صنعاء نيوز/ صالح بن الهوري. -
واقع عبادة الأضرحة بالمغرب اليوم.
تنتشر بالمغرب النافع و غير النافع عدة قبور ترجع إلى حقبة ما قبل الإسلام ، و يصل طول بعضها إلى أزيد من إحدى عشر ذراعا. كان بعضها محط تقديس وتبجيل من قبل الأهالي والزوار على حد سواء.
وتعرض أغلبها للحفر من قبل المولعين بالتنقيب عن الكنوز وجامعي التحف الفنية و الأثرية، مما دفع ببعض الأهالي إلى الكف عن عبادتها وتقديسها.
اليوم مست بعض قرى المغرب تحولات سوسيولوجية واقتصادية، من خلال ربط العالم القروي بالماء والكهرباء، فشغلت النساء آلات الغسيل والعجن والطبخ، ولم يعدن يحملن حزم الحطب على ظهورهن و يسقين الماء من العيون والأبار باستعمال الدواب، بفضل المنظمات المحلية والدولية لا السلطات المركزية.
صار لهن فائض من الوقت يمضينه في الأندية النسوية التي شيدتها المنظمات الغير حكومية الغربية وجمعيات المجتمع المدني المحلية الفاعلة لا المنظمات الصورية، لتعلم حرف مدرة للدخل ومحاربة الأمية الثقافية والقانونية.
أسسن جمعيات وتعاونيات لبيع المنتوجات المحلية، وشاركن في معارض محلية ودولية لتسويق المنتوجات الفلاحية القادمة من المغرب السحيق .
حصلن على أموال وصرن مستقلات ماديا عن أزواجهن وإخوانهن، وقل العنف المسلط عليهن، والذي يرجع بالأساس إلى ملك الرجال لسلطة مادية على النساء الفقيرات بالمغرب، من خلال الإنفاق عليهم.
يصعب التحكم في المرأة المستقلة ماليا اليوم، رغم شيوع ثقافة اعتبار المرأة “امرأة الرجل مهما على شأنها وبالتالي فهي مملوكة له، حسب الاعتقاد الذي يوصف من قبل اليسارين ب “الرجعي والمتخلف” والذي لا زال هناك من يؤمن به ويقدسه.
تمكنت معظم نساء المغرب العميق من القراءة والكتابة وممارسة الرياضة داخل الأندية الرياضية التي شيدتها بعض المنظمات الدولية في بعض المدن الشبه حضرية. كما تعلم الصبيان الأطفال الحساب والقراءة والكتابة واللغات، في المراكز التي أنجزتها المنظمات الدولية .
تم ربط المدارس بالماء الصالح للشرب، وشيدت جمعيات متخصصة في خدمة المدارس بالعالم القروي مراحيض للذكور والبنات، وتابعت اليافعات دراستهن بنجاح منقطع النظير.
على مقربة من قصور المغرب العميق، شيدت مؤسسات إعدادية وثانوية ، وحصلت الشابات على شهادة استكمال الدروس الثانوية (الباكالوريا) بمعدلات مرتفعة، بينما سقط أغلب الذكور.
تابعن دراستهن العليا وصرن أستاذات وممرضات وطبيبات وضابطات وشرطيات وقاضيات.
لم يعد أغلبهن يؤمن بقدرة الأموات على نفع الأحياء وقلت زيارتهن للقبور وإقامتهن لطقس “المعروف” لأنهن خلصن إلى خلاصة مفادها: أن الأموات لا ينفعون الأحياء.
لو لم يتدخل المجتمع المدني المحلي والمنظمات الغير حكومية العالمية، لما عرف واقعهن تغييرا، ولظلوا ينتظرون تدخل السلطات المركزية الذي يأتي أو لا يأتي.
لذا لم يعد بعض المغاربة يصدق ما يرويه إبن الزيات عن ما أسماه ب”كرامات الأولياء” لأنها أشبه بالرسوم المتحركة والأساطير القروسطية المستمدة من الأديان العتيقة والمتخلفة الموغلة في القدم والضاربة في أعماق التاريخ.
من يحمي أضرحة المغرب اليوم؟.
تحمي السلطات العليا والسفلى الأضرحة وتؤمم المواسم التي تنظم حولها، وتشرف عليها وتدعمها ماديا ومعنويا. بينما تعجز عن تأميم المدارس والمستشفيات !!!.
السؤال. لماذ؟ لأنها تساهم في الاستقرار والسلم الاجتماعي، من خلال نشرها للثقافة القدرية الاستسلامية الاتكالية الانبطاحية التواكلية، على النقيض من المسارح والمراكز الثقافية والمعاهد الموسيقية، التي تنشر الوعي وروح التمرد والمبادرة.
إذ تدعو المسرحيات والأشعار والدراسات والأبحاث العلمية الأكاديمية والمقالات إلى المطالبة بالحقوق و التوزيع العادل للثروات وعدم الجمع بين السلطة والثروة وتوظيف الدين لهضم حقوق المغاربة. الأمر الذي يزلزل سلطات البلد العليا التي تعد الفاعل الأوحد في البلد لا الظواهر الصوتية.
لذا ترعى الدولة قبور الأولياء ومواسمهم، وتلجم كل كافر بكراماتهم الغرائبية وكل جاحد لحكاياتهم الأسطورية.
وتمنع السلطات كل من يكيل الانتقادات اللاذعة للمزارات من الحركات الأوصولية السلفية المغالية في التطرف والتشدد، ممن يسعون إلى تسوية قبور الأولياء بالأرض، سيرا على نهج الوهابية الذين قاموا بتسوية قبور “الصحابة” في الحجاز عام 1925 .
اليوم يعتبر وهابيو البلد زيارة الأضرحة وثنية وشركا برب الأرباب ويطالبون بوقف تأميم وتنظيم الدولة للمواسم التي يسمونها ب”الخرافية”.
ويرى يساريون أن عبادة الأضرحة عامل أساسي في تخلف المغاربة لاعتقادهم أن الأموات ينفعون الأحياء. مما يساهم في استمرار وبقاء الأضرحة لأنها تتماشى مع الإسلام الرسمي المخزني لا الإسلام الشعبي.
القائم على الأركان التالية: المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الإمام الجنيد السالك. يقول عبد الواحد ابن عاشر:
في عقد الأشعري وفقه مالك …و في طريقة الجنيد السالك.
كما يؤدي الاعتقاد الشعبي السائد بكون الأضرحة بمثابة تراث مادي والطقوس التي تقام بمحيطها بتراث لا مادي لسكان المناطق المجاورة لمزارات الأولياء، التي يفتخر بعض المغاربة بوجودها بقراهم وحواضرهم.
تقوم قبور الأولياء الأموات بدور اقتصادي ومحوري مهم في حياة كل المنحدرين من نسل الأولياء أو من يعيشون في كنفهم، باعتبارها مصدر رزقهم وقوتهم اليومي. للقبور في المغرب دور اقتصادي مهم، و بفضلها يتمدد ويرتقي المنحدرون من نسل من أقبروا فيها، ولاسم المدفونين فيها تأثير رهيب على الكتلة الناخبة، هذا من الناحية السياسية.
يكفي أن يطلب أحد حفدة الولي من مريدي الضريح بالتصويت لفلان أو علان، فتخضع الكتلة الناخبة لأمر حفيد الولي، خشية ورهبة من سخط جده إن عصوا أمره. يصوت الناخبون السدج على السياسي المتهم ب”شبهات فساد” بينما يتلقى حفيد الولي ثمن أصواتهم عينا ونقدا دفعة واحدة.
أو تقول مرشحة إنني حفيدة الولي الفلاني فأمنحوني أصواتكم وسأدعوا لكم داخل قبة جدي، فتحصل على ما تبغي فورا، دون حاجتها لحملة انتخابية و لا برنامج سياسي و لا اقتصادي. يبدو أن للأضرحة دور سياسي خطير في البلد، لذا كانت تهابها السلطات المركزية في القدم ولازالت..
يتضح إذن أن للقبر دور سياسي مهم، لأن الولي فاعل ومؤثر أكثر من أي برنامج انتخابي أو اقتصادي أو حزبي. لذا يهاب الساسة الجهلاء الأضرحة والزوايا ويكونون أول من يقدم لها الهدايا والقرابين أثناء المواسم .
تاريخيا استخدم المخزن عدة أساليب ووسائل لبسط نفوذه على المناطق السائبة ( يراد بمصطلح السيبة، المناطق والبلدات الغير خاضعة لسلطة المخزن والتي تسيرها أعراف خاصة بها ولا تجمعها بالسلطة المركزية أية صلة، لا تقدم لها الأعشار و لا الجنود للمشاركة في الحملات التي كانت تقوم بها السلطة المركزية لتأديب القبائل الخارجة عن سيطرتها) والغير خاضعة لها. ومنها استمالة شيوخ الزوايا إلى صفه. وعرفت علاقته بها مدا وجزرا وتبعا لضعف أو قوة المخزن.
يقول ليفي بروفنسال ” تاريخ المغرب منذ القرن 16 حتى أواخر القرن 19 ليس في حقيقته سوى صراع بين السلطة المركزية وبين رؤساء الطرق الدينية المحلية”.
سعى المخزن إلى احتواء الزوايا وكسب رضاها من خلال حمايتها وتوقيرها ورفع الكلفة و السخرة و الضرائب عنها.
وحث القواد على احترام ممتلكاتها من خلال الظهائر التي أنعم بها على الزوايا، مقابل الدعاء الصالح له و الإشتغال بالعبادات و النصح للناس، و استثباب الأمن وتجنب كل أشكال العصيان والتمرد.
مما أدى إلى اكتساب الزوايا لحصانة مادية و معنوية، أبعدت عنها جشع وطمع القواد الإقطاعيون الطغاة والشيوخ الجبابرة العتاة و أعوانهم اللصوص الغزات.
و أجارهم من فرض الضرائب و المكوس و مكنهم من الاستمرار في أداء مهامهم من إطعام الطعام و استقبال الزوار و الاهتمام بالتجارة و الفلاحة، مما أدى إلى ارتقاء الزوايا اجتماعيا واقتصاديا و روحيا و سياسيا.
أولياء السوء بالمغرب اليوم.
“للأموات قدرة رهيبة على نفع الأحياء” هذا هو الفكر المهيمن على الميتولوجيا المغربية، لذا يوسمون من أقبر في الأضرحة و المزارات ب” الصالحين و الصالحات” رغم عدم تقديم أصحاب هذا الوصف لأي شهادة تؤكد صلاح هؤلاء الأموات. إنه نسق يقدس ويعبد الأموات.
و يزعمون أنهم يشفون المرضى و يهبون الذكور و الأولاد لكل عقيم وعقيمة، ويحمون الأرزاق من العين ويشفون الحمقى و المجانين….
سجل روجي لوطورنو أن” إجلال الأولياء لم يعرف دائما الصيت الذي عرفه في أوائل القرن العشرين: فقد ازداد أهمية من القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر، وعلى الأقل في المدن”. وأردف ” لكن ينبغي الاعتقاد بأنه كان يجد أرضية خصبة بالأخص، إذ أنه تكاثر بكيفية مدهشة، وثبت إلى أيامنا هذه بدون وهن”.
( روجي لوطورنو، فاس قبل الحماية، الجزء الثاني، الصفحة، 859، ترجمة محمد حجي، محمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1406 ه،1986 م).
و ورد في الكشاف للزمخشري أن ” أولياء الله الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة” ( 2/ 355)
يلقب المغاربة اليهود و المسلمون العابدون والعابدات ب”الأولياء و السادات” وهم بشر يعرفون الرب وصفاته بكل ما يمكن ويواظبون على الطاعات ويتجنبون المعاصي ويعرضون عن الشهوات والملذات.
و هي صفات غير متوفرة اليوم في من يزعمون أنهم “أولياء” القرن الحادي والعشرون ويلقبهم المعارضون للفكر الخرافي ب”أولياء السوء”.
“الصوفي في العرف، فهو: العارف بالله، المتحقق بمقامات اليقين، المتخلي عن الرذائل، المتحلي بالفضائل”
قال الإمام الجنيد عن التصوف” هو استعمال كل خلق سني وترك كل خلق دني”
وقال أبو الحسن الشاذلي” التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية”.
يقسم بعض المغاربة الأولياء إلى قسمين: ” الأولياء الصالحون والوليات الفالحات” وهم ورجال ونساء عاشوا في القرون الغابرة، وهم نادروا الوجود اليوم.
و ” أولياء السوء” والمراد بهم مدعو الولاية و المهداوية و الصلاح و الفلاح ، وملقبو أنفسهم بأنهم ذو أحوال ربانية وقدرات خارقة، في وهب الأولاد ومنح الأزواج، وطرد النحس والعين، و العكس والسحر، وجلب القبول والسعد.
يرى عبد الله حمودي أن ” المهداوية ذات خلفية تاريخية في المغرب وتعد بمثابة إيديولوجية سياسة للمغاربة.
وهم كثر اليوم ويزعمون أنهم أصلح البشر و أعرف الناس بالله، بل لقب بعضهم ب”العارف بالله والقطب الرباني والغوث وبحر العلوم”. لا أدري أي علم. يظهر أنه علم النصب والاحتيال !!!.
كان أولياء الأمس محترمون و مقدسون من قبل معظم العامة والخاصة. لماذا؟ لأنهم عرفوا بالعبادة وإطعام الطعام و إصلاح ذات البين و أداء الديون عن المدينين… لأنهم ليسوا طماعون و لا جشعون و لا حاقدون.
على النقيض من أولياء اليوم المزورون الذين يفتقرون إلى أي رأسمال رمزي و لا إشعاع علمي و لا اجتماعي لهم ، يوصفون من قبل بعض المغاربة ب”النصابين والمحتالين ” لا يتوضؤن و لا يصلون و لا يصومون.
هم فتانون، مثيروا القلاقل والفتن و ومشعلو الحروب والصراعات بين العامة والخاصة. إنهم عبارة عن كذابين يحترفون الاسترزاق باسم الولاية والصلاح والشرف.
يوهمون الأميون و الجهال والأثرياء بامتلاكهم قدرات خارقة على جلب الخير والأزواج والعمل وإبعاد الحسد ودفع العين و إبطال السحر. يعيشون عالة على المجتمع المغربي الخرافي.
لا يعملون و لا يزرعون و لا ينشرون العلم والحلم على النقيض من أولياء القرون الماضية التي أسهبت كتب التراجم في ذكر مناقبهم .
أولياء السوء اليوم لا يكتبون و لا يقرؤون وهمهم الوحيد هو لم الثروات والحصول على المنافع. يسطون على أموال اليتامى و الأرامل وينهبون خيرات المغرب باسم خرافة “الشرف” وادعاء انحدارهم من سلالة الصالحين.
لا يزورهم المتمكنون من اللغات الحية والضالعون في العلوم الاجتماعية والقانونية، لأنهم لا يؤمنون بالترهات والخرافات. و لا يشهد لهم الراسخون في عالم الصحافة والفكر بالصلاح ولا الفلاح. كل ما يعرف عنهم أنهم ساسة محترفون نصابون دجالون، يلعبون على عواطف الأميين والجهلة من المغاربة.
لا يربطهم بالزهد والتقوى أي رابط، هم بشر عاديون و لا فرق بينهم وبين غيرهم من المغاربة. فقط، هم يملكون الجرأة لترويج الترهات والأباطيل وإدعاء الفلاح والصلاح، وهي صفات لا قبل لهم بها، لأن أعمالهم تكذب مزاعمهم !!!.
تظهر تصرفاتهم أنهم لا يعرفون من أمور و نواهي الدين أي شيء. يكذبون على الدهماء ويحتالون على السوقة. و يوهمون الأغنياء بأن دعواتهم مستجابة و أن لهم قدرات خارقة في تحقيق الأمنيات والتمنيات والأماني.
يوظفون الرأسمال الرمزي لأصولهم وفروعهم الذين يدعي البعض بأنهم ” فالحون و صالحون”. لتحقيق مآربهم وللسيطرة على المجتمع و العيش على حساب الدولة والشعب المفقر والجاهل.
إنهم كسلاء جهلاء، لا يعملون و لا يبدعون و لا يصنعون. يعيشون مجانا على حساب المؤمنون بالفكر الخرافي في البلد، من مؤسسات حكومية و أهلية. يتلقون هبات معتبرة كفيلة بتشيد آلاف المدارس والمستشفيات بالبلد.
لا يقدمون أي نفع للبشرية و أي خدمة للوطن، اللهم نشر الثقافة القدرية الاتكالية التي تساهم في انبطاح المجتمع و خضوعه و إذلاله، عوض العمل والمطالبة بالحقوق والحريات.
يظهر من خلال أعمال و أفعال مدعو الصلاح والدروشة و المهدوية بالمغرب اليوم، أنهم مجرد جهلاء لا علماء، و سفهاء لا عقلاء، وظالمون لا عادلون، وكذابون لا صادقون !!!.
كان قدماء الصوفية منقطعون بهمة إلى عبادة الرب وفعل الخير، أما مدعو الولاية اليوم فهم منقطعون إلى لم الأموال وتشيد العمران و إنشاء المزارع وتشيد المطاعم والفنادق والمقاهي والخمارات، لجمع المال الوفير.
كانت زوايا السلف ملجأ للهاربين من مرتكبي الجرائم والمحكوم عليهم عرفيا بالخروج من قراهم والرحيل عن قبائلهم فيما يعرف محليا ب” الزواك”، كما كان بعضها مقرا للتداوي .
جمعها في ما مضى عهد يتجدد بين المريدين والأتباع وشيوخها من خلال الزيارات والهدايا التي تقدم لها خلال المواسم، والتي كانت تدعم خزائنها.
وتساهم في إطعام الطعام و إيواء الفقراء إلى الله والمريدين ونشر الأمن والسلم بين القبائل و إصلاح ذات البين بين القبائل وحل النزاعات بين السكان و نشر التربية الروحية بين الأتباع المبنية على الصدق والحق.
يشرف على تسير الزاويا “مقدم” اشتهر برجاحة العقل والكياسة والتقوى والورع والعدل. يعمل على هداية الناس لا تضليلهم كما يفعل أولياء السوء بالمغرب اليوم.
يرشد الزوار إلى الطريق القويم والسوي و يضمن استمرار الاحترام والتبجيل بين المريدين والزاوية.
يحكم بالعدل ويصدع بالحق ويجري الصلح بين القبائل والأفراد، و لا يفرق بين الناس ولا ينشر الفكر العنصري المبني على أساس العرق واللون، كما هو حال وديدن أولياء السوء اليوم.
يزور القرى و المداشر للم الأعشار والهبات قبل بداية الموسم. ويجمع عطايا وهدايا القبائل، مقابل الدعاء بحسن الحال و الأحوال. يبدو أن امتلاك الزوايا للمعرفة الدينية و الصلاح و الشرف أساس ارتكاز لتمتين علاقاتها مع القبائل والمريدين والزوار.
أوكار النصب و الاحتيال.
يوصف المنحدرون من نسل الأولياء ممن زاغوا عن الطريق السوي و تخلوا عن القيام بالدور التاريخي للزاويا، من قبل منتقديهم ب” أولياء السوء”. بسبب تخليهم عن الإصلاح والإرشاد و إطعام الطعام و الصلح بين الناس والعدل والحلم والاستقامة. وانشغالهم بالملذات وجمع الأموال و إنجاز المشاريع الضخمة العظمى.
اليوم، لا تنشر المنازل التي يدعي أصحابها أنها “زوايا علمية عتيقة” أية علوم و لا معارف و لا يقوم المشرفون عليها من” أولياء السوء” بأي إصلاح و لا دفاع عن البلاد وحوزتها.
لا تمت معاملتهم و أخلاقهم بصلة لما زهد عليه الزهاد ومن اتصفوا ب” الصلاح والفلاح”. ويلقبون في المعجم الحساني القح الأصيل بمصطلح ” الهنتاتة” والمراد النصابون والمحتالون.
تخصصوا في النصب و الاحتيال وجمع القناطر المقنطرة من الأموال، والجري وراء الهدايا والعطايا و الهبات. وتخلوا عن نشر العلم والمعرفة و الصدع بالحق والعدل بين الناس و أبدعوا في إشعال الحروب وإيقاد نيران الفتن بين القبائل والأهالي وحتى الأسر.
تاريخيا كان الهدف من بناء المدارس العلمية و الزوايا الحقيقية لا الوهمية المنتشرة كالفطر اليوم، هو: نشر التربية الروحية والدعوة الصوفية ونشر العلوم و الفنون. إنها زوايا ومدارس، تؤمها الخاصة والعامة. ويدعمونها ماديا و معنويا.
ويحج إليها الطلبة للنهل من معين علمها الذي لا ينضب والغرف من منابع صلحاء الزوايا العلمية الروحية، وتزورها القبائل للتبرك وتقديم مؤونة طلبة العلم.
لا يتوفر أولياء السوء على معارف لغوية ولا أدبية ولا دينية و لا تاريخية، ولا يتوفر معظمهم على أية شواهد علمية. و لا يعرب المستوى المعرفي لمن تمكنوا من ولوج الجامعات وحصلوا على شهادات عليا عن طريق الغش في الامتحانات أو الرشوة الجنسية أو المالية، بأنهم نخبة أكاديمية بما فيهم من درس في الغرب.
لم يكتب “أولياء السوء” اليوم أي كتاب، وثقافتهم شفوية خرافية غير مبنية على أي أساس علمي و لا أكاديمي، ويصعب تصديقها حتى من قبل الأطفال الصغار.
لم يبدعوا مصنفات و لا تأليف في شتى المعارف و لا العلوم الإنسانية. ولم يخلفوا لا إنتاجا فكريا و لا إبداعيا، لا أشعار و لا تراجم و لا كتب تاريخية و لا دينية ولم يخلفوا لا مخطوطات و لا وثائق.
لأن عقولهم متوقفة عن الإبداع، وأسمالهم الرمزي هو إيهام المؤمنون بالخرافات بأنهم يملكون قدرات خارقة على جلب الحظ و السعد و القبول إن ابتاعوا منهم بركة أجدادهم. في المغرب البركة سلعة تباع وتشترى، إنها إحدى أروع مشاهد النصب و الاحتيال في القرن 21 .
يدوخ أولياء السوء المريدون وغيرهم بأنهم زاهدون في الدنيا من خلال سكنهم في دور عتيقة آيلة للسقوط مجاورة لأضرحة أجدادهم، بينما يملكون قصورا وعمارات شاهقة في المدن الداخلية و الساحلية بالبلد.
خلاصة.
اليوم، المجتمع المغربي مجتمع قدري خرافي منفصل عن الواقع. تؤمن بعض خاصته ونخبه بقدرة الأموات على نفع الأحياء. وتعشق عامته زيارة الأضرحة عوض الخروج إلى الشارع للاحتجاج والمطالب بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتوزيع العادل لخيرات البلد وعدم الجمع بين الثروة والسلطة والرفاهية والعيش الكريم، عوض البكاء داخل مزارات الأموات.
يظهر أن المطالبة بمحاكمة ناهبي المال العام لا توجد في أجندة هؤلاء القوم، وكذا المطالبة بالحقوق والحريات والمساواة في الاستفادة من ثروات الوطن، إنها أمور مؤجلة في نظرهم هؤلاء إلى ما بعد الموت، حيث يمكنهم التمتع والعيش الكريم التطبيب والعمل في الجنة، حسب اعتقادهم !!!.
شعارهم هو الصبر والتفقير مسلط من السماء لا من الحكام الحقيقيون في البلد، الذين يجمعون بين السلطة والثروة.
والبؤس والجوع ابتلاء من السماء لا هو نتيجة لسياسة نهب المال العام بأغنى بلد في العالم.
ينتظرون أن يأتي الفرج من قبور الأموات. ربما سيوزع عليهم الأموات ثروات البلد بالتساوي !!!.
يدعون طول النهار و زلفى من الليل، دون نتيجة. عوض الخروج إلى الشارع للتظاهر والمطالبة بالحريات ونصيبهم من جبال الذهب التي تهرب إلى الخارج مغلفة بالفضة.
الفقراء في المغرب بحاجة إلى الدواء والتعليم والشغل والطعام لا الرقصات البهلوانية والدروشة، واتهام الشيطان بأكل قوت المغاربة وسرقة ثرواتهم !!!.
يتحدث الخرافيون المغاربة عن رجال ماتوا مذ أزيد من ألف عام و لا يتحدثون عن الراهن، ويبالغون في الحديث عن الحياة بعد الموت. إنهم يعيشون في الزمن الميت، لأنهم لا يتوفرون على برنامج أني لمواجهة الواقع كما هو عوض الأحلام والترهات وانتظار أن ينفعهم الأموت من داخل قبورهم.
والنتيجة كالأتي: مجتمع قدري كسول منبطح، يعيش خارج الواقع وخاضع لسلطة الأموات الذين رحلوا مذ قرون خلت.
و أجيال شابة تربت على العبودية وتقديس الحكام، مما يعطينا نتيجة أو توماتيكية هي: مجتمع رعايا لا مواطنون. يطيعون النظام الحاكم طاعة عمياء دون أدنى نقد و لا تفكير حتى لا يوصفوا ب”الخروج عن الجماعة”.
وهنا يسهل تحكم النخب الخاصة( الحاكمون الفعليون) في الحشود العامة (الرعا والدهماء والسوقة).
خاتمة عامة.
اليوم لم يعد يصدق البعض من النخبة المتنورة قدرت الأموات على نفع الأحياء، ولا لم تعد الطبقات المحتكة بالكتب تؤمن ببركتهم وخوارقهم الأموات.
لكن يصعب محو اعتقادات موغلة في القدم وضاربة في أعماق التخلف والجهل، بسبب سيطرة الخرافات والأساطير على عقول بعض المغاربة لقرون خلت.
مثل هذه الأفكار لازلت منتشرة اليوم وإن بنسب متفاوتة ومختلفة في البلد، بسبب افتقار المنظومة التربوية لمناهج علمية أكاديمية مبنية على المنطق والعقل والحجة والبرهان والدليل القاطع لا الخرافات والأساطير التي تدرس اليوم للنشء.
و لا يمكن الحد من الفكر الخرافي الأسطوري دون تأميم المسارح وصالات السينما والخزانات والمكتبات والمعاهد الموسيقية والمراكز الثقافية، كما أممت المساجد ودعمت الأضرحة والزوايا.
و سيبقى تقديس الأضرحة وثقافة الإرهاب منتشرة بالبلد رغم تفكيك مئات الخلايا الإرهابية بالمغرب، لأن الثقافة التي تنتج الإرهاب لا زلة متواجدة في البلد.
تنتشر في المساجد و تغزو المدارس و الجامعات و المعاهد، وتحفل بها وسائل الإعلام يوما بيوم .
تمكن المغرب من القضاء على الإرهابيين، لكنه لم يتمكن من القضاء على ثقافة الإرهاب.
|