صنعاء نيوز - لم يقتصر أثر الثورة التونسية على الشعوب العربية وحسب، بل كان الأثر الأكبر هو على الأنظمة العربية جميعها،

الأحد, 30-يناير-2011
صنعاء نيوز آداب عبد الهادي -
لم يقتصر أثر الثورة التونسية على الشعوب العربية وحسب، بل كان الأثر الأكبر هو على الأنظمة العربية جميعها،حيث استفادت الأنظمة من هذه التجربة(تجربة الثورة) وكانت بمثابة درس تم تلقينه لهم وربما هو الدرس الوحيد الذي تعلموه بشكل جيد من شعوبهم المضطهدة.

هذا الدرس جعل القيادة المصرية تتعامل مع الانتفاضة المصرية التي لم تصل إلى الآن إلى مرحلة الثورة، ويؤسف أنها لن تصل والفضل في ذلك يعود بلا أدني شك إلى الثورة التونسية.

هذه الثورة التي اندلعت دون تخطيط أو تفكير، انطلقت من قلب الشعب وبعيداً عن المنظمات والحركات المعارضة والأيدي الخفية، فكانت ثورة شعبية بحتة علينا أن نطلق عليها لقب الطاهرة والنقية، حتى لو سرقتها لاحقاً بعض الحركات المعارضة.

أما عن الدرس الذي تعلمه المصريون أولاً والحكومات العربية الأخرى ثانياً فهو.

لا أحد منا يشك إطلاقاً بذكاء القيادة المصرية والشعب المصري عامة هذا الشعب المبدع الخلاق المظلوم.

وهذه القيادة الذكية الخبيثة التي تعاملت مع الانتفاضة المصرية بدهاء مستفيدة بذلك من دراسة المراحل التي مرت بها الثورة التونسية والتي أطاحت بالرئيس ابن علي الذي أصبح الآن مطالباً به وبعائلته من الانتربول ومن الشعب الذي يطالب بمحاكمته ومحاكمة أركان نظامه كله.

من أهم أسباب نجاح الثورة التونسية هو المفاجأة، وعنصر المفاجأة أوقع النظام التونسي بالعديد من الأخطاء، جعله يتعامل معها بتسرع وإرباك أوصله أخيراً إلى الانهيار.

هذا العنصر، (عنصر المفاجأة) لم يتوفر في الانتفاضة المصرية، إضافة إلى عنصر الطهر وأعني هنا أن الشعب المصري لم ينتفض من تلقاء نفسه فهو:

أولاً: تأثر بالثورة التونسية.

وثانياً: بدأت الحركات المعارضة بتحريك الشعب بطرق غير مباشرة.

وثالثاً: لم تكن فكرة الثورة قد نضجت كلياً عند أبناء الشعب المصري مما سيؤدي إلى فشلها مع كل أسف.

هذه الأسباب دفعت القيادة المصرية إلى التعامل مع الانتفاضة المصرية بطرق مختلفة عما تبعته القيادة التونسية معها من حيث:

أولاً- تحركات الرئيس أولاً.

ثانياً- تدخل الأجهزة الأمنية.

ثالثاً- تدخل الجيش.

رابعاً- قيادة الانتفاضة وهذا هو الأهم.

أولاً:تحركات الرئيس

1- لم يكن إلقاء الرئيس مبارك لكلمته الموجهة إلى الشعب بنفس السرعة التي قام بها ابن علي، بل تأخر بشكل واضح عن مخاطبة الشعب.

2- لم يكن خطاب مبارك للشعب ضعيفاً ولم يخاطبهم كرئيس دولة، بل كحاكم عسكري.

3- لم يوكل مبارك رئيس مجلس الشعب أو رئيس الحكومة لمخطابة الشعب نيابة عنه.

بل اكتفى بخطاب واحد أقال فيه حكومته وانتهى الأمر ليُبقي قبضته محكمة على كل الأجهزة وتبقى القوة في يده هو مع عدم المبالاة بردة فعل الشارع واستهجانه.

ثانياً: تدخل الأجهزة الأمنية.

تدخلت الأجهزة الأمنية وقامت بضرب المنتفضين في المراحل الأولى للانتفاضة، ثم انسحبت بعد ذلك انسحاباً كلياً بناء على توجيهات مبارك وذلك لعدة أسباب منها:

1-لإظهار أن النظام المصري ديمقراطي، يسمح بالمظاهرات والثورات وبعيداً عن تدخل الأجهزة الأمنية ليؤكد للعالم أن الشعب يثور دون أي ممانعة، ودون أي بطش.

2- ابتعاد الأجهزة الأمنية عن الشارع يؤدي حتماً إلى انتشار الفوضى والتخريب ويسمح لمن سماهم الشعب (البلطجية) بالعبث بالبلاد والتخريب والحرق والسرقة وما إلى هنالك، والقيادة المصرية تعلم تماماً أن نسبة الفقراء والجياع في مصر يتجاوز الخمسين بالمائة منه، كما أن نسبة الجريمة بأنواعها تجاوزت الخمسة بالمائة في مصر، وهذه الفئة من الشعب وهي موجودة في كل بلد وفي كل مجتمع تعمل على استغلال مثل هذه الظروف وتعتبرها فرصة، وانسحاب الأجهزة الأمنية من الشارع يتيح لهؤلاء البلطجية بالقيام بما يريدون مما يهدد استمرار الانتفاضة بدفع المنتفضين للإبقاء في منازلهم والدفاع عن ممتلكاتهم، مما يؤدي إلى تراجع أعداد المنتفضين في الشارع بشكل كبير، (أي أن النظام المصري اتبع مقوله دع الشعب يأكل نفسه بنفسه).

ثالثاً: تدخل الجيش.

1- الجيش في مصر يختلف اختلافاً جذرياً عن الجيش في تونس.

الجيش في تونس كان محيداً (مهمشاً) بقصد ولم يكن له نشاطات تذكر، مما أثار نقمته على النظام ووقف بجانب الشعب الثائر وهذا ما ساعد الثورة في تونس على النجاح.

في مصر الوضع مختلف تماماً، فالجيش المصري (بطلاً) خاض العديد من الحروب في تاريخه والجيش المصري هو أساساً جيش انقلابات والحكومة المصرية هي حكومة عسكرية وليست مدنية فمعظم رجال الدولة هم بالأساس من قيادات العسكر، وبالتالي لن يقف الجيش مع الشعب مهما كان مما دفع الجيش لعدم التدخل والانسحاب بشكل كلي من الشوارع مما ساعد وبشكل مقصود على أعمال التخريب والسرقة، ولا يستبعد أن تكون الأجهزة الأمنية بالتعاون مع الجيش قد عملوا على تهيئة (عصابات من البلطجية) لإثارة الشغب والفوضى لترويع الناس وأكد ذلك الهجوم المستمر على مراكز أجهزة أمن الدولة وعلى أقسام الشرطة وعلى اقتحام منازل لبعض المحافظين وبعض المسؤولين وهذه الاقتحامات لن يقوم بها الشعب ولم يجرؤ على القيام بها ولو كان الشعب هو من يقوم بهذه الاختراقات لما عمل على تشكيل لجان شعبية تحمي الممتلكات العامة والخاصة وهو بريء من هذه التهم وبالتالي فإن من قام بأعمال النهب والسرقة هم عناصر من الجيش ومن الأجهزة الأمنية.

رابعاً: قيادة الانتفاضة.

1- المرحلة الأولى للانتفاضة كان يقودها بالفعل بعض أبناء الشعب المصري وهم من العاطلين عن العمل ثم تبعهم بعض أبناء الأسر الميسورة في بعض الأحياء الراقية في القاهرة كحي المهندسين والمعادي، ثم انتشرت في محافظات عديدة ومدن عديدة أخرى لينضم إليها مختلف شرائح المجتمع.

2- المرحلة الثانية امتزجت مع نهاية المرحلة الأولى حيث بدأت حركات المعارضة وعلى رأسها الإخوان المسلمين بالانخراط في صفوف الشعب والعمل على التحريض والخطأ الذي اتبعته المعارضة أنها لم تقم على التنسيق والتعاون فيما بينها بل كان كل تنظيم معارض يعمل بشكل شبه معزل تقريباً عن باقي التنظيمات الأخرى، وجميع هذه التنظيمات هدفها الأسمى هو الصراع على السلطة.

3- المرحلة الثالثة: ولم تتأخر ، كانت بتدخل الحكومة المصرية، وكان هذا التدخل في منتهى الخبث وبدأ بسحب الأجهزة الأمنية ومنع الجيش من التدخل، وفرض حالة من الفوضى، كان من نتائجها أن قام الشعب بتشكيل لجان شعبية للمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة، ومن نتيجة تشكيل هذه اللجان هو اختصار عدد المنتفضين أولاً، والتزام هذه اللجان بأبنيتها لمنع دخول البلطجية الذين هم أساساً من (أفراد الأجهزة الأمنية والجيش وبعض المجرمين) مما دفع بسكان كل بناء بالتزام بالوقوف بجانب أبنيتهم لمنع دخول هؤلاء البلطجية وبالتالي أصبح لا بد لهم من عدم النزول إلى الشارع والاستمرار في التظاهر.

إذن استمرار أعمال السرقة والتخريب وترويع المواطنين من قبل البلطجية ساهم بشكل كبير وفعال بإجهاض الثورة ( أو سيساهم بإجهاضها).

أما ما سيساعد الحكومة المصرية على إجهاض هذه الثورة فهو التالي:

أولاً: مواقف الدول الكبرى وعلى رأسها (أمريكا- إسرائيل مع الأسف).

1- ما يلاحظ هنا أن باراك أوباما عقد في اليوم الثاني للانتفاضة المصرية اجتماعاً مع مجلس الأمن القومي في واشنطن للبحث في كيفية مساعدة الرئيس المصري على إجهاض الثورة وهذا ما لم يفعله مع ابن علي في تونس.

2- اتصال أوباما هاتفياً مع الرئيس مبارك وتلقينه ملاحظات لتجنب الوقوع في أخطاء وعدم تكرار أو الوقوع في المصير الذي وقع فيه ابن علي وتحذيره من الانسحاب والاكتفاء بتغيير الحكومة وبقائه على رأسها.

3- تقديم معونة أمريكية بقيمة مليار دولار لإنعاش الاقتصاد المصري.

وبدأ الموقف الأمريكي بإتباع سياسة الشد والرخي، من خلال:

1- توبيخ كلنتون للرئيس مبارك والتشديد في لهجتها.

2- المرونة والليونة في خطاب أوباما لمبارك.

وقوف الحكومة الإسرائيلية بجانب مبارك من خلال عدم المساهمة في تغطية الانتفاضة المصرية في وسائل إعلامها، وتقديم النصائح التي تحيل دون سقوط مبارك.

وأخيراً يمكننا تلخيص كل ما تقدم بما يلي:

1- ستفشل الثورة المصرية حتماً لعدم وقوف الجيش بجانب الشعب.

2- ستفشل بدعم أمريكا لها دعماً لوجستياً.

3- عدم نضوج الحالة الثورية عند كل أبناء الشعب المصري.

وهذا يعني أن الرئيس مبارك وعلى الرغم من أنه بات ورقة محروقة إلا أنه مازال يحظى بالقبول والدعم الأمريكي والإسرائيلي ورحيله سيهدد الأمن الإسرائيلي والمصالح الأمريكية في المنطقة، وسترمى هذه الورقة في حال إيجاد البديل المناسب له، لكن هذا البديل حتماً لن يكون البرادعي، لأن البرادعي احترق أمريكياً وإسرائيلياً ومهما بلغت شدة عمالته لن يلقى الدعم ليكون رئيساً لعدة أسباب منها أن الشعب العربي برمته لن يقبل به، ولأنه كان السبب الأساسي والرئيسي في احتلال العراق وهذا مالا يصفح عنه الشعب العربي إطلاقاً وهذا أيضاً ما تعلمه أمريكا وإسرائيل.

تحية حب للشعب المصري البطل ، وتحية حب لمصر أم الدنيا، مصر هي التي تعطي دروساً للعرب ومصر هي أمل كل العرب، وكل العرب ينتظرون نجاح الثورة المصرية ويقفون معها ويدعمونها، إن تحررت مصر من الظلم والاستعباد سيتحرر العالم العربي برمته وإن فشلت فالبؤس سينخر عظام كل الشعوب العربية
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 02:14 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-6667.htm