صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
لابد من مناقشة التوجهات والاختيارات الأساسية التي تبنى عليها السياسة العمومية، وكذلك الوسائل والآليات الكفيلة بتفعيل هذه الاختيارات، وهذا يؤدي بنا إلى مسألة الحكامة.
نحن لسنا بصدد مراجعة النظام الاقتصادي المغربي، الليبرالي المبني على اقتصاد السوق والمقاولة التي تلعب دورا أساسيا، وبطبيعة الحالة المقاولة تنتج استجابة لطلب معين سواء في السوق الداخلي أو ألخارجي.
حاليا هناك إقرار بأن السوق الداخلي ضعيف ومحدود، وبالتالي كيف يمكن توسيعها من خلال تطوير القدرة الشرائية والاستثمار العمومي إلى غير ذلك، وبالتالي التوجه نحو التصدير واستغلال الفرص.
حين تحترم مجموعة من القواعد يمكنها أن تكون إطار لبناء اقتصاد قوي، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
إذن لسنا بصدد تغيير هذا النظام، اليوم المغرب يسير في إطار النظام الليبرالي، والدولة لديها تدخل قوي من خلال الاستثمار العمومي، ومن خلال قطاع عام قوي في مجموعة من المجالات.
كما أن هناك سياسات اجتماعية ومبادرات متعددة، وهذا الوضع في إطار الليبرالية أفرز العديد من الاختلال.
وبالرغم من ذلك ، فهذا النظام لديه مكتسبات، مثلا لدينا اقتصاد أكثر تنوع، وتمت مجموعة من الإصلاحات مهمة في عدة مجالات منها المجال المالي، البنيات التحتية، التحكم في بعض التوازنات الماكر واقتصادية، بالرغم من وجود العجز التجاري، والمديونية التي بلغت درجة مقلقة.
وإلى جانب هذه المكتسبات هناك نواقص كثيرة خاصة في الجانب الاجتماعي، وهو ما أدى إلى أن نحقق إنجازات دون أن يكون هناك أثر على المواطن بالشكل الكافي، وأدى ذلك إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية، ومن بين النواقص أيضا ضعف قدرة التنافسية الاقتصادية للمغرب.
من بين الأسس التي يجب معالجتها أيضا، مشكل الشباب والبطالة، لدينا اليوم مليون و700 ألف في الفئة العمرية ما بين 15 و24 سنة، بدون شغل بدون تأهيل مهني، ولا يستفيدون من أي برنامج للتأهيل وهذا أكبر مشكل يعيق جميع المجالات بالنظر إلى تأثيره عليها، كما نسبة إدماج النساء في سوق الشغل ضعيفة.
دائما فيما يتعلق بالأسس، نحن اليوم في حاجة إلى العدالة ودولة الحق والقانون في المجال الاقتصادي، وحركة 20 فبراير طالبت بمحاربة الريع.
إذن لابد من تفعيل آليات الحكامة ومحاربة الريع والاحتكار، وجميع الأساليب غير الشريفة في المجال الاقتصادي التي تعرقل الاستثمار المنتج.
المغرب في حاجة أيضا إلى إصلاح القضاء خاصة في ارتباطه بالمجال الاقتصادي.
مسألة أخرى أساسية، هي التصنيع، حيث لا يوجد بلد تجاوز التخلف بدون تصنيع، لدينا حاليا مخطط التسريع الصناعي، أكيد لديه إيجابيات وتراكمات، لكن لابد من تقييم له.
وفي التصنيع لا يمكن أن نكتفي ببعض الإنجازات وإن كانت مهمة، مسألة التصنيع لابد أن تكون مندمجة في علاقتها بالتكوين والتأهيل وخلق نسيج صناعي قوي، يعني لابد من وجود تنسيق بين مختلف الفاعلين، ففي البلدان المتقدمة، نجد هناك تنسيق وتشاور بين الجامعات وبين المقاولات، لذلك لابد من خلق إطار في هذا الاتجاه لتعزيز التصنيع المندمج.
كذلك ل يجب أن نسقط في التعارض بين النجاعة الاقتصادية والمسألة الاجتماعية، وهنا أذكر بإحدى مخرجات صندوق النقد الدولي في هذا الصدد، حيث قال إن الدول التي استطاعت أن تواجه الأزمة، هي الدولة التي قلصت الفوارق الاجتماعية وتحكمت فيها، وكلما كانت الفوارق الاجتماعية كبيرة، كلما أثر على قوة الاقتصاد.
نعتبرأن معالجة بعض الاختلال في الميزانية والماكر واقتصادية، لا يتم بنهج السياسة التقشفية، طبعا لابد من التحكم في التوازنات، ولكن دون المس بمستوى الاستثمار العمومي، أو فرض مزيد من الضرائب على الشعب، وذلك حتى لا نسقط في تعارض بين المسألة الاجتماعية والتوازنات الاقتصادية.
إلى جانب ذلك، هناك أيضا الإصلاح الجبائي، إذ بالرغم من التوصيات التي تم الخروج بها في مناظرة 2013، لكن تفعيلها يتم بشكل محتشم، لذلك لابد من عدالة ضريبية.
وهذا يتماشى مع يقوله الخبراء الاقتصاديون والذي مفاده أنه كلما كانت هناك عدالة ضريبية كلما كانت المردودية المالية أفضل، وعلى هذا الأساس ينبغي إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية التي تمنحها الدولة لبعض المؤسسات والمقاولات.
لا نسى أيضا مسألة نظام الحماية الاجتماعية، والذي يجب أن يكون محور السياسيات العمومية، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الصدد في مجموعة من الدول، حيث يعتبر بناء المجتمع المتضامن المنشود هو الأساس.
إذن على المغرب أن يوفر نظام حماية اجتماعية للمغاربة وتوفير تأمين لكل الوضعيات الاجتماعية ومنها البطالة والمرض وغيرها، والعمل على توسيع التغطية، وإعادة النظر في المعاشات الصغيرة ومعاشات الأرامل.
وهكذا فإن بناء نظام الحماية الاجتماعية والاحتياط الاجتماعي مسألة أساسية، ولابد من ضمان مدخول للكرامة لجميع المغاربة، وإن كان مشكل استهداف المستفيدين يطرح مشكلا، لكن يوجد لدينا من الآليات ما يكفي لتحديد خريطة الاستهداف.
لا نتفق على أن يكون المغرب، مجالا للاستثمار بكلفة منخفضة، وإذ نؤكد على ضرورة استقطاب الاستثمارات، لكن مع حفظ مستويات عيش المغاربة سواء على مستوى الأجور أو الحماية الاجتماعية أو على المستوى البيئي والاجتماعي.
في هذه المجالات يمكن أن يدخل القطاع الخاص، ولكن بضوابط تحمي خدمات هذه القطاعات كالصحة والتعليم، والتي يجب أن يكون فيها القطاع العام قطاعا أساسيا.
وبالرغم من كون مسألة دخول القطاع الخاص مسألة عادية على غرار العديد من الدول، ولكن الدولة لا يجب عليها أن تتخلى عن هذه القطاعات بشكل كلي.
طبعا لابد من الارتقاء بالعنصر البشري الذي هو الحلقة الأساسية، وفي اعتقادي فإن السياسات الاجتماعية تأتي كمقاربة بعدية لتصحيح بعض الاختلالات في الوقت الذي من المفروض أن تكون مبنية على مقاربة قبلية وبعدية في نفس الوقت، وأن تضع هذه السياسات العنصر البشري في صلب أهدافها.
وكمثال على ذلك، نورد مخطط المغرب الأخضر، بالتأكيد هناك إنجازات هامة، ولكن أي أثر لها على العالم القروي وعلى شغيلة القطاع الفلاحي، وهل هناك مراجعة في العلاقة بين المستثمرين الكبار والمستخدمين والفلاحين الصغار.
كذلك لابد من تثمين مجموعة القطاعات، ومنها قطاع الاقتصاد التضامني، الذي لا يجب أن ننظر إليه كاقتصاد الفقراء، حيث إنه يمكن أن يخلق الثروة، وله منقعة اقتصادية، ويمكن أن يلعب دور أساسي في العملية التنموية، مبني على التعاون والتآزر والتضامن، وتجميع الفاعلين فيه وتنظيمهم جماعيا،وله دور أيضا على مستوى إدماج المرأة في العملية التنموية.
المغرب يحتاج إلى الحد الأدنى من التخطيط، ويعني تخطيط توجيهي يوضح الأولويات ويوضح الرؤية بالنسبة لجميع الفاعلين، والتخطيط بالمفهوم الديمقراطي.
طبعا نرى العديد من المخططات القطاعية، كل مخطط في جانب، وبعد فترة ينادي القائمون عليها بالتنسيق، لذلك صبح التخطيط بالمفهوم الذي أشرت إليه مسألة أساسية مع استحضار مجموعة من الأمور الأساسية بيئية واجتماعية واقتصادية.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.
[email protected] https://www.facebook.com/dghoughi.idrissi.officiel/