صنعاء نيوز -
الطريق الى مكة.. طبعة جديدة تعيد ما حذفته السعودية من انتقادات
بصدور طبعة جديدة من ترجمة كتاب (الطريق الى مكة) تتاح للقارئ اراء وأفكار مؤلفه محمد أسد وفيها انتقادات للملك عبد العزيز ال سعود حذفت من الطبعة السعودية لكتاب يعد وثيقة أدبية وتاريخية على مرحلة تحولات كبرى في المنطقة.
والكتاب الذي صدرت ترجمته في 500 صفحة عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة خلا من الانتقادات التي سجلتها الطبعة الجديدة ومنها أن عبد العزيز "لم يشرب شعبه كل الرغبة في التعليم حتى ينتشلهم من وهدة الجهل" وهو ما اعتبره المصري رفعت السيد علي مترجم الكتاب "خيانة للنص" الذي كتبه المؤلف.
وأسد (1900-1992) اسمه الاصلي ليوبولد فايس اليهودي النمساوي الذي أسلم عام 1926 وتزوج في الحجاز وأنجب ابنه طلال وعاصر أحداثا كبرى اذ كان صديقا مقربا للملك عبد العزيز ولابنه فيصل وتجول في ايران وفلسطين ومصر وشارك عمر المختار كفاحه ضد الاحتلال الايطالي لليبيا وقابل محمد اقبال وعمل رئيسا لمعهد الدراسات الاسلامية في لاهور ثم أصبح مندوبا لباكستان في الامم المتحدة.
وسجل الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون الحرمين في مقدمة الطبعة السعودية أن هذه الترجمة "أمينة لكتاب (الطريق الى مكة) لواحد من أهم رجالات الغرب الذين أسلموا خلال القرن العشرين وتركوا بصمة كبرى في الثقافة العربية الاسلامية والاوروبية... المؤلف خرج من جاهلية الغرب الى نور الاسلام."
وجاءت الطبعة السعودية بها صور لعبد العزيز وأبنائه ومنهم فيصل وسعود في العشرينيات واضافة لقب "الملك" الى عبد العزيز في حين يسميه أسد في معظم الاحوال "ابن سعود" وحرص محرر الكتاب على اضافة التاريخ الهجري قبل الميلادي الى النص الذي تخلو طبعته الجديدة من التاريخ الهجري.
والطبعة الجديدة أصدرتها (منشورات الجمل) ببغداد وبيروت في 560 صفحة وطرحتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي اختتم دورته الحادية والعشرين الاحد الماضي.
وتسجل الطبعة الجديدة ما حذف من سابقتها ويخص عبد العزيز في سياساته أو حياته الخاصة ومنها أنه كان يعتقد أنه على صواب "ويتجنب محاسبة الذات" ولم تبذل الاعداد الكبيرة من المحيطين به جهدا لتصحيح ميل الملك للاعتقاد بصحة قراراته وهكذا "خذل الوعد العظيم الذي ملاه في شرخ شبابه حين كان حالما بطموحات تطاول السماء وخذل أمة ناشئة وربما لم يدرك ذلك... ويتحدث بعض أفاضل أهل نجد بمرارة عما اعتبروه خيانة للطموحات والامال الكبيرة التي راودتهم الا أنها لم تتحقق."
ويورد المؤلف فيما حذف من الطبعة السعودية احباطات أهل نجد الذي انضموا الى عبد العزيز ضد ابن رشيد أحد المناوئين لابن سعود وظنوه "موسى جديدا... اكتشفنا ونحن مرعوبون أنه فرعون" ويعلق أسد قائلا انه لم يشك في حب ابن سعود العميق لابناء شعبه ولكنه "كان صقرا لم يحوم بأجنحته كما ينبغي".
ويضيف "بعد فترة قصيرة من كتابة هذا الكتاب 1953 توفي الملك ابن سعود عن عمر يناهز 73 عاما وبوفاته انتهت مرحلة من مراحل تاريخ الجزيرة العربية. حين رأيته اخر مرة عام 1951 وكنت أقوم بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية كممثل رسمي لدولة باكستان بدا لي أنه كان على وعي بأنه أضاع عمره فيما كان أقل مما يجب عليه عمله. بدا وجهه الذي كان يطفح بالقوة والحيوية مليئا بالمرارة. بدا وكأنه يتحدث عن انسان اخر قد مات فعلا ودفن ومن الصعب تذكره."
ويسجل المؤلف في الفقرات المحذوفة من الطبعة السعودية جانبا من تجاهل عبد العزيز لفكرة المستقبل "وغياب الرؤية الادارية الصحيحة".
ففي عام 1928 كان أسد شاهدا على زيارة قائد حركة الاستقلال السوري شكيب أرسلان لعبد العزيز في مكة واقترح أرسلان خطة لتطوير وادي بيشا ليصبح مصدرا لغلال تكفي منطقة الحجاز وقال ان الخطة العلمية تستغرق عشر سنوات ولكن ابن سعود قال "هذا زمن طويل جدا. اننا معشر البدو لا نعرف الا شيئا واحدا. مهما يكن بأيدينا فاننا نضعه في أفواهنا ونأكله. التخطيط لعشرة أعوام يشكل زمنا طويلا بالنسبة لنا."
وقال اسد ان الحاضرين تبادلوا نظرات الدهشة ولم يصدقوا وأضاف "بدأت بعد ذلك أتساءل.. هل ابن سعود رجل عظيم جرفه الملك والرفاهية بعيدا عن العظمة. أم مجرد رجل ذي شجاعة عظيمة وذكاء خارق ولا يتطلع الى ما هو أكثر من السلطة والقوة.."
وسجل أنه كان يريد أن يؤسس دولة "تعتمد في حكمها روح نصوص القران الا أن تلك الامال لم تتحقق فكلما زادت قوته وتمكنت كان يتضح أكثر أن ابن سعود لم يكن أكثر من ملك لا يهدف الى ما هو أكثر مما استهدفه كثير من حكام الشرق الذين حكموا بلادهم حكما أوتوقراطيا من قبله."
وقال انه كان نبيلا وشهما ووفيا لاصدقائه ومؤيديه وبسيطا ومتواضعا ويعمل بدأب ويحرص على الصلاة ويقضي ساعات طويلة من الليل في تعبد. ولكن الطبعة السعودية حذفت بقية الجملة وهي "الا أنه في الوقت نفسه انغمس هو ومن حوله في ترف مسرف بلا حدود... لم يرد الى ذهنه أن الصلاة وسيلة لا غاية في ذاتها... أهمل اعداد أبنائه الاعداد الملائم لمواجهة المهام التي كان عليه القيام بها.
"وحين سئل ذات مرة لماذا لا ينظم المملكة على أسس أقل فردية حتى يرث أبناؤه دولة منظمة ذات مؤسسات أجاب.. لقد غزوت أرجاء مملكتي بسيفي وبمجهودي الشخصي فليبذل أبنائي أيضا مجهودهم من بعدي."
وقال أسد أيضا ان "تنظيم الاخوان" المتشدد والذي يميل الى خوض الحروب كان قوة في يد ابن سعود ولكن الطبعة السعودية حذفت قول المؤلف ان ابن سعود "ظل قانعا وراضيا بما هو عليه من مظاهر بدائية وفهم سحطي للدين وابتعاده عن المعارف الدنيوية.. لم يفعل لهم (الاخوان) الا ما وجده بالكاد ضروريا للحفاظ على حماسهم الديني.. لم ير ابن سعود في حركة الاخوان الا قوة في يد السلطة. وفي الاعوام الاخيرة قدر لهذا القصور أن ينقلب ويصبح قوة مضادة تهدد المملكة التي شيدها بجهده."
وحذفت الطبعة السعودية ما كتبه المؤلف عن "ضيق النظر" لدى الوهابيين الذين "اعتبروا أنفسهم الممثلين الوحيدين للاسلام وأن كل مسلمين اخرين خارجون على العقيدة ومنشقون عنها... جاء القصور من ضيق النظر الذي اتسم به أتباع الحركة وسعيهم الى اجبار الناس على أداء الشعائر الدينية حرفيا وبالامر متجاهلين أهمية النفاذ الى الجوهر الروحي ومحتواه."
وعن الحياة الخاصة بالملك قال المؤلف انه لم يكن يترك نفسه للانغماس العميق في المشاعر العاطفية تجاه النساء. وتسجل الطبعة الجديدة ما حذفته الطبعة السعودية في هذا الشأن مثل وضع "قيود شديدة حول معرفة العدد غير المحدود من النساء اللاتي تزوجهن وطلقهن... فقد تزوج ابن سعود من جميلات كثيرات في اقباله الدائم على الزواج."
وقال رفعت السيد علي مترجم الكتاب لرويترز ان الطبعة السعودية ارتكبت "خيانة لنص الكاتب محمد أسد حين حذفت كل ما اشتمت منه رائحة نقد لعبد العزيز ال سعود الذي كان يراه أبناء العالم الاسلامي في بدايات القرن العشرين مخلصا منتظرا من الاحتلال الغربي فاذا به لا يمثل الا طموحا ضيقا للسلطة على الجزيرة العربية بمباركة من الدول الاستعمارية ذاتها."
وأضاف ان هذا الحذف نوع من "تنزيهه (عبد العزيز) عن أي خطأ يقترب من تقديس الاسلاف." |