الأربعاء, 23-مارس-2011
صنعاء نيوز هاني المصري -


زيارة غزة، وتشكيل حكومة مستقلين مهمتها إعادة بناء غزة والتحضير لإجراء
الانتخابات؛ تطور مهم من شأنه كسر الحاجز النفسي الذي أقيم في ظل
الانقسام، وبعد القطيعة التي شهدتها العلاقات في الأشهر الأخيرة.
إن الدعوة والمبادرة انعكاس سريع للمتغيرات العميقة التي تشهدها المنطقة
العربية، وأدت حتى الآن إلى انتصار الثورات الشعبية في مصر وتونس، وتمثل
أيضاً استجابةً للحراك الشعبي الفلسطيني الذي بدأ في الضفة الغربية وقطاع
غزة، وهو مرشحٌ للتصاعد والاستمرار.
إن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بحاجة إلى أكثر من زيارة إلى غزة، على
أهمية الزيارة، وإلى أكثر من تشكيل حكومة والتوجه إلى الانتخابات.
فدون الاتفاق على إستراتيجية سياسية لمواجهة مهام وتحديات ومخاطر المرحلة
الجديدة، وإقامة شراكة حقيقية تستند إلى ما تم الاتفاق عليه سابقًا، سواء
في إعلان القاهرة 2005، أو وثيقة الأسرى وحكومة الوحدة الوطنية، وحوارات
القاهرة، وتسعى لاستكماله بخصوص الأساس السياسي للنظام السياسي
الفلسطيني، والبرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، وكيفية التعامل مع
الأجهزة الأمنية ومع منظمة التحرير، ومعالجة المستجدات النوعية سواء على
صعيد المفاوضات أو انعكاس الثورات العربية على القضية الفلسطينية.
إن المبادرة لزيارة قطاع غزة أو الدعوة إليها مهمة؛ كونها تدل على بداية
حراك، ولكنها ستكون مجرد تسجيل نقاط ومناورة ومناورة مضادة؛ تهدف كل منها
إلى تحميل الطرف الآخر المسؤولية عن استمرار الانقسام، إذا لم يسبق
الزيارة تحضير جدي يضمن نجاحها.
وفي مضمار تسجيل النقاط والمناورات، دون شك أن حركة فتح "أشطر" من حركة
حماس، فهي وقعت على الورقة المصرية، وراهنت على عدم توقيع حماس عليها
وكسبت الرهان، على الرغم من أن توقيع "حماس" كان سيحرج فتح والنظام
المصري السابق؛ لأنهما لن يطبقاها بعد المعارضة الأميركية الصريحة لها.
وبعد دعوة هنية لأبو مازن، قدم الأخير مبادرته ضمن شروط من الصعب جداً أن
توافق عليها حماس؛ لأن حكومة المستقلين والانتخابات السريعة وحدهما دون
اتفاق على صفقة شاملة، تتضمن المنظمة والسلطة وكل شيء، لا تمكن حماس من
الحصول على أي شيء، ما يعرضها لخسارة الأغلبية في المجلس التشريعي،
والسيطرة الانفرادية على غزة؟
إذا لم يتم الشروع في حوار وطني شامل جدي قبل أو بشكل متزامن يستهدف
قراءة المستجدات النوعية التي طرأت على عملية السلام، وعلى المنطقة بعد
عودة الروح والثورات العربية، ودون الاتفاق على جملة من المسائل المهمة
التي القفز عنها ستفشل الزيارة إذا تمت أو لن تتم، من المسائل التي يجب
الاتفاق عليها قبل أو أثناء الزيارة: الاتفاق على كيفية التعامل مع
ثمانين ألف موظف استنكفوا عن العمل بعد الانقسام واستيلاء حماس على
السلطة في قطاع غزة، وسيسارعون إلى المطالبة بعودتهم إلى وظائفهم فور
تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ ما يضع هذه الحكومة تحت ضغظ ثقيل يمكن أن
يؤدي إلى انهيارها فوراً، خصوصاً إذا كانت حكومة مستقلين وليست حكومة
مختلطة تضم ممثلين عن الفصائل والمستقلين.
عودة الموظفين المستنكفين ما هي إلا نقطة من نقاط كثيرة يمكن أن تفجر
الوضع. على سبيل المثال لا الحصر: عدم الاتفاق على تجسيد المصالحة
الوطنية بين أسر القتلى والجرحى والمعاقين والمتضررين من الحرب الداخلية
التي أدت إلى الانقسام، ستزيد من احتمالات الثأر والانتقام، ومسألة
المفصولين من العمل وغير المعينين لأسباب سياسية، والمؤسسات المغلقة،
والمعتقلين السياسيين، كلها عناوين لنقاط لا تحتمل التأجيل، ويجب الاتفاق
عليها، ويمكن الاتفاق عليها لزيادة فرص النجاح.
كيف يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل وجود أجهزة أمنية تابعة لحماس
في غزة، وما يمكن أن تقوم به من ممارسات قمعية ضد "فتح" وأنصارها
ومؤسساتها، وفي الضفة الغربية الأمر مماثل؟ فدون الاتفاق على توحيد
الأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلها وبنائها على أسس وطنية ومهنية بعيداً عن
الحزبية؛ سيتكرر مصير حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد اتفاق مكة،
والتي انهارت على خلفية عدم الاتفاق على كيفية إنهاء الملف الأمني.
كيف يمكن الاتفاق على الحكومة والانتخابات دون الاتفاق على أسس وضوابط
ومرجعية المفاوضات؟ وهنا لا يكفي القول: إن المفاوضات قد توقفت، أو أن
هناك بنوداً حول المفاوضات في وثيقة الوفاق الوطني، ففعلاً المفاوضات
توقفت، ولكن نهج المفاوضات والجهود لاستئنافها لم تتوقف. ماذا لو تم
الاتفاق على استئناف المفاوضات على أساس بيان يصدر عن اللجنة الرباعية.
هل سنكون أمام افتراق أم عودة إلى الصيغة البائسة التي أقِرّت سابقاً،
ومفادها أن الرئيس واللجنة التنفيذية تفاوض، وتعرض ما يتم الاتفاق عليه
على المجلس الوطني بتشكيلته الجديدة أو على استفتاء شعبي، إن المطلوب هو
شراكة حقيقية بكل شيء بالغرم والغنم يتحمل المسؤولية فيها جميع الأطراف
عن كل شيء.
وكذلك دون الاتفاق على المقاومة، ومتى تبدأ ومتى تتوقف، وما هي الأشكال
التي سيتم استخدامها في هذه المرحلة، مع الاحتفاظ طبعاً بحق الشعب
الفلسطيني باستخدام جميع أشكال النضال والمقاومة بما فيها الكفاح المسلح.
كيف سيتم التعامل مع اتفاق أوسلو والالتزامات المترتبة عليه، في وقت
اتسعت فيه المطالبة بإنهاء أوسلو أو وقف العمل بالالتزامات المترتبة
عليه؟
كيف سيتم التعامل مع شروط اللجنة الرباعية المطروحة على أية حكومة
فلسطينية، هل سيتم الوفاء بها أم تجاوزها، خصوصاً في ظل إمكانية تجاوز
المجتمع الدولي لها أو لبعضها على الأقل، بعد الثورات العربية وما تفرضه
من تغييرات على الموقف الدولي.
كيف سيتم توفير أمن الرئيس أثناء الزيارة؟ وماذا لو تدفق عشرات الآلاف أو
مئات الآلاف لاستقباله، واستغل البعض هذه الحشود في اتجاهات قد تؤدي إلى
ما لا يحمد عقباه؟
كيف سيتم وقف الانتهاكات الشاملة للحقوق والحريات في ظل حكومة الوحدة، ما
دامت السيطرة الفعلية لن تكون حتى الانتخابات وطنية بل فئوية؟
كيف سنذهب إلى الانتخابات قبل التوصل إلى وفاق وطني حول الأهداف
الأساسية، وأشكال النظام الأساسي، وقواعد العمل السياسي والديمقراطي،
وعلى كيفية توفير شبكة أمان للكتل الانتخابية الفائزة حتى لا يتكرر
سيناريو ما بعد الانتخابات الأخيرة، حيث اعتقلت إسرائيل عشرات النواب
وعطلت عمل المجلس التشريعي، والآن إمكانية التدخل الإسرائيلي أكبر بكثير
من السابق؛ لأن الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفًا من سابقاتها، وفي ظل وقف
المفاوضات، وأن الوحدة الفلسطينية المرتقبة ستقوي الموقف الفلسطيني
المتجه لمجابهة إسرائيل، خصوصاً بعد الثورات العربية، وليس إلى الاتفاق
معها جراء التعنت والتطرف الإسرائيليين.
ماذا لو منعت إسرائيل إجراء الانتخابات التي من شأنها تقوية عدوها
الفلسطيني؟
لا يمكن دون الإجابة عن هذه الأسئلة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، حتى
لو تمت زيارة الرئيس إلى غزة، وتشكيل حكومة مستقلين، وذهبنا إلى
الانتخابات الأمر المستبعد جدًا إذا لم يتم الاتفاق على القضايا
المذكورة، أو معظمها على الأقل.
تأسيساً على ما سبق، لا مفر من الشروع في حوار وطني شامل في القاهرة؛
نظراً لأهمية مصر التي تسير نحو استعادة مكانتها بعد ثورتها المجيدة،
حوار يشارك فيه جميع القوى والفعاليات الوطنية، بصورة أوسع من الحوارات
السابقة، بحيث تتوفر الإمكانية لمشاركة أكبر لممثلي الشتات والشباب
والمرأة والمستقلين.
وفي ظل الخشية من كون الحوار القادم ماراثونياً لا يُفضي إلى نتيجة، يتم
الاتفاق سلفًا على أنه حوار لن يمتد سوى أسبوع أو أسبوعين.
وإذا توفرت الإرادة فسيتم الاتفاق خلال هذه الفترة، وإذا لم تتوفر فلن
تتم زيارة غزة، وإذا تمت لن تنجح، وإذا فشلت ستطوى صفحة الوحدة إلى إشعار
آخر.
لكن يبقى الأمل موجوداً في الشعب الفلسطيني، الذي لن يرضى باستمرار
الانقسام، وفي حركة الشباب التي تحركت وإن ببطء، ويمكن أن تتواصل وتكبر
وتتعاظم حتى تستطيع فرض إرادة الشعب على الجميع.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-7498.htm