صنعاء نيوز/ حسن عبد الوارث .. من صفحته على الفيس - كان اليمنيون - ولازالوا ، وسيظلون - يأتون الى الدنيا فقراء ، ثم يثورون على أسباب فقرهم . وحين يستلمون السلطة ، يكتشفون أنهم لازالوا فقراء . ولكن هذه المرة لم يكن فقر المادة ، انما فقر الروح . فاذا بهم ينقلبون من فقراء الى حقراء ، بعد أن يصيروا عبيداً للسلطة !
ثاروا على الاحتلال الأجنبي ، وعلى الحكم الاِمامي . ووجدوا قصور العنجريز والسلاطين و" سيوف الاسلام " في متناول أيديهم - ومعها خزائن وسياط - فاذا بالبريق يسطع في عيونهم ، فتغشى عن كل الحقائق . وحينها فقط تندلع الحرائق . يغدو الصراع على السلطة هو الاستراتيجيا .. وماعداه مجرد تكتيك وتباتيك !
ان قراءة أمينة - ولو سريعة - للتاريخ السياسي اليمني الحديث والمعاصر ستُفضي بنا الى ادراك حقيقة مؤلمة من دون أدنى شك : ان الكفاح ضد الأجنبي والكهنوت لم ينل غير قدر ضئيل من متن هذا التاريخ - يكاد اليوم ينسحب الى الهامش - فيما يتغطَّى معظم هذا المتن برماد الحروب والكروب الناتجة عن فكرة الاستحواذ والاقصاء : الاستحواذ المطلق على السلطة ، والاقصاء الغشوم لكل الخصوم .. وهي الفكرة الجرثومية الفتاكة التي راح ضحيتها أضعاف أضعاف شهداء وقتلى النضال ضد عثمان وهينز ويحيى وأحمد !
...
في صنعاء ...
أستولى مناضلون - بل رموز ثوريون - على ثروات خاصة بالأُسرة الاِمامية المندحرة : أموال وجنابي ومصوغات ذهبية ، عدا البيوت والأراضي والمزارع والبهائم والعبيد ، وغيرها من الممتلكات . وقد أنتقل بعضهم من الفقر المُدقع الى الغنى الفاحش في زمن قياسي ، بلهُ في سويعات معدودات ، كما الحال في غير مثال !
ومن لم ينل حصَّته من متروكات الأئمة ، نالها من خزائن الدولة الناشئة اثر الثورة ، أو نالها لاحقاً من ميزانية " اللجنة الخاصة " أيَّاها .. حتى غدا من المؤلم أن ترى أحد مناضلي سبتمبر الأقحاح وهو مُعدَم ، فتقول في نفسك راثياً : ليته نال منها بعض وطر !
وبرغم ذلك ، ظلت أغلبية القيادة الثورية - على عِلاَّتها الأخرى - محتفظة بقدر وافر من عِفَّة اليد وطهارة الضمير ، في عهدَيْ السلال والارياني ، ثم بصورة أنصع في عهد الحمدي . ولم يزدهر الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي وتتقيَّح القيادة وتسقط الفكرة الثورية ، الاَّ لاحقاً في عهد صالح ، كمُفارقة فادحة السخرية بين الاِسم والمُسمَّى !
وفي عدن ...
ظل النقاء الثوري والشقاء الطبقي عنواناً لافتاً لمنظومة القيادة التي حكمت البلاد والعباد بالنار والحديد ، وبالجيوب النظيفة والذمم الشريفة . وقد رحل قحطان وعبداللطيف وسالمين وعبدالفتاح وليس في أرصدتهم غير كتب حركة القوميين العرب أو مجلدات الثلاثة البررة والرابع القابع تحت الشجرة .
ولم نسمع عن قصص الشغل من تحت الطاولات أيَّاها الاَّ في الحقبة الثمانينية من القرن المنصرم . وللأمانة ، لم تكن تلك القصص لصيقة بجماعة دون أخرى ، فمثلما طالت المقاولات المشبوهة محمد علي وآخرين ، فقد أصابت صفقات السلاح النتنة صالح مصلح وآخرين . ولأول مرة ، تتردَّد الأنباء سيئة السمعة عن بيوت بعض القيادات وهي المنطقة التي ظلت سابقاً بعيدة تماماً عن الشبهات !
وأستمر الحال وتدهور الى أسوأ مآل حتى جاء الجمَّال يوم 22 مايو 1990 فأخذ الجمل بما حمل وعلَّم الفاسد الاشتراكي الغشيم ما لم يعلم من فنون الفساد من طراز متجدِّد !
...
لم تندلع حرب صيف 1994 الاَّ وقد نمت طبقة سياسية فاسدة في قيادة الحزب الاشتراكي ..
واثر اخماد نيران هذه الحرب ، وذات مساء شتائي قارس ، كان عدد محدود من القيادة الجديدة في هذا الحزب يناقشون - في جلسة مقيل محدودة النطاق - المصير الغامض للأموال التي كانت في حوزة القيادة السابقة للحزب والتي أختفت مع هروب تلك القيادة الى الخارج عشية سقوط عدن في 7 / 7 تحت سنابك كوكتيل مسلح وحاقد .
كنتُ موجوداً حينها - في الزمان والمكان والحدث - أستمع الى ما يدور من غريب الحديث ، وأنا غارق في بحر الدهشة ، غير مُصدِّق بأن أميننا العام المناضل العريق والصمصوم العتيد - ومعه نفر من قادتنا الأشاوس - قد أستولوا على ملايين الدولارات في غمضة عين !
وكنتُ أتخيَّل تلك الكُتيِّبات التي تحتوي برنامج الحزب والنظام الداخلي وحلقات التثقيف الحزبي وهي تتراقص قُبالتي كأنَّها رُزَم من البنكنوت الأخضر اللمَّاع ! ... لم أكن لأُصدِّق قط ... ولكن الحقيقة كانت ساطعة في حدقات العيون وفي الوثائق والمستندات التي أمامي !
رحمة الله تغشاك أيها الرفيق الفذ علي صالح عُباد ... ما أشرفك وأنظفك .
...
سيقول قائل : والحوثة ؟ .. لماذا لم تُشِر اليهم ؟ .. هل هم استثناء مما تقول ؟
وأردُّ عليه : أولاً ، انني أتحدث عن أهل الثورة .. أو - بالأصح - من كانوا أهل الثورة ! .. وثانياً ، لازال هؤلاء في غيِّهم يعمهون ، فانتظروا سيرة الاكتمال .. فانْ شئتَ فافهم ، وانْ لم تشأ فسلاماً . |