السبت, 19-مارس-2011
صنعاء نيوز -
وكانت مثل هكذا تحليلات
تحظى بالمتابعة والقراءة من قبل الجميع, فالناس دائماً يتطلعون الى
المستقبل, ويحبون ان يكتشفوا ولو جزء من ملامحه, كانت بعض الصحف هنا في
اليمن تتحدث عن الرئيس القادم, وملامح الزعيم الذي سياتي كنوعاً من انواع
التوريث او التوافق الاسري, بعيداً عن صناديق الاقتراع.
كان احمد علي يحتل المرتبة الاولى في ذلك السيناريو الذي انتهى مع انطلاق
ثورة الشباب في اوائل فبراير المنصرم في اليمن, ومثله كان جمال مبارك في
مصر, وسيف الاسلام القذافي في ليبيا.
لقد اصبح من المؤكد والمثبت عربيا وعالميا، أنّ الشعوب هي التي تقرر
نوعية الحكم الذي يدير ويتولى السلطة في بلادها، إن كان حكما ديمقراطيا
دستوريا أم ديكتاتوريا استبداديا، لأنّ حكام أي بلد لم ينزلوا على شعوبهم
من الفضاء الخارجي أي من مجرّات أخرى، بل هم من أبناء هذه الشعوب، وصلوا
للسلطة بطريقة من اثنتين ثم تشبثوا بالسلطة، وهاتان الطريقتان في العالم
العربي هما: انقلابات عسكرية كما حدث مرارا في سوريا و ليبيا والجزائر
وتونس والسودان واليمن, او ملكيات تستعبد الناس وتستأثر بكل شيء.
وقد استولد حكام الانقلابات هذه مولودا طريفا غير شرعي (ابن حرام ) اسمه
التوريث، وقد بدأه الرئيس حافظ الأسد بكل الخطوات اللازمة لضمان توريث
ابنه بشار ، فما إن مات حافظ الأسد في يونيو عام 2000 حتى تمّ تغيير مادة
في الدستور السوري لتكون على مقاس الابن بشار فقد كانت تلك المادة تنصّ
على أنّ عمر الرئيس يجب أن لا يقل عن أربعين عاما، فتمّ تغييرها إلى عمر
34 عاما وهو عمر بشار آنذاك . لذلك تمّ توريثه بطريقة سهلة من مجلس
النواب الذي لا يمثل الشعب مطلقا، وتولى بشار الرئاسة في العاشر من يوليو
2000 أي بعد شهر تقريبا من وفاة والده، وقد سبق ذلك ترقيته لرتبة فريق في
الجيش السوري متخطيا بذلك كل الرتب والأعمار في الجيش السوري، وهذا ما لا
يتم في أية مؤسسة عسكرية تحترم نفسها. هذه السابقة السورية التي نجحت
بتقدير امتياز مع مرتبة اللاشرف الأولى، كانت مؤهلة للتكرار في العديد من
الرئاسات العربية الحالية، الا ان ثورات الشعوب في البلاد التي تسعى
للتوريث قد قلب الامور رأساً على عقب, وتلاشت طموحات التوريث, ولم يعد
التفكير الا في مخرج طوارئ يحفظ للاب رغبته في الخروج المشرف دون تعرض
لمحاكمة شعبية, الا ان مخرج الطوارئ هذا لم يعد مفتوح بعد اقدام زعماء
التوريث على سفك الدماء في محاولة منهم لترهيب شعوب, لم تعد تخيفها
فزاعات الحاكم, ولم تعد تلتفت لعينه الحمراء.
ففي مصر مثلاً كان جمال مبارك يتواجد بصورة اكبر على الساحة المصرية,
ودخل جمال مبارك الحزب الوطني كأمين للجنة السياسات, وكون جمعية شباب
المستقبل بهدف ايجاد قاعدة شعبية كبيرة من الشباب, وتولى قيادة الحملة
الانتخابية لوالده في 2005م, وكان يطمح لرئاسة مصر, الا ان رياح التغيير
جاءت بما لم يشتهيه جمال مبارك.
وفي اليمن تم تسويق شخصية احمد علي عبد الله صالح بشكل غير عادي, واوكلت
اليه مناصب حساسة, منها رئاسته للحرس الجمهوري والقوات الخاصة’ بالإضافة
الى ان احمد علي لجاء إلى بناء شبكة علاقات عسكرية ومدنية بطريقة هادئة
وصلت حد تعيين الوزراء والوكلاء, كما رئيس جمعية الصالح ومجلس
البرلمانيين القداماء, الا ان علي عبد الله صالح راء ان تسويق هذا الحلم
قد تلاشت بعد قيام ثورتي تونس ومصر, ليعلن في 2 فبراير الماضي عن تخليه
عن فكرة التوريث والتمديد.
وفي ليبيا ظهر سيف الاسلام القذافي على الساحة السياسية من خلال جمعية
حقوق الانسان التي انشئها, للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين في
السجون الليبية, وتزعمه لقيادة " تياراً اصلاحياً " دعا من خلاله الى
استحداث دستور ثابت لليبيا, ووضع مرجعية ثابتة, مقترحاً تحول " ليبيا
الثورة" الى " ليبيا الدولة ", وبروز سيف الاسلام القذافي في الزيارات
الرسمية للبلدان الخارجية.
كل هذه السيناريوهات سقطة مبكراً, ليتم الاعلان عن تحول جديد في مسار
التاريخ, يتمثل في الانتقال من مصطلحات التوريث الى مصطلحات التغيير,
التي لم ترق للزعماء العرب في اكثر " الجمهوريات الوراثية ".
لقد شهدت الامة وخلال شهر واحدا ًفقط يومان تاريخيان وباعتقادي انها
بانتظار يومين اخرين, اما اليومين التاريخيين فهما يوم سقوط وهروب طاغية
تونس يوم الجمعة الرابع عشر من يناير لعام 2011 ، بعد ثورة شعبية تونسية
عارمة مستنكرة طغيانه واستبداده طوال ما يزيد على عشرين عاما. الطريف في
هروب الديكتاتور بن علي أنه يشبه سيناريو هروب شاه إيران عام 1979 ، إذ
أنّ شاه إيران رفضت كل الدول استقباله بما فيها حليفته الولايات المتحدة
الأمريكية طالما هو مرفوض ومطرود بإرادة شعبية إيرانية، فاستقبله أنور
السادات إلى أن مات ودفن في القاهرة. وكذلك بن علي رفضت كل الدول
استقباله بما فيها حليفته فرنسا، معلنة أنها مع إرادة الشعب التونسي،
فاستقبلته المملكة السعودية مع زوجته بشروط منها: السكوت الكامل وعدم
القيام بأي نشاط إعلامي أو سياسي معاد للشعب التونسي وثورته، وعدم السماح
له بتحويل الأموال التي نهبها إلى البنوك السعودية.
واليوم التاريخي الثاني هو تنحى محمد حسني مبارك عن الحكم يوم الجمعة 2
فبراير 2011م, بعد ضغط شعبي عارم استمر لسبعة عشر يوماً, بعد ان ظل
متشبثاً بالحكم طيلة ثلاثين عاماً تقريباً, حكم فيها البلاد بالطوارئ وزج
بقيادات العمل الاسلامي في المعتقلات, واعد لسيناريوا توريث جمال مبارك,
الذي اسقطه ضغط الشارع, ليصبح حلم التوريث مجرد سراب تلاشى بمجرد
الاقتراب منه, ليواجه مع اسرته واركان حكماً القضاء الذي سيقول كلمته
فيهم لاحقاً.
اللافت في اليومين والسقوطين التاريخيين للطاغيتين أنّ طاغية تونس أسقطته
ارادة الشعب التونسي, ومثله سقوط مبارك الذي اسقطه الشعب ايضاً, وكان يوم
الجمعة موعداً لسقوط الاثنين جميعاً .
ماينتظره الشعب العربي هو قدوم يومين سيسجلانهما في تاريخه بأحرف من نور,
فاليوم الاول الذي ينتظره العالم العربي من المحيط الى الخليج هو سقوط
طاغية ليبيا معمر القذافي الذي يتشبث بالحكم منذ 42 عاماً, والتي بدئت
الثورة ضده في 16 فبراير, الا انه حتى اليوم لازال متمسكاً بقيادته
الخرافية.
القذافي الذي ولد في العام 1942 في أحد مناطق البدو القريبة من مدينة سرت
ونسب نفسه إلى قبيلة القذاذفة بينما تنتمي عائلته إلى قبيلة صغيرة هى
البربر المستعربين, درس بمدرسة ابتدائية إسلامية في الوقت الذي وقعت فيه
أحداث هامة في العالم العربي من أهمها هزيمة العرب في حرب 1948 بفلسطين
ووصول الرئيس جمال عبد الناصر إلى الحكم في مصر في 1952 والذي كان له
بالغ الأثر عليه, التحق القذافي بالأكاديمية العسكرية الليبية في بنغازي
في العام 1961 مثل أغلب زملائه في مجلس قيادة الثورة الليبية. وتخرج في
الفترة 1965-1966. وبعد أن حصل على الامتياز تم اختياره للحصول على
تدريبات إضافية لعدة أشهر في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية
البريطانية.

وفي فجر الأول من سبتمبر عام 1969 أعلن راديو بنغازي إسقاط الحكم الملكي
الليبي الفاسد بدون إراقة دماء وقيام الجمهورية. وقرأ الضابط الصغير معمر
القذافي رسالة "انتصار ثورة الفاتح، باسم الحرية، والعدالة الاجتماعية
والوحدة". واستولى قائد المدرعات على العاصمة الليبية طرابلس محكما قبضته
على القصر الملكي والمقار الرئيسية للشرطة والجيش ومبنى الإذاعة. ولم تبد
الحكومة السابقة أي مقاومة في الوقت الذي كان فيه الملك إدريس السنوسي في
تركيا للعلاج، وحاول جاهدا إقناع بريطانيا بالتدخل بمقتضى ميثاق الدفاع
بين لندن وطرابلس.
واليوم الثاني الذي يبدوا انه بات قاب قوسين او ادنى هو سقوط نظام الرئيس
علي عبد الله صالح الذي وصل حكمه ل33 عاماً, بعد وصوله الى سدة الحكم في
78م.
والملاحظ ان هناك تشابه بين سياسة القذافي وصالح في التورط في مستنقعات
الدم, وكلاهما مشبث بالحكم, في حين يراهن الشعب الليبي واليمني على ان
مصير الاثنين اصبح محتوماً, وان خياراتهما اصبحت محدودة
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 02:57 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-7422.htm