة على معظم الأقاليم (شرق آسيا، جنوب شرقي آسيا، جنوب آسيا، وسط آسيا، أوروبا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشرق أفريقيا)،
بهدف خلق «مصلحة عالمية» مستقرة (بما في ذلك لدى القوى الأوروبية وحلفاء الولايات المتحدة) في استمرار عملية الصعود الصيني، ومن ثم تطوير إدراك عالمي بأن هذا «الصعود» لا ينطوي على «تهديد»، بقدر ما ينطوي على «مكاسب»، ليس فقط بالنسبة للاقتصادات الواقعة على مسارات «الحزام والطريق»، ولكن بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل، وهو ما يمثل ضربة قوية لنظرية «التهديد الصيني» (China Threat Theory)، التي تطورت خلال العقود الأخيرة على يد عدد من الأكاديميين والسياسيين الأميركيين.
أضف إلى ذلك أيضاً المبادرات الصينية الخاصة بإنشاء عدد من المؤسسات المالية المهمة، خصوصاً «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية» (AIIB) (الذراع المالية للحزام والطريق)، و«بنك التنمية الجديدة» (NDB) (الذراع المالية لمجموعة «بريكس»)، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الصينية الوطنية مثل «صندوق طريق الحرير».
هذه المؤسسات المالية باتت تلعب دوراً بارزاً في إدارة حركة التدفقات المالية العالمية بشكل عام، وتدفقات الاستثمار العالمي وتمويل التنمية بشكل خاص، فضلاً عن الفلسفة المغايرة التي تحكم عمل هذه المؤسسات بالمقارنة بمؤسسات «بريتون وودز»، على نحو يؤسس لبناء «حوكمة مالية» بديلة لتلك التي مثلتها هذه المؤسسات، والتي تم تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية للحفاظ على مكاسب الدول المنتصرة في الحرب.
ولا تقتصر أبعاد المبادرة على بناء هذه «الحوكمة المالية» البديلة، لكنها تشمل أيضاً العمل على بناء القواعد والأنظمة البديلة المؤسسة لنظام عالمي جديد من خلال بناء «حوكمات» بديلة في مختلف المجالات، خصوصاً في مجال الطاقة، كما تكشف عنه وثيقة «رؤية وخطط عمل لتعاون الطاقة للبناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين»،
الصادرة في مايو 2017، التي تستهدف -ضمن أهدافها المتعددة -بناء هيكل أفضل للحوكمة العالمية في مجال الطاقة، سواء من خلال استحداث بعض الأطر لإدارة التعاون في هذا المجال، أو من خلال التأسيس لمفهوم متكامل لأمن الطاقة، والتأسيس لحق الصين في القيام بدور فاعل في هذا المجال. الأمر ذاته يصدق على المجال البحري، كما كشفت عن ذلك وثيقة «رؤية للتعاون البحري في بناء الحزام والطريق»
الصادرة عن الحكومة الصينية في يونيو 2017، والتي تضمنت العمل على التشارك في «الحوكمة البحرية»، وتوسيع مجالاتها، من خلال إنشاء آلية حوار رفيع المستوى للتعاون البحري بين الدول الواقعة على مسار الطريق، وتوقيع سلسلة من وثائق التعاون البحري بين الحكومات.
أنه برغم ما تعاني منه منطقة الشرق الأوسط من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، إلا أن بعض التطورات داخلها قد تمثل فرصة جيدة لتعزيز المبادرة الصينية بما يتفق مع مصالح دول المنطقة تُروِّج الصين لمفهوم "التعاون في القدرات الإنتاجية الدولية" كنموذج تنموي جديد يعزز التعاون من خلال الاستثمار في شبكات البنية التحتية، مثل: السكك الحديدية، والطرق السريعة، وأنابيب النفط، والغاز، وشبكات الكهرباء، والتجارة،
بالإضافة إلى تسهيل الاستثمار والتكامل المالي، بما يخلق فرص عمل لقطاع الشباب المتزايد في المنطقة. واستثمرت الصين ما يربو على 50 مليار دولار في البلاد المشاركة في المبادرة، وقامت شركات صينية ببناء إجمالي 56 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في هذه الدول. وحققت حوالي 1.1 مليار دولار من العائدات الضريبية، ووفرت 180 ألف فرصة عمل محلية.
وبحسب تقديرات استراتيجية، تواجه مبادرة الحزام والطريق تحديات من داخلها بسبب طبيعة النظام الصيني المغلق اقتصاديًّا والمتحفظ سياسيًّا، ولأن مساراتها لم تحدد بدقة، كما أنها مرشحة للتغيير والتعديل ما يضفي عليها مزيدًا من الغموض.
كما ان المبادرة هي المشروع الأساس للرئيس الصيني شي جينبينغ وتهدف المبادرة إلى ربط العالم بالصين بطرق ومسارات للتبادل التجاري والسياسي لتكون بمثابة هجوم اقتصادي ناعم سيحمل في طياته مخاوف سياسية وأمنية لقوى إقليمية ودولية كثيرة. لذلك سيتوقف نجاح هذه المبادرة على قدرة الصين على طمأنة جوارها الإقليمي والمجتمع الدولي بأن مبادرتها فعلًا للكسب المشترك، فضلًا عن حل خلافاتها مع الخصوم والمنافسين وتعزيز علاقاتها مع الأصدقاء.
وتواجه المبادرة تحديات من داخلها بسبب طبيعة النظام الصيني المغلق اقتصاديًّا والمتحفظ سياسيًّا، ولأن مسارات "الحزام والطريق" لم تحدد بدقة، كما أنها مرشحة للتغيير والتعديل ما يضفي عليها مزيدًا من الغموض.
ونظرًا لارتباطها الوثيق بالرئيس الصيني الحالي، فإن مصيرها مهدد، وقد تنتهي بمجرد انتهاء ولايته عام 2022. واستثمرت الشركات الصينية 2.95 مليار دولار في 43 دولة على طول منطقة الحزام والطريق في الربع الأول من العام 2017 فقط، أي ما يعادل 14.4 في المائة من إجمالي الاستثمارات الخارجية مقارنة بتسعة في المائة في الفترة نفسها من العام 2016. وبلغ إجمالي قروض البنك الائتماني المتعدد الأطراف أكثر من 2 مليار دولار.
بينما بلغت قيمة الصفقات التجارية بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق حوالي 913 مليار دولار في عام 2016، أي أكثر من ربع إجمالي قيمة التجارة الصينية... أن الآثار الاقتصادية والجيوستراتيجية للمبادرة قد تؤثر بشكل كبير على الإقليم، بحيث ستستفيد بعض الدول أكثر من غيرها، وستفتح الباب أمام احتمال تضارب المصالح بين دول المنطقة. ومن أبرز تلك الآثار:
أولًا-التوزيع غير المتكافئ للمزايا: وذلك نتيجة للموقع الجغرافي الاستراتيجي لبعض الدول، وهو الأمر الذي يدفع الصين إلى زيادة استثماراتها بتلك الدول في المجالات المختلفة، مثل السكك الحديدية والموانئ والتعاون في مجال الطاقة والخدمات، ورفع مستوى العلاقات إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".
ثانيًا-التنافس المحتمل بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: وذلك من خلال إنشاء الصين للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، وهو أحد الأجزاء الرئيسية والمتكاملة في المبادرة الصينية، وسيوفر فرصًا جيوستراتيجية هائلة لبكين. ومن المتوقع أن يتم تشغيل الممر بحلول عام 2020، بعد الانتهاء من مطار جوادر الدولي في باكستان، والتطورات الرئيسية لميناء جوادر.
ومع تشغيل هذا الممر، وما لذلك من آثار إيجابية للصين فيما يتعلق بتقليل الوقت والمسافة في نقل النفط المستورد، فإنه من المتوقع أن تؤثر تلك التطورات -وفقًا للدراسة-بشكل مباشر على موانئ عدد من دول المنطقة، لأنه يقع خارج مضيق هرمز ويمكنه التعامل مع سفن الشحن الكبيرة وناقلات النفط، فضلًا عن موقعه الاستراتيجي كمركز إقليمي وميناء شحن مستقبلي. ثالثًا-تزايد الأهمية الجيوستراتيجية لقناة السويس: فمن المتوقع أن تزداد الأهمية الجيوستراتيجية للقناة بشكل كبير مع نمو الصين اقتصاديًّا. ويرجع ذلك إلى قدرة القناة على استيعاب الحجم الكبير المتنامي لسفن الشحن التي تُعتبر مهمة للاقتصاد الصيني (59٪ من تجارة الصين تمر عبر النقل البحري).
لذلك، من المرجح أن تظل بكين معتمدة على قناة السويس في المستقبل، خاصة مع الطلب المتزايد على الطاقة؛ وهو ما من شأنه أن يجعل مصر نقطة ارتكاز أساسية في المبادرة الصينية.
الاعتماد على الأدوات الدبلوماسية لتأسيس ما يُعرف بـ "دائرة أصدقاء مبادرة الحزام والطريق"، وهو ما يعني ضمنيًّا وجود تحالف ذي تفكير مشابه.
ومنذ إعلان المبادرة في عام 2013، تم تنظيم زيارات هامة للقيادات بين الصين ودول الشرق الأوسط؛ إذ زار الرئيس الصيني مصر والمملكة العربية السعودية وإيران في يناير 2016 بهدف تعزيز المبادرة، ووقَّع اتفاقيات شراكة استراتيجية شاملة جديدة مع الدول الثلاث، بالإضافة إلى توقيع مذكرات تفاهم مع سبع دول في الشرق الأوسط حول تطوير وتعزيز المبادرة. تجنب الاعتماد المفرط على أي مورد وحيد للطاقة أو طريق واحد للتجارة، بل العمل على تنويع إمدادات النفط، وبناء شبكات بديلة من الاتصال والتنسيق والتعاون. فبرغم اعتماد الصين الأساسي على السعودية مثلًا في استيراد النفط، إلا أنها تسعى إلى تعزيز علاقتها الثنائية مع إيران لتنويع مواردها النفطية.
وبالنسبة لبكين، قد تكون مصر مركزًا لوجستيًّا وبوابة لأوروبا وإفريقيا، وقد أضاف الاكتشاف المفاجئ لحقل "ظهر" للغاز الطبيعي في مصر عام 2015، بعدًا آخر لجاذبية القاهرة؛
إذ إنه من المفترض أن يكون أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي على الإطلاق في البحر الأبيض المتوسط. لذلك فإن بكين حريصة على تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي والارتباط الاقتصادي مع مصر، ورفعت لذلك مستوى العلاقات بينهما في 2014 إلى درجة "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" لما تمثله مصر للمبادرة الصينية من أهمية كبيرة.
رابعًا-التداعيات الاقتصادية: تمتلك مبادرة "الحزام والطريق" إمكانات هائلة لتغيير أنماط التجارة والاستثمار في الإقليم، وإعادة تحديد المحاور والشبكات الإقليمية، وذلك بفضل شبكات النقل والبنية التحتية الهائلة والواسعة النطاق، والأهم من ذلك تعزيز مساهمة الشرق الأوسط في النظام العالمي.
من ناحية أخرى، تقوم الصين بإنشاء منطقة صناعية جديدة في ميناء "الدقم" في مدينة عمان الجنوبية، والتي من المخطط أن تكون مركزًا لوجستيًّا متكاملًا ومتعدد الوسائط يشمل وسائط النقل البحرية والطرق البرية والجوية والسكك الحديدية.
وستمهد منطقة الدقم الصناعية الطريق أمام استثمارات بقيمة 10,7 مليارات دولار بحلول عام 2022 لتمويل المشاريع الصناعية. مع بزوغ نجم الصين كقوة دولية، فإن الهجوم الاقتصادي الناعم الذي تشنه عبر مبادرتها لابد أن يحمل في طياته أيضًا مخاوف سياسية وأمنية لقوى إقليمية ودولية كثيرة،
وخاصة لدول الجوار التي تشهد علاقاتها معها توترات ونزاعات. لذلك يبقى نجاح هذه المبادرة مرتبطًا بقدرة الصين على طمأنة جيرانها وحل خلافاتها معهم، وإلا فإن الكثير من الأشواك ستنبت على طريق الحرير هذا وتهدد مستقبله.
تسعى الصين من خلال المبادرة إلى تصدير وتعميم نموذجها التنموي، لكن هذا النموذج لا يزال حتى الآن في إطاره التجريبي.
ومن المبكر الحكم عليه فيما إذا كان بالفعل نموذجًا ناجحًا يمكن تعميمه والاحتذاء به، خاصة في ظل ما يشهده من مشاكل وأزمات سواء على صعيد تراجع الأداء الاقتصادي والمالي، أو على صعيد استشراء الفساد، مرورًا بغياب العدالة الاجتماعية وتنامي الفجوة الكبيرة بين الفقراء والأغنياء، وصولًا إلى تأثيراته البيئية المدمرة. وتسعى الصين من خلال مبادرتها إلى إيجاد خطوط إمداد دائمة ومستقرة لتلبية احتياجاتها من الطاقة عبر شبكة من أنابيب النفط والغاز، وكذلك ضمان تدفق المواد الأولية إليها عبر شبكة من السكك الحديدية والبحرية، وضمان المحافظة على أسواق لبضائعها.
لكنها في الوقت ذاته تبقي على أسواقها محصنة أمام الواردات الأجنبية، كما تدفع بشركاتها وتوفر لها الدعم للاستثمار الخارجي في الوقت الذي تبقي فيه أبواب الاستثمار في بعض القطاعات الصينية موصدة أمام الاستثمار الأجنبي.
وعلى الرغم من الشعارات البراقة التي ترفعها الصين حول البناء المشترك للمبادرة والمنفعة المتبادلة وغيرها، إلا أن ما تتميز به السياسة الاقتصادية والتجارية الصينية من أنانية قد تكون مثار تساؤل وعدم رضا لدى الكثير من الدول.
بالإضافة إلى أن آلية عمل المبادرة تقوم على التعاون متعدد الأطراف بين الصين وبعض المنظمات الإقليمية، إلا أنها في جزئها الأوسع تقوم على أساس التعاون الثنائي بين الصين والدول المشاركة في المبادرة.
وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى بروز تناقضات كبرى في بناء مشاريع في بعض الدول قد تهدد الأمن القومي لدول أخرى مشاركة في المبادرة، ما سيهدد تماسكها في المستقبل.
وتسعى الصين إلى تنمية بعض أقاليمها الفقيرة مثل إقليمي التيبت وشينجيانغ اللذين يعتبران محطتين هامتين على طريق المبادرة، وذلك من خلال بناء وتشييد مشاريع تنموية كبرى. وهناك خشية دولية من أن تكون لهذه المشاريع آثار كارثية على التوازن الديمغرافي وعلى طمس الهويتين الثقافيتين والدينيتين لسكان الإقليمين المضطربين.
وما من شك بأن الصين تسعى من خلال هذه المبادرة إلى تحصين وضعها الجيوستراتيجي، وتعزيز الاستقرار وبناء الثقة السياسية إقليميًّا مع دول الجوار، وعالميًّا مع القوى الكبرى، لكنها حتى الآن لم تنجح في حل الكثير من مشاكلها، خاصة الحدودية، سواء البرية أو البحرية مع معظم دول الجوار. وبعض هذه المشاكل تصل إلى حد الأزمات والنزاعات كما هو الحال مع الهند برًّا أو في بحري الصين الشرقي والجنوبي بحرًا.
ومن أبرز التحديات التي تواجه المبادرة، فيما يتعلق بالقارة الإفريقية التي تحظى بأهمية خاصة في الرؤية الاستراتيجية الصينية، فالصين تعتبر أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وثاني أكبر مقصد للاستثمارات الصينية الخارجية. لكن حجم التنافس الدولي على القارة السمراء لابد أن يشكِّل أحد العقبات والتحديات أمام طموحات المبادرة الصينية.
كما يحظى الشرق الأوسط بأهمية كبيرة في هذه المبادرة، باعتباره أحد أهم مصادر الطاقة بالنسبة إلى الصين، أو واحدًا من الأسواق الاستهلاكية الهامة للبضائع الصينية وكذلك للاستثمارات، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي كجسر على طريق المبادرة يوصلها إلى منتهاها في أوروبا.
لكن ما يعاني منه الشرق الأوسط ودوله من أزمات وصراعات وانعدام للاستقرار يبقى أحد التحديات الكبيرة أمام المبادرة الصينية في ظل عزوف الصين عن الانخراط في لعب دور سياسي في قضايا المنطقة. وأيضا تعتبر دول آسيا الوسطى محطات هامة على طريق المبادرة. وهو ما يتزايد معه حدة المنافسة الاستراتيجية بين طموحات روسيا في بناء الاتحاد الأوراسي، وبين طموحات الصين في بناء مبادرة الحزام والطريق.
كما تخشى دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي أن تزيد المبادرة من حجم الصادرات الصينية إلى دول الاتحاد، وهو ما سيؤدي إلى عدم تمكن دول الاتحاد من حل أحد أكبر المشاكل استعصاء مع الصين، وهو إصلاح الخلل في عدم تكافؤ الميزان التجاري بين الصين ودول الاتحاد، والذي يميل بشكل كبير لصالح الصين.
ومن ضمن المخاوف والتحديات التي تواجه الصين في مشروعها، تفشي ظاهرة الإرهاب والعنف الدولي والقرصنة والجريمة المنظمة وكذلك النزاعات وبؤر التوتر وانعدام الاستقرار في العديد من الدول والمناطق التي تشكِّل مفاصل هامة بالنسبة إلى المبادرة
فإن مثل هذه التهديدات الأمنية ستبقى تشكل تحديًا كبيرًا وخطيرًا أمام حماية أنابيب النفط والغاز والسكك الحديدية والخطوط البحرية، وستحتاج إلى الكثير من الاستثمارات للحد منها ولعل استشراف الرؤية المستقبلية لمبادرة "الحزام والطريق"
لابد أن ينظر إليه في ضوء مساعي الصين، نلك تتوسع عالميا بالقوى الناعمة، التي تتجه إليها الصين، عبر المشاركة في قوات حفظ السلام والاستثمارات الرياضية والتوسع في الاعلام المحلي والإقليمي والدولي وشراء استثمارات ضخمة في هوليود الامريكية والوصول إلى عقول وتفكير سياسيين غربيين وعرب واسيويين من اجل السيطرة الشاملة التي تعتمدها الصين استراتيجية رئيس لها ، لمواجهة سيادة أمريكا ونفوذها الذي تتوقع الصين تراجعها بقوة في الفترة من 2020 حتى 2030.
وهو ما يجب هيكلة كل دولة رؤيتها للتعاون مع الصين في اطار تلك الأهداف الكبرى للصين، وبناء استراتيجية محلية لكل دولة لتعظيم فوائدها من المبادرات الصينية..
كيف يبدو مشروع طريق الحرير في الوقت الحالي؟
وصل مشروع طريق الحرير اليوم إلى أقصى درجات توسعه حيث يشمل 65 بلداً في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، ورغم ذلك فقد أكد الرئيس الصيني شين جين بينغ أن الصين ستضخ 124 مليار دولار في مشاريع طريق الحرير، ودعا العديد من الدول إلى المساهمة في مشاريع البنية التحتية والتجارة الحرة الخاصة بالمشروع، فان بنك تطوير الصين” China Development Bank” ذكر أنه خصص 890مليار دولار لحوالي 900 مشروع متعلقة بطريق الحرير، كما أكد جين بينغ أن الصين ستقدم دعماً قدره 7.8 مليار دولار للدول الناشئة لدعمها في المشاركة ضمن مشاريع طريق الحرير. واثنان من أكبر المصارف في الصين أكدا على أنهما سيوفران قروضاً بقيمة إجمالية 55 مليار دولار لدعم المبادرة والمشروعات التي ترغب الدول الناشئة في إنشائها ضمن مشروع طريق الحرير.
المشروع يلقى في الوقت الحالي دعماً كبيراً من دول كبرى مثل روسيا وبريطانيا وتركيا وحتى دول صغيرة مثل اليونان التي اعتبر وزير خارجيتها أن المشروع يمثل قمة الانفتاح الاقتصادي في الوقت الذي تلجأ الكثير من دول العالم إلى الانغلاق على نفسها اقتصادياً وسياسياً.
طريق الحرير الجديد يبدو حالياً في نمو كبير ومتصاعد وقد تنضم العديد من الدول إلى مشاريعه للبنية التحتية والتجارة في الأشهر القادمة، وهذا النمو المتسارع أثار العديد من الانتقادات لدى بعض الدول التي مازالت متحفظة على نشاطات الصين التجارية التي تعتبرها محاولة لزيادة النفوذ الصيني في العديد من مناطق العالم!
طريق الحرير وردود الأفعال المتباينة:
تتجه الصين بقوة الآن لتصبح الإمبراطورية التجارية الأكبر في العالم. فماذا يعني ذلك اقتصاديا وسياسياً، لأمريكا وأوروبا والشرق كروسيا والهند وخاصة للشرق الأوسط والدول العربية؟، طريق الحرير الجديد أو ما يُسمى أيضاً مشروع عُبو هو إلى حد بعيد المشروع الأكثر طموحا للرئيس الصيني شيء جين بينغ، الهدف من هذا المشروع الضخم هو بناء وصلة نقل من آسيا إلى أوروبا: 10 آلاف كيلومتر من الطرق، وخط سكة حديد لنقل البضائع وطريق بحري ينطلق من غرب الصين عبر كازاخستان والأورال وموسكو وصولا إلى أوروبا،
وأصبحت مبادرة إعادة طريق الحرير من الجديد لربط قارات العالم تجاريا المحرك الرئيس للسياسة الصينية داخليًّا وللدبلوماسية الصينية خارجيًّا، ويبدو أنها ستكون أحد أهم المحددات لتوجهات الصين إزاء العالم، ومنها المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، لاسيما خلال فترة رئاسة شي جينبينغ صاحب المبادرة، والتي تستمر حتى عام 2022.
يعرف باسم حزام واحد طريق واحد؛ وهي عبارة عن مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البحري وطريق الحرير للقرن الـ 21، ويهدف طريق الحرير الجديد إلى إحياء وتطوير طريق الحرير التاريخي، من خلال مد أنابيب للغاز الطبيعي والنفط وتشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد ومد خطوط للطاقة الكهربائية والإنترنت، ويتكون طريق الحرير الجديد من طريق بري وطريق بحري.
فيما يخص تطوراته وتأثيراتها على الشرق الأوسط، تعد الامارات والدول العربية من أهم المحطات في طريق الحرير البحري الجديد، الذي أعلنت عنه الصين في ألفين وثلاثة عشر، وتهدف مبادرة الحزام والطريق، إلى تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية، تربط أكثر من ستين دولة. في حين يأخذ بعدا سياسيا مثال ذلك إن أراد أحد تحليل الأزمة الأمريكية الإيرانية يجب النظر إلى ما يحدث في المنطقة من انتقال حالة الصراع من الساحة السورية والعراقية إلى الساحة التركية والإيرانية،
وذلك يتعلق بمحاولات الصين لمد خط استراتيجي وشراكة استراتيجية تعرف بطريق الحرير الجديد من الشرق باتجاه أوروبا مرورا بإيران وتركيا وكان هذا الخط يعتمد على ما تسميه إيران بمحور المقاومة لكنه الآن تغيرت الاستراتيجيات والصين والاتحاد الاوروبي يراهنان على إيران وتركيا لإنشاء هذه الشراكة الجيواستراتيجية،
من هذا المنطلق فبقاء تأثير الولايات المتحدة على الشرق الأوسط يعتمد على عدم مد هذه الشراكة وهذا الخط، وإذا توسعت الصين باتجاه الغرب ستخسر الولايات المتحدة وروسيا حوازات نفوذ لصالح الصين وحتى بعض الدول الأوروبية خاصة ألمانيا وفرنسا.
اما المعوقات فتكمن بالتنافس بين الهند والصين وتوجد بعض الحقائق التاريخية التي تلقي بظلالها على مصالح الوقت الحالي، فطريق الحرير على سبيل المثال يخطف الألباب على المستوى العالمي. ويشير إلى شبكة من الطرق البرية تربط الصين والهند وآسيا الوسطى وفارس وبيزنطة وروما منذ قدم التاريخ. وقد كان التجار والحجاج والمدرسون والمسافرون من كل الجنسيات على مدى السنين يسلكون تلك الطرق ويتبادلون الأفكار والبضائع، ولم تكن تلك الطرق قصرا على اليابسة حيث كانوا يسلكون الممرات البحرية بين الهند والصين عبر جنوب شرق آسيا برا وبحرا أيضا.
وعليه فان السياسة الطموحة التي تقودها الصين لتوسيع أسواقها والهيمنة على التجارة الدولية تضعها في مواجهة ليس فقط مع خصوم تقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا، بل أيضاً مع حلفاء سياسيين كروسيا.
لكن التنافس مع روسيا بخلاف الغرب ينحصر في إطار إقليمي على خلفية التناقضات داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي في حين أنّ المواجهة التجارية مع الولايات المتحدة تأخذ طابعاً شاملاً، وتتعدّى أحياناً الصراع الاقتصادي لتصل إلى حدّ التلويح بالخيار العسكري في المناطق المتنازع عليها بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبين المواجهتين تحاول أوروبا استمالة الصين على خلفية الصراع التجاري مع إدارة ترامب ولكن بشريطة أن لا يكون هذا التعاون على حساب وحدة أوروبا، كما تكرِّر ألمانيا دائماً.
ورغم الخطر الصيني الذي تقره استراتيجية الأمن القومي الأميركية إلا أن عدداً من الاقتصاديين الأميركيين يدافع عن العلاقة مع بكين.
تجمع أميركا والصين مصالح مشتركة. تحول اعتبارات اقتصادية ومالية دون مواجهة مباشرة وكاسرة بين الطرفين. الصين أكبر دائن للولايات المتحدة. لكن "طريق الحرير" الصيني يهدد التفوق الأميركي. الموقف معقّد. الصين بالنسبة لواشنطن شريك وخصم في آن معاً.
في الوقت نفسه يمكن اعتبار الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان واحدًا من عدة مشاريع ضمن نظرية الحزام والطريق، التي تهدف الصين من ورائها لأن تصبح أستاذ العالم الجديد والأوحد، سيحتم على دول الخليج القلق من مشاريع الصين المتتابعة أولًا، ثم سيتحتم عليها الاختيار بين الصين والولايات المُتحدة بعد ذلك.
في حين تخشى البلدان الغارقة في الديون والمستفيدة من مشاريع البنى التحتية ضمن "طريق الحرير" الذي اطلقته بكين من تزايد حجم ديونها الى درجة تثير قلق صندوق النقد الدولي وتدفع بعض الدول الى التردد، في صيف عام 2013، أطلق الرئيس الصيني شيء جينبينغ مبادرته العملاقة لبناء الموانئ والطرق والسكك الحديد عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات، وبعد خمس سنوات، تثير "طرق الحرير الجديدة" هذه الانتقادات والقلق، مع اتهام بكين باستخدام قوتها المالية لتوسيع نفوذها، وقال جينبينغ الاثنين الماضي إن المشروع "ليس ناديا صينيا" مشيدا ب"تعاون منافعه متبادلة".
ومن المتوقع أن تصبح الصين أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050، حيث سوف تمثل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين سوف تأتي السعودية في المركز الأول عربيًا والـ 13 عالميًا وفقًا لتقرير شركة " برايس ووتر هاوس كوبرز" للخدمات المهنية، وقد تضمن التقرير توقعات الشركة لأقوى 32 اقتصادا في العالم بحلول 2050 والتي تشكل معًا حاليًا 85% من الناتج المحلي الإجمالي
أن الاقتصاد العالمي يمكن أن يزيد على ضعف حجمه الحالي بحلول عام 2050، بفضل اتباع سياسات تنموية على نطاق واسع. يبدو ان الصين تسعى حاليا الى انتهاج خارطة طريق جديدة تمهد لإعادة التوازن على الصعيدين المحلي والدولي،
لا سيما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من أجل تحقيق طفرات تنموية ومستقبل أكثر اشراقا على المدى القريب، وهذا الامر قد يرسم اطر الصدارة التنافسية العالمية للصين في العقد المقبل. وتشعر بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا، بقلق متزايد حيال مشروع "طرق الحرير الجديدة"، خصوصاً منذ أن أصبحت الحكومة الشعبوية الإيطالية أول عضو في مجموعة الدول السبع تنضمّ للمشروع، وكانت الصين عام 2018 المستورد الأول من الاتحاد الأوروبي وثاني وجهة للمنتجات الأوروبية المصدرة.
والميزان التجاري مربح إلى حدّ كبير بالنسبة للصينيين الذي يجنون أكثر من 184 مليار يورو، بحسب أرقام المفوضية. ولا تقتصر أبعاد المبادرة على بناء هذه «الحوكمة المالية» البديلة، لكنها تشمل أيضاً العمل على بناء القواعد والأنظمة البديلة المؤسسة لنظام عالمي جديد من خلال بناء «حوكمات» بديلة في مختلف المجالات، خصوصاً في مجال الطاقة، كما تكشف عنه وثيقة «رؤية وخطط عمل لتعاون الطاقة للبناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين»، الصادرة في مايو 2017،
التي تستهدف -ضمن أهدافها المتعددة - بناء هيكل أفضل للحوكمة العالمية في مجال الطاقة، سواء من خلال استحداث بعض الأطر لإدارة التعاون في هذا المجال، أو من خلال التأسيس لمفهوم متكامل لأمن الطاقة، والتأسيس لحق الصين في القيام بدور فاعل في هذا المجال.
الأمر ذاته يصدق على المجال البحري، كما كشفت عن ذلك وثيقة «رؤية للتعاون البحري في بناء الحزام والطريق»، الصادرة عن الحكومة الصينية في يونيو 2017، والتي تضمنت العمل على التشارك في «الحوكمة البحرية»، وتوسيع مجالاتها، من خلال إنشاء آلية حوار رفيع المستوى للتعاون البحري بين الدول الواقعة على مسار الطريق، وتوقيع سلسلة من وثائق التعاون البحري بين الحكومات. وهكذا، يمكن القول إننا إزاء عملية تحول عميقة في بنية وقواعد ومؤسسات النظام العالمي.
الأهمية الاستراتيجية لطريق الحرير في موازين القوى الدولية
بيد أن ما يميز الاقتصاد الصيني الذي يستعد لقيادة النظام الاقتصادي العالمي في المرحلة المقبلة، أنه لن يكون الأكثر تطورًا مقارنة بالاقتصاد الأميركي أو حتى الاقتصاد الياباني والاقتصاد الألماني، بل سيكون صاحب الأفضلية عليهم من ناحية الحجم فقط.
فالصعود الاستثنائي لنموذج التنمية الصيني، المعتمد على إحداث ثورة كبيرة في كمية الإنتاج، يمكن أن تُستوحى منه فكرة جديدة قوامها أن النظام الاقتصادي العالمي في ثوبه الجديد، أي تحت القيادة الصينية، ستكون الغلبة فيه للاقتصادات ذات القدرات الاستثنائية على التوسع في الإنتاج الرخيص، وليس في السبق التكنولوجي. لا يعني هذا أن بقاء الصندوق مرتبط بالإبقاء على آلياته وسياساته النقدية المتبعة، إذ إن الصين تعد في مصاف الدول النامية، وتسعى إلى استقطاب المزيد من الدول إلى جانبها، من أجل خلق صورة إيجابية لنفسها، على أنقاض النظام الاقتصادي العالمي الذي انتقدته كثيرًا، وكذلك من أجل تنفيذ مبادرتها التنموية المسماة «الحزام والطريق»، وكل ذلك قد يشجع الصين، لدى بلوغها قمة الهرم الاقتصادي العالمي، على العمل على إعادة هيكلة الصندوق، ليكون أكثر تمثيلاً للدول النامية والصاعدة.
كما ستعمل جاهدة على إعادة صياغة آليات عمل الصندوق وبرامجه المعتمدة لأغراض الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي، والتي ظلت مطبقة بشكل شبه ثابت على مدار العقود المنقضية منذ إنشائه حتى الآن، وهذا سيكون بمثابة البداية الحقيقية لمرحلة جديدة في مسيرة النظام الاقتصادي العالمي.
مثَّل ما يشهده العالم منذ عدة سنوات، من صعود لافت لنموذج التنمية الصيني، بداية لحقبة جديدة في عمر النظام الاقتصادي العالمي، حقبة تصدرها الصين، تلك الدولة التي ما زالت في عداد الدول النامية، ولا يزال العنصر التكنولوجي في منتجاتها منخفضًا كثيرًا مقارنة بالدول الأكثر تقدمًا في الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي قادت التطور الاقتصادي العالمي لما يزيد على سبعين عامًا، ومن قبلها بريطانيا، مفجرة الثورة الصناعية الأولى، والتي تربعت على قمة التطور الاقتصادي العالمي لما يقرب من قرنين من الزمان.
تأتي أهمية الإنفاق الضخم على البنية التحتية أنه يساهم، من ناحية، في خلق فرص كبيرة لزيادة إنتاجية القطاع الخاص وفرص مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بالنظر الى الدور الذي تساهم فيه تلك البنية في زيادة القيمة المضافة لباقي عناصر الإنتاج (الأرض ورأس المال بالأساس). من ناحية ثانية، فإن الاستثمار في البنية التحتية يساهم في خلق فرص عمل جديدة، ومن ثم تخفيض معدل البطالة.
ومع أهمية النموذج الصيني في التنمية، إلا أن المبادرة تؤكد احترام حق كل دولة في تحديد مسارها التنموي الخاص بها.
من ناحية ثالثة، تمتلك المبادرة الكثير من مقومات النجاح، كونها تأتي من دولة كبيرة، ذات اقتصاد قوي، ما زالت تقدم نفسها باعتبارها دولة نامية، الأمر الذي يحررها من المخاوف التي ارتبطت بالكثير من المبادرات التي أعلنتها الدول الغربية، والتي سعت بالأساس إلى تكريس هيمنتها على النظام العالمي، وأسواق الدول النامية وضمان تبعيتها للاقتصادات الرأسمالية الكبيرة. يصدق ذلك على المبادرات السياسية والاقتصادية.
ولم ترتبط بهذه المبادرات/ المشاريع الغربية مكاسب حقيقية للدول النامية (راجع على سبيل المثال المبادرات الغربية المتعددة حول الشرق الأوسط الجديد تارة، والكبير تارة، والموسع تارة أخرى، وكذلك م |